في تظاهرة للإبداع..الشارقة تكرم (العربي)

في تظاهرة للإبداع..الشارقة تكرم (العربي)

الإمارات تنافس عواصم الثقافة العربية
تصوير: سليمان حيدر

كل شيء هنا.. كان ينبض بالثقافة والإبداع, كل ركن, وكل حجر, وكل نبتة.
إنها الإمارات العربية التي تنطلق بقوة كي تنافس عواصم الثقافة العربية
التقليدية, بفكر جديد, وعقل منفتح.. وإنتاجات إبداعية مضيئة.

عندما ذهبنا إلى الشارقة بدعوة كريمة من دائرة الثقافة والإعلام للمشاركة في الفعاليات المصاحبة لمعرضها الخامس عشر للكتاب, كنا ندرك أننا انتقلنا من الدفء إلى الدفء, ومن بيتنا إلى بيتنا, لكن الحجم الهائل من الود الذي أحاطنا في كل مكان وجدنا فيه, في هذه الإمارة العربية الجميلة, جعلنا نشعر أن الود سمة عربية منذ القدم, تظهر أحيانا وقد تختفي حينا, لكنها تظل دائما إحدى اللوازم المكونة للإنسان العربي, حيثما وجد, وحينما وجدت فطرته وطيبته وحرارة استقباله للقادمين إليه.

هكذا عشنا تلك الأيام الرائعة التي احتضنتها (الشارقة) إمارة العروبة الأصيلة, والتي انطلقت خلالها فعاليات معرض الكتاب وندواته ومعارضه التشكيلية وحفلات التكريم التي صاحبته طيلة أحد عشر يوما هي الفترة الواقعة ما بين الخامس والخامس عشر من نوفمبر 6991.

البداية

الفعاليات التي تزامنت مع احتفالات دولة الإمارات العربية بيوبيلها الفضي, بدأت بقيام عضو المجلس الأعلى للاتحاد حاكم الشارقة الدكتور سلطان بن محمد القاسمي بقص الشريط التقليدي إيذانا بافتتاح الدورة الخامسة عشرة للكتاب, الذي شهد هذا العام تنوعا كبيرا, والذي ضم معرضه ما يزيد على 021 ألف عنوان شاركت بها 006 دار للنشر تمثل 52بلدا عربيا وأجنبيا في مختلف حقول المعرفة الإنسانية وزعت على 003 جناح. وأكد د. القاسمي أن هناك 002 دار أخرى للنشر لم تتح لها الفرصة للمشاركة بسبب عدم وجود أمكنة لعرض كتبها, مشيرا إلى أن هذا يثبت أن المعرض (آتى أكله) أو أن هناك قارئا وطالبا للكتاب. حاكم الشارقة دعا كل عربي إلى (التحلي باليقظة تجاه الصراع الحضاري, والوعي بكل ما يراد به ويخطط له), مؤكدا أن (المخططات كثيرة, ونحن مازلنا غافلين).

واستطرد قائلا: (في السابق لم يستطيعوا تصفيتنا جسديا, والآن يريدون إلغاءنا بشكل كامل), متمنيا أن (يكون كل عربي نبراسا لعلمه وفهمه, وأن يربي أبناءه التربية الصحيحة القائمة على الإسلام والمبادىء السليمة حتى نكون أمة خالدة حقا). في الوقت نفسه أكد وزير التربية والتعليم في دولة الإمارات محمد عبد الرحمن المدفع أن حركة الثقافة والعلم كانت على الدوام من أعمدة الإنجاز الحضاري على أرض الإمارات, مشيرا إلى أن معرض الشارقة للكتاب قد أصبح علامة للمصادر المعرفية من خلال عرض الملايين من أمهات الكتب والمراجع والمعارف العصرية وأحدث الإصدارات العلمية والأدبية والتراثية, وهو ما يضفي على هذا الحدث السنوي المتميز دوره الفعال في رعاية المعرفة والثقافة والفكر.

ندوات ومعارض

وقد حفلت أيام المعرض بالعديد من الأنشطة كان من أبرزها ندوة فكرية امتدت على مدار يومين وانقسمت إلى ستة محاور تناول فيها الباحثون والمعقبون جميع الجوانب المتعلقة بالثقافة العربية والتراث.

كما شهدت تلك الأيام العديد من الأنشطة الثقافية والفنية, حيث أقيم معرض للصور القديمة خصص هذه المرة لاستطلاع مجلة (العربي) وشهدته قاعات المركز الثقافي في الشارقة, كما شهدت قاعة متحف الشارقة للفنون معرضا تشكيليا لأعمال فنان الكاريكاتير المصري بهجت عثمان, وأمسيتين شعريتين الأولى شارك فيها الشعراء محمد حسين هيثم من اليمن وأحمد العجمي من البحرين وإبراهم محمد إبراهيم من الإمارات وقدمها الأستاذ محمد عبدالله, والثانية كانت أمسية شعرية غنائية شارك فيها شاعر العامية المصري جمال بخيت مع المطرب أحمد الحجار وحملت عنوان (حنين). أما العروض المسرحية الأخرى فشملت عرضا اسمه (إنها زجاجة فارغة), من إنتاج المسرح الحديث في الإمارات ألفها سالم الحتاوي وأخرجها إبراهيم سالم, وعرضا مسرحيا آخر حمل عنوان (بس) وقدمه مسرح الشارقة الوطني من تأليف وإخراج عبدالله المناعي وتم عرضه في مركز (اكسبو) في الشارقة, إضافة إلى عرض ثالث اختص بمسرحية (عيشة) وهي مونودراما مسرحية من تأليف حكيم مرزوقي وتمثيل رائفة أحمد وإدارتها وأشرفت عليها رولا فتال. إلى جانب هذا حفل هذا الجزء من النشاط الثقافي والفني بثلاث محاضرات الأولى تناولت (قضية الشعر العربي القديم مع الاتجاهات الوزنية الحديثة) ألقاها أ.د. عبدالله الطيب من السودان, والثانية عن (الآفاق المستقبلية للثقافة العربية), ألقاها الأستاذ محمد عودة من مصر, أما الثالثة فألقاها الكاتب المسرحي سعد الدين وهبة ودارت حول (التطبيع الثقافي مع الكيان الصهيوني).

الندوة الفكرية

وقائع الندوة الفكرية كانت من بين الفعاليات الأكثر بروزا خلال أيام معرض الشارقة للكتاب, فعلى مدى يومين اشتملا على ست جلسات دارت أحداث تلك الندوة التي حملت عنوان (الثقافة العربية والتراث) والتي افتتحها مدير عام دائرة الثقافة والإعلام في الشارقة عبدالرحمن حسن, وأشار فيها إلى أن تلك الندوة لا تختص بالتراث فحسب, بل هي ندوة عن الحاضر, في صخبه وجدله وتعقيد مشاكله, في هذا الظرف الزمني الحرج, حيث تبدو المشاكل أشبه بالعقد المترابطة المتداخلة, وحيث لا سبيل إلى فكها إلا بإمعان الفكر في دروس الماضي.

أضاف مدير عام دائرة الثقافة والإعلام قائلا: (إن محاور الندوةانطلقت من إدراك تلك العلاقة الوشيجة بين العروبة والإسلام, حيث لا سبيل للحديث عن مفهوم للهوية العربية بمعزل عن الإسلام, ولا سبيل للفصل التعسفي بينهما), مشيرا إلى أن هذا الإدراك يعيننا على فهم أدق للمساعي التي تستهدف المقدسات الإسلامية في فلسطين المحتلة بوصفها أحد الشواهد على هذه الهوية, التي يجب التمسك بها في مواجهة مشروع عنصري, دموي قائم على إقصاء الآخر ونبذه).

تكوين الهوية العربية

بعد ذلك قدم الباحث د. رضوان السيد (من لبنان) ورقة عمل عن (دور الإسلام في تكوين الهوية العربية), حيث أشار فيها إلى أن (فكرة الأمة هي الإسهام الأهم الذي جاء به الإسلام للعرب, وعيا بالذات وللذات, وانشدادا إلى مرجعية عليا, وضما للصف تحت راية جامعة). وناقش في البحث مسارات أساسية في مسارات الأمة وهي الوحدة في مواجهة الفرقة, والجماعة في مواجهة الفتنة, والتآخي في مواجهة التشرذم, والقلة في مواجهة الكثرة.

ثم تناول في بحثه مسألة الصراع على السلطة في دار الإسلام, الذي أنتج تيارات ثقافية وحركة جدلية بين أنصار المساواة ضمن الإسلام, وأنصار التميز العربي بداخله, وقد استمرت تلك التيارات والحركات حتى أواسط القرن الثالث الهجري, وخلفت موروثات ثقافية غنية في مسائل السلطة, ومعنى المساواة في الإسلام, ومعنى العروبة والعربية, ومسوغات تميز العرب داخل الأمة.

وخلص الباحث إلى القول: (إن ما نحتاج إليه اليوم هو العمل الثقافي الجاد, الذي يعيد النظر في أصول مأزق العقائدية والخصوصية, ويفتح آفاقا لاستقراء الغنى الثقافي التاريخي لأمتنا واستشراف المستقبل.

فكر النهضة

الجلسة الثانية في هذا البرنامج خصصت لورقة قدمها الدكتور عبدالله الطيب حول (فكر النهضة العربية: الصعود والإخفاق ـ عوامل إخفاق المشروع النهضوي العربي). الذي قدم مجموعة من الأفكار حول فترات النهوض والإخفاق في الحضارة العربية, مؤكدا من خلاله تفاؤله بالمستقبل, لأن الأمة العربية هي من الأمم المتجددة, وأن كل القوى التي تحاول طمس العروبة أو تحاول إزالتها, لاسيما اليهود سوف ينتهون إلى زوال بمفردهم, لأنهم يحملون بذور زوالهم من داخل كيانهم, داعيا العرب إلى العودة للنظر في تاريخهم وإعادة اكتشافه من جديد.

في اليوم الأول أيضا للندوة قدم الدكتور أحمد أبوزيد (من مصر) ورقة عنوانها (التراث الشعبي: التجدد الدائم), (رؤية أنثربولوجية), قرأها بالنيابة عنه د. عبيد بطي من مركز جمعة الماجد للثقافة والتراث في الإمارات وعقب عليها د. سيد حريز, ورأى د. أبوزيد في تلك الورقة أن الثقافة هي حصيلة النشاط الإنساني الإبداعي بأوسع معاني الكلمة, وأنه يستوي في ذلك الإبداع الفكري والفني الذي يؤلف ما يعرف باسم (الثقافة اللامادية) أو الإبداع العياني المحسوس من منتوجات مادية كالصناعات والأدوات, مشيرا في الوقت نفسه إلى أن الخصائص الثلاث للثقافة هي التمايز والاستمرار والتعقيد, وهي تصدق بحذافيرها على التراث الشعبي.

وأوضح الباحث أن عنصر التجدد الدائم الذي يوصف به التراث الشعبي والذي يؤلف أحد مقوماته الأساسية, يشير إلى أن التراث الشعبي يتجدد بطريقة تلقائية مثلما يتم إبداعه وانتقاله بهذه الطريقة التلقائية نفسها, فهو يجدد نفسه أثناء رحلته في الزمان والمكان, أما التغيير والتحول والتطور فتأتي كلها من الداخل ومن الذاكرة الشعبية, وليس نتيجة رغبة فردية متعمدة تهدف إلى الابتكار والارتقاء.

واختتمت تلك الورقة بفتح باب التساؤلات المهمة فيما يتعلق بالتراث الشعبي والتجديد, وكيف يمكن تحويله من مجرد رمز إلى قيم ثقافية مجددة, إضافة إلى عملية تطوير التراث التي تمس في أبعادها العديدة مشكلة من المشكلات, بمعنى أنه لماذا لا يستطيع التراث الفكري أو السياسي التطور دون أن يبعث بأزمة نتيجة لتطوره هذا?

اليوم الثاني للندوة

وشهدت فعاليات اليوم الثاني للندوة الفكرية ثلاث محاضرات كذلك, حيث قدمت في أولاها الدكتورة فهيمة شرف الدين أستاذة الفلسفة السياسية في لبنان, ورقة حول (تجديد الفكر العربي: الثوابت والتحولات) أشارت فيها إلى أن ثنائية الذات والآخر في المستوى الوجودي العربي تضع أمامنا خيارين, فإما (القبول بالإجابة الموزعة عالميا والوافدة في علبة كتب عليها تاريخ الصنع وتاريخ انتهاء المدة, وإما الهروب إلى الأمام والدخول في غيبوبة الإجابات الميتافيزيقية التي تمنح السلام لكنها لا تساهم في تفكيك الإشكالات وحلها).

وذهبت المحاضرة إلى أن (العولمة) هي الوجه العصري لبيان التداخل بين الذاتي والموضوعي, وأن هذه العولمة سياق موضوعي للتطور لابد من تقريه وتفهمه بروح الانفتاح وإعمال العقل والحفاظ على الهوية. وتساءلت: (هل نستطيع تأصيل ثقافة عربية مواجهة تأخذ بعين الاعتبار الخصوصية بما هي مفهوم تاريخي دون أن تنغلق على ذاتها في عملية حلزونية لا طائل تحتها? مشيرة إلى أنه من هذا السؤال يمكن استدراج أسئلة كثيرة حول خصوصية الثقافة العربية في ظل النظام العالمي الجديد, وكيف نستطيع بناء تفاعل إيجابي بين الوافد والمحلي وضمن أية شروط?. وأضافت أن هذه الأسئلة تشكل نقطة بدء ضرورية للكشف عن القدرات الكامنة في الثقافة العربية والإمكانات التي يجب توظيفها في إعادة تأكيد دور الأمة العربية وتثبيت موقعها في ثقافة العصر.

ودعت المحاضرة إلى المساهمة في (بديل نظري) يستفيد من التراكم المعرفي والخبرات السياسية التي أنجزها الوطن العربي منذ فجر النهضة العربية, وتتعامل مع المتغيرات الحالية باعتبارها (جديدا معرفيا) وليست مناخا سياسيا قابلا للتغيير والتبديل فحسب, وإذا كانت الظرفية السياسية الحالية, أي مرحلة ما بعد الحرب الباردة, وتحول العالم إلى عالم أحادي القطب, هي مرحلة عابرة كما نراها في التاريخ السياسي, فإن الاتجاهات الفكرية التي أرستها هذه التغيرات, أي انهيار المصداقية للفكر السياسي السابق, ليست عابرة, وستترك بصماتها على كل تحليل فكري وتأويل سياسي.

التيارات المعاصرة

وجاءت الورقة الخامسة في إطار الندوة الفكرية تحت عنوان: (التيارات الإسلامية المعاصرة: ردة فعل أم استجابة لتحديات?), وقدمها الأستاذ مخلص الصيادي ورصد من خلالها تاريخ الحركات الإسلامية منذ بداية حركة الإخوان المسلمين في مصر وتزايدها الكمي والأفقي في العالم العربي, وتفاعلها مع الرؤى والأيديولوجيات بصورة جعل منها (معادلا موضوعيا) لهذه الأيديولوجيات مشيرا إلى أن هذه الحركات جاءت معبرة عن هوية الأمة والمجتمع.

واعتبر المحاضر أن انتقال هذه الحركات الإسلامية إلى مشروع حزب سياسي قد أفقدها قوة الدفع الأولى وساهم في الإضرار بها وبالمجتمع, واستعرض الباحث مجموعة من الفرضيات المتعلقة بأحقية ردات الفعل وأحقية الاستجابة للتحديات المفروضة على الأمة الإسلامية, كما تحدث عن عدد من الفواصل السياسية ـ الحضارية المعاصرة في الواقع العربي, والتي شكلت انتكاسات لحلم عربي, ومنها تراجع مشروع النهضة الناصري, وافتقاد النظام العربي الوريث للمشروعية. أما الورقة السادسة والتي اختتمت أعمال الندوة الفكرية فقدمها الدكتور تركي الحمد وجاءت بعنوان (تساؤلات في الهوية والثقافة الذاتية), وأشار فيها إلى أن القول: (إن بإمكاننا الدخول في التقنية دون التخلي عن ثقافتنا الذاتية, وفق مبدأ أن نأخذ أفضل ما عندهم وأفضل ما عندنا, يبدو توفيقا مناسبا وجميلا, ولكن هل يمكن ذلك?.

وهنا يؤكد د. الحمد أن المنتج الحضاري لابد أن يخلق ثقافته الذاتية في النهاية, لأنه نتيجة ثقافة معينة قبل أن يكون مجرد كيان مادي. ويضيف قائلا: (إن هويتنا أو ثقافتنا القادمة لن تكون بمثل ما كانت بالأمس القريب أو البعيد, إذ لابد في النهاية من الانخراط في المتغيرات السائدة والتعايش معها, بما يغير الكثير من المفاهيم والسلوكيات التي كانت, دون أن يجعلنا ذلك نكف عن أن نكون عربا أو مسلمين أو خلاف ذلك من عناصر الهوية والثقافة).

ويخلص الباحث إلى القول إن إشكالات الهوية والثقافة الذاتية الخالصة, هي إشكالات ذهنية بحتة, ونوع من آليات الدفاع الذاتي المستفزة في حالات الإحباط والفشل, بغرض إعطاء توازن داخلي للذات المهزومة, حتى ولو كان ذلك على حساب المعطى الواقعي غير المقدور التغلب عليه, أو غير المؤدي إلى الإشباع أو الرضا المأمول, ولكنها كما تطرح لا تشكل حقيقة موضوعية, وهي, أي الثقافة الذاتية النقية والهوية المتميزة والفريدة في حالتنا العربية الإسلامية, هاجس نخبوي قبل أن يكون اجتماعيا عاما, وهذه في الحقيقة إحدى إشكالات المثقفين العرب, فهم في معظمهم, لا يحاولون البحث عن جذور الثقافة والهوية في متغيرات التاريخ والمجتمع, ولكن عبر نماذج (أفلاطون) متعالية على التاريخ, ومفارقة لعوامل الزمان والمكان لا يمسها التغيير).

تكريم الناشرين

وفي إطار الفعاليات المصاحبة للدورة الخامسة عشرة لمعرض الشارقة للكتاب قام الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي حاكم الشارقة بافتتاح المتحف الإسلامي (بيت الطويل) في منطقة الغرب بالإمارة, والذي احتوى على عدد من المخطوطات الإسلامية الفريدة وقطع ثمينة إضافة إلى مجموعة من الأواني والجرار والأوعية الفخارية والزجاجية والمعدنية التي أبدعتها أيادي الفنانين المسلمين.

وأعقب ذلك حفل التكريم الثالث للناشرين العرب, والذي تم خلاله تكريم مجلة (العربي) ضمن مجموعة من دور النشر شملت كلا من: دار الفكر العربي (مصر), وجامعة الملك سعود (السعودية), ووزارة الثقافة (سوريا), ودار جامعة الخرطوم (السودان), ودار الجيل (لبنان), ومؤسسة البيان (الإمارات), واتحاد كتاب وأدباء الإمارات (الإمارات).

وجاء تكريم مجلة (العربي) على نحو خاص لعلاقتها الوطيدة ـ وفقا لما ذكره عريف الحفل الإعلامي محمد عبدالله ـ بمراحل تطور المنطقة, (ولأنها ظلت منبرا ساهم بدور كبير في تقريب الأقطار والمجتمعات العربية ببعضها عبر التحقيقات الرصينة إلى جانب نهجها العربي والقومي من خلال القائمين عليها بدءا بالدكتور العلامة أحمد زكي ثم المفكر الراحل أحمد بهاء الدين, إلى وقتها الراهن).

وقد ألقى رئيس تحرير (العربي) الدكتور محمد الرميحي كلمة بهذه المناسبة أشار فيها إلى جهود (حكومة الكويت) التي ما فتئت دون منّة, تقدم هذه الخدمة الثقافية ـ مجلة العربي ـ والتي (طوال عملي) فيها حتى اليوم وقد قاربت (51) عاما دون أن تتدخل فيما ينشر, فهي خدمة خالصة للثقافة العربية البعيدة عن الغرض والبعيدة عن الهوى, فقبلها القارىء العربي الذي وصل ـ في تقديرنا اليوم إلى مليون قارىء). واستحضر في المناسبة ذكرى رجلين كبيرين (المرحوم الدكتور أحمد زكي والمرحوم الأستاذ أحمد بهاء الدين) اللذين سبقاني إلى الفضل ـ وربما إن أخطأت سبقتهم إلى الخطأ, فتكريم مجلة العربي هو تكريم لهما ولجيلهما وكل من عمل معهما على الخير).

وأشاد الدكتور الرميحي بما تبذله دولة الإمارات في خدمة الثقافة العربية قائلا: (أقف هنا وقد شاهدت جهد المعرض الثقافي, ومعرض الكتاب فحسبته من الله لكم, وحسبته منكم إلى جيل جديد تتفتح عيونه على المعرض في هذا البلد الكريم, وإنني أقف هنا لأنظر إلى الجهد الثقافي الرسمي والأهلي قريبا من دبي, فأذكر جهود جائزة سلطان العويس الثقافية التي تشرفت بنيل تقديرها في العام الماضي, وأنظر إلى جهود مؤسسة جمعة الماجد, وندوة العلوم والثقافة, ويمتد بصري إلى أبوظبي, فأجد المجمع الثقافي, ومركز الإمارات للدراسات الاستراتيجية, فيوحي ذلك كله في نهضة ثقافية في هذا البلد الكريم).

صرخات المثقفين

واستطرد د. الرميحي قائلا: (يبقى حديث أهل الفكر وأنتم تعلمون ماذا يعانيه أهل الفكر العربي, وماذا يعانيه صانع الكتاب الأصلي, الكاتب ـ والفرعي, الناشر من ضيق في السوق, وضيق في الأفق, لذلك فإن صرخات مثقفينا تنتابها نبرتان متناقضتان, الأولى أنهم رواد ولهم رسالة تذهب في الهواء ولا مردود لها, محاصرون بين أهل السياسة وأهل التجارة, متألمون لما أصاب مجتمعنا العربي من وهن وما أصاب فكرنا من عجز. وأشار د. الرميحي إلى أنه: (في القرون الوسطى وضع راهب السم في صفحات الكتب الجيدة حتى لا يقربها أحد من الرهبان, وقدم لنا (ألبرتو إيكو) في روايته الشهيرة (اسم الوردة), ذلك الاضطهاد الأعمى للعلم في القرون الوسطى الأدبية, وأحرق هتلر, كل الكتب التي تخالف معتقداته, ومات الجبرتي والكواكبي مسمومين, وتدفأ جنود صدام حسين في يناير 1991 على نار كتب (العربي) وأرشيفها في الكويت).

وأضاف خلال كلمته في حفل التكريم قائلا: (إن الجدل يثار اليوم في القاهرة وبيروت إلى مراكش غربا, ومن الخليج إلى السودان حول العلاقة الحرجة والدموية بين المثقف العربي والسلطة, ولدى المثقفين العرب الكثير مما يريدونه فيكتمونه خوفا ليس على حياتهم ورزقهم فقط, إنما حياة أسرهم ومعتقداتهم).

وشدد رئيس تحرير مجلة العربي على أن (الكاتب دون روح نقدية هو ناقل, ودون دعوة إلى التغيير هو جامد, ودون جمهور يفهمه هو قائد بلا كتيبة, والفكر سلاح ذو حدين يمكن أن يكشف وينور, ويمكن أن يحجب ويضلل, وكلما أوغل الفكر في التجربة انسلخ عن الواقع, وكلما غاص في الخصوصية تقطعت جسوره مع العالم).الأيام التي حفلت بزخم كبير من الأنشطة الثقافية, والتي عاشت الشارقة عرسها البهيج, أكدت على أهمية معارض الكتب وضرورة أن تصاحبها فعاليات في مختلف مجالات الإبداع الثقافي والفني, وهو نفس المعنى الذي أكد عليه الشيخ عبدالله بن زايد وكيل وزارة الإعلام والثقافة في دولة الإمارات العربية المتحدة, موضحا في الوقت نفسه أن معرض الشارقة للكتاب أصبح لا غنى عنه في المنطقة, وفي الإمارات خاصة, لما يضمه من إصدارات جيدة ومتنوعة في جميع العلوم, إضافة إلى البرامج الثقافية المصاحبة له, والتي تزدهر عاما بعد عام وتستقطب حولها المزيد من الجمهور والمهتمين. لقد كانت أياما رائعة, تلك التي جمعت جمهور الثقافة بمبدعيها, والتي أعادت من جديد حقيقة أن الإمارات في طريقها إلى أن تصبح عاصمة جذب ثقافية أخرى, من عواصم الثقافة والإبداع والفكر العربي.. المنيرة.

 

 

أنور الياسين