أرقام

أرقام

هلال الشرق الأوسط

هذا تجمع سكاني جديد يزيد عدد سكانه على خمسمائة مليون نسمة طبقا لإحصاء عام 1990، وبالتحديد، وفي ذلك العام، بلغ الرقم "503" ملايين.

ما يلفت النظر ليس عدد السكان والذي يأتي في المرتبة السادسة بين الأقاليم الديموجرافية في العالم، ولكن اللافت هو ذلك الاصطلاح الذي استخدمه تقرير أخير للبنك الدولي صادر عام 1993.

التقرير - وهو تقرير عن التنمية في العالم- يقسم العالم إلى ثمانية أقاليم ديموجرافية.. أكبرها الصين، والتي اعتبرها إقليما قائما بذاته قوامه "1134 " مليون نسمة، وأصغرها الدول الاشتراكية السابقة في أوربا وعدد سكانها "346" مليونا.. و.. بين الاثنين يقف ذلك الإقليم، أو المصطلح الجديد.

الحدود الممتدة

لقد اعتدنا، في الجغرافيا السياسية أن نطلق تعبيرات الشرق الأدنى - الشرق الأوسط - الشرق الأقصى.. والجديد الذي استحدثه البنك الدولي ولا أعرف إذا كانت منظمات دولية أخرى قد استخدمته، هو ذلك التعبير "هلال الشرق الأوسط " والذي يخترق الأقاليم الثلاثة التي ارتبطت باسم الشرق "أدنى - أوسط - أقصى".

ووفقا للتعريف والخريطة، الواردتين في التقرير فإن "الهلال" يمتد من موريتانيا غربا إلى حدود الصين في الشرق، إنه إقليم متسع يضم شمال إفريقيا وسائر البلدان العربية الآسيوية.. و.. يزحف إلى الجمهوريات الآسيوية التابعة للاتحاد السوفييتي سابقا، ويضم فيما يضم إسرائيل وباكستان وتركيا ومالطا.

وبيانات هذا الإقليم التي أوردها البنك الدولي ليست كثيرة.. فهو يدخل فيما يسمى "متوسطي الدخل" حيث بلغ متوسط نصيب الفرد من الناتج القومي الإجمالي عام "90 ": "1720" دولارا، أما معدل النمو وخلال سنوات خمس عشرة امتدت من "75 - 1990" فقد كان سالبا، وبلغ مقداره "-1.3" بالمائة.. وبينما لا يحمل الرقم الأول مدلولا كبيرا - حيث يضم مواطن الكويت والإمارات والسعودية كما يضم مواطن موريتانيا، فإن الرقم الثاني له مدلوله الأكيد حيث يعكس المتاعب الاقتصادية التي واجهت هذا الإقليم فيما سمي بالحقبة النفطية وما بعدها، لقد تراجع الدخل باطراد، وتساوى في ذلك الأغنياء والفقراء، فقد هبط سعر النفط - بعد زيادة كبيرة - وتراجعت أسعار كثير من المواد الأولية وتفاقمت مشكلة العجز القومي الذي انعكس على تزايد المديونيات.

الإقليم في مجمله يعاني من المشاكل الاقتصادية، وإن كانت هناك مؤشرات تحسن في حياة الإنسان فقد زاد متوسط العمر من 52 إلى 61 عاما، كما قلّت وفيات الأطفال من 174 إلى 111 في الألف، وبما يعني أن التقدم في الوسائل الصحية قد يعوض التخلف في الاقتصاد والدخل.

هذه هي كل الملامح التي أوردها تقرير دولي حول مسمى جديد هو "هلال الشرق الأوسط " والسؤال: حول مضمون الكلمة ومغزاها.

هذه الأفكار الجديدة

في الجغرافيا السياسية لكل مصطلح معناه ومغزاه، ولكن وفي النتائج العملية قد لا يكون هناك نفس الشيء، ومع ذلك فإن تأمل المصطلح الجديد له أهميته.

البنك الدولي منظمة اقتصادية، لكنها ترتبط بالسياسة، خاصة سياسة الدول ذات الثقل في البنك.

والبنك الدولي كثيرا ما أضاف مصطلحات ومعاني جديدة في الأدبيات الاقتصادية، ولكن ها هو يستخدم مصطلحاً له إيحاءاته السياسية.

التقرير - الذي نتوقف أمامه - صادر عام 1993، وهو العام الذي نشط فيه الحديث عن الشرق أوسطية، وقد كان مضمون هذا الحديث أنه مع المضي قدما في الصلح مع إسرائيل سوف تقوم علاقات إقليمية جديدة تمتد لما بعد البلاد العربية.. وكما حدث قدر من الاندماج أو التكامل الاقتصادي في أوربا الغربية، ومن بعدها القارة الأمريكية التي استحدثت تجمعا تحت اسم "النافتا" يضم كندا والولايات المتحدة والمكسيك، كما حدث ذلك في مناطق مختلفة من العالم، فإنه ينبغي أن يحدث في الشرق الأوسط، فتمتد أنابيب النفط، والغاز، وشبكات الكهرباء، ومجاري الأنهار، لتربط بين دول هذه المنطقة. بطبيعة الحال - والحديث عن مناخ 1993 - فقد كانت هذه هي البداية.. لكن التصورات بعد ذلك ممتدة لبناء نموذج اقتصادي تتشابك شرايينه ومصالحه ليصبح - في وقت منظور - سوقا واحدة تسقط بينها الحواجز، وتمتد أواصر المودة والتعاون. الفكرة - كما نعلم - كانت مثار خلاف في المنطقة العربية، وبينما قال البعض: "ذلك تطور طبيعي في ظل نظام عالمي جديد".. فإن البعض تحفظ وكان له الحق في ذلك، وربما تكون التحفظات حول الشرق أوسطية، قريبة من الملاحظات التي يمكن إبداؤها على المصطلح الجديد "هلال الشرق الأوسط ".

نلاحظ:

1 - أن الشرق الأوسط وهلال الشرق الأوسط بالتالي يقف كلاهما على رأس جسر يتقاطع مع العروبة. الفكرة تبدو بديلا للفكرة القومية في الوطن العربي، فبدلا من تعميق وتكريس العلاقات "العربية- العربية".. فإن المطروح دخول شركاء جدد من غير العرب، وبينما يأتي ذلك كنوع من فك الحصار حول إسرائيل - وهو أمر متوقع على أي حال- فإن الأهم هو فحص تلك الفكرة.. فكرة فتح الحدود، وتوثيق التعاون، وهل يكون من الأصلح قصره على الدائرة العربية أم يمتد لدائرة أوسع.. وفي الحالة الثانية: ما هو الأثر السياسي لهذا الامتداد على الفكرة القومية والروابط القومية العربية؟.

2 - ووفقا لتعريف البنك الدولي لمنطقة "هلال الشرق الأوسط" نلاحظ أن فصلا ودمجا قد حدثا، فقد خلع التقرير الجمهوريات الإسلامية السوفييتية السابقة من موقعها، وخلق لها انتماء جديدا "إسلاميا- عربيا - جنوبيا".. فهل يكون ذلك هو الرباط الطبيعي.. أم هو فك للارتباط القديم.. مع موسكو، وما حولها؟

3 - والسؤال يثار حول موقع ودور بلدان مثل تركيا - عضو الأطلنطي - وإسرائيل - القادم الجديد- وإيران المناوئة للغرب.

هذه ملاحظات أساسية ثلاث حول مصطلح جديد، طفا على سطح الأدبيات السياسية والاقتصادية العالمية في عام شهد صراع المشاريع السياسية والحضارية، أعني عام 1993.. والأكيد أن عام 94 قد يشهد مزيدا من الوضوح والحسم.. عرب أم شرق - أوسطيون، تلك هي القضية، وفي إطارها تأتي التوجسات من مصطلح جديد هو "هلال الشرق الأوسط ".

 

محمود المراغي

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات