موصلات فائقة لكمبيوتر الغد

موصلات فائقة لكمبيوتر الغد

تتوالي الاكتشافات العلمية في مجال ابتكار مواد فائقة التوصيل، وكان آخرها تأكيد الباحثين على توصلهم إلى مادة تسمح بتوصيل الكهرباء دون أي فقد، عند حرارة تصل درجتها إلى + 7 درجات مئوية. فيما فائدة مثل هذا الاكتشاف؟ الإجابة تقول إنه يمكن نظرياً الحصول على تطبيقات مهمة لا حصر لها لذلك الاكتشاف وخاصة في مجال الإلكترونيات، لكن الصعوبات التقنية والتكاليف تحد عمليا من حماس العلماء.

ويتساءل الناس كلما هل في عالم الموصلات الفائقة اكتشاف جديد، عن فائدة تلك الموصلات في الوقت الراهن والفوائد المرتقبة منها في المستقبل. وتصاعدت حمى الموصلات الفائقة إلى القمة بعد اكتشافين مهمين في هذا المجال تم التوصل إليهما حديثا. وأعلن الباحثون في كلتا العمليتين التجريبيتين التوصل إلى موصلات فائقة عند حرارة قريبة من الدرجة العادية.

وأشار مايكل لاجوس وفريقه إلى توصلهم إلى موصلات فائقة عند 23 درجة مئوية، في تجربة تم إنجازها في المعهد العالي للفيزياء والكيمياءالصناعية في باريس ESPCI، مما يمثل قفزة مائة درجة تقريبا بالمقارنة بالرقم القياسي السابق. ورد على هذا الاكتشاف جان لويس تولينس ومعاونوه بتحقيق موصلات فائقة عن + 7 درجة مئوية في مركز أبحاث درجات الحرارة بالغة الانخفاض في جرينوبل في فرنسا.

وقال جاك لوينيه المدير العلمي لـ ESPCI إن هذا التسابق يراهن بالدرجة الأولى على إنجازات ضخمة في مجالات الإلكترونيات. ويتركز الهدف المرتقب لهذه الأبحاث في ابتكار مركب جديد يجعل الترانزستورات والدوائر الكهربائية التكاملية بالية، مثلها مثل أجهزة الأنابيب الإلكترونية القديمة.

ويأمل الباحثون في التوصل إلى مركبات يمكنها "وضع قدرة وإمكانات الكمبيوتر الفائق في كمبيوتر جيب" وقد تبدو صورة الكمبيوتر الفائق في حاسب جيبي مثيرة للخيال، لكن الأهم من ذلك معرفة الحجج التي يستند إليها العلماء في حلمهم هذا. فمن المعروف أن الإلكترونيات تعتبر حاليا حكرا على أشباه الموصلات، التي تعتمد أساسا على مادة السليكون. فلماذا تتنازل عن مكانتها المميزة للموصلات الفائقة؟

إن السر يكمن في ظاهرة انعدام المقاومة الكهربائية وتعتبر الموصلات الفائقة أجساما تتصف عند تبريدها بانعدام مقاومتها لمرور التيار الكهربائي من خلالها. ولا تتغير طبيعة المادة الموصلة، لكن إلكترونات توصيل التيار الكهربائي هي التي تفقد حرية حركتها الفردية. وتشكل هذه الإلكترونات داخل الموصلات الفائقة تدفقا متجانسا تكون الإلكترونات داخله مرغمة على اتباع حركتها الفردية كما في الموصلات العادية، التي تتصف بالمقاومة لمرور التيار الكهربائي.

تطبيقات مهمة

وتتناسب قدرة الموصلات العادية على نقل التيار عكسيا مع مقاومتها، بينما تختفي المقاومة تماما داخل الموصلات الفائقة. ويعتمد فقد الطاقة الكهربائية في هذه الحالة على درجة حرارة الموصل، كثافة التيار والمجال المغناطسي. وإذا تعدت أي من هذه العناصر قيمتها التي يحددها نوع المادة، فإن الموصل الفائق يصبح مقاوما لمرور التيار.

وكانت الموصلات الفائقة " التقليدية " تتكون من مواد، وسبائك معدنية مثل النيوبيوم - تيتان والنيوبيام - إيتان . وتتمثل أهم عيوب هذه المواد في انخفاض درجة حرارتها الحرجة. التي تحتاج إلى نظام تبريد يستعين بالهليوم ليصل إلى 269 درجة مئوية ، أي أربع درجات فقط فوق الصفر المطلق ، مما يمثل عائقا أمام التجارب وارتفاعا في التكاليف.

وتأتى التطبيقات الرئيسية لهذه المواد في تصنيع المغناطيسات القوية المستخدمة في مجال التصوير الطبي والفيزياء، حيث يتم إنتاج مجال مغناطيسي عن طريق سريان تيار كهربائي قوي في ملف كهربائي تصنع أسلاكه من الموصلات الفائقة. ويسمح غياب المقاومة داخل هذه المواد بمرور تيار كهربائى هائل دون إطلاق حرارة.

ويقلل استخدام الموصلات الفائقة في المجال الطبي وأبحاث الفيزياء ارتفاع التكاليق الازمة لإنجاز نظام التبريد اللازم.

ويمثل استخدام الموصلات الفائقة في مجال الإلكترونيات، سلسلة أخرى من التطبيقات المهمة لمواد وسبائك معدنية مثل النيوبيام والنيبوبيام - إيتان ، التي تستخدم في هذه الحالة على هيئة شرائح رقيقة . وتوضع الموصلات الفائقة على هيئة بطانات فوق دعامة ، حيث يصل سمكها من عدة نانومترات إلى أجزاء من مائة من النانومتر " 1 نانو متر = واحد من مليار من المتر ".

والعنصر الأساسي في تطبيقات هذه الشرائح الرقيقة يسمى وصلة " جوزيفسون " وهي عبارة عن " مايكروساندويتش " مكون من بطانة رقيقة من مادة عازلة بين بطانتين أخريين من الموصلات الفائقة . وكمثال لإحدى أهم فوائد وصلة " جوزيفسون" هذه ، أنه عند وضع وصلتين في حلقة فائقة التوصيل يمر بها تيار كهربائي مستمر ، يظهر ما يطلق عليه Squid مجسات غير عادية للفيض المعناطيسي ، ويمكن بواسطتها قياس المجالات المغناطيسية بدقة تصل إلى 100 فيمتوتسلا " ما يساوي جزاء من مليار من قوة المجال المغناطيسي للكرة الأرضية " . وتستخدم في أجهزة قياس المغناطيسية ، المستعملة في أغراض متنوعة مثل الجيولوجيا ، القياسات في أعماق البحار وقياس المجالات المغناطيسية الصادرة من المخ.

اجتياز عقبة التبريد

وتستخدم وصلة " جوزيفسون" عادة في تصميم ترانزستورات بالغة السرعة ، ذات استهلاك ضعيف للكهرباء ، ويصدر عنها صحيح منخفض ، ودفعت مثل هذه المزايا شركة IBM إلى البدء فى برنامج أبحاث واسع يهدف إلى تصميم " كمبيوتر جوزيفسون" وتخلت عن هذا البرنامج فى عام 1983 . وطورته اليابان بشك مختلف ، حيث توصلت بعض شركات مثل فوجينسو وهيتاشي إلى تصميم نموذج كمبيوتر من مواد فائقة التوصيل عن 269 درجة مئوية . وظلت درجة الحرارة هذه هي العائق الرئيسي أمام الموصلات الفائقة التقليدية . من هنا تولد الاهتمام بعائلة جديدة من المواد مثل أوكسيد المواد فائقة التوصيل ، التي اجتازت درجة حرارتها منذ عام 1987 - عقبة 196 درجة مئوية ، وتم الحصول على هذه النتيجة باستخدام أنظمة تبريد بواسطة النتروجين السائل الذى يعتبر أخف وأقل تكلفة من نظام التبريد بالهيليوم. ويتم الحصول علي هذه الموصلات الفائقة الجديدة " المعدلة " من أكاسيد النحاس، حيث تتكون بعضها مثلا من مزيج أكاسيد النحاس، الباريوم والإيتريام. أو في حالة أخرى من أكاسيد النحاس، الكالسيوم، السترونتيوم والبزموت. وتشترك هذه المواد جمعيا في وجود النحاس والأكسجين بها مصحوبا بالعناصر الكيماوية الأخرى.

ويتم الحصول على هذه التنويعة الواسعة من المركبات بطرق صناعية أكثر أو أقل تعقيدا ، لكن قاعدتها الأساسية بسيطة للغاية، حيث تتلخص في خلط أجزاء المركب بالنسب الصحيحة وتستخينها للحصول على " السيراميك "، وهى مادة صلبة تتكون من حبيبات بللورية بالغة الصغر.

وتواجه محاولات استخدام هذه المركبات فائقة التوصيل عقبتين ، تتمثلان في تحقيق انتقال تيار كهربائي بين هذه الحبيبات، أو على وجه التحديد صناعة أسلاك من هذه المواد القابلة للكسر مثل طبق الخزف الصينى، ومع أخذ هاتين العقبتين في الاعتبار، تعتبر سرعة التقدم في هذا المجال خلال السنوات الخمس الماضية جديرة بالاعجاب.

وتعتمد النماذج الأولى للمحركات الكهربائية فائقة التوصيل، وكابلات نقل الكهرباء، في الولايات المتحدة مثلا، على أداء الأسلاك التي تصنع منها المصولات الفائقة الأمريكية. لكن هذه الإنجازات تظل بشكل عام غير كافية لاستبدال الموصلات الفائقة التقليدية " السبائك المعدنية " بالموصلات المعدلة " أكاسيد النحاس " في التطبيقات التي تحتاج إلى مرور تيار كهربائي قوى.

رقائق معدلة

ويختلف الأمر في حالة تطبيقات الموصلات الفائقة المعدلة في الشرائح الرقيقة ، حيث توشك هذه الموصلات أن تلحق بالموصلات التقليدية . وكمثال على هذا التطور أعلنت الجمعية الأمريكية للموصلات ، عن تدشين نوع من الـ Squid ذي حساسية عالية ـ يعمل في - 196 درجة مئوية ، مما يمثل غزوا هادئا لمجال الإلكترونيات ، باستخدام مركبات سلبية " فلاتر وهوائيات الاستقبال " وإيجابية " ترانزستورات " فائقة التوصيل . ويتم كل هذا في درجة حرارة النتروجين السائل.

وطور الباحثون في المركز العالمي لأبحاث الموصلات الفائقة الياباني ISTEC في طوكيو دائرة كهربائية مطبوعة، تعالج الموجات ذات التردد القصير. وتحتوي هذه الدائرة التي يبلغ طولها سنتيمترين على هوائيين لاستقبال الموجات بالغة الصغر، وست مركبات تعمل بظاهرة " وصلة جوزيفسون ". ولهذه الدائرة تطبيقات واسعة تترواح بين الاتصال عبر الأقمار الصناعية ونظام منع الاصطدام في السيارات وتهتم تطبيقات الشرائح الرقيقة فائقة التوصيل بشكل عام بالرادارات، والاتصال عن بعد كما في الراديو والتلفزيون، وصناعة الأجهزة والكمبيوترات بالطبع. ولم تصل الأبحاث حتى الآن لابتكار ترانزستورات فائقة التوصيل تماثل في أدائها ترانزستورات السليكون لكن الأبحاث الحديثة تعطي أملا ، مع استخدام النتروجين السائل ، في التوصيل إلى تطبيقات للموصلات الفائقة عند درجات الحراة العادية.

 

محمد عزت عامر

 
  




ميشيل لاجوس مبتكر الشريحة الجديدة





شرائع تعمل عند 23 درجة مئوية وسمكها 30 نانومتر





آلاف الشعيرات داخل سلك سمكه 0.6 ميكرومتر





آلاف الشعيرات داخل سلك سمكه 0.6 ميكرومتر





بطارية تستخدم خاصية المغناطيسية