أرقام

أرقام

هل تضرب زوجتك؟!
السؤال عن ضرب الزوجات قد يبدو غريبا، فقد تعودنا أن العنف مع الزوجات ليس من خصال المثقفين- ومع ذلك فها هى منظمة دولية تجري دراسة علمية حول العنف ضد المرأة، وها هي تكتشف مفاجآت عديدة أولها أن عادة ضرب الزوجات واستخدام العنف ضدهن، عادة منتشرة في مختلف البلدان نامية ومتقدمة- إفريقية وأوربية وأمريكية- وأنها أيضا عادة تخترق مختلف الطبقات والفئات الاجتماعية!.

البحث قدمه البنك الدولي وأوجز نتائجه في تقرير التنمية في العالم "1993" والذي اتخذ موضوعه في ذلك العام عن الاستثمار في الصحة.

قبلها، كانت الدراسات الدولية قد عنيت كثيرا بأحوال المرأة في العالم، وكانت تهتم بموضوعات مثل الحقوق الاقتصادية أو الاجتماعية أو أحوال الهجرة بين النساء.

الجديد أن تمتد هذه الدراسات والتى تشارك فيها منظمات عدة مثل منظمة الصحة العالمية، ومنظمة الطفولة، ومنظمة الأنشطة السكانية- الجديد أن تمتد لقضية مثل العنف ضد النساء وتحاول استخراج أرقام وإحصاءات من الظاهرة.

ثلاثة أشكال!

وأشكال العنف متعددة أولها: ضرب الزوجات، أما الشكل الثاني فهو اغتصاب النساء أو محاولة اغتصابهن، ويجيء الشكل الثالث- وفق مفاهيم الدراسة- فيبحث في عمليات الختان التي تنتشر في الكثير من بقاع العالم.

في بلدان كثيرة قالت نسبة من النساء تتراوح بين " 20" و"50" بالمائة ممن شملهن البحث إنهن قد تعرضن لضرب من الزوج، وقال 18% منهن في غينيا الجديدة إنهن قد احتجن علاجا بالمستشفى نتيجة إصابات أحدثتها تلك الاعتداءات!.

و.. كما أسلفنا فالأمر غير مقصور على دول العالم الثالث، بل إن دول العالم المتقدم تشهد الظاهرة بوضوح، ربما لأن هناك قدرا كبيرا من الانتشار للخمور والمخدرات.. وربما لأن الحياة أكثر توترا وأكثر صعوبة.. المهم أن التقدم، وارتقاء سلم التعليم واعتلاء المناصب في بعض الأحيان.. كل ذلك لم يمنع من استخدام الرجل للعنف ضد زوجته.

في عينة واسعة من نساء الولايات المتحدة الأمريكية قال "22- 35" بالمائة إنهن قد ذهبن لأقسام الطوارىء بالمستشفيات نتيجة العنف المنزلي.. وذلك بخلاف حوادث الاغتصاب!.

وفي سيول قالت نساء بلغت نسبتهن "17%" من العينة إنهن تعرضن لحوادث اغتصاب أو محاولة اغتصاب! و.. وفقا لموجز البحث الذي عرضه البنك الدولي فإن عددا من الفتيات يتراوح بين "85" و"114" مليون فتاة تعرضن لعمليات ختان، وتشير الدراسة إلى 26 بلدا إفريقيا تجرى فيه ممارسة هذه العادة.. كما تشير لطوائف في الهند وماليزيا ومهاجرين إلى الغرب.. وتقول إن مليوني فتاة يتعرضن لذلك كل عام..!

و.. كرقم إجمالي لما تتعرض له النساء في سن الحمل، أي بين "15" و "44" عاما فإن "5%" من إجمالي ما تسببه الأمراض في العالم من أعباء يعود لاستخدام العنف بأنواعه.

والغريب أن النسبة ترتفع في الدول الصناعية لتصل إلى 19%!.

وعشر نتائج!

نتيجة لتلك الدراسات التي تمت في بلدان مختلفة اعتبر تقرير البنك الدولي أن العنف قضية صحية، وأن النتائج المترتبة عليه تبرر ذلك التوصيف.

من النتائج في الولايات المتحدة: إدمان الكحول والمخدرات، والإصابة بالألم المزمن، والاكتئاب.. وتقول الدراسات الأمريكية إن المرأة التي يطولها العنف المنزلي تتعرض للانتحار أو محاولة الانتحار خمسة أضعاف ما تتعرض له النساء الأخريات. نفس الشيء في العلاج الطبي "فالمضروبات، والمعتدى عليهن لما يحتجن فرص علاج تعادل خمسة أضعاف ما تحتاجه نساء أخريات لا يتعرضن للعنف!.

النتائج بعد ذلك، في الولايات المتحدة أو غيرها تدعو للتأمل والاستغراب.

النساء يتعرضن للضرب فيتعرضن للإجهاض، والأغرب أن يكون نصيبهن من المواليد ناقصي الوزن عند الولادة أربعة أضعاف نصيب النساء الأخريات!. الأخطر ما يترتب على المنازعات الزوجية في بلد مثل بنجلاديش- فمنازعات المهور، والعار من الاغتصاب أو الحمل بلا زواج تؤدى إلى عدد من الوفيات يصل إلى 6% من وفيات الامهات خلال عشرة أعوام تمتد بين عامي 1976 و 1986

في نفس الوقت، سجل "مركز حوادث الاغتصاب" في بانكوك أن 10% من المترددات عليه قد أصابهن مرض نقص المناعة "الإيدز" بسبب الاغتصاب، وهو ما جعل واضعي الدراسة يطلقون عبارة "الاغتصاب والإجهاض غير المأمون" على كثير مما يحدث!.

هل من سبيل لوقـف العنف؟- هل من سبيل يضبط السلوك داخل الأسرة ويمنع ضرب الزوجات أو الاعتداء عليهن؟.

الأمر يشغل بال المنظمات الدولية، فكما اكتشفت هذه المنظمات أن النساء أقل حظا في الصحة والتغذية- اكتشفت أيضا أنهن "أكثر حظا" إن جاز التعبير في مجال العنف والاعتداء عليهن!.

نتيجة لذلك، يطلق تقرير البنك الدولي، صيحة استغاثة "مطلوب إنقاذ النساء من العنف".. ويرصد التقرير محاولات في هذا الاتجاه:

في الولايات المتحدة تقود "الرابطة الطبية الأمريكية" حملة ضد العنف، وفي أمريكا توجه " 400" منظمة نشاطها لمكافحة القسوة ضد النساء.

وفي أكثر من مكان في العالم تزايدت الحاجة لدور الإخصائيين والاستشاريين.

الطريف أن تقرير البنك الدولي يطالب بتعزيز القوانين التي تكافح ضرب النساء، أو اغتصابهن.

والسؤال: هل يفيد القانون في حالة الاعتداء الجنسي؟ الإجابة: نعم.. فهذا هو ما تقضي به الشرائع السماوية والشرائع الوضعية.

ولكن.. ماذا عن ضرب واعتداءات ومشاجرات زوجية تنتهي الى المستشفيات أو تنتهي داخل جدران المنازل. وهو الأرجح؟.

ما يحدث، طبقا للأرقام السابقة يمثل ظاهرة اجتماعية تستحق الاهتمام.. أما العلاج فهو مازال بحاجة إلى كثير من الاجتهادات. القضية اجتماعية عامة.. لكنها داخل كل بيت، وكثيرا ما تكون بعيدا عن الأعين.

 

محمود المراغي

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات