الأساطير والميثولوجيات السياسية خليل كلفت

الأساطير والميثولوجيات السياسية

المؤلف: راءول جيرارديه

المؤلف هو راءول جيرارديه RAOUL GIRARDET أستاذ التاريخ المعاصر في معهد الدراسات السياسية بباريس وقد أصدر قبل هذا الكتاب العديد من المؤلفات، منها "النزعة القومية الفرنسية 1871- 1914 "، و"فكرة الاستعمار في فرنسا 1871- 1962" والكتاب الذي نعرضه يقدم بحثا من نوع جديد وفريد عن مجموعة الأساطير الفرنسية السياسية خلال القرنين الأخيرين.

يعرض المؤلف في هذا الكتاب "ثيمات" THEMES وأساطير كتابه من خلال توثيق "اقتباس" واسع النطاق من أعمال الأدباء والمؤرخين والفلاسفة الفرنسيين طوال القرنين. وتمهيدا لإيضاح الفكرة الرئيسية لكتابه يسجل راءول جيرارديه أن المؤلفات الكثيرة التي يجري تأليفها منذ أجيال عديدة في إطار ما يسمى "بتاريخ الأفكار السياسية" تحصر استكشافها، باستثناءات قليلة وحديثة جدا، في "مجال الفكر المنظم، المصوغ صياغة عقلانية، والمتسلسل منطقيا، دون سواه" والمقصود بسواه هنا هو على وجه التحديد: عالم الخيال LIMAGINAIRE.

ويرى المؤلف أن هذا النهج مفهوم ومشروع فهو متوارث عن تلك الأولوية التي توليها الحضارة الغربية، منذ ثلاثة قرون تقريبا، لما هو عقلي: فقط في إطار المواجهة بين المذاهب، في إطار اشتباك أو تصادم "الأنساق الفكرية" يتم إدراك وفهم المناظرات الكبرى التي تجابهت فيها تاريخيا الرؤى المتعارضة لمصير الأمم. ولا يجادل المؤلف في مشروعية هذا النهج ولا يرغب بحال من الأحوال في إعادة النظر فيه فهو النهج السائد على كل حال في تاريخ الأدب، أو تاريخ الفن، أو تاريخ العلوم. ويتمثل الهدف الجوهري للكتاب في توسيع مجال ما يسمى بتاريخ الأفكار السياسية ليمتد فيشمل عالم الخيال، فالكتاب إذن محاولة لاستكشاف شكل بذاته من أشكال عالم الخيال هو في حالتنا عالم الخيال السياسي، بدلا من الحالة الراهنة التي يصفها المؤلف كما يلي:

"الواقع أن كل ما يستعصى على الصياغات الجازمة، كل ما ينبع من الأعماق الخفية للقوى الحلمية، يظل مستبعدا في منطقة ظل يندر حقا من يجرؤ على التوغل فيها. وقلما يؤخذ الحلم في الاعتبار إلا حينما يتم التعبير عنه في الشكل التقليدي الذي يتفق على تسميته باليوتوبيا، أي نوع أدبي محدد تماما، له غايات تعليمية مؤكدة بوضوح، يخضع لترتيب صارم في العرض، ويسهل فهمه بالذكاء المنطقي وحده".

ويشدد المؤلف على "التأثير التاريخي" للأفكار السياسية وخاصة "لعدد من المؤلفات السياسية العظيمة" مثل مؤلفات لوك، أو روسو، أو مونتسكيو، أو ماركس، فلولا هذه المؤلفات لما كانت مجتمعات أواخر القرن العشرين بصورتها الراهنة.

غير أن هذا لا يمكن أن يستبعد "التأثير التاريخي" لعالم الخيال السياسي، للأحلام الجمعية والمخاوف الجمعية، للأساطير والميثولوجيات السياسية. والواقع أن الاضطرابات السياسية خلال القرنين الأخيرين من التاريخ الأوربي كانت مصحوبة بفوران ميثولوجي مذهل: فضح لمؤامرة شريرة ترمي إلى إخضاع الشعوب لسيطرة قوى غامضة ولعينة، تصورات عن عصر ذهبي مفقود يجدر بنا أن نستعيد نعيمه أو ثورة منقذة تتيح للبشرية أن تدخل الطور النهائي لتاريخها وتكفل أن يسود العدل إلى الأبد، تطلع إلى الزعيم المنقذ، مصلح النظام أو القائد المظفر لعهد جديد من العظمة الجماعية، .. وغير ذلك.

وهناك أيضا حقيقة أن بعض هذه "الثيمات" ماثلة "في خلفية بعض المذاهب العقائدية الكبرى للقرن الماضي، بما فيها تلك التي تستند بكل قوتها إلى دقتها في البرهنة وإلى الطابع "العلمي" بصفة جوهرية لفرضياتها"، غير أن الألفيات الثورية، ونزعات الحنين إلى الماضى، وعبادة الزعيم الملهم، والهواجس الشريرة، يمكن أن تتخذ الشكل المباشر للأسطورة: "وعندئذ تفرض الأسطورة نفسها بكل استقلالها، فتتشكل في نسق متماسك وكامل من المعتقدات. وفي هذه الأحوال، لا تعود الأسطورة تستند إلى أية شرعية أخرى سوى شرعية مجرد تأكيدها، ولا إلى أي منطق آخر سوى منطق انتشارها الحر".

الأسطورة السياسية

والأسطورة عند علماء الأنثروبولوجيا تتمثل في سرد يتعلق بالماضي ("في سالف العصر والأوان.."، "كان يا ما كان..") "لكنه يحتفظ في الحاضر بقيمة تفسيرية بالغة الأهمية بقدر ما يوضح ويعلل بعض الانقلابات في مصير الإنسان أو في بعض أشكال التنظيم الاجتماعي". وينقل المؤلف عن ميرسيا إلياد قوله: "تروي الأسطورة تاريخا مقدسا، إنها تسرد واقعة جرت في الزمن السحيق القدم، زمن البدايات الخرافي. وبعبارة أخرى، تروي الأسطورة كيف جاء واقع ما إلى الوجود سواء أكان هذا الواقع كليا، الكون، أم مجرد جزء ليس إلا: جزيرة، نوع من النبات، سلوك إنساني، مؤسسة". وعند آخرين، يختلط مفهوم الأسطورة بمفهوم الخداع، ذلك أن الأسطورة- باعتبارها وهما أو توهما أو تهويما- تبدل معطيات الملاحظة التجريبية وتتعارض مع قواعد الاستدلال المنطقي، وبهذا تقوم كحاجز بين حقيقة الوقائع ومقتضيات المعرفة. وعند آخرين غيرهم، هم قراء جورج سوريل "تمثل الأسطورة نداء إلى الحركة، وحثا على العمل، وهي تبدو في نهاية المطاف حافزا لطاقات ذات قوة استثنائية". وهذه الأبعاد الثلاثة لكل أسطورة بوجه عام نجدها ماثلة كذلك في كل أسطورة سياسية. "حقا إن الأسطورة السياسية تلفيق، أو تشويه أو تفسير للواقع يمكن الطعن فيه موضوعيا. غير أن من الصحيح أنها، كسرد خرافي، تؤدي أيضا وظيفة تفسيرية، فتقدم عددا من المفاتيح لفهم الحاضر، وتشكل شفرة رموز يمكن للفوضى المحيرة للوقائع والأحداث أن تبدو متسقة من خلالها. كما أن من الصحيح كذلك أن هذا الدور التفسيري يتضاعف بدور تعبوي: بفضل كل ما تقوم بتوصيله من دينامية نبوئية، تشغل الأسطورة مكانا رئيسيا بين أسباب الحملات الصليبية وكذلك بين أسباب الثورات".

بين سيولة ومنطق الخطاب الأسطوري

والأسطورة، كالحلم، لا يمكن حصرها أو تحديدها أو حبسها داخل حدود صارمة، فذلك لا يؤدي إلا إلى تشويه الأسطورة وإفقارها وبترها وتجريدها من ثرائها وتعقيدها. كما أن من الجهل التام، كما يقول كلود ليفي- ستروس أن نحاول أن نطبق على دراسة "الواقع الأسطوري" مبادئ " التحليل الديكارتي".

وهذه السيولة الجوهرية للأسطورة بوجه عام هي أيضا سمة أكيدة للأسطورة السياسية التي تتميز ثيماتها بشبكة مرهفة وقوية من الصلات التكاملية: "فالحنين إلى الماضي إلى العصور الذهبية المنصرمة يصب عادة في الانتظار والتبشير النبوئي ببعث تلك العصور. وبالمقابل فمن النادر حقا ألا تقوم الحركات الخلاصية الثورية بإثراء رؤيتها للمستقبل بصور أو إحالات مستقاة من الماضي. ومن جهة أخرى فسرعان ما يتم قطع الخطوة الفاصلة بين فضح المؤامرات الشريرة والتطلع إلى نداء المخلّص، إلى الزعيم المنقذ، ذلك الذي تنتظره مهمة تخليص الأمة من القوى الشريرة التي تريد بسط سيطرتها عليها".

على أن الصلات بين ثيمات الأساطير السياسية لا تتمثل في صلات التكامل فحسب، فهناك في كثير من الأحيان صلات تناقض.

وليس بين مستكشفي عالم الخيال من يفوته الإلحاح على هذا الجدل بين الأضداد، فالأسطورة مزدوجة كما توضح سلسلة من الأعمال الرائعة التي كرسها جاستون باشلار للتمثلات السيكولوجية للعناصر الطبيعية الكبرى: "فالبيت حلم المأوى، والتلاقي، والأمان، يمكن أن يغدو صورة الزنزانة، ورمز الاضطهاد في السجن، ورمز الدفن، وحتى رمز القبر".

والأسطورة السياسية لا تخرج عن هذه القاعدة، قاعدة انقلاب الأسطورة إلى العكس.

والقرين الخرافي الذي يصاحب دائما تقريبا وجود أو ذكرى البطل التاريخي شاهد على ظاهرة مماثلة. إن الإجلال أو اللعن يتغذيان على نفس الوقائع، وينموان انطلاقا من نفس الحبكة. وبين صورة نابليون العظيم وصورة غول كورسيكا لا تعارض سوى في زاوية الرؤية. وسواء أكان مكللا بهالة المجد أم بسحب عاصفة مكفهرة فإننا نعثر في نهاية المطاف على نفس الوجه الواحد. إن غرابة الأصول، وسرعة الصعود، والإرادة المسيطرة، وطبيعة الانتصارات، وضخامة الكوارث، إن كل ما يساهم- في حالة- في صنع صورة العظمة، يشكل - في الحالة الأخرى- وصمة العار.

وفيما وراء سيولة الخطاب الأسطوري وازدواجه، هناك منطق للخطاب الأسطوري. فكما أن الصور التي تفرزها أحلامنا تخضع لقوانين بذاتها للتكرار والتداعي "يبدو أن الآليات التوليفية للخيال الجمعي لا تملك تحت تصرفها سوى عدد محدود نسبيا من الصيغ".

هناك إذن، على حد تعبير كلود ليفي- ستروس، "نحو" SYNTAXE للأسطورة، حيث تظهر عناصر بناء السرد الذي يتألف من سلسلة أو توليفة من الصور "مجمعة في مجموعات متماثلة، ومنتظمة في تداعيات ثابتة".. وهكذا فإن "ثيمة" المخلّص، الزعيم مبعوث العناية الإلهية، ستظهر مرتبطة دائما برموز تطهيرية: البطل المنقذ هو الذي يخلص، ويحطم القيود، ويصرع الغيلان، ويجبر القوى الشريرة على التقهقر.

ميثولوجيا المؤامرة

والمؤامرات الأسطورية التي استحوذت على عالم الخيال الجمعي الفرنسي خلال القرنين الأخيرين هي: المؤامرة اليهودية، المؤامرة اليسوعية، المؤامرة الماسونية. والهدف النهائي لكل مؤامرة من هذه المؤامرات لا يقل عن السيطرة على العالم.

فاستنادا إلى "خطة منهجية" تهدف المؤامرة اليهودية إلى "غزو واستعباد الكرة الأرضية".. و"سيدور الصراع على المستوى الاقتصادي، والسياسي، والاجتماعي، والديني. وستستخدم كل الاستراتيجيات، تلك الخاصة بالمضاربة المالية وكذلك تلك الخاصة بالاستيلاء على السلطة الحكومية أو بوضع اليد على وسائل التعليم والإعلام ".

أما الرهبانية اليسوعية ذات السلطة الهائلة والتي تعمل على بسط هيمنتها على العالم فقد أقامت شبكة هائلة من المراكز السرية للجاسوسية والتخريب في مواقع لا حصر لها على الكرة الأرضية. وهدف المؤامرة الماسونية "هو " التعجيل بدمار النظام الملكي والمسيحي القديم، والإعداد لقيام السيادة العالمية للحرية وللمساواة" من خلال "خطة منظمة ومنهجية للتدمير" يستغرق تحقيقها عشرين سنة، وكان الأب بارويل- أحد أبرز مروجي هذه الأسطورة- يرى منذ 1797 أن "منشأ ومسار الثورة الفرنسية يمكن إرجاعهما من الناحية الجوهرية إلى مساعي الماسونية، وهي الوارثة لتراث طويل من الضغائن إزاء الملكية والكنيسة".

وهناك بطبيعة الحال أسس تاريخية موضوعية أكيدة لأساطير المؤامرة والتآمر مهما قامت هذه الأخيرة بتحريفها وتشويهها كما تفعل كل أسطورة. فلا أحد يجهل دور الماسونية خاصة في تاريخ الجمهورية الثالثة "1870- 1940" كمجموعة ضغط سياسي وأداة للسيطرة الأيديولوجية.

على مدى قرابة قرنين من الزمان يُدوي في تاريخ فرنسا بلا انقطاع صوت الاستغاثة بالمخلص. ومن نابليون بونابرت إلى بيتان وديجول، مرورا ببولانجيه أو بوانكاريه أو دوميرج، تتشكل كوكبة بذاتها من الصور حول شخصية موهوبة. إن المسألة تتعلق هنا إذن "بالظهور المفاجئ لمخلص على رأس السلطة، لبطل يستأثر بكل حرارة الأمل الجمعي".

ويستقصي راءول جيرارديه أربعة نماذج لهؤلاء المنقذين أو المخلصين، وهي نماذج قد تتطابق أو تتراكب غير أنها قابلة أيضا للعزل والفصل والتعريف المستقل.

فنموذج سينسيناتوس (وهو روماني اشتهر بالبساطة والزهد، تولى منصب الحاكم المطلق مرتين ثم عاد في نهاية المطاف إلى محراثه) فهو نموذج رجل الدولة الذي تتمثل مهمته في الطمأنة والحماية والإصلاح والاستقرار، وينعكس هذا النموذج الأصلي في نماذجه الجديدة الفرنسية في السيرة الأسطورية لكل من دوميرج 1934 وبيتان 1940.

ونموذج الإسكندر هو نموذج القائد الشاب، المغامر الجسور، المتقد الحماس، المندفع إلى المجد، والذي يشق طريقه عبر التاريخ بسرعة برق خاطف. وصورة نابليون الشاب ضمن الأسطورة النابليونية هي التجسيد الحديث لهذا النموذج الأصلي الذي ينتمي إليه أيضا "الرأس الذهبي" بطل القصيدة الدرامية الطويلة بهذا العنوان لبول كلوديل. والنموذج الأصلي الذي يمثله صولون المشرع هو نموذج نابليون باعتباره المشرع المؤسس لنظام جديد من المؤسسات، والماريشال بيتان، المؤسس "لنظام جديد"، والجنرال ديجول في 1958 "وهو يرسي مبادئ وقواعد جمهورية جديدة" (الجمهورية الخامسة). وتحيل أساطير العصر الذهبي دوما إلى "أيام زمان " وهي أزمنة عاشها الناس فعلا قبل أن يحلموا بها، فهي باقية في ذاكرة الجماعة المعنية وكذلك في الذاكرة الفردية. غير أن هناك ماضيا يتعلق بما يعرف بذاكرة التاريخ. والماضي الذي تشير إليه "أيام زمان" هذه لم يعرف قط بصفة مباشرة، غير أن ظهوره خارج الزمن المنقضي يمنحه قوة إضافية على قوته كنموذج أصلي.

وفي مواجهة صورة حاضر يسود الإحساس بأنه لحظة انحطاط، يقف المطلق المتمثل في ماض من الكمال والضياء. وتتبلور حول تصور "أيام زمان" كل الاندفاعات، وسائر قوى الحلم، وتتحول إلى أسطورة.

فنحن إذن إزاء صور لماض تحول إلى أسطورة، ورؤى لحاضر أو مستقبل وفقا لما كان، أو لما يفترض أنه كان في الماضي. ولن يكون سوى تاريخ مبتور للغاية للأيديولوجيات الفرنسية ذلك الذي يحجب وجود هذه الصور، أو ينسى وفرة هذه التصورات، أو يهمل سلطانها على الأرواح والقلوب.

ويشير جيرارديه إلى ذلك التأرجح الدائم الأليم الذي يميز ميثولوجيات العصر الذهبي جميعا "بين العجز عن إعادة تشكيل ما كان وبين قوة الرجاء الذي تحتفظ به الذكرى على الدوام".

ومن هنا تلك النداءات التي لا تحصى- الدائمة في مجرى الحياة السياسية الفرنسية والقادمة من مختلف الآفاق الأيديولوجية- إلى الصب من جديد في الماضي، إلى العودة إلى الزمن المتسامي للبدايات.

ميثولوجيا الوحدة

ومع العصر الحديث، مع اتجاه الروح الاجتماعية إلى الانفجار إلى شظايا، وتآكل التضامنات القديمة، وتدهور الأشكال القديمة للحياة الجماعية، تتسع الهوة بلا انقطاع بين مختلف المجموعات الاجتماعية، وتنغلق كل مجموعة منها على نفسها، وعلى مصالحها، وعلى آرائها المسبقة، وعلى أساليب حياتها وفكرها، وتأتي التغيرات التي تقلب أوضاع الأشكال التقليدية للعمل البشري، في اتجاه قدوم حضارة تقنية جديدة لا يكون فيها الشغيل سوى ترس منعزل. وإلى جانب ذلك هناك "الفجوة المتزايدة العمق، والقائمة منذ قدوم عصر التنوير، بين ما يتعلق بنسق المعرفة العلمية وما يتعلق بعالم صبوات الإيمان"، ويسود "شعور قوي بالتوجس إزاء المجابهة المحتومة بين نسقين محددين ومتعارضين من القيم سرعان ما يتجسدان في كنيستين، كنيسة العلماء وكنيسة الكهنة، تدعي كل منهما العصمة المطلقة".

العرب والأساطير السياسية

بعد أن استعرضنا بإيجاز شديد الخطوط الرئيسية لكتاب الأساطير والميثولوجيات السياسية يحق لنا أن نتساءل عن مغزى قراءة مثل هذا الكتاب بالنسبة لنا: هل هناك مغزى يخصنا نحن العرب فيما وراء القيمة التي لا جدال فيها لمعرفة حاضر أو تاريخ فرنسا؟ وبعبارة أخرى: هل هناك وجود لأساطير سياسية تناظر الأساطير السياسية الفرنسية في ثقافتنا الراهنة، بكل ما يعنيه وجودها المحتمل من أبعاد التحريف والتفسير والتعبئة كما سبق أن رأينا؟.

وبطبيعة الحال، ليس هنا مجال مثل هذه المناقشة.

ولهذا سنكتفي بالإشارة إلى رأي كاتب فرنسي آخر، وهو المستعرب ريشار جاكمون. ففي مقدمة ترجمته لمجموعة من مقالات الدكتور فؤاد زكريا، بعنوان: "علمانية أم إسلامية- العرب في ساعة الاختيار"، يشير الأستاذ جاكمون إلى النزوع إلى الانطواء على النفس ورفض الآخر لدى ثقافة عربية- إسلامية عاجزة عن تجاوز الميثولوجيا السياسية الأصلية للعصر الذهبي، والمؤامرة، والوحدة، والمخلّص "المنقذ"، ويحيل في الهامش إلى كتاب راءول جيرارديه الذي أتينا على عرضه منذ قليل، موحيا بذلك بانطباق مبدأ ونظرية الأساطير والميثولوجيات السياسية، بنفس ثيماتها ومجموعاتها الأربع الكبرى، فيما يتعلق بثقافة عربية- إسلامية راهنة، وهو انطباق ينبغي بحث مداه واستقصاء خصوصياته.

 

خليل كلفت

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات




غلاف الكتاب