دوافع وحشية الحيوان

دوافع وحشية الحيوان

الجرائم العاطفية والحروب وقتل الأطفال ليست وقفا على جنس البشر. فالطبيعة ليست كما تقول ه نظرية روسو كريمة ولا عادلة، فهي تعرف لحظات دموية. نستطيع تفسير القتل عند مائة ومثانية وثلاثين نوعا حيوانيا، ولكن هناك ايضاً أفرادا يقاتلون بسبب الجوع والغيرة ومن أجل السيطرة.

يؤدي الجوع إلى حدوث مشاهد عنف فظيعة بين كلاب البراري، وهي قواضم كبيرة من أمريكا الشمالية: إذ تدفن الإناث أخواتها الحوامل أو المرضعات وهي حية. ويكون مصير من تستطيع التخلص من جحرها المسدود الإجهاض أو موت مولودها. يعتقد علماء الحويان أن هذه الإناث تقتل من أجل تحديد عدد من هم في عمر الشباب حتى لاي حرم أطفالها من لاعشب. ومن المألوف في الطبيعة في حالة القحط ألا يتردد الأفراد في القضاء على من هم أكثر منهم ضعفا: فيتحول عندها الأخر والأخت والآباء إلى وجبة دسمة.

إن بيوض الطيور الجارحة على سبيل المثال تفقس على مراحل، لذا يكون للفراخ قوى غير متعادلة فتتغذى الكبرى منها بالصغرى دون أن يلومها الآباء الذين يباشرون فعل هذا أحيانا. وهكذا عندما تهدد زيادة عدد الأفراد بقاء العائلة يقتل قيق غابات الصنوبر أحفاده بنفسه ولن يعرف عطف الأمومة إلا الكبار منها، ويكتب للفرخ الثاني أو الثالث لمجموعة الفراخ التي تولد في الحضنة الواحدة أن يأكله الآخرون. ولا تعيش في أغلب الأحيان أفراخ الجبجع والكركي والبوم وحتى الصقور أسبوعا واحدا، إذ تترك لتعيش هذه الفترة لتكون بديلة في حال موت أحد إخوتها أو أخواتها، وهي تبدي الرضا بمصيرها وإن كانت بنيتها أقوى من إخوتها.. وفي فترات الوفرة تستمر هذه الطوير وهي شابة بالقيام يدور المنقادة ولاضحية. وتبتلع الأمهات عند إحدى فصائل النمل بعضا من بيوضها لتبقى قادرة على تربية الأحياء. والعكس أيضا صحيح، إذ لا تكتفي صغار أبوسوم الأمريكية والاسترالية بالرضاعة، فهي تأكل أحيانا أمها.. ابتداء بالذيل. يدفع الجوع إلى اقتراف الجرائم منذ الصغر، لكننا نجد المجرمين الأكثر إبكارا عند سمك القرش، إذ يقتل الجنين أخاه أو أ×ته ليتغذى وهو مازال في بطن أمه، ولقد تعرض لهذه الوحشية عالم حيوان عندما عضه جنين القرض وهو يشرح أمه.

وتعد الرغبة في التوسع أيضا من أحد أسباب القتل، إذ يثني الغراب جيرانه عن البقاء في منطقته وذلك بأكل بيوضها وقتل صغارها، ويلجأ النمل إلى القيام بمعارك منظمة حيث يتواجه آلاف من الأفراد في صفوف مرصوصة عند حدود مجمعها. يروي آلان لونوار، مسئول مخبر علم السلوك في فيلتانوز: "إننا نشهد في كل ربيع مجازر بين النمل الأحمر، حيث يذبح الأفراد أمثالهم يعزم من أجل توسيع منطقتهم. فهم يقتلعون قرون استشعار بعضهم بعضاً ويضربون أعناق بعضهم بعضا، وبينما يردي الواحد منها خصمه أرضا يقوم الآخر المهمة القذرة. إذ إن الرغبة بالتحطيم لا رادع لها. لاحظ جان غودال، وهو عالم السلوك المشهور، هذا التصرف عند قرود الشمبانزي. تعيش هذه الرتبة من الحيوانات في جماعات في مناطق بحدود واضحة. تجتمع الذكور بانتظام من أجل القيام بمهمات دورية في هدوء وذلك في الأرض المجاورة التي تشغلها جماعة أخرى ويكون عندها الجهوم عنيفا. يرى جانغودال أنه لشيء فظيع "أن ترى ساتان يصفع بلكمات وجه سنيف لكي يشرب من الدم الذي يسيل منه وأن ترى العجوز رودولف اللطيف عادة يقف من أجل أن يرمي بحجر يزن كيلووين على جسد غودي المدد وأن ترى جومو يقتلع قطعة من لحم فخذ دي".

غالبا ما يكون ضحايا مثل هذه المجازر الذكور البالغين من طرف الأعداء، ولكن تتحول عدائية القاتلين إلى الإناث. لقد أصابت الإناث في إحدى المرات واحدة بجراح مميتة بعد أن اقتلعن من بين يديها صغيرها لكي يقتلنه ويأكلنه بمرأى منها. يقول برنارد ثيري من مخبر وظائف الأعضاء في ستراسبورغ: "نجد فعلا الوحشية عند هذهالرتبة من الحيوانات مثل الغوريلا والشمبانزي، إلا أنها وحشية نادرة جدا. فمن خلال مراقبتها منذ عدة أعوام لم يحص إلا عشرات من الحالات. من الصعب تحديد إذا ما كان في نية الحيوانات الرغبة الحقيقية في إبادة الجماعة المجاورة. على كل حال قامت هذه الجماعة خلال عامين بإبادة كل ذكور الأعداء واستطاعت أن تضم إليها كل الإناث والصغار الأحياء منها".

من أجل السلطة

وتجرى معارك ضمن نفس الجماعة من أجل السلطة مسببة نفس العدد من الضحايا. في كل عام يجد الذكر المسيطر عند الأسود والغوريلا منافسا يهدد مركزه، وتكون المواجهة غالبا عنيفة جدا، وإذا نجح الطموح بالاستيلاء على قيادة الجماعة يبيد وقتها صغار السابق.

إن قتل الرضع مفيد للذكور بما أنه يحرض عودة نشاط الإباضة عند الإناث، إذ تصبح مهيأة بسرعة لتزاوج جديد ينتج عنه ولادة مورثات القائد الجديد. يفترض أن هدف هذا النوع من الجرائم هو فقط فرض مورثات القائد، إذ إن القائد الجديد عند الغوريلا من نسل نفس عائلة القائد السابق، وهو يملك بناء على هذا نفس المورثات تقريبا، وهكذا لا يكون النسل مهددا.. هذه المجازر تحصل بانتظام عند بعض أنواع الحيوانات مثل الفئران إذ تقوم الإناث الحوالم منها بإجهاض أجنتها بإرادتها عند استيلاء ذكر جديد على السلطة.

إلى جانب الحروب من أجل السلطة هناك جرائم عاطفية، فمع أن الذكر المسيطر في الحريم لا يتحمل أن يكون لإناثه علاقة مع أولئك الذي يسيطر عليهم يستطيع العشاق برغم المراقبة أن يحققوا رغبتهم. في مثل هذه الحال تعاقب قرود البابون هذه الخيانة بالعض.

رائحة تحمي من شهية الكبار

إذا كانت كل هذه الأفعال قاسية فإنه يمكن تفهمها، لكن هناك أفعالا أخرى لا تفسير لها. لماذ تقتبل أزواج اللقالق الشباب أطفالها وتأكلها مع أن موارد الرزق كافية؟ لحسن الحظ يختفي هذا التصرف المنحرف بعد عدة حضنات. إلا أنه في حال الأسر يكون القتل واردا غالبا، ويعود السبب إلى القلق من الزيادة في عدد السكان. علينا ألا نتصور أن القتل هو السائد بين الحيوانات. بمقارنة النزاعات التي تتفجر بين جنس البشر بتلك التي تدور بين الحيوانات نجد أن نزاعات الحيوانات قليلة جدا. تكفي التهديدات والعداء لتوضيح الأوضاع. تحرص الحيوانات على ألا تجرح المنطقة الحيوية للمنافس، إذ إنها تعض وتجرح الرقبة والأكتاف المحمية بطبقة من العضلات والشحم، وتحمي روائح خاصة بالنوع الصغار من شهية الكبار. في الواقع تضع الأمهات عطرا على ذريتها لكي تستطيع الجماعة تمييزها عن قطعة لحم عادية. تعلم أم التوبيه - وهي نوع من القرود التي تشبه السناجب - صغيرها وذلك بدعه بصدرا. يشرح برتراند كرافت من مخبر السلوك الحيواني في نانسي أن أنثى عنكبوت الجابون تملك هي الأخرى رائحة تحميها من العدوانية، ولكن ما إن ننزع منها هذه العلامة الكيميائية، ومن ثم نعيدها إلى جماعتها فإنها ستدع الآخرين يبتلعونها. وهذا دليل على أن لهذه الرائحة وظيفة هي حماية النوع من رغبات الافتراس.

عندما تتفجر النزاعات وتصبح عنيفة يلتمس بعض الحيوانات مخرجا سلميا. يحول مثلاً أحد طرفي النزاع عدائية بمهاجمة أول عابر قريب من المحاربين، وتتحول فجأة بعض النوارس عن خصمها وتبدأ باقتلاع العشب حولها بانفعال وكأنها تنتف عدوها. وغالبا ما يلجأ أحد المختصمين أثناء العراك إلى حك نفسه أو إلى التثاؤب وكأنه يقول لخصمه إن هناك شيئا آخر يهمه غير القتال. تكون طرق الحيوانات من فصيلة الرئيسات من أجل تهدئة القتال أكثر تعقيدا، فمن المحتمل أن تلجأ هذه الحيوانات إلى حك جلدها ولكن من الممكن أن يتدخل طرف ثالث ليفصل الخصمين كلا منهما عن الآخر. لاحظ برنارد ثيري أنه بين القرود السيوية فئة من ذوي لمكانة تتدخل من أجل وقف القتال، فبدلا من الهجوم بعنف والمجازفة بعلاقتهم بالمختصمين يحاول المتدخولن تهدئتهم.

أظهر الباحثون في مخبر لعلم الرئيسات في ستراسبورغ أن هذه التدخلات تبدو فعالة بنسبة أكثر من ثلثين. تعرف قرود الشمبانزي أيضاً فن المصالحة، فلقد شوهدت أنثى الشمبانزي تتدخل في قتال عندما أمسك أحد المقاتلين بحجر ليرميه على خصمه لتمنعه وتأخذ الحجر منه برغم خطورة أن تتلقى بعض الضربات. ننسى مع الأسف نحن بني البشر هذا التصرف في أغلب الأحيان.

 

لينه موفق دعبول