لقد عرفت بعض
أنواع الأسماك مبدأ الكهرباء وكيفية التعامل معها واستخدامها بسهولة قبل أن يكتشف
الإنسان الكهرباء بزمن طويل، حيث إن هناك أنواعا من الأسماك يطلق عليها الأسماك
الكهربائية تستطيع كشف الأشياء والحيوانات الأخرى كهربائيا لدرجة أنها تستطيع
الاتصال مع بعضها البعض بواسطة حقول كهربائية معدلة "مضمنة Modulated ". يشبه عمل الأعضاء الحسية الكهربائية لهذه الأسماك
وتوليدها جهودا ونبضات تيارات كهربائية عالية لدرجة مذهلة عمل الدوائر الإلكترونية
المكونة من ترانزيستورات موس "MOS".
أسماك التيار
الكهربائي العالي..
تشمل أنواع
الأسماك الكهربائية طوائف مختلفة من أسماك المياه العذبة التي تعيش في أنهار
إفريقيا وأمريكا الجنوبية إضافة إلى أسماك المياه المالحة التي تستوطن مياه
المحيطات، وتقسم هذه الأسماك إلى نوعين:
الأسماك المولدة
لتيار كهربائي ضعيف: كأسماك غايمانرشوس "Gymnarchus" تولد هذه الأنواع من الأسماك حقولا كهربائية بترددات
"ذبذبات" منخفضة لها باكتشاف الأجسام القريبة إليها، وما يدعو للدهشة حقا، كما
يبدو، أن هذه الأسماك تستطيع تبادل المعلومات فيما بينها عن طريق إرسال إشارات
تيار معدل، ومن أمثلة ذلك إمكان بث المعلومات الكفيلة بالحفاظ على قوافل الأسماك
مجتمعة، ونشوب نزاع كهربائي بين قوافل الأسماك حول حدود أماكن وجودها، فضلا عن
أغاني التزاوج بين أفرادها. لقد أثبتت هذه القدرة على الاتصال عند هذه الأسماك
فائدة كبيرة عند اصطياد الأسماك الكهربائية، حيث إنها تجتذب إلى الشص أو شبكة
الصيد استجابة لإشارات كهربائية معينة يطلقها الصيادون.
أسماك التيار
الكهربائي العالي: تضم هذه الطائفة فصيلة سمك الشفتين البحرى والسللور الكهربائي
وتستطيع هذه الأسماك بواسطة أعضائها الكهربائية توليد جهود كهربائية عالية جدا
مقارنة مع أبناء عمومتها من فصائل أسماك التيار الضعيف كي تشل فرائسها وتبعد
المتسللين الغزاة من الحيوانات الأخرى.. يحتوي سمك الأنقليس الكهربائي مثلا على
ثلاثة أعضاء لتوليد الكهرباء وهي:
- عضو يولد تيارا
كهربائيا "نبضات" لاجتذاب وإغواء الفرائس.
- عضو يولد ساحة
كهربائية ضعيفة لكشف الأشياء.
- عضو يولد جهودا
كهربائية عالية، يعتمد ذلك على حجم السمكة،. ويولد جهودا كهربائية تتراوح بين 300
- 800 فولت، لذا فأي فريسة تجرؤ على الاقتراب من سمك الانقليس الكهربائي ستجد نفسها
لا محالة أمام سد من الصدمات الكهربائية.
الأسماك الكهربائية
علاج طبيعي
تمتاز الأسماك
الكهربائية بخاصية مفيدة جدا اكتشفها واستخدمها قدماء الرومان والإغريق فعالجوا
بها بعض الأمراض كمرض النقرس Gout بتعريض
المريض إلى صدمات كهربائية يطلقها سمك الشفتين البحري، بيد أن هذه الأنواع من
المعالجة لم يكتب لها البقاء طويلا، لعل السبب في ذلك يرجع إلى القدرة المطلوبة
لتحمل هذه الصدمات التي لا يستطيع تحملها إلا المرضى من ذوي البنية الجسدية
القوية.
لم يغفل الطب
الحديث ذلك فقد طور وسائل علاجية بالصدمات الكهربائية أكثر راحة من بين هذه
الوسائط العلاجية جهاز مقلد التيار "Simulator" لمعالجة مرض اضطرابات الدورة الدموية والأمراض العضلية
والعصبية.
وتتكون الأعضاء
الكهربائية عند هذه الأسماك من عدد هائل من الألياف العضلية بسماكة 10 ميكرومتر
للواحدة منها، يطلق عليها الصفائح الكهربائية "Electroplates" تولد الواحدة
منها جهدا كهربائيا حوالي 14.. فولت، في حين تولد أسماك غايمانرشوس
Gymnarchus جهود تيار مستمر DC متقطع من "3- 10" فولت بتردد 300 هرتز HZ، وتولد سمكة انقليس مكتملة النمو بطول مترين نبضات جهد
عال حتى 7 نبضات بتعاقب سريع فتعطي جهدا كهربائيا يصل إلى حوالي 800 فولت بشدة 1
أمبير.
خلايا حية ورقائق
صناعية
تتولد نبضات
الجهد العالي على مرحلتين: المرحلة الأولى أشبه ما تكون بعملية شحن المدخرة
الكهربائية، حيث تعبر الشوارد الكهربائية باستخدام الطاقة الكيميائية، عبر أغشية
الصفائح الكهربائية "Electroplates" التي
تشحن بتيار سالب نسبة للوسط المحيط، وفي المرحلة الثانية تتولد نتيجة تهيج الأعصاب
نبضة جهد لكون جانب واحد فقط من الصفيحة الكهربائية قد أصبح في حالة عدم استقطاب
"depolarization" بينما بقي هناك فرق كمون "Potential
Difference" على الجانب الآخر للصفيحة، أثناء حالة اللا استقطاب تفتح
آلاف المسامات في غشاء كل صفيحة كهربائية مما يسمح بعبور الشوارد السالبة دونما
حاجة لطاقة كيميائية، من أجل تعادل الجهود تولد الأسماك الكهربائية تيارا عالي
الشدة بربط آلاف المسامات في الصفيحة الكهربائية مع بعضها بالربط على التوازي ثم
ربط عدة صفائح كهربائية مع بعضها على التوازي أيضا، من ناحية أخرى تتولد جهود
كهربائية عالية بربط العديد من الصفائح الكهربائية على التسلسل تهيج جميعها في آن
واحد جراء نبضات عصبية مشكلة بذلك تأثيرا موحدا لمجموع الجهود الإفرادية، يولد
الانقليس الكهربائي جهدا يصل إلى 700 فولت نتيجة ربط 6000 صفيحة كهربائية مع بعضها
على التسلسل.
أما النظير
التكنولوجي لهذه الصفائح الكهربائية المكونة من عدة آلاف من المسامات الغشائية
القابلة للتحكم بها فهو الرقاقة الإلكترونية "Chips" من نوع سبموس "Sipmos" المكونة من عدد من خلايا الترانزيستورات بحدود 6000
واحدة ربطت على التوازي، وهذا النوع من التصميم يحافظ على قيم المقاومة
"Resistance" في حدودها الدنيا، وعند الحاجة
لمزيد من الطاقة يمكن الحصول على ذلك بربط عدد من الترانزيستورات
"Sipmos" على التوازي، ونظرا لمعامل
Coefficient درجة الحرارة السالب فإن هذه الطريقة
تؤمن توزعا متساويا للتيار لجميع الترانزيستورات الإفرادية.
وتستخدم
ترانزيستورات "Sipmos " للاستفادة منها عند الحاجة لتحويل الجهود الكهربائية أو
التيار الكهربائي بسرعة ولكن بطاقة منخفضة، كما الحال بالنسبة لمحولات التيار
المستمر، أو عند التحكم بالمحركات.
رائد في تحويل
الجهود.. وموح بالاكتشافات
تتبع "تقنية"
الأسماك في تحويل الجهود الخفيفة إلى جهود عالية في المدارات الإلكترونية المتطورة
لتحويل الجهود باستخدام مكثفات Capacitors محولة Switched،
ويعتمد الأسلوب المتبع أساسا على مبدأ إضافة الجهود الإفرادية لمكثفات شحنت مسبقا
وربطت على التوازي في الوقت الذي تغلق فيه مدارات ترانزيستورات Mos، مع كل هذا وعلى الرغم من شدة تعقيد هذه الدوائر
الإلكترونية إلا أننا نجد في الطبيعة مبدأ محولات الجهد المتطورة عند الأسماك
الكهربائية البدائية.
وفي حقيقة الأمر
فإن نعت هذه الأسماك بالبدائية لا ينفي عنها أنها صورة من صور المادة الحية التي
تنطوي على أسرار تقنية لو تأملها العلماء والمكتشفون لتبينوا فيها حلولا عبقرية
لمشكلات صناعية يواجهها إنسان نهاية القرن العشرين وما بعده، أي إنسان الزمن الذى
يتضح فيه أن الحي أكثر دقة من المصنوع وأنه ينبغي أن يكون المثل الأعلى لتكنولوجيا
القرن الحادي والعشرين.. قرن الانتباه إلى الآثار الجانبية المدمرة للبيئة المتخلفة
عن الاندفاعات الخالية من التبصر لما كان يسمى بعصر الصناعة وعقود تقديس
الآلة.
عن العربي
اتصل بنا
قصص على الهواء
