المياه العربية:التحدي والاستجابة
المياه العربية:التحدي والاستجابة
المؤلف: الدكتور عبدالمالك التميمي يطرح هذا الكتاب تساؤلات ترسم بكليتها صورة موضوعية للتحدي الذي تمثله قضية المياه بالنسبة إلى العرب في أوائل القرن العشرين, فهل تكتمل الصورة باستجابة خلاقة تفوق التحدي? لا يختلف المعنيون بقضايا العرب المعاصرة في أن قضية المياه تعدّ من أهمها وأكثرها خطورة, لاسيما أنها ترتبط ارتباطاً وثيقاً بحياة الإنسان العربي ووجوده من ناحية, وتؤثر تأثيراً مباشراً على مستقبله الحضاري من ناحية أخرى. ومن هنا تأتي أهمية الموضوع الذي يتناوله الأستاذ الدكتور عبدالمالك التميمي في كتابه: (المياه العربية: التحدي والاستجابة). وقد ناقش الباحث قضية المياه في الوطن العربي, وما يتصل بها من مسائل تاريخية وسياسية واقتصادية..., في إطار نظرية (التحدي والاستجابة), وبذل جهداً واضحاً لرسم صورة موضوعية للتحدي الذي تمثله قضية المياه بالنسبة إلى العرب, وهم في بدايات القرن الحادي والعشرين, كما رصد أشكال الاستجابة, التي ظهرت هنا وهناك, لمواجهة هذا التحدي. وقد قسّم الباحث دراسته إلى مقدمة وثمانية فصول وخاتمة, هذا فضلاً عن الملاحق والببليوجرافيا الخاصة بالمراجع التي اعتمد عليها. أما المقدمة, فقد خصصها لبيان أهمية الموضوع والجهود التي بذلها, خلال عامين, لجمع المادة العلمية, ثم حدّد إشكاليات بحثه بمجموعة من الأسئلة منها, على سبيل المثال, هل ستقوم الحرب في المستقبل في الوطن العربي بسبب النزاع على المياه العذبة? هل سيصبح الماء العذب أهم من النفط? هل يضع العرب الأمن المائي ضمن اهتماماتهم الاستراتيجية? ماذا يقول القانون الدولي بشأن الأنهار الدولية?.. إلخ. الخارطة المائية والسياسية تناول الباحث في الفصل الأول, وهو بعنوان (المياه في المشرق العربي), الخريطة المائية في المشرق العربي, بأبعادها السياسية والاقتصادية, فكشف أن المفارقة في قضية المياه تكمن في أن دولاً تستهلك المياه ودولاً تملك منابع هذه المياه. وأكّد على أن هذه الدول جميعها قد عجزت عن الاتفاق فيما بينها حول هذه القضية. ويرى أن أزمة المياه في القرن الحادي والعشرين ستزداد خطورة في ظل النمو السكاني القائم والسعي الحثيث لرفع مستوى المعيشة والندرة النسبية في المياه. ويركّز الباحث على البعد السياسي لمشكلة المياه, في (المنطقة العربية). ولاسيما أن موارد المياه الطبيعية, السطحية منها والجوفية, لا تتطابق مع الحدود السياسية لدول هذه المنطقة. وبعد أن يربط الباحث بين الأمن السياسي والأمن الغذائي, يبيّن أن الحقبة المقبلة ستشهد صراعاً حادّاً على المياه في المشرق العربي. ويتوقف الباحث أمام مطامع إسرائيل في المياه العربية, ويذكّر بحلمها التاريخي بأن تحكم من النيل إلى الفرات, ويشير إلى أن العرب لا يملكون خطة استراتيجية لمواجهة المخططات الإسرائيلية, فيما يتعلق بقضية المياه, فالعمل العربي المشترك غائب تماماً, وجامعة الدول العربية عاجزة عن القيام بأي عمل بالنسبة إلى هذه المشكلة. ويتساءل الباحث عن أسباب التنسيق بين تركيا وإسرائيل وأهدافه في هذه المرحلة, ويجيب عن ذلك, باختصار, بأن للدولتين المذكورتين مشكلات تاريخية مع العرب, تتعلق بالأرض والمصالح والمياه, وتحاولان استغلال حالة الضعف العربي الراهنة. ويلمح إلى أنه كان على العرب محاولة احتواء تركيا وحل المشكلات المعلقة معها قبل أن تتحالف مع إسرائيل, ولاسيما أن مصالح تركيا مع العرب أكثر تنوّعاً وشمولاً من مصالحها مع إسرائيل. ثم يناقش الباحث البعد الاقتصادي - الاجتماعي لقضية المياه في المشرق العربي, ويؤكد على أن التطوّرات الاقتصادية التي حدثت في بعض البلاد العربية, خلال النصف الثاني من القرن العشرين, قد ساعدت هذه البلاد على شراء التقنيات لتطوير استخدام المياه, ولكن هذه التطورات كانت بطيئة ولم تحل المشكلة المائية حلا جذرياً لأنها مرتبطة بحل مشكلة ازدياد السكان وتطوير مصادر المياه وتحقيق التنمية الشاملة والتخلص من التبعية الاقتصادية للغرب. ويختتم الباحث هذا الفصل بالقول إنه غدا من الضروري تغيير ا لعقلية التقليدية في التعامل مع قضية المياه, وحشد الإمكانات المادية والعلمية والإدارية لعلاجها. أما الفصل الثاني, وهو بعنوان (المياه العربية وإسرائيل), فهو من أهم فصول الكتاب, حيث خصصه الباحث لمناقشة مسائل أساسية عدة, تناول فيها, بداية, الجذور التاريخية لمشكلة المياه مع إسرائيل, ويقول إنها ظهرت مع نشأة الحركة الصهيونية, وكشف أن مشروعاً قد قُدم إلى (هرتزل), مؤسس تلك الحركة, يوصي بضرورة الإفادة من مياه نهري الليطاني والأردن لري أرض دولة إسرائيل الموعودة, كما أن (هرتزل) نفسه تفاوض مع (كرومر) عام 1903, لتحويل مياه النيل إلى صحراء سيناء لتوطين المهاجرين اليهود فيها. وبيّن الباحث أن الحركة الصهيونية قدّمت إلى مؤتمر السلام, في باريس عام 1919, مذكرة ربطت فيها بين إنشاء الوطن القومي لليهود في فلسطين ومسألتي الهجرة والمياه, كما طلبت (الحركة) من بريطانيا إدخال نهري الأردن والليطاني ضمن حدود فلسطين في اتفاقية سايكس - بيكو. ثم يستعرض الباحث المشاريع التي نفذتها (الحركة) في فلسطين تمهيداً لإقامة الدولة الإسرائيلية, مثل مشروع المهندس الروسي اليهودي (روتنبرغ) عام 1920, ومشروع الخبير الأمريكي (هايس) عام 1938. وبعد أن عالج الباحث تطوّر قضية المياه بين العرب وإسرائيل بعد عام 1948, والمشاريع التي نُفذت على أرض الواقع, والمشاريع التي طُرحت في الخمسينيات من القرن الماضي, يتوقف عند عام 1964, حيث عُقد فيه أول مؤتمر قمة عربي, دعا إليه الرئيس الراحل جمال عبدالناصر, ومن المعروف أن المؤتمر قد وافق على مشروع تحويل نهر الأردن (عربيا), ولكن سرعان ما قامت إسرائيل, بالتنسيق مع الولايات المتحدة, بعدوان 1967, لإسقاط عبدالناصر وتجربته ومشاريعه القومية. ومنذ ذلك العدوان, أخذ ميزان القوى يميل لصالح إسرائيل, ففي الوقت الذي انشغل فيه العرب بإزالة آثار العدوان, كانت إسرائيل تتصرف بالمياه العربية كما تشاء. ثم ناقش الباحث سياسة إسرائيل المائية في الأراضي العربية التي احتلتها في عدوان 1967, مناقشة مستفيضة, وتطرّق إلى الاتفاقيات التي وقعت بين إسرائيل وكل من الأردن والسلطة الفلسطينية حول قضية المياه, ما بين عام 1994 و عام 1996, ويرى أن الاتفاق بين الأطراف الثلاثة, الأردني والفلسطيني والإسرائيلي, يتجاهل الحقوق السورية في المياه, كما أن هذا الاتفاق جاء عاماً ومرتبطاً بعملية السلام, ولم ينظر إليه على أنه خطوة لحل مشكلة المياه بين العرب وإسرائيل. واختتم الباحث هذا الفصل بدراسة الأطماع الإسرائيلية في المياه الجوفية في فلسطين, ورصد ردود الفعل العربية تجاه المشاريع الصهيونية التي استهدفت مياههم, ويقول إنها كانت متواضعة, لأن العرب يعانون من الفرقة والانقسام وانعدام التنمية والديمقراطية وضعف البناء السياسي, ويرى أن المفارقة الخطيرة هي أن إسرائيل تجعل قضية المياه ومصادرها في مقدمة خططها ومشاريعها الاستراتيجية, في حين أن المشاريع العربية, جاءت في معظمها, كرد فعل على ما تطرحه إسرائيل وتنفّذه في الأراضي العربية المحتلة. المياه بين العرب وتركيا وناقش الباحث في الفصل الثالث, موضوع: (المياه العربية وتركيا), وقد استهله بتحديد الاستراتيجية السياسية لتركيا, ويقول إنها تستهدف تحقيق ثلاثة أهداف رئيسة وهي: الدخول في السوق الأوربية, وتكوين قوة إقليمية مؤثرة, ومقايضة مياه دجلة والفرات بالنفط. فبالنسبة إلى المسألة المائية, يرى أن تركيا استغلت مرحلة ضعف العرب وتمزّقهم, منذ عام 1967, وأخذت تدّعي, لأول مرة في التاريخ, بأن مياه دجلة والفرات هي مياه تركية, واتجهت في مشاريعها المائية اتجاهين: الأول: استغلال مياه الفرات بإقامة سد أتاتورك, دون الاهتمام بما سيلحقه, هذا المشروع, من أضرار بسوريا والعراق, والثاني: بيع المياه للعرب وإسرائيل, ثم عالج الباحث مشكلة المياه بين تركيا من ناحية, وسوريا والعراق من ناحية أخرى, وكشف أن الدولتين الأخيرتين أكثر حاجة للمياه من تركيا, وأكّد أن لهما حقوقاً في نهري دجلة والفرات كما هو الحال بالنسبة إلى تركيا, وأن القانون الدولي يجب أن يكون المرجع الأساسي لحل المشكلة بين العرب والأتراك, ولاسيما أن رأي لجنة القانون الدولي نص صراحة, عام 1967, على أنه يحق لتركيا السيطرة على مياه الفرات في أراضيها, ولكن بشرط عدم الإضرار بالأطراف الأخرى المشتركة في حوضه, أي سوريا والعراق. وبعد أن يستعرض الباحث (مشروع أنابيب السلام التركي), الذي طرحته تركيا عام 1987, والظروف التي جعلت منه حتى الآن, حبراً على ورق, يختتم هذا الفصل بالإشارة إلى ضرورة حل مسألة المياه, بين العرب وتركيا, حلاً حضارياً ووفقاً للقانون الدولي, الذي يعطي لكل دولة الحق في مياه الأنهار المشتركة بين الأطراف الثلاثة: تركيا وسوريا والعراق. هذا فضلاً على أنه ليس من حق أو مصلحة أيّ منها تغيير حقائق التاريخ والجغرافيا. وعالج الباحث, في الفصل الرابع, موضوع (المياه المشتركة بين العراق وإيران). وتوقف, بصفة خاصة, عند مياه (شط العرب), لأن النزاع بين الدولتين كان يتركز حول هذه المنطقة, حيث حلل الاتفاقات التي وقعت بينهما, ولاسيما اتفاقية أرضروم الثانية عام 1847 وبرتوكول عام 1913, واتفاقية عام 1937, التي ألغاها الشاه محمد رضا بهلوي عام 1969, ثم ناقش اتفاقية الجزائر, التي وقعت بين العراق وإيران عام 1975, وبيّن أنها أعطت إيران مكاسب جديدة, وكانت أشبه بالصفقة بين الطرفين, لأن العراق أراد من خلالها حل مشاكله مع إيران لمواجهة الأكراد في الشمال, ووضع حد لمساعدات إيران لهم, ويرى أن من أبرز نتائج اتفاقية الجزائر (تأكيد المناصفة) في شط العرب بين البلدين. ولكن بعد قيام الثورة الإسلامية الإىرانية عام 1978, ساءت العلاقة بين البلدين, حيث أعلن العراق, بتاريخ 17/9/1980, إلغاء هذه الاتفاقية, وفي العام نفسه, اندلعت الحرب بينهما, واختتم الباحث هذا الفصل بالتأكيد على أن حل المشاكل المائية بين العراق وإيران, يتطلب إعادة النظر في طبيعة العلاقات بينهما, وبشكل جذري وبأبعادها كافة, واحترام كل طرف حقوق الطرف الآخر, وذلك كله حرصاً على مصالح وأمن شعوبهما وشعوب المنطقة بأسرها. أما الفصل الخامس, وهو بعنوان: (نهر النيل: قضية المياه المشتركة), فقد استهله الباحث بدراسة أهمية نهر النيل بالنسبة إلى مصر, حيث أشار إلى أن 97% من الأراضي المصرية صحراوية, وأن 3% الباقية تزرع بالاعتماد على مياه النيل, ويؤكد على أن مصر بحاجة, في المستقبل القريب, إلى كمية من المياه أكثر مما تستهلكه حالياً, وذلك لمواجهة ازدياد عدد السكان وما تتطلبه عملية استصلاح الأراضي الزراعية الجديدة من كميات متزايدة من مياه النيل. ثم يناقش الباحث المسألة المائية في السودان, ويقول إن ما يتوافر للسودان من مياه النيل هو أكثر مما يتوافر لمصر, كما أن مشاريع السودان على النيل تفوق حصته المقررة. ويستعرض, بعد ذلك, الاتفاقيات الموقعة بين مصر والسودان حول مياه النيل, ويتوقف عند اتفاقية عام 1959, التي تمّ بموجبها تقسيم مياه النيل بينهما, ويوضّح أنها اشتملت على موافقة السودان على بناء السد العالي في مصر, وعلى موافقة مصر على إقامة سدّين في السودان, ويفنّد الباحث المزاعم التي تقول إن بناء السد العالي جاء كرد فعل على استقلال السودان عن مصر. واختتم هذا الفصل بمناقشة سياسة أثيوبيا المائية, وشرح كيف دخلت إسرائيل طرفاً في الصراع على مياه النيل, عندما وسعت تحالفها مع أثيوبيا للضغط على مصر سياسياً, وكشف أن أثيوبيا نهجت نهج تركيا فيما يتعلق بالمياه وعلاقاتها مع الدول المجاورة, لاسيما أنها تتحكم بالمصادر الرئيسة لمياه النيل, وترى أنه من حقها التصرّف فيها. أين استراتيجية المياه? وخصص الباحث الفصل السادس, وهو بعنوان: (المياه في الخليج العربي والجزيرة العربية), لدراسة جملة من القضايا المائية المهمة في بلدان هذه المنطقة من الوطن العربي. وبيّن أنها على أبواب مشكلات مائية بالغة الخطورة إن لم يتم تداركها في الوقت المناسب. ويشير إلى أن النمو السكاني والوفرة النفطية والنهضة الاقتصادية في هذه البلدان سيؤدي ذلك كله إلى ازدياد كبير في استهلاك المياه, وبالتالي عجز ما هو متوافر منها عن تلبية حاجة السكان والتنمية, ويوضّح الباحث أن معظم بلدان الخليج والجزيرة لا يملك استراتيجية للمياه, بحيث تستوعب المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية وتعالج مشكلتي نقص المياه السطحية والتصحّر. ثم يناقش المشاريع المائية المطروحة في هذه البلدان, ولاسيما تلك المتعلقة بتحلية مياه البحر واستيراد المياه من الدول المجاورة. ويقدّم تفاصيل كثيرة عن مشاريع نقل المياه إلى دول الخليج من: باكستان وتركيا وإيران وماليزيا ولبنان... إلخ. واختتم الباحث هذا الفصل بإلقاء الضوء على مستقبل مشكلة المياه في الخليج والجزيرة, وأكّد أن هذه المنطقة ليست آمنة على مستقبلها بالنسبة إلى هذا المصدر الحيوي, على الرغم من الثروة التي تملكها من عائداتها النفطية في الوقت الحاضر. ولهذا, فإنه من الضروري, حالياً, التفكير العلمي للوصول إلى حلول عملية لكل ما يتعلق بمشكلة المياه, والإفادة, في الوقت نفسه, من تجارب الشعوب التي واجهت مشكلات مماثلة, مع الأخذ بالاعتبار المصالح العليا لشعوب الخليج والجزيرة. وتناول الباحث, في الفصل السابع, وهو بعنوان: (المياه في منطقة المغرب العربي), مسألتين أساسيتين, الأولى: المسألة السكانية في المغرب, حيث كشف أن عدد سكانه قد ازداد ازدياداً ملحوظاً بعد استقلال بلدانه, نتيجة التقدم العام الذي تحقق فيها من ناحية, والرعاية الصحية التي غدت تتمتع فيها شعوبها من ناحية أخرى, وبيّن أن هذا الازدياد السكاني لا يتناسب مع الثروة المائية التي تملكها تلك البلدان, وبالتالي, فإنها ستواجه مشكلات تنموية بالغة الخطورة. أما المسألة الثانية, فهي تتعلق بموارد المياه في المغرب, حيث عرض لهذه الموارد في كل بلد من بلدانه على حدة, من موريتانيا غرباً إلى ليبيا شرقاً, سواء ما كان يعتمد منها على مياه الأمطار أو المياه الجوفية أو السطحية, أو عليها جميعاً, و يتوقف الباحث أمام (النهر الصناعي) في ليبيا, والذي يجري تنفيذ المرحلة الثالثة منه حالياً. واختتم هذا الفصل بالتأكيد على أن دول المغرب العربي تواجه, دون استثناء, مشكلة التصحّر, وأن التنسيق فيما بينها غدا ضرورة ملحّة لمواجهة مشكلات المياه, وأن مشروع الحزام الأخضر, الذي يمتد من مصر إلى موريتانيا, من المشروعات المهمة التي تسهم في مواجهة تلك المشكلات. وجاء الفصل الثامن والأخير بمنزلة خاتمة لهذا الكتاب, وقد أكّد الباحث فيه أن عناصر المشكلة المائية في الوطن العربي تكمن في: قلة الأمطار وانتشار الصحراء والنموّ السكاني وازدياد الحاجة إلى المياه, هذا فضلاً عن أن عدداً من الأنهار الرئيسية, في البلاد العربية, تنبع من خارج الوطن العربي, ويرى الباحث أن المشاكل المائية ستكون محور الصراع في القرن الحادي والعشرين, وبخاصة تلك القائمة بين العرب وإسرائيل. ويقول إن الشعارات التي تطرحها الأخيرة في مفاوضات السلام مع العرب, مثل: السلام مقابل السلام, والسلام مقابل المياه)... إلخ لا تعني سوى استمرار هيمنة إسرائيل على المياه العربية. ولهذا كله, فإن العرب مطالبون اليوم, وأكثر من أي وقت مضى, في وضع قضايا المياه في مقدمة أولوياتهم, والسعي حثيثاً للبحث عن مصادر بديلة للمياه وترشيد إدارتها, وإقامة مراكز بحثية متخصصة في شئون المياه, على المستوى الإقليمي والقومي.والواقع أنّ هذا الكتاب يعد من الكتب المهمة التي تصدّت لعلاج مشكلة المياه في الوطن العربي, وتقتضي الأمانة العلمية أن نقول: إن الموضوع واسع ومعقّد, وأطراف الصراع فيه كثيرة ومتشابكة المصالح والأهواء, ومن الصعب على أي دراسة أن تحيط, إحاطة كاملة, بجوانبه كافة: الاقتصادية منها والسياسية والجغرافية والقانونية والاجتماعية. ومما يلفت النظر, في هذا الكتاب, ليس غزارة مادته العلمية ووفرة مراجعه ومنهجه التحليلي فحسب, وإنما أيضاً الجرأة العلمية والموضوعية الواضحة التي عالج بها قضايا المياه في الوطن العربي, ويخلص القارئ لهذه الدراسة إلى نتيجة مفادها: إن التحدي الذي يواجه العرب, من المحيط إلى الخليج, كبير وخطير, ولكن استجابتهم لاتزال - حتى الآن - ضعيفة وضئيلة.وهنا تكمن المفارقة, لأن الاستجابة المبدعة والخلاقة, كما يقول توينبي, يجب أن تفوق التحدي, وعلى أي حال, لقد جاء هذا الكتاب ليقرع الأجراس.. ولكن المهم أن تجد أصواتها آذاناً صاغية.
|