من المكتبة الأجنبية: علم النفس الإعلامي

من المكتبة الأجنبية: علم النفس الإعلامي

عرض: د. خالد عزب*

يعد كتاب علم النفس الإعلامي لكاتبه ديفيد جيلز من الكتب القليلة التي تناقش علم النفس الإعلامي، أو الإعلام من منظور علم النفس، والعلاقة التي تربط الأبحات التي أجريت في المجالين.

يتعرض الكاتب لهذه العلاقة في كتاب من ستة أجزاء، ومن خلال عدد من المحاور؛ منها: تعريف علم النفس الإعلامي، والمناهج البحثية في علم النفس الإعلامي، والتأثيرات الاجتماعية للإعلام، والتأثيرات السلوكية والإدراكية للإعلام، والأطفال والتلفزيون، والإعلام وسن المراهقة، وتمثيل المجموعات الاجتماعية في الإعلام؛ كالرجال والأقليات والمعاقين، وسيكولوجية جمهور الإعلام، وأنواع المواد الإعلامية كالأخبار والشئون الجارية والرياضة وتلفزيون الواقع والمسلسلات الدرامية الطويلة، وأخيرًا يناقش الكتاب مستقبل علم النفس الاعلامي.

ويؤكد الكاتب في مقدمة الكتاب أن الدراسة الجادة حول التأثير النفسي للإعلام يجب أن تتجذر في التقليد العلمي، ولكن هذا العلم يتطلب القدرة للنظر إلى ماهو ابعد من التجارب، واستخدام المناهج المناسبة للاختبار في الواقع.

يتناول الكتاب العلاقة بين علم النفس والإعلام، ويشرح قصور علم النفس فى اهتمامه بالإعلام، إلا أن الكاتب يوضح أنه سيكون من غير العادل القول بأن علم النفس تجاهل كل الجوانب الإعلامية، حيث إن التصفح السريع لأدبيات علم النفس الاجتماعي فى شمال أمريكا فى السبعينيات والثمانينيات يكشف عن عدد كبير من الأوراق البحثية تتعامل مع تأثيرات التلفزيون والافلام.

ويعرض الكاتب مجموعة من المناهج في علم النفس الإعلامي، منها التقليد التجريبي، ومناهج عمليات المسح، والتحليلات الكيفية والمقابلات، والانثربولوجيا الوصفية والملاحظة، وتحليل النصوص الإعلامية، وتحليل الخطاب. ويرى أنه من المهم اعتبار كل المناهج يتمم بعضها بعضًا.

النفوذ النفسي للإعلام

ويتناول الكاتب في الجزء الثاني التأثيرات والنفوذ النفسي للإعلام، من خلال عرض تأثيرات العنف من خلال الإعلام، والتأثير الفوري لمشاهدة الإعلام العنيف، وخصائص مستخدمي الإعلام العنيف، والعوامل الإدراكية للعنف الإعلامي، والجوانب الأيديولوجية والثقافية في جدل العنف الإعلامي، والطرق المستقبلية لمستقبل ابحاث الإعلام العنيف.

ويتحدث الكاتب عن دوافع استخدام العنف، مبينًا أن الدراسات يبدو أنها عاملت العنف الإعلامي كمنتج يؤسف لاستخدامه بشكل عام. الأدبيات مليئة بتحليلات المضمون التى تفسر انتشار وطبيعة المشاهد العنيفة فى التلفزيون ولكن هناك بيانات قليلة نسبيًا جمعت حول أسباب اختيار الأشخاص النشيط للإعلام العنيف فى المقام الاول.

ويتناول الكتاب الإعلام والسلوك الاجتماعي، ويتطرق في هذا الإطار إلى الاباحية والجنس. ويبين أن الاختلاف الرئيسي بين أدبيات العنف والإباحية أن هناك الكثير من الاختلاف بين «التأثيرات» للباحثين أنفسهم جزئيًا نتيجه لعامل الإرباك فى العنف الإباحي وغياب قريب لأبحاث الاستخدام والاشباع في الموضوع.

ويعرض الجزء الثالث من الكتاب عددًا من القضايا التطورية في علم النفس الإعلامي. ويتناول في هذا الإطار الفانتازيا (الخيال) في مقابل الواقعي. ويتطرق في هذا الإطار إلى تلفزيون الأطفال؛ الذي أصبح جزءًا مهمًا من تراثنا الثقافي. بالرغم من أن هذا لم يكن واضحًا فى استطلاع رأى أدبيات علم النفس التطوري، والتي بدا أنها تعمدت الابتعاد عن أي إشارة للإعلام. بينما، أبحاث الإعلام على تلفزيون الأطفال لم تعتمد دائمًا على النظريات المعاصرة لعلم نفس الأطفال. هذا الصدع الذى يحتاج العلم التنموي لمعالجته.

يتطرق الكاتب أيضًا إلى الاستخدام الإعلامي فى فترة المراهقة. ويبين أن إحدى مشكلات أي دراسة أكاديمية عن الحياة الثقافية المعاصرة أن الثقافة نفسها في تدفق باستمرار، لذلك فإن دراسات الاستخدام الإعلامي بثبات قديمة جدًا لتكون صالحة للنشر. ويتناول أيضًا البيانات التي جمعت حول استخدام المراهقين للإعلام الجديد.

يتناول الكتاب في الجزء الرابع السيكولوجية الاجتماعية للإعلام، من حيث تصوير الإعلام لعدد من المجموعات الاجتماعية؛ ومنها تمثيل الجنسين في وسائل الإعلام، وتمثيل الأقليات، والمعاقين، والمرضى النفسيين. ويبين أن هناك جدلاً في المؤلفات المتعلقة بالجانب النفسي للإعلام حول ما إذا كان التنميط مشكلة في حد ذاته، أو إذا كانت الصور النمطية ببساطة مبدأ تنظيميًا يستخدمه بعض الاشخاص لتبسيط ما يدور في العالم، أو أنه يعبر عن هفوات استخدام الكليشيهات وأفكار مبتذلة في ظل غياب المعلومات. ويمكن القول إن المشكلة تكمن في التحامل وليس التنميط، بالرغم من أن التحامل قد يكون نتيجة واضحة للتنميط. وتأتي مشكلة عدم القدرة على القضاء على الصور النمطية بشكل نهائي من أنه من المستحيل تبديل طريقة تفكير الأشخاص تمامًا في شئون العالم حولهم.

ويتناول الكتاب علم نفس جمهور الإعلام. حيث يعتبر الجانب المتعلق بالجمهور ذا أهمية خاصة في علم النفس الإعلامي، لأن علم النفس يتعامل في أوقات كثيرة مع عمليات كونية جامعة، بإجراء دراسات يفترض أن تمثل فيها عينة المشاركين «الناس» بشكل عام. وعادة ما يكون هؤلاء «الناس» هم الجنس البشري نفسه، وذلك في حالات متعددة، خاصة المتعلقة بالسيكولوحية الإدراكية والفسيولوجية. ويصبح هدف البحث هو اكتشاف العمليات الإدراكية والبيولوجية التي تفسر كل أوجه السلوك الإنساني. وغالبًا ما تقوم دراسات «تأثير الإعلام» باتباع هذا الأسلوب في البحث، حيث تعمل على الافتراض العام بأنه إذا قام أفراد عاديون بمشاهدة مشاهد عنف في التلفزيون، على سبيل المثال، فهم يقومون برد فعل مشابه بغض النظر عن التاريخ، أو الثقافة، أو البيئة الاجتماعية، أو الشكل الإعلامي. ويرى معظم باحثي الإعلام وعلم النفس أن ذلك الرأي يعتبر تبسيطًا واضحًا لمواقفهم النظرية، وأنهم يحاولون دومًا أخذ تلك المتغيرات المربكة في الاعتبار إذا كانت وثيقة الصلة بالموضوع.

ويتحدث الكاتب في هذا الإطار عن التفاعل شبه الاجتماعي. مبينا أن التفاعل شبه الاجتماعي يحدث عندما يتجاوب الجمهور مع الرموز الإعلامية على أنها شخصيات حقيقية. تأتي الرموز الإعلامية في أشكال متعددة، فقد يكونون مقدمي برامج أو قارئي الأخبار، أو شخصيات عامة لا تشكل هويتها مشكلة بالنسبة للمشاهد، فهم مجرد أشخاص يمثلون أنفسهم من خلال الإعلام. قد تكون تلك الرموز أيضًا شخصيات خيالية، وأصحاب هويات أكثر غموضًا. والسؤال هنا، هل نتجاوب عادة مع الشخصية نفسها أم الممثل الذي يقدم الشخصية؟

أشكال مفرطة للتفاعل الاجتماعي

ويتناول الكتاب أشكالاً مفرطة للتفاعل الاجتماعي - الجماهير (المعجبين) وتشجيع المواد الإعلامية، من خلال دراسة حالة حول موت المشاهير. وهي ظاهرة غير اعتيادية يمكن وصفها بأنها «الحرمان من التفاعل شبه الاجتماعي Parasocial Bereavement». يأتي هذا في الحالات التي تلي موت المشاهير والشخصيات الإعلامية، والتي تؤدي بالناس للشعور بمستوى الحزن الذي يشعرون به في حالة موت لأحد الأصدقاء أو أفراد العائلة.

ويتطرق الكاتب في هذا الجزء إلى أنواع المواد الإعلامية، ومنها الأخبار والأحداث الجارية والتفاعل معها. ويعرض في هذا الإطار الخطاب الإخباري. ويبين أن من أشهر المناهج التي تستخدم في أبحاث الأخبار دراسة اللغة نفسها، ودراسة أشكال أوسع للتعبير عن النص، مثل استخدام الفنون البصرية (زوايا الكاميرات، الصور، والعناوين الجذابة في صحف). عادة ما يتم إجراء تلك الأبحاث من خلال «تحليل الخطاب اللفظي» (Discourse Analysis (DA؛ وهي دراسة الكلام والنص.

ويقدم الكتاب فصلاً خاصًا عن الرياضة. ويقول الكاتب: «تظهر إشكاليات التمييز بين الإعلام والحقيقة في مجال الرياضة أكثر من أي مجال آخر. عادة ما نميل إلى التفكير في العلاقة بين الاثنين على انها «طفيلية»، فالرياضة وجدت قبل الإعلام بوقت كبير، إلى أن جاء الإعلام ليفسدها. ويعد ذلك تقييمًا عادلاً في بعض الحالات، خاصة بالنسبة لبعض الرياضات التي غيرت قواعدها لتلائم احتياجات شبكات التلفزيون والمعلنين.

ويرى العاملون في مجال الرياضة أن الإعلام «شر لابد منه»، حيث إنه ينفق الأموال على تلك الألعاب مقابل إلقاء اللوم على أخطاء اللاعبين في الملعب. ومع ذلك، يرى معظم الجمهور العام أن الإعلام يشكل الرياضة، لدرجة أن الألعاب نفسها تعد واجهة لسلسلة من الأحداث الدرامية بين الأشخاص والأحداث، والموضوعات الأخلاقية، والعداءات، والبطولة، والخيانة، والحزن، والبهجة، ... ولهذا السبب، يميل بعض الباحثين إلى التفرقة بين الرياضة بمعناها المعروف، و«رياضة الإعلام» (Wenner, 1998)، وهما مختلفان تمامًا».

ويتناول الكتاب في الفصل الرابع عشر إعلام مشاركة الجمهور، من خلال تحليل تلفزيون الواقع وبرامج المسابقات التلفزيونية والبرامج الحوارية Talk Shows، و«تلفزيون التحولات» Makeover Television، وغيرها.

ويبين أن برامج مشاركة الجمهور تتمتع من منظور شركات التلفزيون بالعديد من المميزات، الأول هو أنها قليلة التكلفة نوعًا ما، خاصة عندما يكون المستخدمون هم المنتجين (كبرنامج Video Diaries الذي قام خلاله المشاركون بجمع المادة، بالرغم من أنه لا يوجد ما يشير إلى زيادة في هذا النوع من البرامج)، أما الثاني فهو شعبيتها. ظهر العديد من الشخصيات التلفزيونية من خلال هذه البرامج، عادة مقدموها ومذيعوها، وأحيانًا بعض الخبراء والمشاركين (خاصة في برامج تلفزيون الواقع). أما بالنسبة للجمهور، يعد عامل الجذب الأساسي هو مشاركة الجمهور العام، مما يكون له تأثير في كسر الحاجز الموجود بين الحياة الخاصة والعامة. ويثير هذا الجذب عددًا كبيرًا من التساؤلات بالنسبة للسيكولوجية الإعلامية.

التأثير النفسي للمسلسلات الطويلة

ويتناول الكاتب التأثير النفسي للمسلسلات الدرامية الطويلة. مبينًا أن المسلسلات الدرامية الطويلة جذبت انتباه عدد كبير من الباحثين في مجال الإعلام في أوربا في الثمانينيات، خاصة من منظور نسوي. وتتميز المسلسلات الدرامية الطويلة كنوع من أنواع المواد التلفزيونية بالتغير المتواصل. وبشكل عام، تتمتع المسلسلات الآن بجاذبية أكبر من تلك التي تحدث عنها الكتاب النسويون في الثمانينيات، وهناك تعددية هائلة في المسلسلات الدرامية المستمرة لمدة طويلة حول العالم. في بعض الدول مثل البرازيل، تتوقف الحياة لمشاهدة تلك المسلسلات، أما في مناطق أخرى، مثل الريف الهندي، عملت المسلسلات كمادة محفزة للتغير الاجتماعي. وفي نهاية المطاف، فإن جاذبية المسلسلات الدرامية نفسية في الأساس، معتمدة على قدرتنا على استحضار شخصيات خيالية إلى الواقع ودمجها في أنشطتنا الإدراكية.

ويبين أن سلوك جمهور المسلسلات وثقافة المعجبين بشكل أكثر عمومية، يثير تساؤلات يعاني علماء نفس الإعلام من الاجابة عليها دون ارتباط علمي تطبيقي كامل مع الجمهور. قد يوفر البحث في هذه الحالة إجابات حول كيفية تعلم الأولاد ثقافة الإعلام، وكيف أن هذه الثقافة تندمج تدريجيا مع السلوك اليومي.

ويتناول الكاتب في الجزء الأخير مستقبل علم النفس الإعلامي من خلال الجوانب الاجتماعية لاستخدام الإنترنت. ويتعرض في هذا الإطار إلى العلاقات التي تنشأ عبر الإنترنت. لقد ركزت كثير من أبحاث علم نفس الانترنت على طبيعة التواصل على الانترنت. لا تكاد خبرة تكوين العلاقات الاجتماعية من خلال الكمبيوتر تختلف عن التفاعل وجها لوجه بالنسبة لبعض المؤلفين. وصف ريغز وناس (1996) ذلك بمعادلة الاعلام حيث نجسم الأجهزة والإعلام ونعاملهما كآدميين كشكر الآلة النقدية عند إخراجها الأوراق المالية، يمكن تفسير ذلك السلوك بالنظر لتلك المواقف كنتاج سيناريوهات راسخة اجتماعيًا وهي تعرض تفسيرات بديلة لتطوير العلاقات شبه الاجتماعية. ولكن يظل هناك اختلاف نوعي بين العلاقات الاجتماعية أحادية الطرف بين فنان ومعجبيه مثلا وبين العلاقة التفاعلية المتبادلة ثنائية الأطراف بين مستخدمي كمبيوتر. لا يمكن إذن تصنيف التفاعل الإنساني مع الكمبيوتر في صورة التواصل على الإنترنت كتواصل أحادي الطرف (ناس وستوور 1993).

ويقول الكاتب: «تمنح طبيعة التواصل على الإنترنت المعتمدة على النصوص المكتوبة أفضلية على التواصل وجها لوجه بالنسبة لبعض المستخدمين، ولكن إلى أي مدى يمكن لعلاقات الانترنت أن تحل محل العلاقات الحقيقية؟».

ويقدم الكاتب في الفصل الأخير كيفية تصوير علم النفس وعلماء النفس في الإعلام. ويقول إن صورة علم النفس في الإعلام هي إحدى القضايا المستخف بها في أبحاث علم النفس برغم معالجة معظم المؤسسات المهنية لهذه القضية بصورة مباشرة عن طريق القواعد السلوكية لتلك المؤسسات وبصورة غير مباشرة عن طريق تدريب علماء النفس على التعامل مع الإعلام. ويناقش الكاتب في هذا الفصل بعض المحاولات التي تمت في بعض مجالات علم النفس لتحويل علم النفس الإعلامي لممارسة عملية بدلاً من أو مع كونه فرعًا أكاديميًا.

اسم الكتاب: Media Psychology
تأليف: David Giles
الناشر: LEA, Philadelphia USA, 2009
------------------------------------------
* كاتب من مصر.

 

تأليف: ديفيد جيلز