الطفل من الرضاعة الطبيعية.. إلى الفطام التدريجي ليلى بيومي

الطفل من الرضاعة الطبيعية.. إلى الفطام التدريجي

تعتقد كثير من الأسر أن الطفل في مرحلة الرضاعة والطفولة المبكرة لا يتأثر بالظروف المعنوية والمادية التي يعيش فيها والتى تحيط به. ومن ثم قد لا يتم التعامل معه بقدر من الأهمية التي تضمن له صحة نفسية واتزانا شخصيا على المدى البعيد. فكيف تتعامل الأم مع طفلها رضيعا؟ وما هو المدى الذي يشعر من خلاله هذا الإنسان الصغير شديد الحساسية؟.

تقول الدكتورة سعدية بهادر عميدة معهد دراسات الطفولة بجامعة عين شمس: مرحلة الطفولة المبكرة والتي تقع ما بين الولادة حتى سن ما قبل المدرسة تعتبر هي الفترة التكوينية الحاسمة من حياة الإنسان حيث يتم فيها وضع البذور في مستقبل حياة الطفل، ففيها يكوّن فكرة واضحة وسليمة عن نفسه ومفهوما محددا لذاته الجسمية والنفسية والاجتماعية وهي مهمة وخطيرة لأن ما يحدث فيها من نمو يصعب تقويمه أو تعديله في مستقبل حياة الفرد.

ويقول الدكتور حامد عبدالعزيز أستاذ علم النفس وعميد تربية المنيا سابقا: تعتبر السنتان الأوليان من حياة الطفل بالإضافة إلى فترة الحمل نواة شخصيته المستقبلية، وأحد الوجوده المهمة لشخصيته هي الصورة التي يكونها عن نفسه أو صورة الذات التي تنمو من تفاعله مع والديه والآخرين.

فالطفل الذي أبصر والده قاسيا في صغره قد يتعلق بهذه الصورة عندما يصبح رجلا رغم أن والده قد تغير في قسوته وفظاظته، والشاب الذي يتزوج امرأة صغيرة تشبه والدته ربما يتوقع منها لاشعوريا أن تعطيه ما تعطيه الأم لطفلها من إشباع لرغباته.. والطفل يكون صورة عن ذاته ويمارس نشاطه بسمعه وبصره وشعوره وبعدئذ يتأثر بما يقوله الآخرون عنه. فإن كانت فكرة الوالدين عنه طيبة فسيؤثر ذلك عليه. أما إذا كانت صورته عن ذاته ضعيفة فقد يتأثر بأوصاف الآخرين له عندما يكبر. والنضج البيولوجي ضروري لنمو الوليد فكرا وقدرة وقوة، والنضج التربوي ضروري لصيانة النضج البيولوجي خلقا وسمة وانفعالا.

يضيف الدكتور حامد عبد العزيز.. أن ميل الطفل الشديد نحو أمه أكثر من أبيه يعود إلى أنها تشبع رغباته الأولية ولا يرى في مصاحبة الوالد إلا لإشباع رغبة ثانوية كأن يرغب الوالد في النزول إلى الشارع، فيصر على الخروج معه استطلاعا للجديد في البيئة.

الرضاعة والفطام

تقول الدكتورة فوقية حسن أستاذة الصحة النفسية بجامعة الزقازيق: ما يكتسبه الطفل في سنواته الأولى من عمره يكون له أثر فعال في تكوين شخصيته وإحساسه بالأمان العاطفي الذي من سماته حب الأم.. وأول عمل يؤدي إلى تكوين علاقة الحب هذه هي الرضاعة. فعن طريقها تتكون مشاعر الطفل وعن طريقها يستمد الكثير من العطف والحب والحنان والمودة، وترتبط عملية الرضاعة بعملية أكثر خطورة وهي عملية الفطام والتي تكمن خطورتها في كونها عملية حرمان من الرضاعة. وإذا تمت بطريقة فجائية أو عن طريق وضع مادة مؤلمة على الثدي فسوف تكون خبرة مؤلمة تؤدي إلى اضطراب في التكوين النفسي لدى الطفل. وتضيف الدكتورة فوقية حسن أن كثيرا من الأمهات لا يدركن أثر نوع المعاملة التي يتلقاها الطفل وهو في سنته الأولى من عمره على تكوين شخصيته واتجاهاته إزاء الحياة. وقد لا يستطيع الكثيرون تصور أن هذا الطفل الصغير الذي لم يبلغ عمره إلا شهورا قليلة متفاعل معها محدد الإطار الذي سوف تتخذه شخصيته في ضوء تفسيره للبيئة المحيطة به. إذ إن علاقة الفرد بالمجتمع وتوافقه النفسي والاجتماعي والقدر الذي يتمتع به من صحة نفسية. كل ذلك يتوقف على أسلوب الرعاية التي يتلقاها منذ طفولته المبكرة. بل ومنذ الأيام الأولى لولادته.

خطورة الفطام الفجائي

والرضاعة لا تشبع جوع الطفل فحسب بل يحمل ثدي الأم إلى الطفل الحب والعطف والشعور بالأمن، وعلى القدر الذي تشبع به هذه الحاجات يتوقف التكوين النفسي للطفل. أما ظاهرة الفطام فتحتل مرتبة الصدارة في قائمة الظواهر المهمة التي تحدث في مرحلة الطفولة المبكرة. وهنا يجب أن نفكر في الفطيم والفطام وفي الفطام بالمعنى الواسع والذي يتضمن الفطام الغذائي والنفسي عن الأم. ومن ثم ينمي الاستقلال والاعتماد على النفس بطريقة صحيحة. ولكي يتحقق هذا ينبغي ألا تحدث عملية الفطام بطريقة فجائية، ذلك لأن الطفل عادة ما يضطرب حينما يطرأ على حياته تغيير مفاجئ. لذا يجب أن يلزم التغيير عملية توافق تدريجي.

أما الدكتور محمد شعلان أستاذ الطب النفسي بجامعة الأزهر فيقول: الثابت أن الحالة الانفعالية للطفل تؤثر على صحته في فترة الرضاعة. ويحس الطفل فيها بالحب والارتياح تجاه الآخرين. وعلاقة الطفل بأمه في السنين الأولى من عمره إذا كانت وثيقة تزيد من مشاعر الود والدفء والأمن ثم تعمم هذه المشاعر من قبل الطفل إلى الآخرين ويبدأ الطفل حياة سليمة انفعاليا واجتماعيا، والطفل عند الرضاعة من الأم يسمع دقات قلبها مما يحدث له نوعا من الاطمئنان والراحة النفسية، كما أن هزات القلب المنتظمة تؤدي إلى نمو خلايا معينة في مخ الطفل تجعله أكثر سلامة من الناحيتين الصحية والنفسية.

أما الدكتور جمال شفيق مدرس علم النفس بجامعة عين شمس فيقول: يعتبر النمو العقلي أثناء مرحلة الطفولة المبكرة شيئا غير عادي وجديرا بالملاحظة، حيث إنه في هذا الوقت نجد الأطفال ينمون نماذج من المهارات التي نسميها الذكاء العام. وتسبب هذه التغيرات نموا في قدرة الطفل العقلية، ونجد مفهومه يتسع بصورة كبيرة، كما أن الطفل لا يستفيد من طعامه إذا قدم إليه مهما كان وفيرا وطيبا إلا إذا توافر له عنصر الأمن والاستقرار من خلال البيئة التي يعيش فيها.

أما الدكتور أحمد يونس أستاذ طب الأطفال بجامعة القاهرة فيقول: الحالة النفسية للأم لها تأثير كبير جدا على صحة الطفل النفسية والجسمانية. فالغضب والحزن والقلق لدى الأم ينتقل إلى الطفل. ويغير طعم ومكونات اللبن، مما يجعل الطفل يرفضه وإذا تقبله يتسبب له في مغص وآلام شديدة.

أطفال السجون

وفي دراسة استطلاعية مقارنة، بين أطفال دور الحضانة وأطفال الأمهات نزيلات السجون حول الحرمان العاطفي البيئي وعلاقته بنمو الأطفال الرضع، قامت بها الباحثتان الدكتورة أسماء محمد السرسي والدكتورة فاطمة إبراهيم بلال- جامعة عين شمس- ثبت أن الطفل خلال مرحلة الرضاعة يحتاج إلى ما يدعم نموه من غذاء متوازن وصوت إنساني متناغم ووجه مبتسم يداعبه، كما يحتاج إلى الحب والمداعبة وإحداث الكثير من التنويع والتغيير في البيئة المحيطة به وإثراء هذه البيئة بمختلف المثيرات مما يساعده على تحقيق أفضل نمو جسمي ولغوي وعقلي ونفسي، وأن أي حرمان بيئي يؤثر على مختلف جوانب النمو.

 

ليلى بيومي

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات