عزيزي القارئ

  عزيزي القارئ
        

 


رياح العولمة

          من أين تهب علينا رياح العولمة?! ربما كانت تهب من خلال تلك التفاصيل المتناقضة التي يشهدها عالمنا اليوم, ففي الوقت الذي تتنازع فيه الأعراق وسط أرخبيل إندونيسيا المزدحم بالجزر والملل, ويشرع الرجال قصار القامة سكاكينهم الطويلة من أجل ذبح بعضهم البعض الآخر, يشهد المجتمع الأمريكي أكبر عملية لانصهار الأعراق المختلفة التي هاجرت إليه مما يبشر بولادة أمريكا جديدة لا يكون فيها التفوق المطلق للرجل الأبيض, وهو الأمر الذي لاحظه رئيس تحرير مجلة العربي على الواقع خلال رحلته الأخيرة إلى الولايات المتحدة الأمريكية. وفي الوقت الذي شهدنا فيه جميعا وعلى الهواء مباشرة وقائع دورة سيدني للألعاب الأولمبية, ـ بكل ما فيها من منافسات تعلي من شأن الجسد البشري وتفصح عن الكثير من أسراره وإمكاناته التي لا نعرفها, كما نعي الدرس المهم الذي تؤكده هذه الألعاب وهي أن الإغريق القدامى قد وضعوها بديلا للحروب التي كانت تثور بين مدنهم ـ  في هذا الوقت كانت القبائل الإفريقية التي تنتمي في أغلبها إلى عرق متصل ورحم مشترك ـ منهمكة في مذابح بشعة ضحيتها الأطفال والنساء بينما وقفت حيوانات الغابة مندهشة ومرعوبة مما يحدث. إن إفريقيا التي يعتقد أن جذور البشر قد نبتت فيها, وأن كل الهجرات البشرية قد خرجت منها مهددة بفناء الإنسان على أرضها. وهكذا تواصل رياح العولمة هبوبها من خلال لحـظات السمو والانحطاط البشري, وما بين هذه المتناقضات يبدو كأن هناك نظاما عالميا يبدأ رغما عن أنف الحالمين والرافضين في شراسة, وعلينا أن نفتح عيوننا ووعينا حتى لا تفلت منا هذه اللحظة المثيرة. لقد تلمس رئيس التحرير هذه الظاهرة في مقاله الافتتاحي لهذا العدد كما ذكرنا من قبل, وهو ـ من خلال واحد من أقوى المجتمعات المعاصرة ـ يرصد ملامح هذا التطور, ويرى أن قوته تكمن في تعدديته وانفتاح كل ما فيه من ثقافات مختلفة على بعضها البعض الآخر. ولا يبتعد عدد العربي الذي بين يدينا عن هذه التفاعلات الثقافية كثيرا, فهو يقدم الكثير من ملامح العصر الذي نعيش فيه بعد أن يعيد جدلها بتراث الماضي, فالرحلة هذه المرة تكون إلى مشروع قديم حديث هو دارة الملك عبدالعزيز في الرياض الذي أنشأ واحدة من أكثر الدول العربية حداثة على أنقاض قبائل قديمة, وهو الذي أدخل رياح العصر إلى تلك الصحراء الشاسعة فملأها بالجنان. كما تستعرض العربي أكثر من قضية معاصرة من زاوية جديدة, فتطرح موضوع خصخصة المياه التي هي محرك الصراع في هذا القرن البازغ, وتلقي الضوء على الأخطار التي يتعرض لها طفل عالمنا من إذلال وترويع بعد أن فقد كل حقوقه وأصبح سلعة تباع وتشترى, ثم تبحث العربي عن بسمة من التفاؤل وسط رياح العولمة, فتلتقط باقة من مباهج فنونها وتقدم ملفا من روائع القصص العالمية مترجمة من كل لغات العالم. ومازالت صفحات العدد حافلة ولكننا نتركها, عزيزنا القارئ, وديعة بين يديك لتعيد اكتشافها بنفسك.

 

المحرر