منتدى العربي دخيل بن عبدالله الدخيل الله

منتدى العربي

الرأي العام العربي
ما مدى صلته بالواقع؟

إن مسألة استطلاع الرأي أمر مهم يفترض أن يمتد ليشمل مظاهر عديدة من حياتنا، حتى وإن استدعى الأمر عبوره لمناطق ساخنة قد يصعب عليه في بعض الأحايين عبورها، من تلك التي تحكم الرأي أو تتحكم به في مضامينه أو معاييره وضوابطه، إذ بصلاحها تصلح الآراء، وبفسادها تفسد الآراء.

إن القصور في الموقف من الرأي- في نظري- ليس مقصوراً على قياس الرأي وأدوات قياسه، على افتراض سلامة المقاييس. ولا في وجوده شكلا قائما، بل في وجوده بين ظهرانينا كحقيقة فاعلة.

وعلى أي حال فهنالك بعض المسائل حول حقيقة الرأي، أتمنى على الآخرين أن يشاركوني فيها الرأي، إن كان لنا رأي حول الرأي، قد يكون في بحثها ما يفسح الطريق أمام المهتمين بدراسة الرأي العام لاستقصاء كنهه، ومعالجة ما استعصى علاجه من مظاهره. ولعل من أبرز تلك المسائل ما يتعلق بتحديد قسماته ومحددات وجوده وعوامل بعثه وشروط تأثيره. ولنعرض لملامح من بعض تلك المسائل، التي منها ماله علاقة بـ: طبيعة الرأي العام العربي في موضوعه وخصوصية مضامينه المرتبطة بنوعية معطيات بيئته. قد يكون من ملامح هذه المسألة ما هو كامن في السمات النفسية للجموع العربية والخصائص الثقافية والاجتماعية للأوساط المحيطة بها بما تحويه من أنظمة إدارية وأبنية اقتصادية وتكوينات سياسية، الموروث منها والمكتسب والأصيل والوضيع، وهذا بدوره يتطلب ضرورة الإلمام بحقائق حول:

1) مدى قرب أو بعد الرأي العام العربي في موضوعاته من مطالب وتطلعات واهتمامات بل معاناة جموع الناس، الثابت منها والمتغير.

2) مستوى الاستنارة فيه على صعيد الممارسة والتعبير.

3) الصلة بين الرأي العام المستنير والحرية في التعبير. وهل بالضرورة أن وجود رأي مستنير مرهون بحرية التعبير. كيف، ومتى، وما الضوابط والموانع أو العقبات؟.

دفاع أم استسلام؟

وعلى افتراض وجود رأي عام خاص بجموع العرب له سماته وقسماته، ما علاقة هذا الرأي بالواقع المعيش للجماهير العربية. هل هو في ظاهره ميكانزم دفاعي ضد واقع مأساوي، وفي جوهره تسليم بواقع مرير، واستسلام أمام اجتياح قوى التأثير والتي غالبا ما تكون قوة تأثيرها فوق ما يحتمل بحيث لا يستطاع لها دفع، سواء كان المؤثر من بني جلدته أو ممن هم غرباء عنه؟ ما تأثير أساليب السلطة في معالجة الرأي على طبيعة الرأي الجمعي للجماهير؟ هل ما نلاحظه من هشاشة وسطحية في آراء الناس حول الموضوعات المختلفة في بيئاتهم وليد تأثير هذه الأساليب في المعالجة؟.

القاعدة الأدبية تقول: أليس منكم رجل رشيد؟ لكن المفارقات المشاهدة في المجتمعات العربية على صعيد القول والعمل ونوعية العلاقة بين القادة والمقودين والمفيدين والمستفيدين توحي بغياب الرشد على صعيد المجموع. ماذا عن مظاهر التنافر وعدم التطابق بين مخرجات مؤسسات المجتمع المختلفة في تأثيراتها المتباينة على سلوك الفرد والمجموع؟ ومسئولية من تلك الممارسات السلبية، من تذبذب وازدواجية؟ ما خطورة ذلك على حاضر ومستقبل الأمة؟ وما طبيعة الصلة القائمة بين هذه الحال وبين احتمالية توافر رأي عام مستنير في أوساطنا العربية، جدير بأن يعول عليه في استقراء واقع الحال وابتكار الحلول؟.

تؤكد النظرية على أن الإجماع النسبي على رأي معين دليل توحد ورمز اتحاد للقائلين به، ومؤشر على مستوى الولاء والانتماء. إلى أي مدى يعكس الرأي العام العربي حقيقة هذا القول في صلته بإرهاصات واقعنا العربي الراهن؟.

هنالك من ينادي بضرورة حصر قنوات التأثير في من هو مستنير من أبناء الصفوة العاقلة، ومثل هذا القول تسنده شواهد من التراث العربي والعالمي، حديثه وقديمه، المدون منه والمنقول. هل في هذا بلوغ ما نطمح له من رأي مستنير وتأثير إيجابي له مطلوب ومرغوب؟.

لا شك أن البحث عن إجابة لمثل هذه التساؤلات قد يفضي إلي حقائق ومضامين تتعلق بالتأثيرات السلبية للنظم القائمة على نوعية الرأي العام في مضمونه وأسلوبه.

بنية العقل العربي

ومن المسائل ما يرتبط بالسمات النفسية- الاجتماعية للجمهور العربي وتأثيراتها على نوعية الرأي:

أ) بنية العقل العربي ونمط التفكير العربي في تأثيرها على فاعلية الرأي.

ب) النمطية والآلية في مضمون الرأي العام: هل الرأي العربي في مضامينه وأساليب التعبير عنه وليد نمط التفكير العربي في واقعه المجتر وتبعيته المقيتة، أم أن المسألة على النقيض، للرأي الشائع تأثيره على بنية العقل العربي، لاسيما عندما نقدر نوعية مصادره، حيث أضحى من خلالها الرأي العربي أسير نمطية في التفكير تبدو عقيمة، وآلية في التعبير تبدو بليدة، أملتها طبيعة القيود التي تحكم الرأي السائد، فأضحى معها في موضوعه أبتر وفي أدوات تفكيره مجترا.

ج) هل لما يبدو من ملامح غياب الهوية في الذات العربية، انعكاس على نوعية الرأي العام في مضمونه واستنارته، ومدى وضوحه واستقراره؟ وهل بالضرورة أن غياب الرأي العام المستنير تعبير صريح عن عمق الضياع في بنية التشكل ومعالم التكوين للهوية العربية؟.

د) علام تشير مظاهر عدم الاتساق والتنافر بين الرأي العام العربي وسلوكيات الفرد العربي؟ ومسائل أخرى لها ارتباط مباشر بنوعية مصادره وتأثيراته. أي المصادر المعرفية تلعب دورا أكبر في بلورة الرأي العام العربي وصياغته؟ ما وجه الشبه والاختلاف بين هذه المصادر وغيرها من المصادر في المجتمعات الأخرى غير العربية، إلى الدرجة التي يمنح فيها خصوصية التفرد في مواضيعه ومضامينه ومصادره وآليات التعبير عنه، وكذلك طبيعة تأثيراته؟.

إن مما يميز جماهيرنا العربية انسياقها بشكل ملحوظ وراء كل دعاية أو إشاعة مع أن المأثور من قيمها قد حذر كثيرا من مغبة اعتماد مثل هذه الأساليب كقنوات لتناقل المعلومات والجزم بها. ما صلة مثل هذه الممارسات بالبنية المعرفية والمجال الإدراكي لأفراد مجتمعاتنا؟ وهل للتنشئة الاجتماعية بوكالاتها وأساليبها المختلفة دور في هذا التميز؟ ما نطاق الاتهام الذي قد ترمي به المؤسسة الإعلامية لاعتمادها مثل هذه الأساليب في الاتصال، مناهج لتعميم الرأي وشيوعه؟.

غياب الرأي المستنير

ومما يؤخذ على ما يطرح من برامج وآراء عبر قنوات التأثير الجمعي وصمه بالغفلة والاستغفال والسطحية مع عدم الاهتمام، علام الإصرار على هذا التهميش والتسطيح للرأي والرأي العام؟.

إن الإجابة عن مثل هذه التساؤلات قد تفيد في تشخيص مستوى العمق في الرأي ونوعية مصادره ومدى الاتساق بين مخرجات هذه المصادر، وقوة تأثيره، ومدى علاقته بالاهتمامات الرئيسية والمعاناة الجوهرية للأمة، ومستوى الانحراف فيه، وبالتالي، إمكان تحديد مدى اعتمادنا عليه كمؤشر لرسم مسار النهوض.

الحقيقة، أن عمق الإشكالية يكمن في غياب الرأي المستنير والذي هو سبيل الإصلاح والصلاح. إذ إن فاعلية تأثير الرأي محكومة بمستوى الاستنارة فيه. بما تعنيه من قدرة على التعقل ومهارة في التدبر. فالآراء الغارقة في الوجدانية وأساليبها المتسمة بالغوغائية لا تمثل رأيا مستنيرا مهما تقول المتقولون. ومع الأسف أنها أضحت ديدنا لنا في التعبير عن مواقفنا. وإذا حدث أن الرأي العام العربي، في عمره الحاضر، لم يكن في أي مرحلة من مراحل عمره ذا فاعلية في التأثير، فلأنه لم يتصف خلالها بالاستنارة في طرائقه ومراميه. ومن هنا صعب التعويل عليه كموجه لما يرسم من استراتيجيات ويقرر من سياسات ويتخذ من قرارات ويبنى من كيانات.

والخلاصة، أن المشكلة ليست فقط في كيفية قياس الرأي أو طرائق قياسه بقدر ما هي مشكلة قائمة في ذات الرأي: مضمونه وآلياته. ونحن مع القائلين بأن السبر الناجع للرأي سوف يسهل علينا التعرف على حقيقته واكتشاف كوامنه، ومن ثم السير على هدي الصالح من معطياته. ولعل في الاستجابة لما أوردنا من أفكار ما يقود لحسن الاستبار وتحديد لنوعية المرجو من مسار.

 

دخيل بن عبدالله الدخيل الله

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات