موسوعة العلوم السياسية محمد محمود ربيع

موسوعة العلوم السياسية

تفتقر المكتبة العربية إلى موسوعة عربية متخصصة رغم الحاجة الماسة إليها وسط عالم سريع التطور، وليس هذا سوى الجانب المرئي في المشكلة، وإنما الهدف المهم والعاجل هو الحاجة إلى توفير أحد مصادر البنية التحتية لأي تقدم علمي وذلك بتزويد الدارسين والباحثين بمثل هذه الموسوعة المتخصصة، ولعل الموسوعة التي نعرف بها اليوم تكون خطوة على الطريق.

إن إحراز أي تقدم علمي على الصعيد النظري ضرورة أساسية للانطلاق نحو التطبيق العملي للمعرفة المتراكمة، وهذا بدوره يفتح آفاقا أوسع لمزيد من التنقيح والتأصيل النظري، وهكذا دواليك في سلسلة من عمليات التفاعل الجدلي الصاعد التي مرت بها الدول المتقدمة واستطاعت من خلاله أن تبهر العالم بإنجازاتها العلمية والتقنية، وغني عن البيان أن هذه الإنجازات ليست مقصودة لذاتها، وإنما لتوظيفها في رفع مستوى معيشة شعوبها ماديا ومعنويا، والقيام بدور مؤثر فعال في السياسة الدولية لحماية مصالحها.

ولم يعد من قبيل المبالغة ذلك القول المأثور الذي يتنبأ بأن نصف القرن القادم سيشهد ظاهرة مأساوية جديدة إذ ستتسع الفجوة بين الشعوب المتقدمة والمتخلفة حتى تماثل الفجوة التي تفصل بين الإنسان والحيوان.

وفيما يتعلق بهذا الإصدار الجديد بدأ تكوين فريق عمل في 29 أبريل 1986 لوضع قاموس للعلوم السياسية يراعى فيه بقدر الإمكان مشاركة كل عضو في مجال تخصصه الدقيق لرفع المستوى العلمي للمصطلحات، لهذا طرحت الفكرة على أعضاء هيئات التدريس في الجامعات العربية في المشرق والمغرب وكذلك على أعضاء مراكز البحوث والمنظمات الإقليمية والمتخصصة، وبعد استبعاد الفترة التي ضاعت بسبب الغزو العراقي لدولة الكويت يكون إنجاز المشروع قد استغرق حوالي خمسة أعوام، وبلغ عدد المشاركين فيه اثنين وستين زميلا وزميلة ينتسبون إلى عشر جامعات عربية وبعض مراكز البحوث والمنظمات المتخصصة والهيئات الدبلوماسية، شاركوا في وضع ألف مصطلح تضمها الموسوعة المكونة من مجلدين يقعان في ألفي صفحة قامت بطبعها دار الوطن بالكويت.

وقد تغير اسم المشروع من قاموس إلى موسوعة بعد ارتفاع نسبة المشاركة نوعيا وعدديا، واكتمال الضوابط العلمية التي يتحتم توافرها قبل إطلاق هذه التسمية ونظرا لما يمثله تغيير الاسم من أهمية بالنسبة لتقويم حجم الإنجاز الذي تم، نلخص فيما يلي الضوابط التي روعيت قبل إطلاق اسم موسوعة:

- الالتزام بمناهج علمية واضحة في عرض المعلومات "أي باستخدام مفاتيح تزيل الغموض وتساعد على الاستيعاب والاعتماد على النفسي مما يحد من هيمنة الكهنوت "العلمي" في بعض التخصصات الذي يستأثر بمثل هذه المناهج ".

- توافر مصداقية المعلومات باتباع أسلوبي تحكيم الإسهامات وتذييل المداخل بمصادر من الدرجة الأولى بقدر الإمكان.

- مراعاة العلاقة بين قضايا علم السياسة وارتباطها بكليات هذا العلم وفروعه.

- شمول معظم مقولات العلوم السياسية تبعا لأهميتها والحاجة إليها.

هذا وقد تحددت أهداف المشروع في النقاط التالية:

- وضع موسوعة علمية للمصطلحات السياسية ترقى إلى مستوى مثيلاتها في الدول المتقدمة.

- ضمان حد أدنى من وحدة التفكير العلمى بين علماء السياسة الناطقين بالعربية.

- تضييق الثغرة الكبيرة الناجمة عن التفاوت الشديد بين مستوى العملية التعليمية ومستوى الطلبة في الوطن العربي من جهة، وبين المستوى المتقدم الذي بلغته دراسة العلوم السياسية في الخارج من جهة أخرى.

- التقليل من الآثار الضارة للاستخدامات المتباينة للمصطلحات بسبب تعدد الثقافات التي نهل منها الباحثون وأعضاء هيئات التدريس، وكذلك تقليص آثار اختلاف وجهات النظر الأيديولوجية حول نفس المصطلح.

الموضوعية في التصنيف

وسعيا لتحقيق هذه الأهداف، وزعت نشرات غير دورية على المشاركين لضمان التجانس بين فريق العمل، والاتفاق على الوسائل المستخدمة، ومن بين أهم الوسائل التي جرى التركيز عليها ما يلي:

- الالتزام بأكبر قدر ممكن من الموضوعية والدقة والوضوح وخاصة عند معالجة المصطلحات المثيرة للجدل المرتبطة بالأديان والمذاهب والأيديولوجيات والزعامات الروحية والسياسية.

- عدم الاقتصار على مجال العلوم السياسية حيث اشتمل المخطط العام على مصطلحات تخدم العلوم البيئية، وكل ما به علاقة بالظاهرة السياسية في حقول الاقتصاد والاجتماع والمناهج والإدارة والحاسب الآلي والمستقبليات وبحوث العمليات والرياضيات والإحصاء والجغرافيا والتاريخ.

- الاسترشاد بالتصنيف الدولي الذي أقره علماء السياسة في إطار منظمة اليونسكو عام 1948، والتعديلات التي طرأت عليه.

- إدخال تصنيفات إضافية على هذا التصنيف الدولي تتلاءم مع الخلفية الحضارية العربية الإسلامية.

وقد وجدت هذه الوسائل تعبيرا عنها في إبراز الطابع المميز للظاهرة السياسية من حيث استقصاء علاقة كل مصطلح بمنهج ما أو أيديولوجية أو حزب أو فرقة أو جماعة مصالح أو نظام سياسي أو منظومة دولية، وعلاوة على معالجة المصطلحات المحورية في كل فرع من العلوم السياسية وتغطية أحدث الاتجاهات الفكرية والتطبيقية، فإن جانبا مهما من الإسهام تركز على التصنيفات الإضافية المشار إليها، والمقصود بهذه الأخيرة التقسيمات الفرعية التي دعت الحاجة إلى إدراجها ضمن هيكل الموسوعة مثل الدراسات الإسلامية والعربية التي لم تدرج في التصنيف المبكر لليونسكو، وكذلك تحليل وتفسير التغيرات الجذرية التي طرأت على العلاقات الدولية والنظم السياسية بعد تلاشي الاتحاد السوفييتي وانهيار المعسكر الاشتراكي وغزو دولة الكويت وظهور وضع دولي جديد، بالغ البعض، فأسموه النظام الدولي الجديد، وتوضح الأسطر التالية بعض تفاصيل هذه الإضافات:

حظيت مناهج ومداخل البحث السياسي باهتمام متوازن في أول الموسوعة تجلى في معالجة كثير من المناهج الكمية والكيفية، ومن المعلوم أن المشكلات السياسية بحكم طبيعتها الخاصة تعتمد بصورة أكبر على المناهج الكيفية حيث توجد صعوبات عملية أو يستحيل تماما تجزئة بعض هذه المشكلات أو إعادة تقسيمها إلى وحدات أصغر تسمح بالوزن أو العد أو القياس الذي تستلزمه المناهج الكمية. ولم تكن الاستفاضة في شرح هذه المناهج بدون مبرر، فقد زاد الاهتمام بها منذ منتصف القرن الحالي في معالجة الموضوعات السياسية المرتبطة أساسا بالوحدات النمطية الكبيرة مثل الناخبين واستفتاءات الرأي، انعكس ذلك في تطوير أساليب جمع البيانات وتمثيلها وتحليلها سواء عن طريق العينات الاحتمالية أو غير الاحتمالية، واستخدام الجداول والأشكال والرسوم البيانية في التحليل السياسي، وابتكار المقاييس والتوسع في عمليات الاستشراف والتنبؤ، وإزالة اللبس الشائع بين التنبؤ والاستقراء الإحصائي. ولما كانت إسهامات المشاركين قد غطت كلا من الاتجاهين الكمي والكيفي فإن الموسوعة تكون بذلك قد تفادت قصور المفهوم المضمحل للوضعية المنطقية الذي لا يرى أبعد من التكمية تعبيرا عن فصله التعسفي المعروف بين الحقائق والقيم، في حين تكشف وقائع الحياة في كل من الطبيعة والمجتمع عن تكامل فذ بين مختلف الظواهر والعلوم والمناهج.

تصنيف النظريات السياسية

وقد أضيف تقسيم فرعي ضمن تصنيف النظرية السياسية لعرض أهم انعكاسات الفكر السياسي الإسلامي على المناهج والمفاهيم والشخصيات والفرق والمذاهب والأحداث، ثم تقسيم ثان ينبثق منه لبعض نماذج من رواد الفكر السياسي الإسلامي الحديث والمعاصر، ثم تقسيم ثالث لنماذج أخرى من رواد الفكر العربي الحديث الذين نشأوا في بوتقة البيئة الإسلامية وتبادلوا التأثير معها.

في تصنيف العلاقات السياسية الدولية الذي يضم تقسيمات أصلية عن الأمن والاستراتيجية والقضايا السياسية والدبلوماسية، والقضايا الاقتصادية، دعت التطورات المتلاحقة عربيا وعالميا إلى تخصيص معالجات مستقلة لهذه التطورات وتأثيرها المتوقع في الأفكار والمناهج وأساليب الممارسة والمؤسسات السياسية، وقد أدرجت هذه المعالجات في تقسيمات إضافية هي: غزو دولة الكويت، وأمن الخليج، والوضع الدولي الجديد، والقوى الكبرى والعالم الثالث، وحقل المستقبليات، هذا علاوة على مصطلحات تتمتع بالجدة والأصالة تعالج علاقة ما يسمى بالنظام الدولي الجديد بالإسلام، والعلاقة بين الإنسان والحاسب الآلي وغيرها من قضايا التنمية والبيئة. وفي تصنيف القانون الدولي العام، أضيف إلى تقسيماته التقليدية تقسيم فرعي مؤقت يضم اجتهادات ما بعد إنشاء منظمة المؤتمر الإسلامي وخاصة تعريف ماهية القانون الدولي العام الإسلامي وما يرتبط به من مفاهيم ومنظمات وقضايا، ومشروع محكمة العدل الدولية الإسلامية. وفي تصنيف الأطر القومية والإقليمية تناولت المصطلحات النظم السياسية لدول العالم مرتبة هجائيا حسب القارات مع تخصيص تقسيم فرعي مستقل للعالم العربي، تتصدر كل قارة خارطة توضيحية لها ثم خارطة سياسية لكل دولة على حدة وفوقها العلم المميز للدولة ثم إحصاءات معتمدة عن المساحة وتعداد السكان وأهم أوجه النشاط الاقتصادي والدخل القومي الإجمالي ومتوسط الدخل السنوي للفرد واسم العملة المتداولة، تعقب ذلك دراسة تفصيلية للنظام السياسي لكل دولة وفقا للمنهج الموحد الذي يبدأ به ذلك التصنيف. وإضافة إلى التصنيف المستقل الخاص بالمعالجة النظرية لمناهج ومداخل البحث السياسية زودت التصنيفات الرئيسية بخمسة نماذج من مناهج البحث توخى محرروها أن تكون سهلة الفهم والتطبيق لمعظم قارئي الموسوعة.

التوثيق والفهرسة

هذا وقد نال التوثيق قدرا كبيرا من الاهتمام إذ ذيلت كل المصطلحات في المتن نفسه بمصادرها الأجنبية فقط اعترافا بفضل أصحاب السبق في وضع أسس المادة العلمية للمصطلح، وفي الوقت نفسه روعي الاحتفاظ بحق المشارك في الإشارة إلى كتبه أو بحوثه ذات العلاقة بالمصطلح وذلك في فهرس خاص بالمصادر العربية، أما الدراسات العربية والإسلامية التي وضعت أصلا باللغة العربية، فيتم توثيقها في المتن بالعربية، وبعدها يشار إلى المصادر الأجنبية إن وجدت، وبهذه الوسائل مجتمعة المشار إليها سابقا والتي تلخص مفهوم التقيد بالضوابط العلمية، يمكن القول إن موسوعة العلوم السياسية تختلف اختلافا جذريا عن الموسوعات والمعاجم والقواميس العربية المتوافرة في هذا الحقل سواء من حيث المنهج أو التحرير أو التوثيق أو التحكيم، من جهة أخرى أتاحت المشاركة الواسعة لأكاديميين يتقنون مادتهم العلمية بلغاتا أخرى غير مطروقة علاوة على العربية أتاحت إمكان الاستفادة بمصادر أجنبية من الدرجة الأولى أشير إلى معظمها أسفل المصطلحات، وقد بلغت اللغات المستعملة في تحرير المصطلحات ثماني لغات تشمل العربية والإنجليزية والفرنسية والألمانية واليابانية والإسبانية واليونانية القديمة واللاتينية.

بالمثل، حظيت الفهرسة العلمية بعناية فائقة من جانب أحد المتخصصين بجامعة الكويت، ورغم دقة وفعالية الأسلوب العلمي التقليدي في التكشيف والفهرسة عن طريق الكروت، فقد كان من الممكن اختصار جانب كبير من الجهد والوقت باستخدام الفهرسة الآلية عن طريق الأجهزة والبرامج المتطورة لولا تعرضها للنهب أثناء الغزو، ومما يقتضي التنويه أيضا أن مشروع الموسوعة قد حصل على تقويم إيجابي أشارت إليه الدورية الإقليمية للمركز الدولي للمعلومات المصطلحية في فيينا.

ومما يدعو إلى الاعتزاز أن نجاح جامعة الكويت في إنجاز هذا المشروع لا يقتصر فقط على الجوانب الدراسية والبحثية، وإنما يتعدى ذلك إلى خدمة قطاعات مجتمعية واسعة ستجد في الموسوعة كل عون وخاصة في مجالات الإدارة العليا والإعلام والدبلوماسية، لا يقل عن ذلك أهمية تحقيق بعض الطموحات المعلن عنها منذ بداية المشروع إذ أمكن من خلال التعاون العلمي المثمر إرساء سلوكيات جديدة في واقعنا العربي ليست أقلها التخلي عن جانب كبير من الفردية والإسهام في جهد جماعي هو الأول من نوعه على هذا المستوى في حقول الدراسات الاجتماعية الإنسانية، وإضافة إلى قبول المشاركين الأكاديميين إدخال تعديلات التحكيم على بعض المداخل عن طيب خاطر ودون حساسيات ومنهم أساتذة أجلاء تكن لهم الأوساط العلمية كل احترام وتقدير.

 

محمد محمود ربيع

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات




غلاف الموسوعة