فيديريكو فيلليني: ساحر السينما.. الذي غاب رؤوف توفيق

فيديريكو فيلليني: ساحر السينما.. الذي غاب

ما من أحد أحب السينما.. متفرجا عاديا أو كاتبا فيلسوفا أو ناقدا.. ممثلا أو مخرجا.. إلا ويحمل له ذكرى جميلة.. ربما مشهدا من أفلامه.. ربما موقفا.. عبارة قالها.. حنينه الدائم لأيام البراءة والمرح الصافي والفن الحقيقي الصادق، إصراره على ألا يترك بلاده مهما ضاقت به الظروف.

كان وداعه مهيبا.. وداعا يليق بالزعماء .. ولم لا؟ فهو المخرج "فيديريكو فيلليني" زعيم حقيقي في فن السينما، والذي توفى في نوفمبر الماضي، ذلك الذي سجل لتاريخ السينما الإيطالية المعاصرة علامات واضحة. واحتفظ لها بسمعتها ومكانتها العالمية ، وتحول أي فيلم يخرجه أو أي مشروع فيلم ينوي إخراجه، إلى حدث فني وثقافي يتلقفه العالم باهتمام وفضول غير مسبوق !

ورغم أنه قضى ما يزيد على أربعين عاما في حقل الإخراج السينمائي (كان أول أفلامه الروائية عام 1952- فيلم "الشيخ الأبيض") .. إلا أن إسلوبه في العمل ظل لغزا غير مكتشف حتى بالنسبة للمثلين والفنيين العاملين معه في الفيلم .. فهو يبدع ويبتكر من جنين اللحظة التي يبدأ فيها العمل داخل الاستوديو، ولا يعتمد على أي سيناريو مكتوب، رغم أنه يعتمد دائما على اثنين من أشهر كتاب السيناريو في إيطاليا، إلا أن السيناريو الحقيقي للفيلم يتبلور أثناء العمل، وربما لا يتبقى من السيناريو المكتوب إلا هيكله الأساسي، أو مجرد الفكرة، وحتى الفكرة هي أصلا للمخرج "فيلليني" وهي دائما من رصيد تجاربه ومشاهداته في الحياة، وحركة المجتمع، فهو المراقب اليقظ، والمتأمل الواعي لأبسط الأفعال والأشكال.. قد يستثيره موقف عابر، أو شكل إنسان فيتوهج خياله، وتتوالى الصور في تدفق ساحر ومميز!.

منطق عدم الاحتراف

وفي أحد اعترافاته عن أسلوبه في العمل، والتي سجلها "ثاي جارنيت" في كتاب "قرن من السينما".. قال المخرج "فيلليني" في بساطة مذهلة: "أنا أصنع الأفلام لأنه يبدو لي أن كل شيء يدفعني بشكل طبيعي في هذا الاتجاه، حتى أنني أتذكر عندما دخلت الاستوديو لأول مرة مخرجا لفيلم، وفتحت فمي لأصيح "أكشن" "كاميرا". خيل لي لحظتها أنني كنت أقول هذه الكلمات منذ زمن طويل، وأنني لا أستطيع أن أفعل شيئا آخر.." "ولا بد من الاعتراف أنني قبل بداية أي فيلم أشعر بالرهبة والتوتر والرغبة في الهروب ولكن عندما تتوالى أيام التصوير أشعر أن الفيلم هو الذي يقودني ولست أنا الذي يقود الفيلم.!

والمدهش أن هذا المفتون بالسينما ظل على عشقه بمحبوبته بنفس مشاعر الحب الأول من الرهبة والتردد، حتى بعد أن وصل إلى سن السبعين ، وأصبح عليه أن يبدأ تصوير فيلمه "صوت القمر" (آخر أفلامه التي عرضت في بدايات عام 1990).. إذ قال : (بعد التورط في بدء التصوير، كانت حالتي مثل حالة عجوز يجلس متجمدا في برد الشتاء أمام البحر ، لا يحميه من البرد سوى معطف وطاقية صوف، ولا يكف عن ترديد إمكانه العوم في البحيرة المتجمدة، ويؤكد لمن حوله أنه عازم على تنفيذ وعده، ولكن لا أحد يحاول أن يثنيه عن عزمه.. فيضطر أن يلقي بنفسه في الماء المتجمد)!.

ومنطق عدم الاحتراف الذي تعامل به "فيلليني" مع السينما هو الذي جنبه التورط في أعمال لا يحبها وجنبه أيضا التكرار والاستسهال، وفي نفس الوقت احتفظ له ببريقه وازدهار خياله، وسحر ألعابه الفنية، وتميز أسلوبه في الحكي السينمائي. مما أشاع حوله جواً من الاحترام والانتظار، والدهشة والمتعة أيضاً.

وقد استحق المخرج "فيلليني" خمس جوائز أوسكار. كانت الأولى عام 57 عن فيلمه "الطريق" والثانية عام 58 عن فيلمه "ليالي كابيريا"، والثالثة عام 64 عن فيلمه "8.5"، والرابعة عام 75 عن فيلم "إني أتذكر".

أما الأوسكار الخامسة فقد نالها في احتفال خاص عام 93 وكانت عن مجمل أعماله السينمائية، وقام بتسليم الجائزة له اثنان من أشهر نجوم السينما الإيطالية: صوفيا لورين، ومارشيللو ماستروياني.

وكان قد فاز عام 61 بالجائزة الكبرى لمهرجان كان عن فيلمه "الحياة اللذيذة". وهذا السجل الحافل بالجوائز يتوارى أمام عدد الكتب والدراسات التي تناولت أفلامه وحياته، وعدد معاهد السينما في العالم التي تدرس أفلامه.

روسيلليني .. الأب الروحي

والمثير.. أن "فيلليني" لم يدرس السينما في معهد أو جامعة. بل إنه لم يلتحق بأي دراسات عليا، فقد عاش فترة طفولة ومراهقة صعبة في قريته "رمين" التي ولد بها عام 1920، وعندما بلغ السادسة عشرة من عمره انتقل إلى فلورنسا ثم إلى روما، وبدأ يشق طريقه كرسام كاريكاتير، ويكتب بعض القصص الهزلية، والاسكتشات للفرق المسرحية المتجولة، وكتب عديدا من التمثيليات الإذاعية ودخل السينما من باب كتابة القصة والسيناريو وكان هذا في عام 1941.

لكن البداية الحقيقية للسينما كانت من خلال معرفته بالمخرج "روبرتو روسيلليني" (رائد الواقعية في السينما الإيطالية وصاحب المنهج الفكري والفني الذي أحيا السينما الإيطالية وأعطى لها هذا المذاق والمكانة الخاصة في السينما العالمية). التقى به "روسيلليني" واكتشف بداخله موهبة فريدة في التعبير عن أفكاره.. وطلب منه أن يعاونه في كتابة سيناريو فيلم "روما مدينة مفتوحة"- عرض هذا الفيلم عام 45.. وكان وما زال له شأن كبير في تاريخ السينما.

ويقول فيلليني عن علاقته بالمخرج روسيلليني: "لقد ساعدني روسيلليني في الخروج من مرحلة ضبابية في حياتي، وأدخلني بثقة إلى عالم السينما الحقيقي، إنني أعترف بأبوته، فهو بمثابة الأب لكل جيلي من السينمائيين، وربما أهم ما تعلمته منه هو منهجه في التعامل مع الواقع، وأن الأفلام يمكن أن تصنع بلا خداع أو أفكار مزيفة وسطحية. علمني أن أنظر إلى أي شيء وإلى أي إنسان بعين متأملة، فيها الفهم والحب والبساطة. إنني مدين له بأعظم ما تعلمته منه.. وهو التواضع".

وعمل "فيلليني" كمساعد مخرج لروسيلليني، وتأكد له الدرس العظيم: "أن تروي ببساطة حقيقة ما رأيت".

وأضاف "فيلليني" إلى هذا الدرس خبرته وموهبته كرسام كاريكاتير، فأصبح يرى الواقع بعين ساخرة لاذعة لا تجرح، ولكن تثير التعاطف أحيانا، والضحك أحيانا أخرى.

وبهذا المنهج اختار فيلليني موضوعات وشخصيات أفلامه.

السحر الخاص

دارت غالبية أفلامه (22 فيلما) من واقع تجارب وملاحظات شخصية.. ابتداء من رصيد ذكرياته وتأملاته لفترة طفولته ومراهقته والاكتشافات الأولى المثيرة في الحياة والمجتمع "أفلامه: الطريق- 5.8- روما/ فيلليني- إني أتذكر".. إلى رؤيته الخاصة للعالم وأفلامه: " الحياة اللذيذة- ساتيريكون- بروفة أوركسترا- مدينة النساء" إلى دفاعه المستميت عن فن السينما أمام خطر زحف التليفزيون التجاري وجشع المنتجين "وأفلامه الثلاثة الأخيرة: جينجر وفريد- المقابلة- صوت القمر".

وهو بين كل هذا وذاك لا يقف موقف الواعظ المتشنج، أو الناصح بالحلول والإرشادات، أو المتشائم الكئيب.. وإنما يعطي فنه من خلال صورة سينمائية جذابة ومنعشة للتأمل والبهجة، وهذا هو سحره الخاص. وقد سألوه ذات مرة لماذا لا يفصح عن الحلول التي يراها ممكنة لإصلاح مشكلات المجتمع، فأجاب ببساطته وسخريته: "كيف لي أن أقدم الحلول للآخرين، بينما لا أستطيع أنا شخصيا أن أجد الحلول لمشاكلي الخاصة"!

وقد رفض تماما طوال حياته أن يقدم تفسيرات محددة لأفلامه، وترك المهمة تماما لإحساس المتفرج ومدى استعداده للفهم دون مؤثرات أو ضغوط خارجية، وفي نفس الوقت ترك النقاد والمحللين يتوقفون بالنقاش الطويل- وأحيانا المتصارع- حول مضمون الفيلم.. وربما مضمون مشهد داخل الفيلم! كما حدث حول المشهد الأخير في فيلمه "روما- فيلليني" حيث تخرج من رحم الظلام مجموعة ضخمة من الشباب يرتدون الأقنعة والقبعات الحديدية ويتقدمون في تشكيل ضخم على الموتوسيكلات يزأر في صوت رهيب، يعبر شوارع روما الخالية ليلا، والطابور المقتحم يعبر أهم المعالم التاريخية في روما، وتبدو أشهر التماثيل مائلة وكأنها في حالة فزع، بينما القوة الغامضة تدهم المدينة وتمزق الصمت، لينتهي الفيلم، وتتفجر التساؤلات عن المقصود بهذه القوة الغامضة، أو هذه الجياد الحديدية، هل هي نبوءة بقوة مدمرة تكتسح كل شيء.. أم هي قوة من الثوار للتحرير والإصلاح، أم هي مجرد تنبيه لغضب الشباب وضياعهم بين تاريخ معروض للسائحين وواقع ممزق بين القوى السياسية وأصحاب المصالح، ومستقبل مجهول؟!.

ونفس الشيء حدث بعد عرض فيلمه "بروفة أوركسترا" ذلك الفيلم القصير الحاد، الذي يستعرض فيه فيلليني مجموعة من العازفين في فرقة موسيقية أثناء أحد التدريبات في قاعة قديمة توحي بأن لها أصلا تاريخيا، العازفون كل منهم مع آلته وفي عالمه الخاص، نماذج متناقضة وصارخة في سلوكها، ثم يصل المايسترو وهو ألماني الجنسية، يحاول أن ينسق بين العازفين وتبدأ البروفة ولكن سرعان ما تنقطع مع دخول أحد العمال النقابيين ليصرخ في هتاف متشنج بضرورة تطبيق قرارات النقابة، وينقلب المكان رأسا على عقب، مناقشات صارخة.. وشعارات تكتب على الجدران.. ومشاجرات عصبية. وفجأة يسود الصمت والفزع عندما تصطدم كرة حديدية ضخمة تستخدم في هدم المساكن القديمة بأحد جدران هذه القاعة، يملأ الغبار المكان، ويسيطر القلق والخوف مع صوت المايسترو وهو يأمر بلهجة حادة أن تبدأ البروفة، وينضبط العازفون مع آلاتهم، وينطلق صوت الموسيقى وينتهي الفيلم..

اصمتوا.. لكي تفهموا

وقد أثار هذا الفيلم- ولا يزال- العديد من الاستنتاجات والتساؤلات: هل المقصود بالفيلم التعبير عن الفوضى التي تسود إيطاليا ما بين الأحزاب والمصالح الشخصية؟ هل الفيلم دعوة إلى النظام؟ أم أنه تحذير من خطر الحكم الاستبدادي الذي يمثله النداء الأخير في الفيلم بنبرة نازية حادة؟!.

ولعل أكثر أفلام "فيلليني" وضوحا بالنسبة للمتفرج، وتحمل في نفس الوقت دلالات عميقة، هي أفلامه الثلاثة الأخيرة التي يبثها حنين جارف إلى زمن الفن الحقيقي في السينما والذي تبدد مع هجوم التليفزيون التجاري وسيطرته علي المشاهدين وأذواقهم وقدرتهم أيضا على التأمل والتذوق..

ففي فيلم "جينجر وفريد" يعرض لنا حالة اثنين من الراقصين تقدم، بهما العمر.. يلتقيان في: إحدى مسابقات برامج المنوعات في التليفزيون.. يتذكران أيام زمان وأمجادهما.. وينتظران دورهما الآن في هذه المسابقة ومع كل لحظة يتأكد لهما الإحساس بالمهانة والتجريح وسط هذا العواء الصاخب وسخرية وإهمال مخرج البرنامج ومذيعه السوقي في تلميحاته وحركاته الفجة التي تضحك المشاهدين، إنه زمان ليس زمانهما.

ثم كان فيلمه "المقابلة" والذي يظهر فيه "فيلليني" كمخرج يستقبل مذيعة يابانية جاءت تصور برنامجا عنه أثناء العمل، ومن خلال الفيلم يستعرض فيلليني جو العمل في الاستوديو، وعلاقاته الحميمة مع الفنيين والعمال، في مقابل جشع وغباء أحد المنتجين الذين لا يهمهم نوع الفن بقدر ما تشغلهم حسابات الأرباح وضغط التكاليف وسرعة إنجاز العمل (هي أكبر هموم فيلليني الشخصية بعد تدهور حال السينما وسيطرة الفيلم التجاري) ثم يتصور فيلليني غزوا قادما في اتجاه موقع التصوير.. والغزو من إحدى قبائل الهنود الحمر وقد استبدلت سهامها، بهوائيات التليفزيون في إشارة واضحة لهجوم التليفزيون على السينما!.

وهو نفس المعنى الذي جسده أيضا فيلليني في فيلمه الأخير "صوت القمر" من خلال ذلك الشاب الذي يهدد أهل القرية بأنه سينزع كل هوائيات التليفزيون، ليتخلص من الضوضاء، ولكن لا أحد يصدقه، حتى تستيقظ القرية ذات صباح لتجد جميع هوائيات التليفزيون قد تم نزعها، وألقيت وسط ساحة القرية!.

وقد حاول "فيلليني" أن يحدد رسالته بوضوح في آخر أفلامه.. دعوة للصمت (اصمتوا لتسمعوا صوت القمر.. وحاولوا أن تفهموا شيئا). لقد طغى الضجيج والأصوات العالية الجوفاء، ولم يعد أحد بقادر على التذوق والتأمل والفهم.

وتحت إلحاح الرغبة في توصيل هذه الرسالة لجأ "فيلليني" للمرة الثانية في حياته الفنية- بعد فيلم ساتيريكون (عام 69)- إلى أن يستعين بعمل روائي مكتوب ليأخذ منه الخيط الذي يغزل به فيلمه، كانت الرواية للكاتب الإيطالي "أرمانو كافازوني" بعنوان " قصيدة القمر".

ومن فرط حماسه- أيضا - لإبلاغ هذه الرسالة.. ترك لأول مرة بيته الفني- ستوديوهات شينشيتا (مدينة السينما الإيطالية)- وبالتحديد ستوديو رقم خمسة ليخرج إلى ساحة قرية حقيقية ليصور بها أحداث فيلمه، وتحولت ساحة القرية إلى ساحة سيرك يقدم فيها ألعابه المفضلة وسط الطبيعة، وتغير ساعات النهار والليل، وتبدل الجو من الصفاء إلى العواصف وتجمع السحب، لقد كان يريد أن يكون القمر حقيقيا وليس مرسوما على ستائر الديكور!.

وهو الذي صنع كل أفلامه داخل ستوديو شينشيتا، وسخر الديكور ليلبي رغباته التي كانت تبدو مستحيلة، فقد بنى داخل الاستوديو ديكورات روما القديمة في فيلم "ساتيريكون" وبنى قصورا وردهات من القرن الثامن عشر في فيلم "كازانوفا".. وصنع سفينة ضخمة وصنع أيضا البحر والأمواج والأفق في فيلم "السفينة تبحر" وصنع ديكور قطار وأنفاق في فيلم "مدينة النساء".. بل صنع نماذج من الأفيال والخراتيت بالحجم الطبيعى فى فيلم جسد في الاستوديو كل تخيلاته رغم غرابتها وصعوبة تنفيذها، ولكن العمال والفنيين في الاستوديو - وخصوصا الذين رافقوه منذ بدايات أفلامه- استجابوا له في حب وإخلاص بلا حدود، ورد لهم بعض التحية وهو يشير إلى معجزاتهم الفنية وكشف بعض أسرارها في فيلم "المقابلة".

جسد في الاستوديو كل تخيلاته رغم غرابتها وصعوبة تنفيذها، ولكن العمال والفنيين في الاستوديو - وخصوصا الذين رافقوه منذ بدايات أفلامه - استجابوا له في حب وإخلاص بلا حدود ، ورد لهم بعض التحية وهو يشير إلى معجزاتهم الفنية وكشف بعض أسرارها في فيلم "المقابلة".

ولهذا لم يكن غريبا أن يخيم الحزن والقلق على الاستوديو مع الأخبار التي تناقلت تدهور صحته، ثم كانت الفجيعة الكاملة لهم عندما أعلن عن وفاته، لقد كانوا يعتبرون أيام العمل معه- رغم كل مشاقها- من أجمل أيام حياتهم، وظلوا يحلمون معه بمشروع فيلمه الجديد الذي كان يفكر فيه بعنوان "فينسيا- فيلليني" على غرار "روما- فيلليني".

ولكن طال انتظارهم لشهور وسنوات.. حتى أسدل الستار تماما على الحلم!.

سنوات طويلة.. بلا عمل

والغريب حقا أنه رغم مكانة وشهرة فيللينى، إلا أنه لم يستطع طوال السنوات الأربع الأخيرة أن يجد تمويلا لفيلمه الجديد. كانت الأعذار المطروحة والمعروفة مسبقا: أن فيلليني باهظ التكاليف، مخرج مدلل لا يراعي ظروف الأزمة التي تمر بها السينما الإيطالية، مخرج لا يقبل المناقشة أو التنازل عن أفكاره المجنونة!.

وقد قاسى فيلليني كثيرا من هذه العقبات التي وقفت في طريق تحقيق أفلامه، ولكنه كان دائما يجد وسيلة في النهاية من خلال أصدقائه، أو من خلال التعاون مع التليفزيون الإيطالي ولكنه أبدا لم يوافق على أن يترك بلاده ويرحل إلى أمريكا- رغم سخاء العروض- ولم يوافق أبدا أن يخرج فيلما بغير اللغة الإيطالية، حاولوا معه كثيرا أن يفعل ما يريد داخل إيطاليا ولكن أن يتحدث أبطاله باللغة الإنجليزية لسهولة التوزيع الخارجي.. ورفض بشكل قاطع!.

وقد عبر عن موقفه هذا.. بقوله: "إنني سعيد لأن حريتي في أن أفعل ما أريد لم تقهر قط، ربما كلفني هذا كثيرا من العناء والصبر، ولكني لم أتنازل أبدا عن أي شيء، ولا حتى لقطة واحدة من أفلامي، علينا فقط أن نعرف ماذا نريد، لكي نكون صادقين مع أنفسنا إلى أقصى حد".

انتهى الساحر.. وانتهت ألعابه.

وبقي عشاقه وتلاميذه يسترجعون ما فعل.. وما قال.. ويواصلون المشوار.

 

رؤوف توفيق

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات




فيديريكو فيلليني (1920-1993)





المخرج فيلليني وزوجته جوليتا ماسينا التي شاركته الحياة على مدى نصف قرن





المخرج فيلليني على مقعده في الاستوديو وأمامه نموذج مجسم لفيل بالحجم الطبيعي





الممثل الإيطالي مارشيللو ماستروياني يصعد محمولا على رافعة - إحدى ألعاب المخرج فيلليني في فيلم المقابلة





لقطة نادرة عمرها يزيد على ثلاثين عاما تجمع بين المخرج فيلليني والممثلة أنيثا أكبرج والممثل ماستروياني أثناء تصوير فيلم الحياة اللذيذة





لقطة من فيلم المقابلة حيث يؤكد فيلليني على براعة مهندس المناظر والديكور في خلق الإيحاء بان التصوير يتم في أماكن طبيعية