مساحة ود راوية جمال الدين

مساحة ود

مركونة على الرف

في هذا الشهر تزوجت أختي الأصغر مني، الفارق بيننا ثلاث سنوات، وهكذا للمرة الأولى انعكست الأدوار التي كنا نقوم بها، وأصبحت هي الأولى، وهي التي سوف تبدأ حياة جديدة بينما علي الانزواء في ظلال الأخت الكبرى التي لم يأتها "العدل" بعد.

الأخت الكبرى كانت دائما الأولى في كل شيء بالنسبة لأبويها، إنها التي لا تكف عن الصراخ طوال الليل في عمر التسنين، وهي التي تطفئ أولى شموع أعياد الميلاد، وهي التي لا ترتدي ملابس أختها القديمة، وهي التي يرتعد قلب أمها وهي تراها تخطو خطواتها الأولى في طريقها إلى الحضانة.. وهي.. وهي.. صف طويل من التجارب يكون لها دائما فيها المكانة الأولى بالرعاية.

لكن كل شيء قد انقلب الآن، أصبحت الأخت الصغرى المسئولة، هي التي تنتحي أحد الأركان كي تتهامس مع أمها حول ألوان الثياب، وترتيب المدعوين وشراء الأثاث.. وتترك كل هذه التصرفات في نفس الأخت الكبرى بقايا مريرة، لا لأنها فقدت مكانتها فقط، لكن لأنها حتى لو تزوجت فلن يبقى لها من "تحويشة" الزواج إلا ما يكفي لشراء كوب من "الشربات".

إنهم يطلبون منها ألا تتدخل.. إذا فعلت ذلك اتهموها بالأنانية، وأنها لا تهتم بأختها كما يجب، وفي وسط الانشغال العام ينسى البعض وجودها أحيانا، وتحكي لها أختها الكبرى أنها اتصلت بأمها في التليفون في هذه الفترة، وهي تهتف "إنه أنا يا أماه.. " ولكن الأم ردت عليها في برود "أنت من؟!! ".

إن الحكايات الشعبية والأعمال الأدبية لم تترك الأخت الكبرى في حالها، هل تذكرون قصة سندريلا.. الأخت الصغرى الجميلة والذكية التي لا تستحق أقل من أمير، والأختان الكبيرتان اللتان تمتلئان بالحقد عليها، شكسبير أيضا أحال الأخت الكبرى إلى نمرة شرسة يجب أن تروض في مقابل أختها الصغيرة الوديعة.

إنها حالة مخجلة تسمى حالة الأخت الكبرى، تفرض عليها الوحدة والوحشة والإحباط أيضا، بل وتدفعها دفعا حتى تركن نفسها على "الرف".

ومما يزيد الأمر سوءا أن المرأة ما زالت غير قادرة على الاستقلال بنفسها اقتصاديا، وشخصيا، وبالتالي فهي عرضة لتعليقات الآخرين، وللافتراضات المريرة التي يحاصرونها بها، وهي تسمع بأذنيها أمها تقول لأختها الصغرى بجدية مفتعلة "من هذه اللحظة عليك أن تبحثي لأختك عن عريس".. من قال إنها يجب أن تبحث عن عريس؟!!

وعلى كل عضوات "نادي الأخت الكبرى" مثلي ألا يستسلمن لمثل هذه الحالة، إن عليهن أن يستبدلنها بذلك القدر الذي لا يفنى من حب الأبوين، وبالنجاح في العمل والأسفار، وأن يرفعن أصابعهن في وجه التقاليد التي تريد أن تضعهن في هذا الإطار.

إن الوحدة صعبة ويزيد من صعوبتها عندما تكتشفين أن أختك وبقية صديقاتك يتعاملن مع آبائهن كأشخاص ناضجين، علاقة يحاول الآخرون إقصاءك عنها، ويكون عليك في هذه الحالة أن تواجهي الأمر بشجاعة وأن تثبتي كم أنت ناضجة وقادرة أيضا على الاختيار الصحيح. إن النصيحة هي أن تواجهي حالة الأخت الكبرى، وأن تحاولي الاستمتاع بها، وسوف تعلمين أن اختك عندما تحتاج إلى ملجأ فلن تجد إلا أنت، وأن أمك حين تبكي فلن تجد من يجفف دموعها سوى منديلك.

 

راوية جمال الدين

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات