عزيزي القارئ

عزيزي القارئ

شهر الوحي

بعد أيام يطل علينا في مشارق الأرض ومغاربها شهرٌ فضيل، هو شهر رمضان المبارك، الذي نزلت بغرته على الرسول الكريم محمد - صلى الله عليه وسلم - دعوة الله سبحانه وتعالى للقراءة: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ .

هكذا ارتبط الوحي بالقراءة، وارتبطت القراءة بالعلم، وبات على طلاب الدين والدنيا أن يقرأوا ليستبصروا أمور حياتهم وشئون آخرتهم. وما أكثر الأسئلة التي تمورُ في أتون الحاضر، فيجد الباحث عن إجابات لها تفسيرًا في أحداث الماضي ووقائعه. كما يكتب رئيس التحرير عن الأسئلة الآنية التي تبحثُ في واقع صرنا إليه، وصورة نمطية أصبحنا عليها، وحالة غير مقبولة لحضورنا في الإعلام، دعته لتقليب الصفحات، داعياً إلى فتوحاتٍ جديدة، أدواتنا فيها التنوير، بالقيم النبيلة، والتحرير بالقدوة الحسنة، والانحياز إلى مسلك الديمقراطية وشروط العدل ومقومات الحرية. فإذا كان الفاتحون الأوائل قد رسخوا مزيجًا من القيم الإسلامية والتقاليد البدوية لدى جيوشهم، فصارت كأنها لا تُقهر، فإننا في المقابل كنا نجد أمام ملامح القوة القادمة للأفكار ضعفاً للبنى السياسية القائمة، وهو الضعف الذي ضمِنَ نجاح الجيوش العربية. لم تكن الجيوش هجرات جماعية، بل ترك الفاتحون نساءهم وأطفالهم وشيوخهم وراءهم، وهو ما جعل من تلك الجيوش قوات نظامية، ولم تكن عائلات المحاربين تنضم إليهم إلا بعد تحقيق النصر. كان على هؤلاء أن يحاربوا حتى ولو قل الزاد، فقد كانت لديهم خشونة في العيش لا تبارى، مقارنة بهؤلاء المنعمين في قصورهم والمستقرين في مدنهم. وكما كانت السماء جزءًا مهماً من حياة الصحراء، كانت لهم هاديا مبينا في الليل فخف تحركهم ليلا، وكانت الصحراء والليل حليفين لهم في كل معركة.

بعد ذلك وفي القرنين الخامس والسادس للهجرة ازدهرت عواصم الإسلام في المشرق والمغرب، وهو ما تتناوله «العربي» على صفحاتها فتضيء ازدهار الحياة الروحيّة واتّساع دائرة الصوفيّة والزّهاد الباحثين عن إشراقات الرّوح، وتجلّي نور الحقائق والمعارف عبر حفلات السّماع ومجالس الذّكر والإنشاد الصّوفي والمديح النّبوي التّي تشهدها بلدان المغرب العربي أو بلاد الغرب الإسلامي بحسب تسمية المؤرخين. مثلما تزور «العربي» مدينة عريقة هي أصفهان التي كانت وستظل إحدى عواصم الثقافة الإسلامية الحية.

وبين الرحلة في التاريخ، والرحلة إلى بقاع الأرض، رحلات أخرى على متن قافلة الآداب، والفنون والعلوم، وهي الرحلات التي ندعوك لرفقتها، أيها القارئ الكريم، وكل عام وأنتم بخير.

 

 

 

المحرر