منتدى الحوار.. من الدكتور ثروت عكاشة

منتدى الحوار.. من الدكتور ثروت عكاشة

لقد تأذّيتُ كثيراً من هُجوم ثُلّةٍ من بَعْضِ شَباب المُتَظَاهِرِين بالنَّقْد الفَني من إحْدى الدُّول العَربيّة اتَّهموا كاتِبَ هذه السّطور بالنَّقْلِ الحَرْفي من المَراجِع الأجْنَبيَّة والاقْتِباس مِنْ نُُصُوصِها دُونَ أدْنى إشارَةٍِ إلى المَراجِعِ... ولاَ شَكَّ أن هذا ظُلْمٌ كَثيرٌ لِي وَجَوْرٌ علَى ما حَرَصْتُ على تَقْدِيمِه طَوال السِّتين عاماً الماضِية، فَمَا مِنْ كِتابٍ صَدَر لي إلاّ وشَفَعْتُه بِذِكْر المَصادِرِ التي اسْتَعْنتُ بها كأيِّ كَاتِبٍ أو بَاحِثٍ فيما كَتَبْتُ، وكُتُبي جميعاً تَشْهَدُ علَى ما أقُولُ. كما أنّ أحَدَهُم رَمَانِي بإغْفالِ بَعْض المَرَاجِعِ الأساسيَّة فيمَا كَتبْتُ عن الفَنِّ الإسْلامي وتَحْديداً كَتابَيْ «فُنُونُ الإسْلام»، و«كُنُوزُ الفَاطِميّين» للأستاذ الدكتور زَكي محمد حَسَن يَرْحَمُه الله. وَلَوْ كَلَّف هَؤلاَء النُّقاد أنْفُسَهُم بَعْضَ الجُهْد ورَاجَعوا قَائِمَة المَصادِرِ والمَرَاجِعِ في نهاية كِتابي «مَوْسُوعَة التَّصْوير الإسْلامي» لَرَأَوا كَيْفَ تَصَدَّرَتْ هذه الكُتُبُ المَرْجعيَّةُ الثَّرِية قَائِمَةَ مَراجِعي! ثم إنّهُم - فيما يَظْهَرُ - يُكلّفونَني في كِتابَتي مَا لاَ أطيق، إذْ يَنْقُدونَني بأنّي لا أذْكُر كُل مَرْجِعٍ اسْتعَنْتُ بِه في مَوْضِعِه من النّص وإنما هي «دِراسَةٌ» أُسَجِّلُها في صَدْرِ كُلّ كِتَابٍ لي، وَفَاتَهُم أنّي لا أُعِدُّ رِسالَة دُكْتوراه أو بَحْثاً أكاديميّا، وإنّما أُقَدِّمُ عَمَلاً هُوَ أقْرَبُ إلى الفَنِّ والفِكْر المُتسَرْبِلِ بِغلاَلَةٍ أدَبيّة...

ولو كان كُتّاب المَوْسوعات والأعْمال الكُبْرى - مِثْل الجليل وِلْ ديُورانْتْ وقرينته في إنجازِهِما المَوْسوعي «قِصَّة الحَضارَة» - قَدْ لَجئوا إلى ذِكْرِ مَراجِعِهمْ فيما يكْتُبون سَطْراً بِسَطْر لصَارَتْ كُتُبُهم قَوائِمَ بِبْليُوجْرافيَّة وليْستْ كُتباً أدَبيَّة وفِكْريَّة.

ألاَ ما أصْدَقَ الشّاعِرَ بُودْليرْ عنْدَما بَدَّدَ غُرابٌ خَلْوتَه بِنَفْسِه في إحْدى حَدائق باريس فقال: «ها هُوَ ذا ناقِدٌ فَنِّيّ قَدْ حَضرَ!».

دمنهور وأدب الرحلات

الأستاذ الدكتور سليمان العسكري رئيس التحرير

مداخلتي تتعلق بموضوعين تم نشرهما في العدد 618 شهر مايو2010، الموضوع الأول في صفحة 36 تحت باب «استطلاع» بعنوان: «دمنهور مدينة الإله حورس» كاتب الموضوع الدكتور خالد عزب.

الموضوع الثاني جاء في صفحة 122 تحت باب «أدب رحلات» مقال بعنوان: «المتعة والخطر رحلة الفرنسي م.بيير تريمو إلى السودان» كاتب الموضوع الدكتورة سميرة أنساعد.

سوف اعتبر مداخلتي على الموضوع الأول مدخلا للرد على ما جاء في الموضوع الثاني.

جاءت قوة العلاقة الأبدية بين الإنسان والماء واضحة عند النوبيين عبر الأسماء التي أطلقوها على الأعلام والأماكن، بدءا من اسم أمهم الخالدة «إيزيس» التي تعني الماء وهي في اللغة النوبية الدنقلاوية تحمل اسم «إسي» وعندما استمد الملك الإله حورس شرعيته وأصبح ملكا بعد أبيه «اوزريس» الذي اسمه يعني الصالح أو الطيب، حسب اللغة النوبية الدنقلاوية «أو سري».

وأصبحت تلك الشرعية تستمد قوتها عبر النظام الأمومي، ثم تطورت وصار ابن أخت الملك هو الملك القادم، واسم «حورس» في اللغة النوبية الدنقلاوية يعني حفيد الملك أو الإله، وينطق من مقطعين الأول هو «اور» وهي تعني الملك أو الزعيم، الثاني «اسق» وتعني الحفيد، ويكتمل المعنى ويصبح حفيد الملك، ورمزيا هو الملك القادم وللمزيد من الاستدلال أورد إليكم هذا المثل باللغة النوبية الدنقلاوية الذي يتحدث عن ابن الأخت يقول المثل: «ان سود سودن ايق مرن كرنيق» Un soad soad n- eig meren krneing

الذي يتحدث هنا هو الملك فهو يقول:

إن ابن أختي هذا هو الشعلة المتقدة وسط أبناء الأخت جميعهم، وهو الملك القادم، ويعطيه بذلك الشرعية الضمنية بان يكون ابن الأخت الأقوى الشجاع هو حفيد الملك، والملك القادم.

ومعنى «دمنهور» فهو يتكون من مقطعين الأول هو «امن» وهي تعني الماء وفقا للغة النوبية الوسطى «السكوت والمحس» والمقطع الثاني «اور» وهي تعني الملك، أو المكان العالي ويصبح المعنى كاملا هو مياه الملك أو المياه المقدسة العالية للملك.

بالنسبة للغة النوبية المروية العليا والوسطى والجنوبية فإنها لغة تتكون من 23 حرفا حسب تقسيم العالم «قريفث». وهذه اللغة تكتب وتقرأ.

وفيما يتعلق بموضوع د. سميرة أنساعد فإن ما لف نظري في زيارة م.بيير تريمو السودان الشرقي عام 1848 من المفترض ان تتحرك من الشمال إلى الجنوب وهذا يعني انهم سوف يصلون الى مدينة «ابو حمد» اولا وبعدها يصلون الى مدينة بربر، ولكن جاءت الفقرة التالية:

«لكنه متّع قراءه بعد هذا بوصف لمظاهر الفرحة والإبهار لرؤية الخضرة المحاذية لنهر النيل الأزرق، في بلدة أبو حمد...».

ذلك لان الطريق المعروف الذي كان يسلكه التجار والرحالة إلى السودان الشرقي هو الطريق الذي يبدأ من أسوان مرورا بصحراء النوبة إلى الفاشر في الغرب، وعرف بطريق أو درب الأربعين، وهو الذي دخل عبره العرب إلى السودان، إلى جانب الطريق الشرقي في البحر الأحمر، وبلدة أبو حمد تقع عند النيل الكبير في منحنى نهر النيل قبل أن يتجه شمالا، وبلدة أبو حمد هذه تقع شمال مدينة بربر، فكيف له أن يصل مدينة بربر أولا ومن ثم يصل إلى بلدة أبو حمد؟!.

علي محمد أحمد حاج علي
جامعة وادي النيل السودان





د. ثروت عكاشه