عندما يتمرد الجسد

   عندما يتمرد الجسد
        

 أدرك الإنسان منذ القدم الارتباط القائم بين الجسد والروح (النفس) وكان هذا الارتباط موضوعاً أساسياً من المواضيع الفلسفية التي شغلت الإنسان في بحثه من إجابات لاسئلة كثيرة حول نفسه والعالم من حوله.

          ليس هناك اتفاق حتى الآن حول مصطلح "النفسي الجسدي" الذي ظهر في ثلاثينيات وأربعينيات هذا القرن على يد المحللين النفسيين الألمان المهاجرين إلى الولايات المتحدة الأمريكية والطب النفسي الأمريكي، ويوجد حول هذا المصطلح رؤى مختلفة تتمثل في الرؤية التقليدية للطب، أي بشكل مبسط البحث عن علاقة سبب بنتيجة والرؤية المنطلقة من الوحدة البيولوجية والنفسية والاجتماعية للإنسان.

         وترى الرؤية التقليدية للطب أن المرض النفسي الجسدي يتمثل في أنه على الرغم من عدم وجود مرض عضوي محدد، فإن المريض يشكو من أوجاع وشكاوى مختلفة ليس لها سبب واضح (بعد)، أو أن العوامل النفسية تتسبب بوضوح في حدوث مرض جسدي ما، كالقرحة الهضمية مثلاً، وهي أمراض يمكن معالجتها بالطرق التقليدية للطب كالأدوية وحدها أو بالتدخل الجراحي، فالطب التقليدي من هذه الزاوية يرى أن المرض النفسي الجسدي عبارة عن فئة من الأمراض كأمراض الاستقلاب أو الأمراض المعدية.

         وقد قادت هذه الرؤية الطب التقليدي إلى أزمة في، الربع الثاني من هذا القرن بسبب عجز هذا المفهوم للمرض عن الإجابة عن تساؤلات كثيرة ونشوء التحليل النفسي الذي قلب المفهوم التقليدي السائد حول المرض. أما الرؤية الأخرى فتنطلق من كلية الإنسان، من أنه عبارة عن وحدة تفاعلية بين العوامل الجسدية والنفسية والاجتماعية، إنها تنظر للإنسان ككائن بيولوجي مغروس في شبكة اجتماعية معينة تحدد له في كثير من الأحيان الكيفية التي عليه أن يستجيب بها لإرهاقات وتفاعلات معينة والطريقة التي عليه أن يمرض بها ويسهم هو كذلك بدوره في هذه التفاعلات من خلال أسلوب استجابته، ووفق هذه الرؤية يؤثر كل اضطراب نفسي أو اجتماعي في الجسد، وكل اضطراب جسدي يؤثر في النفس، ولكن ليس بطريقة خطية وحيدة الاتجاه، وإنما بطريقة تفاعلية دائرية متشابكة التقاطعات. وعندما يتم تجاهل أحد هذه الجوانب، فإن العلاج غالبا ما لا يقود إلى نتائج مثمرة مهما بلغت دقة التقنية المستخدمة وفاعلية تأثيرها. ومعروفة هي مثلا التأثيرات المختلفة للمادة نفسها على أشخاص مختلفين. فمن يحقق مكاسب ثانوية- مثلاً- عن طريق المرض كالحصول على مزيد من الاهتمام والرعاية وتنازل الاخرين عن حقوقهم له، فلن تؤثر فيه الأساليب العلاجية التقليدية التي لا تأخذ هذا التشابك البيولوجي النفسي الاجتماعي بعين الاعتبار. كما أن هناك تشكيلات أو منظومات اجتماعية وأسرية تحافظ على العرض المرضي من أجل تحقيق توازن معين في المنظومة لأن الوفاء سيولد بلبلة في توزيع الأدوار والتوازنات. ولا توجد حدود بين جوانب هذا التفاعل الدائم من ناحية الشخص، ولكن من ناحية المعالج لابد من وجود حدود ضرورية بسبب عدم وجود أي مجموعة مهنية تستطيع الادّعاء بأنها تمتلك وحدها الكفاءة اللازمة لمراعاة جميع الجوانب.

         وهنا ينبغي على من يتعامل مع مثل هذه الأمراض أن يكون على دراية جيدة بحدوده وإمكاناته، سواء أكان طبيباً أم معالجاً نفسياً، وأن يقوم بتحويل المريض الذي يشكو من أوجاع نفسية جسدية كل إلى المتخصص الآخر إذا ما وجد أحدهم أن مساعدته لم تأت بالنتائج المرغوبة.

         وهناك رؤية تقول إن كل مرض هو في النهاية مرض نفسي جسدي، غير أن هذه الرؤية أحادية الجانب، فليس وراء كل إصابة بالانفلونزا- مثلاً- مشكلة نفسية إذ إن كثيراً من الأمراض تكون عضوية خالصة كما أن بعضها يكون موروثاً، وعلى العكس كذلك، فإن بعض المشكلات ذات طبيعة اجتماعية - نفسية. والرؤية الكلية للوحدة التفاعلية بين الجسد والنفس وحدها تتيح لنا إمكان معرفة الحدود التخصصية والطبيعة البيولوجية الاجتماعية- النفسية للأمراض. ويمكن القول بشكل مبسط إن الأمراض والاضطرابات النفسية الجسدية تنشأ تعبيرا عن أن أسلوب الحياة والتفكير السائد حتى الآن عند الشخص لم يعد صالحاً لحل المشكلات الجديدة الناشئة أو لهذه المرحلة من الحياة. إنها تنشأ نتيجة مباشرة أو غير مباشرة لنمط الحياة المتبّع حتى الآن، والخطر في كثير من جوانبه دون أن يعي الفرد خطورة هذا النمط بالضرورة، لأنه ربُي على هذا الأسلوب وتعلمه، فأصبح جزءاً منه، جزءاً من شخصيته وعاداته، كما تنشأ نتيجة أسلوب الحياة العصرية التي تجبرنا على قمع انفعالاتنا ومشاعرنا، ولا تسمح لنا بالتعبير الصريح عنها إلى درجة لا نعود ننتبه فيها إلى هذه المشاعر وكيفية عملها وتأثيرها فينا، بل وننساها أحياناً لتعود وثعبّر عن نفسها بأسلوبها الرمزي وفق مبدأ الحتمية النفسية في التحليل النفسي أو التنافر بين ما هو قائم وما يرغبه الفرد وفق رؤية روجرز. بالإضافة إلى ذلك، يعتقد بوجود مناطق ضعف مبرمجة بيولوجياً تسهم في أن هذا الشخص يصاب بصداع، وآخر بالقرحة المعدية أو بالتحسس الجلدي، وهي رؤية نادى بها ألكسندر في أواسط هذا القرن، وتقول بوجود تشكيلات معينة من الصراع تقود إلى أمراض نفسية جسدية معينة وبوجود مناطق في الجسد قليلة الإثارة ومناطق أخرى مفرطة الإثارة محددة  بنيوياً. وهناك جدل حول هذه الرؤية، غير أن لها ما يبررها بشدة أيضاً. وهناك كذلك عوامل البيئة كالظروف المهنية غير الملائمة والمشحونة بالصرا، "؟ والظهـ وف السكنية غير المناسبة، والعلاقات الأسرية والاجتماعية، والظروف ا لا قتصادية ووجود ملوثات معينة في الأرض والماء والهواء. ويطلق العلماء على هذا تسمية التسجيب متعدد العوامل. أما كيف يحصل التتبيت أو تمركز المرض، أي التجلي الواضح للمرضر الجسدي وأحيانة التضرر العضوي الفعلي، فذلك يتعلق بالتمسك أحادي الجانب حول أسباب المرض وبالطرق القديمة من الحلول، أي من خلال مكافحة الأعراض! بالأدوية أو بالبحث عن المذنب والتوقعات المبالغ بها التي يحملها المريضر تجاه الطبيب صانع المعجزات، كل هذه الأشياء تعيق تحفل المسئولية الذاتية اللازمة للمريفر وللأقارب في البحث عن الحل.

تمرد الجسد

         عندما تصل الصراعات اللاشعورية إلى مرحلة يصبح فيها الجهاز النفسي غير قادر على الحفاظ على الضغط الداخلي ضمن سيطرته، وعندما يرففر الجسد ألاستمرار في اللعبة اللاشعورية التي نمارسها  وتفشل وسائل دفاعنا في الحفاظ على التوازن، أو عندما يصل التنافر إلى مرحلة عدم إمكان تحقيق الانسجام بين مفهوم الفرد لذاته والممارسة الوأقعية لهذأ المفهوم أو عندما يتهدد نظام المنظومة بالانهيار نتيجة عدد التوازن في علاقات المنظومة ألاجتماعية أو الأسرية يتمرد جسدنا علينا بأسلوبه الخاص بإجبارنا على حل الصراعات أو التنافر المسبب للصراعات، وإن كان ذلك بطريقة رمزية ولاشعورية على الغالب، وعلى حساب إحساسنا الجسدي بالراحة والعافية أيضأ، إنه يتمرد حتى لو كان في ذلك إحساس بالألم الجسدي، ولكن ربما كان الألم الجسدي أخف وطأة من الألم النفسي، وفيما يلي أمثلة عن أشكال هذا التمرد:

ضغط الدم وارتباطاته النفسية

         يعتبر ارتفاع ضغط الدم من الارتكاسات الطبيعية على المتطلبات من جميع الأنواع وخصوصأ في المواقف المثيرة والمسببة للتوتر. ولكن الارتفاع المستمر ضغط الدم يحمل معه عواقب وخيمة، ومشكلة ارتفاع ضغط الدم أن المريض لا يلاحظ ذلك على الإطلاق، حيث يشعر على الأغلب بالصحة والعافية، لذلك يغلب أن يتلا اكتشاف وجود ضغط دم مرتفع في أثناء إجراء الفحوص الروتينية أو في سياق مرض آخر. فإذا ما تتم التأكد بعد سلسلة قياسات لا مختلفة من وجود ارتفاع في ضغط الدم فلابد من البدء بالعلاج بسبب الآثار المضرة المحتملة لارتفاع ضغط الدم كتبدّل جدران الأوعية أو اضطراب التروية الدماغية التي تسبب الشعور بالدوار وتراجع الذاكرة واضطرابات في الرؤية. كما يمكن أن يسبب الضغط المرتفع الذبحة القلبية أو السكتة الدماغية. وقد ساد الاعتقاد لفترة طويلة أن ضغط الدم يرتفع بشكل طبيعي مع التقدم في العمر، غير أن هذه الفرضية باتت اليوم غير صحيحة، ومن هنا لابد من أخذ ارتفاع الضغط الشرياني في سن الشيخوخة مأخذ الجد وعدم إهماله.

         وتتصف شخصية مرضى أرتفاع الضغط الشرياني بأنهم يعيشون مع الشعور بأن عليهم توكيد أنفسهم وإثبات ذواتهم، وغالباً ما لا يستطيعون العيش إلا تحت ضغط الوقت، وهذا الاتجاه الحياتي لا يتم اكتسابه من خلال التربية فحسب، وإنما من خلال مجرى الحياة ككل، وكثير من المرضى يقومون بإخفاء مشاعر كالخوف والغضب والحنق عن المحيطين بهم، وبالتالي يسهمون بتضخيم توترتهم الداخلي، ويتحررون بشكل مؤقت عندما يتمكنون من تفريغ غضبهم، إلا أن هذا التفريغ غالباً ما يكون عندئذ شديداً لدرجة أنهم يصطدمون بارتكاسات المحيطين بهم، وبالتالي تزداد سيطرة المريض على نفسه أكثر فأكثر كي لا يصطدم بمثل هذه الارتكاسات. وحتى، عندما يكون مفرط النشاط ومستعداً للبذل والعطاء، فإنه يعتقد أن الآخرين يستغلونه، أو أنه لا يلقى الاعتراف المناسب من قبلهم، الأمر الذي يقود إلى أرتفاع شدة الميول العدوانية تجاه الأشخاص المحيطين به.

         ويمكن للتوتر والغضب في الأسرة أو مع الزملاء في العمل أن يجعل الضغط الدموي دائم الارتفاع، ويشكّل التبديل المستمر لمكان العمل والسكن خطراً إضافياً لارتفاع ضغط الدم مقارنة بالأشخاص الذين يعيشون ضمن شروط حياتية مستقرة. في كل هذه الأشياء، يشعر المريض بالخيبة ويحاول تحقيق تعويض بديل عن خيبته من خلال ازدياد الطعام والشراب. وبالتالي يزداد إرهاق القلب والدورة الدموية وكذلك خطر الإصابة بالذبحة القلبية.

         وبسبب عدم شعور المريض بارتفاع ضغط الدم بالمرض، فإنه على الغالب لا يقوم بتناول الدواء بصورة منتظمة، وهذا الأمر غاية في الخطورة، فالتناول المنتظم للأدوية يخفف من العواقب الخطيرة لارتفاع الضغط، غير أن الدواء ليس هو الوسيلة الوحيدة بحد ذاتها لتخفيض ضغط الدم، فالتغذية الصحيحة المتوازنة والنوم الكافي وتنظيم أوقات الفراغ يمكنها خفض ضغط الدم. كما يمكن تعلم طرق الاسترخاء الذاتي وطرق سلوكية أخرى تساعد على تخفيض ضغط الدم واستقراره.

البحث عن الأمان

         تغلب ملاحظة القرحة المعدية والاثنى عشرية في أواسط العمر تقريباً، وغالباً ما تظهر بشكل مفاجئ أو تعود للظهور بعد مرحلة من الشفاء. وفي القرحة المعدية يشعر المريض بمشاعر الضغط والشعور بالامتلاء بعد الطعام وآلام في المنطقة العليا من البطن، بالإضافة إلى التجشؤ والتقيؤ، أما في حالة قرحة الاثنى عشر، فتظهر الآلام عندما تكون المعدة فارغة وتشتد الآلام ليلاً، وتتراجع عند تناول الطعام.

         وغالباً ما يشعر المرضى بالتعب السريع وآلام في الأعضاء وصداع وأرق، أما الوضع النفسي، فيتميز برغبات الأمان المكبوتة والحنين والشعور بالوحدة.

         تسهم في الإصابة بالقرحة المعدية عوامل البيئة كالضجيج والعمل في ورديات ومتطلبات الإنجاز المتزايدة ونقص الدفء الانفعالي الإنساني والأمان. إلا أنه لدى غالبية الناس يمكن أن يظهر الاضطراب نتيجة وجود استعداد ولادي. فمن خلال فرط النشاط في منطقة البطن والأمعاء، يصعب على الطفل الاسترخاء في أثناء تناول الطعام. ويصح هذا بالتحديد عندما لا يراعي الأهل فرط حساسية طفلهم، عدئذ فلن يشعر هذا الطفل بالارتباط بين تناول الطعام والإحساس بالأمان، إن الإحساس بعدم امتلاك الشعور بالأمان ولو لمرة واحدة بشكل صحيح يمكن أن يستمر طوال الحياة ويتجدد باستمرار في أثناء الطعام بالتحديد، ومن ثم يتم "ابتلاعه" ثانية.. وهكذا.

         يتعرض الأشخاص الذين يهاجرون من وطنهم لأسباب مختلفة للإصابة بالقرحة الاثنى عشرية، وكذلك الذين يشعرون بالوحدة الشديدة أكثر من غيرهم. ويعيش المرضى في صراع دائم، ففي المهنة يتنافسون مع الآخرين باستمرار على الرغم من أنهم يبحثون في الآخرين عن القرب والتعلق. إنهم يريدون الاستقلالية ومودة الآخرين في الوقت نفسه، ويشعرون بأن عليهم دائماً إثبات قوتهم لشريكهم الذي يشعرون بأنهم متعلقون به.

         وبالنسبة للشفاء من المرض، فإنه من المهم أن يفهم المريض رغباته ويتعلم التعبير عنا أمام الآخرين. وعلى الرغم من أن البذل المهني مرغوب، فإنه ينبغي عدم المبالغة به. ولابد للمنافسة المستمرة مع الاخرين من أن تحمل الكثير من الخيبات في طياتها، التي لا يستطيع المريض تحمّلها، كما أن الخوف من فقدان العمل يمكن أن يقود إلى إرهاقات شديدة، وعندما تفعل الوسائل الطبية والحمية في تحقيق التحسّن، لابد من إعادة النظر في الوضع الحياتي.

النشاط والمتعة في الروماتيزم

         تشكّل الأمراض الروماتيزمية طائفة من أشكال الألم، التي ينبغي على الطبيب بالدرجة الأولى القيام بتشخيصها بدقة، ذلك أن الآلام نفسها يمكن أن تكون موجودة في أمراض عضوية مختلفة. وحتى اليوم مازالت أسباب الأمراض الروماتيزمية غير معروفة بكاملها. وقد أمكن استنتاج وجود ترابطات نفسية جسدية بشكل خاص في التهاب المفاصل الروماتيزمي وروماتيزم البطن (روماتيزم العضلات الوظيفي). ويتمثل تمرد الجسد هنا في أن المريض يعاني من آلام مبرحة في المفاصل والعضلات، وغالباً ما يلزم المرضى الفراش ولا يستطيعون النهوض دون مساعدة الآخرين.

         أما الأسباب الكامنة، فتتمثل في أنه منذ الشباب المبكر كان كثير من مرضى الروماتيزم قد شهدوا خبرة أن العالم بالنسبة لهم قاس وجاف. إنهم يعتقدون أن البقاء لا يمكن أن يدوم إلا من خلال النشاط والبذل والسيطرة. وتنشأ مشاعر الذنب لديهم عندما يخشى هؤلاء من أن بذلهم ونشاطهم يجعلهم غير محبوبين من قبل المحيطين بهم. ويخشى مرضى الروماتيزم دائماً من المنافسة المهنية ووقت الفراغ، إنهم يريدون توكيد ذاتهما في النشاطات الرياضية والحصول على الاعتراف، كما يمكن أن يكون الأمر على عكس ذلك تماماً، وذلك عندما يرغب المريض بالروماتيزم في خدمة محيطة، والتضحية من أجل الآخرين فقط.

         ويتميز مرضى روماتيزم المفاصل بشدة النشاط، ويمكنهم أن يعبروا عن عدوانيتهم عن طريق الألم المستمر. وغالباً ما يتميزون بالدقة ووعي المسئولية، ويعتقدون بالإضافة إلى ذلك بأنهم غير ناجحين وبالمقابل، فإن مرضى روماتيزم البطن يبدون دائماً بمظهر المحافظ على صحته ويتجنبون بمساعدة الألم التعرض لإرهاقات إضافية. غير أن هذا السلوك يمكن أن يقود إلى أن يزداد الألم والتشنج شدة بسبب عدم الحركة، ويغلب أن يشكل المرض فرصة للتملص من المسئوليات.

         ويمكن تخفيف الألم الشديد من خلال العلاج الفيزيائي، أما العلاج الدوائي بالأدوية المخففة للألم والكابحة للالتهاب، فلها عواقب سلبية على المدى البعيد. وحدها مضادات الاكتئاب يمكن أن تكون ذات فائدة، ولكن ينبغي استخدامها باستشارة الطبيب، وهناك بعض الأدوية الطبيعية التي يمكنها المساعدة. ومن ناحية أخرى على المرضى أن يتعلموا التعبير عن رغباتهم وأن يختاروا نشاطات تقدم لهم المتعة وليس تلك القائمة على المنافسة. وقد يقدم التعبير الصريح عن العدوانية الراحة لبعض المرضى. وقد يقدم الاستشفاء الاستجمامي في منابع المياه الحارة الفائدة لأولئك المرضى الذين يفتقدون الدفء الإنساني تم والذين يرغبون أن يشعروا بمتعة الاعتناء بهم، شريطة أن يتم اختيار ألاستشفاء وليس بناءعلى رغبة الطبيب.

تغيير إيقاع الحياة اليومية

         حوالي 90 %  من أنوأع الصداع ككل لا يوجد لها أي سبب جسدي. وصداع الشقيقة يظهر لدى النساء أكثر من الرجال. وتعني الشقيقة أن أحد نصفي الرأس لا تتم ترويته بشكل سليم. ذلك أنه في حالة التركيز المرتفع يعمل نصف الدماغ بشكل أكبر من النصف الآخر.

         يعاني مرضى الشقيقة من ألم مبرح يستمر ساعات ويترافق ببرودة في الأقدام والأيدي وفرط حساسية للضوء والضجيج وبدوار وتقيؤ. وبشكل خاص يستجيب المرضى بحساسية لسوء التأقلم المترافق غالباً مع تبدّلات الطقس والتغذية غير الصحيحة وعدم انتظام النوم والإرهاق في العمل أو في الأسرة. وعادة ما يتم في الشقيقة تناول المسكنات التي ترفع مع الزمن من الحساسية للألم وبالتالي يمكن أن تقود للإدمان.

         وتكمن أسباب الحقيقة في أن مرضاها يتوقعون من أنفسهم منذ الطفولة تحقيق إنجازات عالية، ويجهدون أنفسهم عقلياً في العمل بشكل خاص، ولاسيما إذا كان العمل مرتبطاً بنقص في الحركة، بالإضافة إلى ذلك يخافون من عدم القيام بدورهم بصورة كافية كآباء أو كأزواج أو في المهنة، إنهم لا يستطيعون الاسترخاء حتى في أثناء النوم.

         علاقتهم بالمحيطين بهم غالباً ما تكون غير شخصية ومتوترة، إنهم يتمنون الاهتمام بهم أكثر، غير أنهم من جهة أخرى يصدّون الأشخاص الذين يتقربون منهم كثيراً. إنهم يحتاجون لمساحات كافية من الحرية، وهم طموحون ودقيقون وشديدو الصبر ويتحملون المسئولية وينزعجون بسهولة، ولأنهم يريدون باستمرار الكفاح وتوكيد ذاتهم فإنهم غالباً ما يشعرون بالذنب تجاه المحيطين بهم.

         إذا ما كان مرضى الشقيقة منذ الطفولة يسعون نحو الإنجاز وبالتالي يضعون أنفسهم تحت الضغط، فإن العلاج النفسي يمكن أن يساعدهم هنا. كما ينصح بتمارين الاسترخاء والتدليك والإبر الصينية، وينبغي تخفيض الأدوية بالتدريج، ويمكن لتغيير ظروف الحياة أن يساعد هنا أيضاً.

الغذاء والبيئة

         ليس كل فرط في الحساسية عبارة عن تحسّس، فهناك ثلاثة أنواع من فرط التحسّس تتمثل في التسمم والخاصية المزاجية أو البنيوية Idiosyncrasy والتحسس، وفي التحسس يكون جهاز المناعة الجسدي مفرط النشاط، وعندما يصاب أحد الأشخاص بتحسس حاد ( أي تحسس يظهر بسرعة ودون سابق إنذار ويصل إلى قمته خلال وقت قصير)، فقد يرتبط ذلك مع حالة صدمة مهددة للحياة. الا أن غالبية أشكال التحسس غالبا ما تظهر على شكل تحسّس احتكاك مزمن يتجلى على شكل ربو والزكام التحسسي والإسهال وأمراض الجلد وحمى القريص عندما يتمرد الجسد. وتغيرات في مستوى الدم. وهناك مواد مختلفة تطلق عليها تسمية المحسّسات أو مولدات الحساسية يمكن أن تثير هذه الارتكاسات. فالغضب والحزن المقموعان يقوّيان من ارتكاسات التحسّس. بالإضافة إلى ذلك غالباً ما يكون هناك ضعف في الاحتكاك بمواد معينة ترهق المريض بصورة إضافية، وبالتالي تحدث فرط إثارة بالعضوية تضعف من قوة الدفاع أو المناعة فترتفع شدة فرط الحساسية.

         وفي بعض الأحيان، يتم الخلط بين التسمم والارتكاسات التحسّسية، فكثير من سموم البيئة (في الطعام والملابس.. إلخ) تسبب اضطرابات شبيهة بالارتكاسات التحسّسية، وإلى جانب ذلك هناك الخاصية المزاجية أو البنيوية، أي فرط الحساسية الجسدية للاتصالات البين إنسانية. فالمرضى هنا يرتكسون على روائح معينة أو أشخاص أو مواقف ما بتغيرات في الجلد أو في التنفس أو في محيط المعدة والأمعاء.

         ويمكن للأنواع الثلاثة هذه أن تظهر مع بعضها، وأحياناً يختلط الأمر على الجسد إلى درجة أنه لا يعود يعرف كيف يحمي نفسه من الجراثيم والفيروسات. كما تنشأ التهابات مزمنة لأن الجسد يستجيب بشكل "تحسسي" على نفسه.

         وأول خطوة في الشفاء هي البحث عن المواد التي يمكن أن تسبب التحسس للمريض (صابون معين، عطور، روائح، الألبسة... إلخ). وفي حالة الخاصية المزاجية أو البنيوية، فلابد من العلاج النفسي، وفي حالة التحسس الغذائي، لابد من تجنب الأطعمة المسببة للحساسية ومن بينها حليب البقر والبيض والسمك والحمضيات. وفي كل الأحوال، لابد من تجنّب إعطاء الكورتيزون بسبب العواقب الوخيمة، وهو لا يساعد إلا في الحالات الحادة التي تهدد باقتراب الصدمة. وهنا لابد من أن يكون ذلك تحت إشراف الطبيب.

 

سامر جميل رضوان