سلطان العويس وشوقي رافع

سلطان العويس وشوقي رافع

  • ثروتي لا تصل إلى 6 مليارات دولار.. هذه مبالغة (!)
  • قلت لنوري السعيد: نريد معلمين..قال: ماكو.. فتقدمت الكويت.
  • جوائزي العلمية والثقافية هي بعض من رد الجميل للعرب

"لقد قدمت لنا البلاد العربية الكثير.. ونحن نحاول أن نرد الدين..."

.. بتواضع يتحدث سلطان بن علي العويس عن المؤسسة الثقافية التي تحمل اسمه، وهي المؤسسة التي تقدم واحدة من أكبر الجوائز العربية التي رصدت من أجل إحياء الثقافة والأدب العربيين. وفي هذا اللقاء لا يتحدث عن نفسه بقدر ما يقدم شهادته عن تجربة عريضة لجيل كامل من رجالات الخليج عاشوا سنوات الشظف والمغامرة قبل أن يصلوا إلى سنوات الرخاء. فهو من مواليد عام 1925 في ناحية "الحيرة" من أعمال إمارة الشارقة. وشاهد البذور الأولى لتكون إمارات الخليج، وعاش حياة لها طعم الملحمة على حد تعبيره. فجازف وكسب وخسر وبقيت له تجربته الإنسانية العريضة التي يترجمها إلى العديد من القصائد الشعرية.

ولعل حس الشاعر والأديب الكامن في أعماقه هو الذي دفعه لإنشاء مؤسسة سلطان بن علي العويس الثقافية، وهي مؤسسة خيرية أوقف لها مجموعة من الاستثمارات المفتوحة بحيث توزع عوائدها على مجموعة من المشاريع الثقافية، وبينها جوائز مالية عربية تصل قيمتها إلى مليون دولار سنويا.. وهو يؤكد أن هدفها هو التفاعل والتواصل البلاد العربية ولا تهتم إلا بالإبداع أولا وأخيرا. وتتوزع الجائزة على خمسة فروع ويقوم مجلس الأمناء الذي يرأس أمانته العامة الأديب الإماراتي عبدالحميد أحمد باختيار لجنة التحكم ومتابعة تسليم الجوائز للفائزين العرب.

ولا يتوقف عمل العويس عند هذا الحد، ولكنه يمتد إلى المجال التربوي فيدعم إنشاء المدارس. وقد أنشأ مدرسة للتقنية في مصر ومدرستين مشابهتين في المغرب.

وقد أجرى الحوار معه الزميل شوقي رافع وهو صحفي لبناني بارز قام بالعديد من اللقاءات المهمة وهو كاتب دائم من كتاب العربي.

  • هل ترى أن ما يربط بين أهل الخليج والبحر هو عشق حقيقي. أعني أنه صدرت مجموعة قصص عن اتحاد الكتاب في الإمارات تحمل عنوان "كلنا.. كلنا نحب. البحر" مع أنه من خلال حواراتي مع كثير من المواطنات والمواطنين، يمكن أن تكون عبارة "كلنا يخاف البحر" هي الاستنتاج الصحيح، فالبحر يرتبط غالبا بالمعاناة والمآسي.. فماذا تقول؟

- أعتقد هنا أننا نتحدث عن جيلين: جيلنا وجيل الشباب، من هم في سني عايشوا أهوال البحر ومآسيه وعانوا كثيرا، لم نكن نملك قوارب وسفنا تسير بالموتورات وتستخدم المحركات القوية، كما في هذه الأيام، حيث يستمتع الشباب بهذه الاختراعات التي تسهل لهم ركوب البحر واكتشافه. كانت لدينا الأشرعة، وهي تحملنا غربا أو شرقا، ولا أحد يدري عندما يبدأ الرحلة متى يصل، وكم يستغرق من الوقت، فقد يصل في عشرة أيام أو في شهر وقد لا يصل أبدا.. فالعواصف والرياح والأسماك الكبيرة تحكم مساره، كنا محكومين في البحر بقوى لا نملك السيطرة عليها أو محاولة ترويضها، فالعاصفة عندما تقترب تحمل الهول: الضياع أو التأخير أو الغرق. ومثلها الأسماك الكبيرة، ولكن المؤكد هو أننا لم نكن نملك الاستغناء عن البحر، كنا نعيش في ترقب وتوتر وحذر ونعايش المآسي.. ولكننا لم نكن نملك الاستغناء عن البحر، ففيه الغوص وفيه الصيد وفيه السفر للتجارة، وكانت تلك هي مصادر عيشنا الوحيدة، والمحتاج لا يملك إلا أن ينسى الأهوال أو يتناساها ليتابع السعي بحثا عن رزقه والأرزاق كلها كانت في البحر ومن البحر.

  • ماذا تقصد بالأسماك الكبيرة القادرة على إغراق السفن؟

- أسماك يزيد طولها على طول السفينة، عبدالرحمن الدوسري ضربته سمكة كبيرة ونسفت سفينته، أهل عجمان أكثرهم يتذكر تلك السمكة التي ضربت مركبهم فأغرقته، أنقذهم "الماشوا" وهو قارب صغير تحمله السفن وتستخدمه للوصول إلى البر لأنها لا تستطيع الاقتراب، السمكة ضربت السفينة وكسرتها، ركبوا الماشوا، وشاءت إرادة الله أن تكون الجزيرة غير بعيدة عنهم، استغرقوا 24 ساعة للوصول إليها والنجاة بحياتهم، ومثلهم محمد وعائلته من خورفكان.. نجوا بأعجوبة بعد أن أغرقت السمكة الكبيرة سفينتهم.

  • بمناسبة الحديث عن السفن وأنواع القوارب يقال إن "العويس" هو نوع من القوارب وقد حملتموه من أحد الأجداد بعد أن صار لقبا له؟

- أعتقد ذلك، فقد كان على حد علمي هناك نوعان من السفن، نوع يسمى "البـدن" وهو مصنوع من الألواح، والآخر يسمى " العويس" وهذا بدوره مصنوع من الخشب، ويقال إن جدنا وهو من الشواس الذين كانوا يسكنون الحيرة، كان يستخدم "العويس" بينما الآخرون يستخدمون النوع الأول، وصار يقال: سار العويس وغاب العويس وحصة العويس فتحول إلى اسم.. وحملناه.

البحر و... البنك

  • هذه العلاقة المغامرة وغير الآمنة مع البحر.. هل هي ما دفع والدك إلى إنشاء بنك دبي الوطني، وهو أول بنك بالمنطقة، هل كان يبحث في البنك عن الأمن الذي لا يوفره البحر؟

- ربما، والدي كان تاجرا ومسئولا في البنك البريطاني، كان البنك البريطاني هو الوحيد في المنطقة، فالتجارة بين العرب كانت ضعيفة، ولكن هذا الوضع تغير، التجارة المحلية نمت، والسوق توسعت. ومن هنا نشأت فكرة البنك، فحصل والدي على مرسوم بإنشاء البنك من صديقه حاكم دبي الشيخ راشد، وكان رحمه الله من محبي التطور في الاقتصاد.. وجاء البنك تعبيرا عن نمو القوة المحلية اقتصاديا وسياسيا، ولكن القدر لم يمهل والدي، إذ تم تأسيس البنك عام 1963 في ديرة، وقبل افتتاحه توفي الوالد، فرشحني الإخوة لمنصب رئيس مجلس الإدارة فيه، وبعد ستة أشهر فتحناه، وكان أول بنك وطني محلي، وقد حقق نجاحا كبيرا.

  • هناك رواية أن والدك كان يقوم بدور البنك قبل تأسيسه فقد كان يتلقى الودائع من الناس ويتاجر بها..

- لا، لم تكن من عادته أن يتاجر بأموال الناس، كانوا يضعونها عنده أمانة، ونظام الأمانة يعتمد على أن صاحب الأمانة يأخذ فلوسه ويربطها ويضع اسمه فوقها ويودعها عند الوالد، ويطلبها متى شاء، وكان الوالد يحتفظ بها في الصندوق، كما أحضرها صاحبها، ويعيدها عند الطلب من دون زيادة أو نقصان، أما بعد افتتاح البنك فالأمور اختلفت، إذ إن للبنوك أنظمة دولية ولا بد من التقيد بها.

لؤلؤ وسمك ورقيق وذهب

  • يقال إن أعمدة الثروة في تلك الفترة أربعة هي: اللؤلؤ والصيد وتهريب الذهب والتجارة بالرقيق.. فأيها كان بالنسبة لكم الأكثر ربحا؟

- في البداية كان اللؤلؤ هو المورد الوحيد، والدي كان طواشا يشتري اللؤلؤ ويتاجر به، وكان الجميع تقريبا في تلك الفترة يعملون في الغوص وفي صيد السمك، بعد انهيار تجارة اللؤلؤ، وظهور اللؤلؤ الصناعي، كان على والدي أن يتعامل مع الواقع الجديد، فتوسع في صيد الأسماك وتجفيفها وتصديرها إلى كوالالمبور والهند وأوربا، وهو ما فعله كثيرون أيضا، حيث بات صيد الأسماك وتجفيفها وتصديرها المصدر شبه الوحيد لمعيشة الناس.. ثم بدأت التجارة بالذهب، الكويتيون هم أول من بدأها، كان الذهب يأتي من سويسرا، ويباع في الخليج، ثم يتم تهريبه إلى الهند، وبالمقابل كانت الفضة تأتينا من الهند، ونقوم بتصديرها إلى أنحاء العالم، وفي إحدى المراحل أصبحت التجارة باللؤلؤ والأسماك والذهب والفضة دفعة واحدة، ومنحت السوق المحلية قوة اقتصادية ازدهرت نتيجتها الأسواق.

  • ... ولكن تهريب الذهب للهند كان ممنوعا؟!

- كان ممنوعا في الهند، وليس هنا، نحن كنا تجارا نأتي بالذهب من سويسرا ونبيعه لمن يطلب، كانت هناك مخاطر عديدة فالسفينة كانت تحمل الذهب بملايين الدولارات.. وما أن تقلع من الميناء حتى تصبح رهينة للبحر والقدر، سفن عديدة غرقت، وسفن أخرى أغرقت حمولتها حتى لا يضبطوا متلبسين بالتهريب

  • هل لديك أسماء أو حادثة محددة عن شحنة ذهب غرقت أو أغرقت؟

- عديدون، ومن دون أن نحدد الأسماء، فقد كان عهد أيوب خان هو عهد المصائب بالجملة، لقد قضت ثورته على تجارة التهريب، وكان الباكستانيون هم من يقومون بالتهريب في الغالب. كثيرون من عندنا تأثروا ودفعوا الثمن، ولكن المحتاج يعود فيكر من جديد، ليس لديه البديل، ومرت علينا أيام لم تكن من وسيلة لدينا إلا تهريب الذهب، أبدا لا وسيلة أخرى، من دونها لن نستطيع أن نأكل.

  • كيف كنتم تحصلون على الذهب في تلك الأيام؟

- من البنوك في سويسرا، كنا نرسل التلغراف طالبين كمية الذهب وكان البنك يستجيب ويتولى الإرسال وكانت تصل الشحنة المطلوبة إلى دبي.

  • هل كنتم تضعون ضمانات مصرفية أو تدفعون مقدما؟

- لا. كنا نطلب الشحنة، وكانت تصل إلي شخصيا، وبعد بيعها، كنت أقوم بتحويل ثمنها بالدولار إلى هونغ كونغ، ومن هونغ كونغ يحولونها وبناء على طلب البنك في سويسرا إلى بنك في أمريكا.. وكنت أبلغهم عبر التلغراف، بسير عمليات البيع، وكنت أطلب مائة كيلو وربما مائتين حسب حالة السوق.

وقد كانت الثقة هي رأسمال الشخص. البنوك كانت تثق بنا، وكان هناك آخرون غيري: الملا، الجاز، الغرير، يوسف حديد.. أكثر من سبعة أشخاص في دبي، ولم يقع في يوم من الأيام أي حادث يخل بهذا المبدأ، مبدأ الثقة.. ومن دون هذه الثقة ما كان يمكن للعمل أن يستمر.

الثروة بين الحلم والكابوس

  • كم كانت ثروتك تقدر في تلك الفترة، أعني فترة تهريب الذهب؟

- أحيانا عشرة ملايين دولار، وأحيانا تكون مليونا واحدا، وربما تعود فتقفز إلى مائة مليون.. كانت الثروة لعبة مرهقة.. وما أكثر العذاب، لم يكن التهريب مضمونا ولم يكن هناك أمان، قد تحتاط قليلا، ولكنك أبدا لن تعرف.. تنام على حلم وتنهض على كابوس، أو بالعكس، ولكن الرأسمال الأهم لم يكن الذهب بل الثقة، الثقة هي ما يجعل التجارة مستمرة، المال ليست له قيمة بل الثقة، تلك هي القاعدة الذهبية.. وعندما تفي بالتزاماتك فأنت تضاعف رأسمالك.. هذا يعطيك هامشا واسعا للمغامرة، فأنت ربما تقع مرة، ولكن مع وجود الثقة بك فأنت تستطيع أن تنهض، وأن تعوض

  • طيب يا أبا علي، لو قدرنا ثروتك في تلك الفترة بمائة مليون دولار فهي تضاعفت آلاف المرات، وحسب ما تقوله مجلة "فورتشن" المعتمدة لتقدير ثروات أغنياء العالم، فإن ثروتك تصل اليـوم إلى 6 مليارات دولار، هذا ما تقوله المجلة؟!

- والله.. غلطان.

  • تقصد أكثر؟

- (يضحك).. لا.. لا.. غلط، هذه تخمينات، وهناك مبالغة، بالتأكيد مبالغة.

  • ألا تستطيع أن تعطى شيكا بمبلغ 100 مليون دولار نقدا، وأن يقوم البنك بصرف الشيك فورا؟

- ما جربت، ولست مستعدا لتجربة من هذا النوع.

  • صحيفة "نيويورك تايمز" تحدثت عن تجار في الخليج باستطاعتهم توقيع شيك بمائة مليون دولار تصرف نقدا؟

- لا أعملها. لا أحب المغامرات، ولا أملك الرغبة في ذلك. زمن المغامرات انتهى. كل شيء الآن مخطط ومدروس، المغامرة في السابق كانت نتيجة الحاجة. كنا محتاجين فكنا نضطر للمغامرة، من دونها ليس هناك عمل، لم نكن نملك أي خيار آخر، اليوم الأوضاع اختلفت، العالم تغير، لم تعد هناك حاجة مثل الماضي، انتهت الحاجة، وبالتالي قلت المغامرات، لم يكن حب الثروة هو دافعنا إلى المغامرة بل الحاجة، عندما تحتاج فلا تملك إلا أن تغامر أو تنتهي.. اليوم نسير مع العالم خطوة خطوة، بهدوء وهذا بالتأكيد أفضل.

زعيم القبيلة يبيع.. بالجملة

  • ... وماذا عن التجارة بالرقيق، هل كانت تدر أرباحا على المنطقة؟

- كان هناك نوعان من التجارة بالرقيق، الأول يسير إلى إفريقيا، حيث ينتشر الجوع بين سكانها ويشترون الرقيق، معظم هؤلاء التجار كانوا من رأس الخيمة، وكانوا يشترون الرقيق بالاتفاق مع زعماء القبائل في إفريقيا، الزعماء الأفارقة كانوا متواطئين، يسهلون على هؤلاء التجار أعمالهم، وحتى اليوم مازال بعض هؤلاء الزعماء يبيع شعبه ولكن بالجملة (!)... تلك كانت مرحلة، وهناك كثير من هؤلاء الأفارقة استقروا هنا.. أما النوع الثاني، فقـد جاء بعد الحرب العالمية الأولى، ومع موجة الجوع التي اجتاحت المنطقة، فقد نشط اللصوص من البدو وقطاع الطرق، لم يعودوا يكتفون بالعبيد، صاروا يخطفون الأحرار ويبيعونهم في أسواق الجزيرة، وكثيرة هي الحكايات عن أسر هاجمها قطاع الطرق وباعوا أفرادها في أنحاء مختلفة من الجزيرة.. هذا لم يكن يحدث قبل الحرب كان تجار الرقيق، أبا عن جد، يسيرون إلى إفريقيا ولا يتاجرون بالأحرار.

يوم قتلوا غاندي

  • تحمل بعض قصائدك "توصيـات" اقتصادية من نوع "توطين التجارة" ففي قصيدتك "تحية وتقدير" المهداة إلى أمير الكويت الراحل الشيخ عبدالله السالم، تحذر من "الدخيل" وتناشد أهل الكويت "لا يغلبنكم على أموالكم أحد" وتقول "إن التجارة نصر حين يملكها أهل البلاد وإلا ويلها..."كذلك في قصيدتك "إلى أمتي" تحذر من "الوافدين".. فهل كانت هناك منافسة بين المواطن و"الوافد" ومن هو الوافد، وهل مازالت هذه المنافسة مستمرة؟

- دعوت إلى توطين التجارة. بالتأكيد في السابق، كانت هناك منافسة، تجارة اللؤلؤ وحدها كانت تقتصر على المواطنين، أما باقي قطاعات التجارة فكان الهندوس والإيرانيون ينافسون المواطن عليها ويربحون الكثير، الإيرانيون الوافدون وليس المواطنين.

  • لماذا لم ينافسوا في تجارة اللؤلؤ؟

- لأنهم يخافون ولا يملكون القدرة المالية، لذلك فقد اقتصرت هذه التجارة على المواطنين، وكان والدي من بينهم وكانت مبيعاته من اللؤلؤ تصل إلى مليون درهم.. ثم توسع.

قبل الوالد كان هناك كثير من الطواشين، وكانت دبي تتولى قيادة هذه التجارة، ثم جاء اللؤلؤ الصناعي فحطم هذه التجارة، ولم يسلم من الطواشين إلا القليل، الوالد، وآخرون، تطوروا، الحرب طورتهم، توسع في التجارة كبديل عن اللؤلؤ، أنا كنت في بومباي أرسل المواد الغذائية للسوق المحلية، ثم للتصدير، كنا نصدر الفحم للبصرة، وبضائع أخرى نصدرها إلى إفريقيا، التطور كان نتيجة للحاجة، والحاجة- كما يقال- هي أم الاختراع، وكانت الهند حافلة بالفرص.

  • كم عاما عشت في الهند، خاصة أن عددا من قصائدك تتوزع إيحاءاتها بين بومباي في الهند ولاهور وكراتشي في باكستان؟

- أتردد على الهند منذ عام 1945 وأقمت فيها حتى عام 1958. وقد عشت مع مجموعة من العرب الصراعات بين الهندوس والمسلمين، وأذكر أنه يوم اغتيال غاندي في 30 يناير عام 1948، كنا في القطار القادم من كراتشي إلى الهند، مشغولين بتهريب الذهب، كان القطار عادة يتوقف في محطات مأهولة تعج بالناس والحركة والباعة، ولكن في ذلك اليوم كانت المحطات شبه مهجورة، والطرق خالية، أخبرنا أحدهم أن المهاتما غاندي قتل اغتاله شخص ما. أول ما يتبادر إلى الذهن أن القاتل مسلم، نظرا للصراع الدموي الذي كان قائما بين المسلمين والهندوس، توترت أعصابنا.

تابعنا الرحلة مع ذلك، ولكن الجوع هاجمنا بضراوة، فقد اعتدنا في رحلات سابقة أن نتناول الطعام في المحطات، ولكن المحطات كانت خالية وشبه مهجورة بسبب عملية الاغتيال، أكثرنا جوعاً كان "السهلي" وهو صديق وتاجر كويتي كان يعمل معنا في تهريب الذهب، وهبطت علينا عناية السماء أخيراً عندما أطل علينا في إحدى المحطات بائع يحمل عدداً من الأرغفة، ناديناه أنا وأحمد بن غرير، جاء إلينا متلصصاً، عرض علينا الرغيف بعشرة أضعاف ثمنه. وعندما سمع السهلي بالثمن صرخ: اطردوه (!)... فهذا السعر يصد النفس، ولم نملك إلا أن نضحك، واشترينا الخبز وتابعنا الرحلة إلى. الهند، وتبن أن قاتل المهاتما لم يكن من المسلمين، وهذا ما أراح أعصابنا.

نوري السعيد رفض.. وتقدمت الكويت

  • تركت القارة الهندية تأثيراً واضحاً على ثقافة جيل كامل: أنت والشاعر خلفان بن مصبّح وغيركما، إلى أي حد يصح هذا القول؟

- ليست الحضارة الهندية وحدها، الحضارة العربية تعرفنا إلى مصادرها في الهند، حيدر أباد وكانت مركزاً لطبع الكتب العربية، وقي الجامعات كانت هناك مكتبات عربية، الطريق إلى الهند كانت مفتوحة أمام العرب من قناة السويس إلى عدن إلى سوريا المجمع العربي كان يجتمع في الهند وكان نواته أبناء الخليج يأتون من السعودية والكويت والبحرين ودبي، يبيعون اللؤلؤ، ويتساهرون، كنا تجاراً وفي الوقت نفسه نتطلع إلى المعرفة، وكانت مكتبات الهند زاخرة بالكتب العربية وقد حصلنا على ثقافتنا من تلك الكتب التي كنا نسهر الأمسيات ونحن نناقشها، في حيدر أباد مثلاً كانت جالية الحضارمة- نسبة إلى حضر موت في اليمن- كبيرة جـداً وذات تأثير واسع، كان حاكم المدينة حضرمياً أيضاً، وكانت الجالية تقوم بطباعة الكتب العربية، وعندما توفي الحاكم في "المكلاّ" ولم يكن له وريث أحضروا ابن عمه من حيدر أباد ليحكم، كما كان "ابن سليّم" يبث برنامجاً عربياً من التلفزيون الهندي، الهند كانت مصدراً مهماً لثقافة جيلنا.

  • والكويت ما هو الدور الذي لعبته في مسيرة التعليم في الخليج؟

- سلمك الله... الإنجليز كانوا يرفضون أن نأتي بالمدرسين من مصر أو من العراق، نحن أنشأنا مدارس، ولكن كنا نحتاج إلى معلمين، سرنا إلى العراق أيام الملك فيصل وحكم نوري السعيد، قابلنا نوري السعيد، قال: "ماكو مدرسين، الإنجليز لن يقبلوا". كان برفقتي حاكم الشارقة وقتئذ الشيخ صقر، سرنا قبل ثورة 58 بحوالي سنتين، ولكنهم رفضوا أن يرسلوا مدرسين، وعندئذ فتحت الكويت الباب أمامنا. الكويتيون كانوا الأساس، ولم يكن باستطاعة الإنجليز أن يرفضوا، الكويت أرسلت لنا مدرسين بحرينيين. وقد جمعنا حوالي ستة مدرسين في مدرسة القاسمية في الشارقة، ثم انفتح باب التعليم على اتساعه، في دبي أنشأنا مدرسة الخالدية، وبنينا للأساتذة منازل، ووصل عدد الأساتذة فيها إلى 20 أستاذاً... ولم تكن مهمة التعليم سهلة، فبعد الحصول على المعلمين كان لا بد من تشجيع الأهل على تعليم أبنائهم، كان البدو يحتاجون أولادهم، فأحوالهم عسرة. الولد كان قوة عمل، يرعى الإبل، ويشارك في العمل، ومن هنا كان لا بد من إغرائهم، فصرنا نقوم بتقديم وجبات الطعام لهم، في مدرسة "الزيد" مثلا لم يتجاوز عدد التلاميذ في البـداية 30 تلميذاً، وبعد أن وضعنا تلك الحوافز صار العدد 300 تلميذ، ثم فتحنا مدرسة للبنات كانت الكويت تعطي الطالب سبعة جنيهات، وزدنا المبلغ للطالب كي يتابع تعليمه فدفعنا أيضاً سبعة جنيهات، كان هذا قبل قيام دولة الاتحاد.

الغزو... وغياب الديمقراطية

  • الكويت نالت نصيب الأسد من بين دول الخليج في قصائدك، فقد كتبت قصيدة لمناسبة مرور عام على تسلم الشيخ عبدالله السالم مقاليد الحكم، وأخرى في عام 1958 مع تدشين "بيت الطلبة الكويتي بالقاهرة" فهل كتبت عن غزو قوات صدام حسين للكويت؟

- كتبت "مأساة شاعر في حرب الخليج" ومطلعها:

بكيتك يا حياتي قبل موتي
كما بكت العروبة في الكويت

(طالع نص القصيدة في مكان آخر).

ويروي أحد الحاضرين: كنّا في القاهرة عندما وقع الغزو وكان سلطان معنا. جاءه هاتف من البنك في دبي يسأل: هل تحوّل شيئا من الأموال للخارج؟ رد سلطان: لا تحولوا ولا شيء. اطرحوا دولارات في البلد، اجعلوا الوضع طبيعيا، ويعلق سلطان: كنت أرى أن صدام يقف ضد العالم كله وأنه من غير المعقول أن يكسب، عرفت أنه سوف ينهزم، آجلاً أو عاجلاً، وسوف تعود الأمور طبيعية، وقد حصل.

  • هل ترى علاقة بين الغزو وبين افتقاد النظام العربي معظمه إلى الحياة الديمقراطية، وفي قصيدتك "إلى أمتي" تدعو قادة الأمة إلى المزيد من الشورى وتقول: إذا ما استبد الفرد بالأمر عقّه بقوة وأضحى الفرد كالجرح في الجسم. هل ترى أن قيام المجالس المنتخبة أو مجالس الشورى يمكن أن يمنع تكرار تجربة الغزو المدمرة؟

- انظر حولك، هل هناك بلد عربي يخلو من مجلس أو برلمان أو... القضية هي العدالة ... العدالة... العدالة، المجلس أو البرلمان من غير عدالة هو ديكور. العرب كانوا أول من استطاع أن يصف الحياة البرلمانية القائمة في الغرب اليوم، حدث هذا قبل قرون، عندما قال عروة بن الورد:

إن نصف الناس أعداء لي

ولي نصف الحكم هذا إن عدل

ألا ترى أن هذا ينطبق اليوم على بريطانيا مثلاً أو على أمريكا، إن نصف الناس يميل مع حزب أو سلطة بينما يميل النصف الآخر إلى المعارضة، وهذا هو النظام الصحيح، وفي تلك الأيام، أيام ابن الورد كانت أوربا تحكمها الديكتاتوريات، وأنظمة تعتبر أنها ظل الله على الأرض.

الأزمة ليست في "السلفية"

  • في السياق نفسه، كان المرحوم الدكتور زكي نجيب محمود أحد رواد الفكر الذين نالوا جائزة سلطان العويس، والدكتور محمود يعتبر من رواد التنوير، وبالمقابل هناك الفكر السلفي المعارض لهذا التيار، هل أنت مع رموز " التنوير"؟

- بعيداً عن مسألة الجائزة التي يوجد لها لجان تحكم أثق بها وهي من يقرر من يستحقها، فإنني لا أرى أن هناك أزمة حقيقية بين رموز التنوير ورموز السلفية، والخلاف بين وجهتي النظر هو ظاهرة صحية، التعددية في الأفكار وفي المواقف هو أساس تطور المجتمعات، نحن لا بد أن نحافظ على التنوع الفكري وأن ندعمه لأنه يساهم في قيام ثقافة غنية تملك أكثر من بعد، ولكن ما يجري عندنا من مواجهات دامية أحياناً سببه الاستبداد وغياب الديمقراطية عن المؤسسات القائمة، هذا الاستبداد بأشكاله المختلفة لا يتيح مجالاً للحوار، وفي غياب الحوار تصبح المواجهة هي البديل وتضيق مساحة الرؤية بدل أن تتسع ويصبح الصدام محتوماً، المؤسسات الديمقراطية وحدها هي القادرة على إلغاء هذا الصدام، ومن سوء الحظ فإن معظم هذه المؤسسات مفقود في عالمنا العربي، بالمقابل عندنا الكثير من أجهزة الأمن والاستخبارات.

المخابرات ضد التنمية

  • أنت رجل أعمال، ومن هـذا الموقع كيف ترى تأثير غياب الديمقراطية على مسيرة التنمية؟

- لنأخذ مثلاً، الإمارات فيها بترول، ليبيا فيها بترول وكذلك العراق، قارن أوضاعها بأوضاعنا، لاحظ مدى الفرق في التطور على مستوى الفرد وعلى مستوى الجماعة، نحن ما عندنا إلاّ الحرية. الاقتصادية ما عندنا من حمد الله إلاّ القليل القليل، من المخابرات، نعم المخابرات وأنظمة المخابرات هي أساس التخلف ومصدر العلل، ولو أنهم يتابعون النشيطين سياسياً فقط لهانت المسألة، ولكنهم يرمون النشيطين اقتصادياً في السجون، أجهزة المخابرات تطاردهم، يخترعون قوانين لتبرير سجنهم وأحياناً قتلهم. كانوا يأخذون العامل أو المزارع أو الفلاح ويستخدمونه في المخابرات، يعطلون طاقة عشرات الألوف من أبناء بلدهم كي يتجسسوا على إخوانهم، والنتيجة أن السجّان عامل ومزارع وكذلك السجين، الطاقة معطلة في الناحيتين، من يبني البلاد إذن، من يزرعها، ومن يقيم فيها المصانع؟ يا جماعة، أطلقوا الحرية الاقتصادية، ولن تحتاجوا إلى المخابرات، رجال الأعمال في الغرب أقاموا عشرات المؤسسات الخيرية، وبادروا إلى النهوض بمجتمعهم، وعندنا كذلك.

  • على حد علمي، ليس هناك كثيرون من رجال الأعمال يقدمون جوائز سنوية تصل إلى مليون دولار، ويقومون ببناء المستشفيات والمدارس؟!

- كلا، أنا لست وحدي، أنا واحد من كثيرين: جمعة الماجد وآخرين... نفعل ذلك لأن لدينا حرية اقتصادية. إن رجل الأعمال لا يمانع أن يدفع الضرائب. افرضوا الضرائب ولكن دعوا الناس تعمل من دون مطاردة أو ملاحقة أو إزعاج، انظروا إلى اليابان وأوربا، إن القمع لا يمكن أن يؤدي إلى التنمية، وفي غياب التنمية فإن السلطة سوف تلجأ إلى توظيف المزيد من المخابرات هذه دائرة مقفلة (!). أكثر من ذلك، فإن هناك قوانين تزعم أنها تحمي العمال، وسوف أعطيك مثلاً على ذلك: السيد محمد علي مدير مصنع البيبسي كولا عندنا، شاهد نجاح مصنعنا وتطوره، فكر أن يقوم بعمل مشابه في بلد عربي، شال "بشته " وسافر، أقام مصنعاً ووظف العمال، وبعد سنتين من العمل الدءوب اضطر إلى إغلاق المصنع، قوانين العمل في تلك البلاد "تحمي" العامل حتى إذا سرق (!). وهناك قلّة لا تعمل ولكنها تخل بالنظام وبشروط العقد، أحضر العمال معه إلى دبي، قال لهم من يعمل نزيده ونكافئه، ومن لا يعمل نطرده، ولأول مرة خلال سنتين استطاع هؤلاء العمال أن يدّخروا وأن يعيلوا أسرهم بارتياح، فالحرية الاقتصادية هي في نهاية المطاف، تخلق حوافز ليس لدى رب العمل وحده بل للعامل أيضاً، والفائدة تفيض على الجميع. انظر إلى اليابان مثلا المؤسسة تنمو ومعها العامل، بعضنا في العالم العربي يعمل بالاتجاه المعاكس، فالمؤسسة أو الشركة عندما تتعثر فإن العامل أيضا يدفع الثمن، فلا المؤسسة تستفيد ولا العامل يستفيد، والعمل وليس الشعارات هو ما يطعم خبزاً.

المستبد العادل... وهم

  • لعل المشكلة هي أن رأس المال الوطني يعمل غالباً في الخارج، يعني يفضل تهريب أمواله في ساعات الشدة. أنت أين توظف ملياراتك؟

- هنا في دبي وفي الإمارات الأخرى، نوظفها في البناء والعقارات والمصانع، والأسهم والسندات الحكومية، لا توجد لي استثمارات في الخارج، بعض العقارات السكنية فقط، لا فائدة من الاستثمار في الخارج، الأشخاص الذين نجحوا يكادون يعدون على أصابع اليد. الاستثمار الحقيقي هو في البلد، بمقدار ما تستثمر في البلاد تنتعش البلاد وينتعش سكانها، وهذا بدوره يعود عليك بالربح.. إن رجال الأعمال يقومون بدور نهضوي إذا أتيحت لهم الفرصة، ولكن إذا انعدمت الثقة بالسلطة وبالنظام فإن رأس المال يهاجر مرغماً ويحلم دائماً بالعودة.

وسأقول لك شيئاً آخر، إن هذا النظام العربي يجعلنا نعيش حالة "التباس" مع هويتنا العربية، فهذا النظام يطلب دعمك ومؤازرتك باسم العروبة وباعتبارك عربياً، وأنت تفعل هذا باعتباره واجباً وطنياً وقومياً، ولكن ما إن تفتح فمك بانتقاد ما لشخص ما في دولة ما حتى يصرخوا بضراوة: أنت ترتكب إساءة بحقنا، إنك تتدخل في شؤوننا الداخلية، أي يجعلون منك أجنبيا غريبا.. وكأن شرط عروبتك أن يبقى فمك مقفلاً، أن تبقى صامتاً (!).

  • ما رأيك إذن في نظرية "المستبد العادل"، هناك في الشرق وربما ول في الغرب، من يعتقد أن الشعوب المتخلفة تحتاج إلى مستبد وعادل لأنها لم تنضج بعد لتمارس الديمقراطية؟

- مستحيل. هذا عهد المؤسسات وليس عصر الأفراد، سواء كانوا من أصحاب العدل أو الظلم.! إن القرار الفردي يتغير بقرار فردي، وهذا لا يمنح الناس الأمن ولا الطمأنينة. الفرد يزول أما المؤسسة فتبقى. في العالم العربي ليست لدينا مؤسسات بل واجهات غالباً، وهذا ما يجعل رجال الأعمال في خشية من أمرهم.. المستبد العادل وهم (!).

بورصة للحب!

  • يا أبا علي أنت تاجر وشاعر في الوقت نفسه، هل يمكن أن تكشف لنا سر هذه المصالحة بين النقيضين؟ ولماذا معظم أصدقائك وجلسائك من المثقفين والمفكرين والكتاب وليسوا من رجال الأعمال وأصحاب المال؟

- هذه حالة طبيعية وليست جديدة، منذ منتصف الأربعينيات كنا نلتقي مجموعات من البلاد العربية، فينا الشاعر والكاتب، وفينا الشيخ والعالم، لا نتعاطى التجارة وتتواصل بيننا العلاقات عبر المعرفة والثقافة، كنا عبر التجارة والثقافة نتعرف إلى أنفسنا وإلى العالم من حولنا، نغوص في تراثنا ونفكر بمستقبلنا، وكانت لقاءاتنا أقرب ما تكون إلى تجمع ثقافي عادي وبعيد عن التكلف. إن مهمتي أن أختار الإنسان الجيد وأضعه في المكان المناسب. أنت بالخبرة والتجربة تصبح أكثر معرفة بالناس، وتعرف من تختار من بينهم، وأين تضعه، عندي إدارات فيها أناس محترمون طيبون، ثم إن باب مكتبي مفتوح لجميع الناس، ليس عندي بيروقراطية ولا سكرتارية، أسمع من الناس، أستمع إلى آرائهم ومقترحاتهم وشكاواهم، والعاملون معي يعرفون أن العلاقات مع الناس مبنية على الثقة قبل كل شيء، وهم يحرصون على دعم هذه الثقة، ومن هنا يصبح العمل كما الشعر والثقافة متعة، لأنه يحقق التواصل مع الآخرين.

  • أخشى أن أسهمك العاطفية لا تقل ثراء عن أسهمك المالية، فأنت في قصائدك لا تكتفي بليلى واحدة ولا بثينة، وإنما تنشد لعشرين امرأة على الأقل لسحر وسمر وعبير وإيمان ورانية، ولدزينتين من المضيفات أرضاً وجواً، يعنى كأنها بورصة للحب، فهل هن شخصيات حقيقية؟

- الشخصيات حقيقية، نعم، ولكن كل شخصية فيهن لا تعني لي أكثر من أنها تثيرني، تحرضني على كتابة الشعر، تستنهض الوحي، وتوقظ في النفس حالة وجدانية معينة، يعني أن لكل منهن مهمة محددة، تنتهي غالباً مع نهاية القصيدة. سأقول لك ما يحدث عادة تأتيك امرأة جميلة مثلاً، أو تلتقي بواحدة على الأرض أو في الفضاء، أنا لا أفكر فيها، بل أفكر في الشعر، أغرق في البحث عن الكلمة التي لا بد أن تكون جميلة، إن مهمة الشاعر أن يعطي هذا الجمال حقه في جمال العبارة، بحيث لا يقل تأثير الصورة الشعرية عن تأثير الواقع.

  • هل عشقت عشقاً حقيقياً.؟ وكم مرة؟

- نعم. عشقت. وانتهت قصص كبيرة وبقيت الذكريات.

  • تقول في قصيدة "رماد الحب أقوى من الحب.."هل هي الذكريات؟

- نعم تبقى الذكريات، الإنسانة التي تعشقها تنجب أطفالاً، تكبر. ليس هناك استمرارية لأي شيء في هذه الدنيا، الاستمرارية هي عند قوم مجنون ليلى لأنه لم ينل حظه من ليلى

  • لو نال حظه.. كان الحب انتهى؟

- الحب إذا نكح... فسد (!).

  • هل يحفظ الحرمان الديمومة...؟

- ليس الديمومة، هو يصنع الحالة الوجدانية نفسها، يعني لو استمر سنوات فسيستمر هذا العشق: سنة، اثنتين، عشر سنوات، بعدها يتزوج، فينجب أولادا، يعيش 20 سنة أخرى، خمسين سنة، ماذا يبقى؟ الحب جذوة تشتعل، ويمكن أن تحرق، هذا هو الحب.

  • هل هذا يفسر أن المطولات من قصائدك تتحدث فيها عن الصدّ وليس عن الوصال، وهل المنع يثير شاعريتك أكثر من الوصال، ... هل أنت عذري؟

- أنا لست عذرياً أبداً، أنا أنكرت الشعراء العذريين، ليس هناك شاعر عذري، هناك محروم، هذا محروم "يشتهى" ليلى وما حصّلها... لو كان عذرياً لماذا يركض وراءها إذن ويلهث حتى يغمى عليه، ما الذي يريده منها...!

  • مازالت الصبوة مشتعلة فيك يا أبا علي، مازلت تحب المرأة الجميلة؟

- نعم مازلت، وسوف أبقى.

  • تقول في قصيدة:

جمال الحب أن تلد الليالي

وصالاً بعد آلامٍ الصدود

أما زلت قادراً على الوصال مع المرأة؟ وماذا تعني لك المرأة الجميلة اليوم؟

- انظر هنا هذا القماش (ويلمس بيده قماش المقعد الذي يجلس فوقه)، هذا القماش لو حاولت تجميله، لو جعلته من الذهب أومن أي شيء محبب، مهما قلت، إذا وضعت راحتي فوقه ولامسته لا أحس بشيء، ولا هو يحس، المرأة تختلف.. المرأة تتواصل...

النظرة أحياناً تكفي لإشعال القلب وتجديد الحياة، هذا هو الحب والشعر هو محاولة دائمة لالتقاط هذا الحب، في كلمة....

كما بكت العروبة في "الكويت"

سلطان العويسى يعتبر أن كارثة غزو قوات صدام للكويت حققت ما تريده إسرائيل للعرب "فإني قد سلخت بيوم سبت؟ ويصف القصيدة التي كتبها عن هذا الغزو بعنوان "مأساة شاعر في حرب الخليج" فيقول "لعلها أحسن وأصدق ما كتبت" وهنا نص القصيدة التي ألقاها في شهر أغسطس من العام الماضي في احتفال تسليم جوائز سلطان العويس الثقافية في دولة الإمارات العربية المتحدة.

مأساةُ شاعر في حَرب الخَليج

بكَيْتُك يا حَياتي قَبْلَ مَوتي

كما بكَت العُروبةُ في "الكُويت"

فصبُحي غَيرُ راض عن مَسائي

وليلي في مخَاض حينَ يأتي

ومَهْما كانتَ الأعذارُ عنْدي

فإنيّ قَدْ سُلخْتُ بيَوم سبت

أنا البَطَلُ الذي قَتَلَوهُ ظلما

أنا ذاكَ السّجينُ بكُلّ وَقْت

أنا ذاكَ الُمشرّدُ في بلاديَ

بدُون هُوية وبدوت بيت

بأيّ الحق قَد قُتلتْ "سَليمى"

بأيّ شريعة أخْتي اغتصبت؟!

جُنونٌ أن أعيَش بَلا هموم

وقَوْمي يكُتُبونَ عَلىّ مَوْتي

أيا "بغدادُ" يا ضَجَرَ الليالي

سواء أن حرقت أم احترقت

كلا الأمرين في حلقي سهامٌ

تصيب حُشاشَتي ليغيب صوتيِ

طُعْنتُ من الشّقيق فَصرتُ عبداً

لآخَرَ حَسْبَما يهوىَ سيُفْتَي..!

 



أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات




سلطان العويس





شوقي رافع





غلاف الديوان





سلطان العويس في مكتبه يداعب كومات من اللؤلؤ الطبيعي





اللؤلؤ الطبيعي يحاول الصمود في معركته مع اللؤلؤ الصناعي





العويس: هذا زمن المؤسسات