الرياضة والصحة

الرياضة والصحة
        

منحة لإبطال الشيخوخة

من بين كل الطرائق التي توسل بها البشر لإعاقة زحف الشيخوخة لم تصمد - علمياً - إلا واحدة، نجدها ساطعة في هذا الشهر الكريم. الشيخوخة - علميا - لا تبدأ من الخمسين، بل تبدأ مع أول أنفاسنا بعد الولادة، وتستمر معنا حتى النهاية.

          قبل أن نمضي في تلمس هذا الاكتشاف القديم الجديد، لابد لنا أن نتوقف لتصحيح مفهوم شائع عن الشيخوخة - بالمعنى الحيوي العلمي. فالناس يعتقدون أن الشيخوخة تبدأ مع التقدم في العمر، وتحديداً عند الخمسين، وتضع معاجمنا الفعل (شاخ) مرادفاً للفعل (أسن) بينما الشيخوخة نفسها توضع في منزلة فوق الكهولة ودون الهرم. ولا تشذ عن ذلك - تقريباً - معاجم العالم اللغوية معظمها.

          الحقيقة العلمية - القاسية على القلوب والأهواء - تقول إن الشيخوخة عملية طبيعية تبدأ مع الإنسان عند ولادته وتستمر خلال حياته كلها. فما من وليد، ولا رضيع، ولا طفل، ولا يافع، إلا وفعل الشيخوخة العضوي يعمل داخله، لتتجلى علاماته تباعاً مع السنين.

          - يبدأ ترقق الشعر في 20 آت (20s- أي العشرينيات). وتظهر أولي الشعرات البيض في 30 آت (30s). أو 40 آت. وفي 70 آت يكتمل غالباً بياض الشعر.

          - يتوضع الوزن الزائد على هيئة شحم في المناطق الخطأ (نسبة إلى ما قبل). على النصف السفلي عند المرأة. وعلى البطن عند الرجل.

          - في 40 آت يبدأ الجلد يرتخي ويفقد مرونته وتتضح الغضون.

          - مع منتصف20 ات تبدأ مرونة المفاصل في التراجع وتضعف قوة العضلات في نهاية 30 آت أو أوائل 40 آت. وعندئذ تعسر حركتنا ونلاحظ التيبس فنحرق سعرات حرارية أقل ونخزن الطعام في شكل تراكمات شحمية أكثر.

          - في الخمسين يكون كل إنسان - تقريباً - في حاجة إلى نظارة للقراءة لأن عدسة العين تعتم وتقل مرونتها.

          - تفقد العظام مزيداً من الكالسيوم فتصير هشة خاصة لدى النساء بعد الإياس.

          - في 70 آت ينقص الطول نتيجة لانكماش وحدات العمود الفقري المترققة.

ظاهرة هايفليك

          يتفق دارسو علم الشيخوخة (جيرونتولوجي) على وجود نوعين من الشيخوخة: أولهما (بيولوجية) وهي ناتجة عن التغيرات المتوقعة جراء التقدم في السن والتي تحدث في الخلايا والأعضاء وأجهزة الجسم، وهذه التغيرات طبيعية وتحدث لكل الناس والنوع الثاني هو شيخوخة (باثولوجية) أي مرضية تنتج عن أسباب غير طبيعة تؤدي إلى الإصابة بالأمراض القاتلة أو المعيقة كأمراض القلب والسكتات الدماغية والسرطان والتهاب المفاصل والسكر. ورغم خطورة هذه الأمراض القاصفة للعمر، فإنه يمكن منعها. أما الشيخوخة الطبيعية فهي مما لا يمكن منعه، وإن أمكن إبطاؤها كما سنرى.

          كيف تحدث الشيخوخة الطبيعية؟ سؤال لا يزال العلم عاجزاً عن القطع فيه برأي واضح. بل إن السؤال يجر وراءه أسئلة أخرى: هل محتم أن تؤدي الشيخوخة إلى الوهن العضوي، والعجز، والاحتياج للآخرين؟ هل هذه الشيخوخة الطبيعية مبرمجة في مورثاتنا (الجينات) ومحكومة بساعة بيولوجية محددة

          التوقيت داخل أعضائنا؟ أم أن هذه الشيخوخة ناتجة من عمليات الهدم التي تصيب خلايانا نتيجة التعرض لما يحيط بها وبنا من بيئة فيزيقية؟

          الأرجح أن هذه الشيخوخة هي محصلة لعاملي الوراثة والبيئة معاً.

          بالنسبة لعامل الوراثة، فإن هناك ما يؤكده بقوة، إذ وجد علماء الشيخوخة أن هناك عمليات.

كيميائية حيوية معينة تعمل أو تتوقف تبعاً لبرنامج وراثي مرتبط بمراحل مختلفة من حياة الخلية، وهذه العمليات تشكل تغيرات كيميائية تحكم أداء وعمر الخلية.

          في التجارب العلمية، وجد أن الخلايا المأخوذة من الجلد لتنميتها في أنابيب الاختبار تنقسم لعدد محدد من المرات ثم تتوقف، والجينات هي التي تحكم هذه العملية، وعدد مرات الانقسام يتوقف على عمر الخلية. ووجد أن الخلايا المأخوذة من حيوانات صغيرة العمر تنقسم مرات أكثر من تلك المأخوذة من حيوانات أكبر عمراً. ومن ثم تبين أن عدد انقسامات الخلية مرتبط بعمرها وبالتالي فإن عمرها يحدده عدد الانقسامات وهو ما يشار إليه باسم "ظاهرة هايفليك" التي تعتبر من أقوى الاثباتات العلمية على البرمجة الوراثية لعملية الشيخوخة. ولأن الخلايا تشكل كل جزء وكل عضو في أجسامنا، فإن التغيرات الكيميائية الحيوية التي تحدث في الخلية تنعكس على الجزء أو العضو ككل. فالعين - على سبيل المثال - تتأثر بتغيرات التقدم في العمر، وعدسة العين تتكون من مواد مرنة وشفافة تتيح للعدسة التشكل الذي يسمح لنا برؤية الأشياء البعيدة والقريبة عن طريق تغيير البعد البؤري لهذه العدسة. لكن مع التقدم في العمر، تصير العدسة أقل مرونة مما يتطلب ارتداء نظارات للقراءة. ومع التقدم في العمر أيضاً، تصير عدسة العين أقل شفافية نتيجة لإعتام البروتين الموجود بها، وبالتالي تقل الرؤية في العملية التي قد تنتهي بإعتام عدسة العين (كاتاراكت) أو "الساد".

          وبرغم وضوح البعد الوراثي في صيرورة الشيخوخة البيولوجية أو الطبيعية إلا أنه لا يمكن تجاهل العامل البيئي، وتطبيقاً على عدسة العين أيضاً، فإن التعرض للأشعة فوق البنفسجية (في ضوء الشمس) ودخان السجائر يمكن أن يفاقما ويسرعا تطور إعتام عدسة العين "الساد". وهكذا يتضافر العاملان الوراثي والبيئي في تفعيل عملية الشيخوخة. وإذا كان العامل الوراثي خارج نطاق السيطرة حتى الآن، فإن مراقبة البيئة الصحية - الهواء الذي نتنفسه والماء الذي نشربه والطعام الذي نأكله - ومستوى النشاط الحركي، واستخدامنا للعقاقير وتدخين أو عدم تدخين التبغ، والتعرض لضوء الشمس، كل هذه مؤشرات لما يمكن التحكم فيه من أجل بعض السيطرة على عملية الشيخوخة.

أربع نظريات شائعة

          من البديهي إذا أردنا أن نجيب عن سؤال: كيف لا نشيخ؟ أن نسأل أولاً: كيف نشيخ؟ وهو سؤال على بساطته لايزال يتحدى العلم والعلماء، دون أن يصلوا فيه إلى يقين. وهناك عشرات من النظريات، وبرغم أن كلاً منها تجد ما يعضدها من إثباتات علمية، إلا أنها لم تفلح في الإحاطة بتفسير لكل ما يصيب الإنسان من تغيرات الشيخوخة. وطبيعي أن كل نظرية جرت وراءها صرعة أو اكتشافاً لمواجهة الشيخوخة، لكن أياً منها لم يعمر طويلاً، ولم يصمد لاختبار الزمن، أو على الأقل لم يشف غليل الحالمين بالشباب الدائم. ولنتأمل النظريات الأربع الأكثر شيوعاً التي حاولت تفسير عملية الشيخوخة، ولننظر إلى ما جرت وراءها.

          1- نظرية الشوارد الحرة (والأفضل أن نسميها الشوارد السائبة): هذه الشوارد ما هي إلا جزيئات مشحونة شديدة التفاعل تتخلف عن عمليات الاستقلاب، وتتجه للتفاعل مع جزيئات (د. ن. ا) التي هي لبنات بناء الجينات أو المورثات في الخلايا، وبهذا التفاعل تتخرب وظائف الخلايا فتشيخ. وتبعاً لهذه النظرية رئي أن تناول مضادات الأكسدة مثل فيتامين ج وفيتامين هـ بشكل يكفي لإبقاء مستواها مرتفعاً في الجسم، فإنها تبادر- أي مضادات الأكسدة - بالارتباط مع الشوارد الحرة أو السائبة فتمنعها من مهاجمة جزيئات (د. ن .ا) في المورثات ومن ثم لا تتخرب وظائف الخلايا ويستمر شبابها.

          2 - نظرية التسكر: حيث تقوم جزيئات السكر بالارتباط مع جزيئات البروتين لتعطي ناتجاً نهائياً عالي التسكر يسبب فشل الخلايا المسنة في أداء وظائفها.

          3 - نظرية التئام الـ (د. ن. ا): وتقوم على أن جزيئات الـ (د. ن .ا) في المورثات من حيث قدرتها على الالتئام تختلف باختلاف الأنواع واختلاف الأجناس. فالكائنات التي تعيش عمراً افتراضياً أطول لديها جزيئات (د. ن. ا) في مورثاتها تتمتع بقدرات أفضل وأسرع على الالتئام مقارنة بغيرها من الكائنات قصيرة العمر.

          4 - نظرية مضادات السمية: وفيها أن قدرة الجسم على التخلص من السموم تقل مع التقدم في العمر، ومثال تلك السموم المواد المسرطنة أي المسببة للسرطان.

          تلك هي الاجتهادات الشائعة في تفسير حدوث الشيخوخة، وبرغم أنها فتحت نوافذ لدخول مضادات للشيخوخة قيد التجريب والاستعمال، فإن هذه المضادات لم تستطع أن تتبوأ موقع الأكسير أو الدواء من كل داء. فقد شاعت صرعة "هـ 3" للدكتورة الرومانية "آنا آصلان" حينا وتلاشت. ودوت قنبلة الميلاتونين وقتاً وها هي تجر أذيال صداها. وبرغم مكوث استخدام مضادات الأكسدة من الفيتامينات، فإن تأثيرها لا يمكن تأويله بأنه مضاد للشيخوخة بل هو على الأكثر داعم للجهاز المناعي وعامل مساعد للتخفيف من مخاطر بعض الأمراض كالنوبات القلبية والتهاب الكبد الفيروسي (C) وعتة الزهايمر.

ينبوع واحد لبعض الشباب

          من بين مئات الاجتهادات التي حملت إلى البشر الفانين بشارة "ينبوع الشباب" لم يثبت علمياً أن هناك ما يبطئ عملية الشيخوخة إلا تقييد السعرات الحرارية أو الحد منها، ولا شيء يعبر عن هذا التقييد أفضل من الصوم.

          لقد تبين أن الحد الأقصى للعمر المحتمل لمجموعة من فئران التجارب زاد بنسبة 30 - 40% عندما غذيت بطعام تقل سعراته الحرارية بمعدل الثلث أو النصف عما تغذت به مجموعة أخرى سامح لها بأن تأكل جيداً فماتت مبكراً عن المجموعة الأولى بنسبة العمر ذاتها وإن في اتجاه النقصان.

          وقيل في تفسير ذلك إن تقييد السعرات الحرارية يبطئ من العمليات البيولوجية (الحيوية) للشيخوخة، كما أنه يقلل من التعرض للإصابة بالأمراض.

          ولوحظ أن الحيوانات الأكثر تعميراً هي التي قيدت السعرات الحرارية في غذائها منذ مولدها، كما أظهرت القوارض التي قيدت السعرات الحرارية في غذائها منذ منتصف العمر اتجاهاً تعويضياً للتعمير.

          ومما ينبغي ذكره هو أن هذا التقييد الطويل للسعرات الحرارية في غذاء حيوانات التجارب قد أطلق أثرين جانبيين هما تقزيم النمو بنسبة موازية للتقييد وتقليل أداء الوظيفة الجنسية. وهذان الأثران الجانبيان السلبيان ينتفيان منطقياً عندما ننتقل من الحديث عن تقييد سعرات حرارية على مدى العمر كله أو نصفه إلى الحديث عن مجرد تقييد على مدار شهر واحد في السنة كما في صوم رمضان الكريم، أو حتى إتباعه بصوم يومين في الأسبوع بعد ذلك. فلا الأجسام تتقزم ولا الخصوبة تتراجع، لأن الصوم على هذا النحو ينقلنا من الحديث عن التقييد إلى الحديث عن التنظيم، فنبتعد عن موضوع التجويع إلى موضوع الصوم، وتظل نتيجة إبطاء صيرورة الشيخوخة ملموسة وإن بنسبة أقل.

          لقد درس الصوم في الإطار الطبي وتبين أن الصوم يطلق آليتين بارزتين داخل أجسامنا: أو لاهما اللجوء إلى التغذية الداخلية أعتماداً على الاحتياطي الذي يصل إلى 40 - 45% من وزن الجسم.

          وثانيتهما: زيادة إطراح السموم حيث يتخلص الجسم من تراكمات الفضلات والسموم خاصة في الأنسجة المريضة.

          وطبيعي أن يلحق بهاتين الآليتين عنصر الراحة الفيزيولوجية التي ينالها الجهاز الهضمي وملحقاته ولسائر الأجهزة والغدد بدرجة أو بأخرى.

          نتيجة ذلك كله، يتاح لعضوية الجسد العثور على فرصة للتجدد، فتعود الوظائف بعد فترة الراحة أنشط ويصير الدم أصفى وأغنى بكريات دموية أكثر شباباً. وقد تفسر فرضية التئام (د. ن.ا) في المورثات ذلك. إضافة لفرضيات الشوارد الحرة والسمية وتسكر البروتين فهي تتراجع مع الصوم بعدم إضافة جديد إليها والتخلص من ركامها القديم.

          ولقد أشارت تجارب اثنين من علماء الفيزيولوجيا بجامعة شيكاغو، وهما الدكتوران كارلسون وكوند إلى ما يدعم حدوث التجدد، أي تأخير الشيخوخة أو تأجيل تفاقم مظاهرها، إذ تبينا أن الصوم لمدة أسبوعين يكفي لتجديد أنسجة إنسان في الأربعين، بحيث تبدو مماثلة لأنسجة شاب في السابعة عشرة من عمره. والمقصود هنا الصوم الطبي، مع ملاحظة أن هذا الأثر غير دائم، مما يتطلب معاودة الصوم على فترات للحصول على التجدد، وأظهرت تجارب هذين الباحثين أيضاً أن صوم 30 - 40 يوماً يزيد الاستقلاب بمعدل 5 - 6%، وحيث إن نقص الاستقلاب يعد أحد مظاهر الشيخوخة فإن زيادته تعني بعض الشباب، أو بمعنى آخر: إبطاء الشيخوخة.

الزهد ... الزهد

          من كل ما سبق، ولأن صوم رمضان هو الأقرب إلى الصوم الطبي، والأكثر أماناً، وهو بالتأكيد لا يأخذ شكل الحمية بل هو تقييد للغذاء بعامه ومن ثم إنقاص واضح للسعرات الحرارية. أي أنه ينحو باتجاه السير في الدرب الوحيد المثبت علمياً لأخذ جرعة من ينبوع الشباب أو أكسيره، على مستوى الجسد، ناهيك عن مراقي الروح. بشرط، أن يظل الصوم صوماً، أي زهداً، لا بوابة للنهم كما يفعل كثيرون. بوابة يدخل منها ما يملأ البطون إلى حد التخمة، ويخرج منها ما بقي من شباب الجسد... والروح.

تمارين الصائم

           لاشك أن الصلاة إلى جانب كونها رياضة للروح هي رياضة للجسد أيضاً، وهي أقرب ما تكون إلى تمارين المرونة التي تؤهب للدخول في مراحل أصعب دون التعرض للإصابات الذاتية.

          لكن من أعتادوا أداء تمارين رياضية أياً كان نوعها لاكتساب اللياقة البدنية العالية، ينصح بعدم أداء هذه التمارين والمعدة ممتلئة، أي يفضل أداؤها قبل الإفطار لمن يستطيع ذلك، أو بعده بساعات شرط أن يكون إفطاراً ليس بالثقيل ولا عسر الهضم. فالتمارين تؤتي أفضل ثمارها بينما المعدة خالية من الأكل الذي لا يستثنى منه إلا الفاكهة أو عصير الفاكهة - وهي قاعدة عامة يشار إليها كتذكير برأي "هارفي دياموند" خبير اللياقة والتغذية الذي يفسر ذلك بأن الطعام يحتاج عند هضمه - خاصة في المعدة - إلى جزء ملموس من الطاقة، فإذا أضيفت إلى ذلك التمارين، فإنها تقتنص جزءاً غير كاف من الطاقة، وغالباً ما تؤدي بالطعام في المعدة إلى عسر الهضم. وما استثناء الفاكهة أو عصيرها إلا لأنها من الأطعمة التي لا تحتاج لطاقة هضم مذكورة في المعدة.

 

محمد المخزنجي   

 
 




حتى لانفقد الكالسيوم مبكراً من الجسم





الشيخوخة هل تنقص من طول الإنسان





الصيام لايعنى تعويض اليوم بمزيد من الطعام الدسم





الجسم فى حاجة ماسة إلى الأغذية الطازجة من أجل الفيتامينات والأملاح والألياف