صبري راغب لمسة باقية من الرومانسية والجمال

  صبري راغب لمسة باقية من الرومانسية والجمال
        

           في يوليو الماضي، غاب عنا واحد من أشهر الفنانين في مصر والعالم العربي، الفنان صبري راغب الذي رسم عشرات الوجوه والمشاهد الطبيعية ورحل إلى العالم الآخر بعد أن ترك لنا آثاراً مبهجة من الضوء واللون.

          في الوقت الذي تأثر فيه الفنانون في مصر بدراسة أساليب الفن الكلاسيكية، بمدرسة الفنون الجميلة على يد أساتذتهم الأجانب محاولين استلهام التراث المصري القديم أمثال محمود مختار، محمد ناجي، واستلهام البيئة الشعبية مثل راغب عياد، اتجه فنانو الغرب إلى البحث عن قيم فنية جديدة في التصوير، فانتهج البعض منهم أسلوب (كوربيه) الواقعي في اختيار (الموضوع)، واستمر البعض الآخر من الفنانين الشبّان في عمل الدراسات المستمرة في تحليل ضوء الشمس ومدى تأثيره على عناصر الطبيعة المرئية أمثال مونيه، بيسارو، سيسلي، رينوار وآخرين. كما استمر هؤلاء الفنانون في تطبيق اكتشافاتهم لهذه النظرية الجديدة في فن التصوير بالتعبير عمّا يرونه في اللحظة التي تقع فيها العين على المرئيات وتنفيذ ذلك عن طريق بقع لونية متنوعة، كان من نتائجها انتشار اتجاه جديد ما بين عامي 1830م و 1841م عرف بـ (الاتجاه التأثيري).

تأثر بالتأثيرية

          وقد تصادف أن سافر صبري راغب (1920م-2000م) إلى روما في تلك الفترة حيث اطلع على الاتجاهات الفنية الحديثة، مما زاد عشقه للسفر لمتابعة الحركات الفنية الصادقة والمتغيرة، قال صبري راغب: (يرى بعض النقاد أنني فنان تأثيري، والحقيقة أن أحاسيسي الواقعية والرومانسية تتملكني وتتحكم في فني).

          ولأن سطح اللوحة في أعمال صبري راغب يتميز بحس ثري لاعتماد الفنان على جماليات البناء ولمسات الفرشاة الرقيقة التي تعلمها من أستاذه أحمد صبري (1889م-1955م)، فقد برزت أهمية البناء في اللوحة وقيمة اللون في بنية التكوين لا كمجرد طلاء للسطح، وكذلك اختيار الوضع الأمثل للعنصر والعناية بالتكوين، والقدرة على التعبير عن عناصره الحقيقية وكشف الجمال فيها، فثمة علاقة خفيّة تربط بين الفنان وعناصر اللوحة التي يرسمها، تلك هي التي تلقانا وتشدنا إلى عالم الفنان عند مشاهدة اللوحة.

أعظم اللوحات

          وقد زار الفنان جميع متاحف العالم بإيطاليا، وإسبانيا، وإنجلترا، وفرنسا، والنمسا، ورأى بمتحف النمسا أعظم لوحة رسمها (رمبراندت) وهي لوحة شخصية للفنان، وفي هولندا رأى أعظم أعمال الفنان (زانيت وتش)، (حراس الليل)، وزار متحف المتروبوليتان بأمريكا، كما أعجبته أعمال ديجا.

          ولقد كان الفنان يداوم على السفر إلى فرنسا لمتابعة الحركة الفنية المعاصرة والعلاج أيضاً، فرغم آلام المرض والسن فإن معين الفن لم ينضب أبداً بداخله.

جمال داخلي

          والحق أن أهم ما يميز قيم الفن الصادق عند صبري راغب هو القدرة على التعبير عن الجمال الداخلي بحسّ راق وفرشاة مرهفة لا يستطيع الإنسان العادي أن يأتي بها، وتلك القدرة هي التي تجذب محبّي الفنون للإقبال على أعماله، وهذا هو السبب نفسه الذي جعل فناناً مثل سيد درويش يعتبر موهبة عظيمة، حيث تصل أعماله إلى جميع طوائف الشعب من رجل الشارع العادي إلى كبار المثقفين.

          ولقد وقف صبري راغب أمام بعض الأعمال السريالية بمنتهى الاحترام، والتبجيل، لأنه لا يحارب الفن الصادق أو الاتجاهات الفنية الحديثة، بل على العكس، فإن أسفاره للخارج كانت دائماً تساعده على رؤية كل أنواع الفنون، قديمة أو حديثة، مادامت صادقة.قال صبري راغب: (الفنان مرآة عصره، وفي العصر الحجري، اهتم الفنان برسم حياته فوق الجدران، وفي عصر (الويكنز) اهتم بعمل الموبيليا والملابس، ومنذ سنوات والفن الأوربي يعتمد على التصوير من الطبيعة (بدقة فوتوغرافية) فيما يسمى (الكوبيزم) لا للبحث عن اتجاهات فنية مختلفة فقط، وإنما رغبة في التغيير والتجديد كرسمهم لعنصر كالتفاحة يعلو سطحها نقطة، أو لبنت تمشط شعرها، ولكن بطريقة غريبة، أو ارتداء بنطلون مقطوع لا لأنه يرى جمالاً في ذلك وإنما بحثاً عن التغيير، ولا شيء سوى التغيير، ولذا فمن الطبيعي أن نجد فنّاً مستورداً جيداً أو فنّاً مستورداً سيئا)ً.

الظلمة والضوء

          يضيف راغب: (ولقد نسج (رمبراندت) - وهو مثلي الأعلى - بداخل ظلمة لوحاته عناصر تتمتع الأشكال فيها بجذب النظر، أي أن ظلال رمبراندت تختزن الضوء الذي يبعث الحياة، وأنا أحب أعظم المصوّرين الأجانب وهمـا (رمبراندت)، و(جويا)، كما أحب أن أرى الرقة في أعمال رافائيل، والشموخ والدقة أيضاً اللذين ينسبان إلى أعمال مايكل أنجلو، غير أنني لا أنكر أن القلق ينتابني في بعض الأعمال الحديثة والتي تبهرني من الوهلة الأولى لأن العمل الفني يتميز بأنك دائماً تكتشف في كل جزئية من جزئياته رؤية جديدة ومعنى جديداً وحسّاً جديداً). ولا تخلو أعمال الفنان من الجمال في كل لمسة من فرشاته، بل إنك لا تلبث أن تشعر بالجمال في العمل ككل ليبقى في قلبك وعقلك حتى بعد أن تتركه وترحل. لذا سيظل صبري راغب باقياً بعد أن رحل.

 

ضحى أحمد   

 
 




سيدة تقرأ كتابا استغراق في الكتاب أم في أعماق النفس؟!





السيدة والثوب الأزرق





صورة شخصية للفنان رسمها بريشته عام 1961





راهبة نظرة تأمل وحزن





السيدة وباقة الورد لمسة من الرومانسية