بونار..
والمفرش ذو المربعات الحمراء

ستلاقي من الرسامين من هو أبرع منك, إلا أن ما لديك.. هبة نفيسة.

رينوار

          يعتبر الفنان الفرنسي (بيير بونار) أحد أبرز المجددين لفن التأثيرية, ويراه النقاد, أنه بفنه قد أقام جسرا يربط القرن التاسع عشر بالقرن العشرين, ولد عام 1867م في إحدى الضواحي التي تبعد عن باريس, لأسرة تنتمي إلى الطبقة المتوسطة, اتجه لدراسة المحاماة والقانون, ولكن عشقه للفن دفعه للدراسة المسائية بأكاديمية (جوليان) للفنون عام 1887م, وبعدها التحق بالمدرسة العليا للفنون الجميلة.

          وكانت باريس في تلك الفترة تمر بمرحلة من الانتشار لفن التأثيرية, بوجود أبرز المؤسسين لها: رينوار ومونيه وديغا, وفي ظل هذه الأجواء نشأت في المدرسة العليا, دعوة شبابية رافضة للتأثيرية في جانب نقلها الحرفي للطبيعة, تزعمها الفنان (سيروزييه) وانضم إليها بونار ليشكل أحد أقطابها, عرفت بجماعة (النابي Nabis) والتسمية مشتقة من اللغة العبرية وتعني النبي, حيث وجدت في أسلوب الفنان (جوجان) رمزا لتصوراتها الفنية والفكرية, باستخدام اللون الرمزي والتخلي عن البعد الثالث بتسطيح المساحة, وتضمين الموضوع.. معنى.

          ولم تنجح جماعة (النابي) في الاستمرار بتصوراتها, فتفرق أعضاؤها بعد بضع سنوات, ولكن (بونار) لم يقف عند هذا الحد, بل كان أكثر الأعضاء إصرارا وحماسة في المضي قدما بتصوراته الفنية, بعد أن لمع نجمه بالمعارض الجماعية وجذب أنظار جمهور الفن واعتراف النقاد. وقد صاحب انطلاقة مسيرته الفنية, لقاؤه العابر عام 1893 بموديله الملهم الفتاة (مارت) في أحد شوارع باريس, فنشأت بينهما علاقة حميمة أحدثت تحولا جذريا في مجرى حياته, فقد انزوى معها في عزلة بعيدة عن أجواء باريس, وأثمرت هذه العزلة 384 لوحة تصور (مارت) في كل حالاتها, ممزوجة بالحب والهيام الأبدي.

          ويتضح من لوحة (المفرش ذو المربعات الحمراء) ـ التي أنجزها في عام 1910م, أي بعد ظهور المدرسة الوحشية Fauism بست سنوات, التي يظهر تأثره بها من خلال نقاوة اللون الأحمر ـ أن الفنان بونار لم يعنه الشكل الخارجي للموضوع ومدى واقعيته, بقدر عنايته في نقل تفاصيل اللحظة الزمنية بسكونها وقلقها, وتوترها في تصويره (مارت), وهي منكفئة على المائدة, في لحظة شرود وتأمل, وعلى سحنتها مسحة حزن دفينة.

          وقد لجأ (بونار) إلى تقسيم السطح إلى مساحتين متباينتين في اللون, مساحة تشغلها المائدة بالمفرش الأحمر الزاهي, والإيقاع اللوني الذي تحدثه زخرفةالخطوط المتقاطعة. وفي النصـف الآخـر, يظهـر الجذع العلوي لـ (مارت) وإلى جوارها الكلب الأسود, حيث الخلفية الزرقاء لجدار الغرفة, وما يضفيه من عمق على المنظور.

          كما يلاحظ في التركيب البنائي للمشهد, وجود إيقاع خطي خفي أوجده الفنان في ثنايا الشكل, ليصوغ به الرؤية البصرية للمشهد, بغية دفع عين المتلقي للنظر تجاه الفتاة مارت كنقطة مركز, عبر الخطوط الوهمية, الناتجة من استدارة الطاولة تجاه الأعلى, وبشكل متواز مع الشكل الخطي للكلب, وفي تقاطع اللون الأحمر في منحاه الرأسي.

          وقد عمد الفنان هنا إلى إضافة عدة عناصر على المائدة, مثل إبريق القهوة والكوب وغيرهما بألوان مقاربة للون الجدار, وذلك بغية التخفيف من حدة نقاوة اللون الأحمر الزاهي على باقي العناصر, ولإيجاد رابط يجمع العناصر بعضها بالبعض الآخر, مما يحفظ للشكل توازنه الفني في نسق متكامل جميل.