قرصانة الكاريبي

   قرصانة الكاريبي
        

قصة: كاميلو خوسيه ثيلا

 

           الغراميات المضطربة لأخي غير الشقيق "دافيد خاكوبسن" مع الجميلة "مونشا فرناندث" انتهت نهاية عنيفة. لم يكن بالإمكان أن تكون غير ذلك ـ هكذا قالت عمتنا المشتركة مارجاريتا ـ بسبب اختلاف طباعهما, وفساد أخلاق مونشا! "العمة مارجاريتا كانت متساهلة للغاية فقد كانت تسمى القرصنة عادة سيئة!".

          "دافيد" المسكين الذي كنت دائماً أحبه بشدة, وإن كان بدرجة أقل مما يستحق ـ لأنه كان طيباً وخيراً جداً ـ كان في ذلك الوقت قبطاناً على سفينة بضائع, عاطفيا, زائغ العينين, وسريع الوقوع في الحب! كان خلال أسفاره الطويلة يعزف على الناي فالسات إنجليزية.. حزينة ورقيقة مثل الغراميات الصريحة تحت المطر, جالساً على أريكة في مؤخرة سفينته الشراعية (كلاريتا 2) المطلية باللونين الأخضر والأبيض.

          وبعد مغامراته المنحوسة, وبعدما تحرر من تلك الأوهام التي ملأت رأسه بالهواء والتخيلات, صار من البحارة وحط الرحال في الصين, في مقاطعة "سينج كيانج" الكبيرة, في أيدي عصابة أشقياء يتزعمها "فيدل باناديرو" من منطقة "لالين" في مقاطعة "بونتيفردا", الذي ظل لونه أصفر على الدوام بسبب اضطرابات كبده ورئتيه.

          هذا المدعو "فيدل باناديرو" (بالصينية فينج بانج) كان داهية خطيراً, كان يعمل قبل ذلك عاملاً في صيدلية السيد "روساريو" الصيدلي بمدينة "توي" والذي كان لديه في  الفيترينة دودة كبيرة الحجم موضوعة في زجاجة عليها لافتة صغيرة متقنة تقول "كان لديها مرض أنقذها منه أستاذ المادة!".

          ولكن فلندعنا من ذلك فهي حكاية طويلة ربما نحكيها في يوم من الأيام, ولنذهب إلى حيث كنا.

          ذات صباح استوائي دافئ, كان "دافيد" مبحراً بالقرب من "ترينيداد" عندما كف عن عزف الناي فجأة, وعلى بعد ثلاثين ياردة من ناحية مقدمة المركب تسببت طلقة مدفع في إعصار من المياه. كانت الإشارة واضحة وقاطعة ككل قاموس الإشارات: "إما أن تتوقف أو سأغرقك!". أمر "دافيد" بإنزال الشراع, وظلت السفينة الشراعية واقفة, منتظرة وصول مركب شراعي آخر يختال في عظمة تبحر وكل أشرعته مفرودة في الهواء والراية السوداء مرفوعة عليه!

          وعندما بانت السفينة بوضوح, صاح "دافيد": إن مونشا هناك بالفعل! وفعلاً كانت السفينة الشراعية هي السفينة المرعبة المدعوة "الأخوان باكو ودوريتا" التي أرسلتها السفاحة "مونشا فرناندث" قرصانة البحر الكاريبي.

          التقت السفينتان, وقفزت مونيكا إلى السفينة الشراعية الأخرى يتبعها خلصاؤها. تقدم "دافيد" وقال لها: أيتها السيدة "مونشا" أنا أسيرك مرة أخرى. تذكري أنكِ في المرة الأخيرة التي تقابلنا فيها في مياه جزر الباهاما قلت لي إننا إذا التقينا مرة أخرى ستجرين قرعة.. ملك أو كتابة. إما أن تشنقوني على صاري المركب أو أن تقبلي طلبي بالزواج منك! وهأنذا أقدم لكم العملة المعدنية التي ستحدد مصيري.. إما الموت أو أن أصبح زوج القرصانة). أمعنت "مونشا فرناندث" النظر إلى "دافيد" بعينيها السوداوين العميقتين الحالمتين وقالت له: أيها القبطان: ألق أنت بنفسك قطعة العملة, فحظك أمر يخصك, واللعب به راجع إليك وحدك). ألقى "دافيد" في الهواء بالعملة المعدنية التي دارت عدة أشبار في الهواء فوق ظهر السفينة الشراعية "كلاريتا 2". انحنت "مونشا" لتلتقط قطعة العملة وقالت: "أيها القبطان.. لقد استقرت العملة على وجهها, فأصبحت عبدتك الفقيرة, لك أمري أنا ورجالي ومركبي العتيق "الأخوان باكو ودوريتا" بكل متاعها ومؤنها وأثاثها القديم وذخيرتها). انتشى دافيد قائلاً: "شكراً, شكراً" تزوج "مونشا" و"دافيد" بكنيسة الآباء باوليس في "مراكايبو", وأمضيا شهر العسل في البحر يطاردان الزوارق, ويشنقان القباطن الفقراء. غير أن تلك الحياة لم تكن تروق لدافيد الذي قال لمونشا ذات يوم: (اسمعي يا مونشا.. أؤكد لك أن مسألة شنق زملاء المهنة أمر يسوؤني). غضبت "مونشا" وأمرت بجلده خمسين جلدة, وأنزلته في جزيرة "تابانيمبا" ومعه بندقية وخرطوشا ذخيرة, وعلبة حلوى وبرميل ماء عذب. وصرخت مونشا (لقد تنازلت عن الحب, لقد ولد قلبي من أجل حياة الوحدة). دمعت عينا "دافيد" ذات اللون الأزرق السماوي عندما سمع هذا الكلام.

          وقضى "دافيد" المسكين خمسة عشر يوماً على الأقل مثل "روبنسون كروزو" في جزيرة "تابانيمبا" حتى أنقذته سفينة جر هولندية كانت متجهة إلى "كوراساو" عندما رأت عمود الدخان رمز شعلة الأمل التي أشعلها "دافيد".

          يا للفظاعة!.. إلى الآن نرتعد في منزلي عندما يتذكر أحد (مونشا فرناندث) قرص.. الكـا...!

 

نورا موريس