من فاس.. إلى مكناس

من فاس.. إلى مكناس

سفرة مغربية
إلى أرض الأحلام والأعراق..

هي أقصى بلد عربي تغرب عنه الشمس.لذا فقد كانت ومازالت ملاذا لكل الذين هربوا بأحلامهم وجاهروا بغضبهم. صنع تاريخها الطويل مزيج من أعراق البربر والعرب، لذلك جاءت مزيجا من الأحلام والأعراق وكونت هذا الطابع الفريد من التنوع الذي لا نجده إلا في الغرب.

أعترف أن هذه الرحلة إلى المغرب خرجت عن توقعاتي. كانت فكرة الاستطلاع بسيطة ومتواضعة وهي أن نقوم بتصوير مظاهر عادات شهر رمضان الكريم وكان من المقرر أن يبقى هذا الاستطلاع حبيس الأدراج حتى رمضان القادم. ولكن من يضمن عمره. ومن يستطيع أن يحبس في ذهنه ذكرى حية ومتدفقة مثل هذه السفرة المغربية. ومن قال إن مثل هذه السفرة يمكن أن يضمها أي إطار محدد. فالمغرب تجربة متفردة مكانا وزمانا. تفرض نفسها عليك دون أن تدري ولولا أن المدة محدودة لطالت السياحة وظللنا عطشى لا نرتوي مثلما فعل من قبلنا الرحالة الذين لفحتهم ريح صبا المغرب فهاموا بها. فالمدن المغربية تفرض نفسها عليك بقوة. فقد تعودنا على بلادنا العربية ذات المدينة الواحدة المتكررة من حيث لا خصوصية. ولكن المغربية تبدو متفردة خارج هذا الإطار. كل مكان هنا يمتلك شخصية متفردة سواء في تفاصيل المكان أو في وقائع الأحداث.

أخذتني الرحلة من منفذ المغرب على البحر والعالم.. الدار البيضاء.. إلى الرباط.. ومن فاس إلى مكناس ولم أستطع التوقف قبل الصعود فوق جبال الأطلس حيث كانت الثلوج تقاوم سطوع الشمس.

في الدار البيضاء كان مصطفى دينيني في انتظاري. وتلقينا بواسطته أولى لمسات الحفاوة المغربية التي لم تفارقنا طوال مدة إقامتنا. فالمغاربة كرماء بطبيعتهم كبلد تعود طويلا على استقبال الغرباء واللاجئين إليه. ولكن دنداني مدير الشركة الشريفية للنشر والتوزيع وهو الذي يتولى توزيع مجلة "العربي" في المغرب يعتبر أن هذا الأمر رسالة من أجل تدعيم نشر الثقافة العربية في بلد كان يراد به أن يفقد ثقافته ولسانه. ولم يكن هناك وقت نضيعه. ولكن من أين نبدأ السفرة. من الدار البيضاء التي وصلنا إليها متعبين منهكين عن طريق فرانكفورت.. أم ندور في بعض المدن لعلنا نرى مدينتنا الأولى برؤية أخرى. المغرب كبيرة، أكبر من أن تستوعبها في سفرة واحدة، وغنية بالتفاصيل أكثر من أن يمكن التعبير عنه في استطلاع واحد.. وإذا لم يكن لابد من الاختيار فقد كانت روحي تهفو دائما إلى "فاس" حيث يوجد عمق المغرب التاريخي والأسطوري معاً. لذلك كان هدف هذه السفرة من البداية مهما تغيرات أسماء المدن.

بصمة عربية

ودعنا الدار البيضاء قبل أن نشبع منها. كنت أعرف أنها سوف تكون الصفحة الأخيرة فهي مزيج من المدينة الكوزموبوليتية التي يمكن أن نجدها في كل مكان والطابع المغربي الأصيل. لذا فإن معرفة المغرب من الداخل أمر ضروري لمعرفة هذه الواجهة التي تفاعلت عليها حضارة المغرب مع الحضارات الأخرى. ولعل المغرب قد نالت أكثر من النصيب العربي المعتاد من العسف الأوربي. فهي لاتبتعد عن سواحلهم بأكثر من 15 كيلو متراً أي أنها البوابة الإفريقية والعربية الأولى في مواجهة تلك الحضارة التي لم تكف عن الغزو والاسئثار.

والمغرب تملك "خلطة" من النادر أن تجدها في أي مكان آخر... خلطة الجغرافيا التي تمتد من واحات الصحراء حتى شواطئ المتوسط والأطلنطي. ومن جبال أطلسي حتى متاهات المدن القديمة. وخلطة البشر فقد أقام عليها الفينيقيون أولى محطاتهم عندما كانوا يريدون المتاجرة مع بلاد الغال. ثم تصارع على أرضها جنود قرطاجة مع فيالق الروم وانتصر الآخرون فأقاموا تحصيناتهم وقام صراع طويل بينهم وبين قبائل البربر الذين انحدروا من الجبال ثم جاء البيزنطيون والوندال. ثم جاء البرتغاليون والإسبان والفرنسيون وكلهم تركوا آثارهم، ولكن الآثر الذي تداخل في شرايين المغرب وأعصابه هو أثر العرب والإسلام.

ففي مشهد تاريخي مؤثر يندفع القائد عقبة بن نافع إلى مياه البحر وهو يرفع سيفه صائحا "يارب. لو كنت أعلم أن خلف هذا البحر أرضا أخرى لفتحتها في سبيلك"، كان يعتقد أنه قد بلغ المدى الأقصى في الفتح. وبرغم أنها رواية لاتنسى فإن المفكر المغربي المعروف عبدالله الوردي في كتابه "مجمل تاريخ المغرب" لا يصدق هذه الواقعة ويتساءل ساخراً: أي بحر؟ المتوسط أم الأطلنطي؟. فمن تتبع أخبار الفتح يكتشف أن عقبة لم يصل إلى أي بحر. بل لا يوجد دليل قاطع على أنه استولى على المنطقة التي نعرفها باسم المغرب الأقصى بالفعل. فلم يتم فتح المغرب على إثر معركة كبيرة وحاسمة كما حدث في معظم البلدان ولكن ذلك تم خلال فترات طويلة من التقدم والتراجع في صراع بين قبائل البربر والرومان من جهة وقوات العرب من جهة أخرى.

مع بداية انتشار الإسلام وبرغم فتح مصر فإن الخليفة عمر بن الخطاب ظل متحفظاً على مواصلة الفتح في شمال إفريقيا. كان في رأيه أن بلاد المغرب هي بلاد بعيدة ومجهولة لم تصل إليها قوافل العرب من قبل ومن غير المجدي زج جيوش المسلمين في مغامرة مجهولة.

ولكن ولاة مصر وطرابلس لم يكفوا عن التطلع إلى هذه المنطقة فقد كانت امتداداً طبيعيا للأرض الجديدة التي امتلكوها. وبعد أن هزم الروم في العديد من المعارك المتتابعة في المشرق لم يكونوا يرون أي خطر منه يمكن أن يكون رابضا في المغرب. ومات عمر بن الخطاب فظلوا يواصلون إلحاحهم على خلفه عثمان بن عفان الذي سمح لهم في حدود معينة ودون تهور. وخرج من مصر جيش صغير لا يتجاوز تعداده عشرين ألف اجتاز كل هذه البلاد دون أي مقاومة تذكر ولم يخوضوا معركة حقيقية إلا عند مدينة قسطنطينة عندما تصدى لهم البطريق "جرجير" الذي كان حاكمها. ويبدو أنه كان واثقاً من قدرته كفارس، لأنه طلب المبارزة من قائد الجيوش المسلم الذي تصدى له وقتله في لحظات معدودة وهكذا انتهت المعركة قبل أن تبدأ. فقد تفرق الجيش الذي مات قائده وطاردهم العرب ثم أخذوا في الإغارة على بقية المدن بشكل مستمر ولكن دون هدف واضح. واجتمع قادة هذه المدن وجمعوا للعرب فدية كبيرة من المال لقاء أن يعودوا من حيث أتوا.. ورضي العرب بذلك فقد كان الجيش صغير العدد والبلاد واسعة وبدا الأمر كما أوضحه المؤرخون أشبه بجولة استكشافية أكثر من محاولة حقيقية للفتح.

المحاولة الحقيقية جاءت مع عقبة بن نافع الذي جاء ليبقى. فقد بدأ الأمر بتخطيط مدينة كما حدث في مدينة الفسطاط في مصر لتكون مركزاً للانطلاقة، فكان مولد مدينة "القيروان" ثم بدأ في التقدم. لم يذهب شمالا حتى لا يصطدم بالمدن الحصينة التي يسكنها الروم بمن فيها من جنود محترفين ولكنه اتجه إلى سهول المغرب الخالية من السكان، وحاول أن يعقد معاهدة مع كسيلة أحد زعماء قبائل البربر وعندما أحس بزوال الخطر وتفرق جيشه في الأمصار المختلفة انقلب عليه كسيلة وحاصره في منطقة "تهودة" واستشهد عام 683 ميلادية وعاد الفتح العربي إلى نقطة الصفر مرة أخرى.

مع موت عقبة بدأ الفتح العربي يتعرض لانتكاسات متتالية فقد شن البربر عليهم هجمات متتتالية دفعتهم إلى الوراء أكثر وأكثر حتى جاء القائد العربي موسى بن نصير ليجمع أشتات الجيوش المتفرقة ويبث الروح المعنوية الضائعة. بدأ بإظهار قوته الحقيقية عندما هاجم مدن الشمال بما فيه من رومان متحصنين. وكانت هذه رسالة غير مباشرة لبقية قبائل البربر في الجنوب. وقد آتت هذه الرسالة فعلها إذ طلبت هذه القبائل التفاهم معه وترك زعماؤهم أولادهم رهينة عنده تعبيراً عن حسن طواياهم ثم مالبثوا أن دخلوا في الإسلام وأصبحوا جزءاً أساسيا من جيوشه.

ولعل السؤال الذي يتبادر إلى الذهن هو لماذ قبل البربر الإسلام بعد أن مرت عليهم كل أنواع الدينات. لماذا أنهوا معركتهم فجأة مع الجيوش العربية وأصبحوا جزءاً منها؟

لشيخنا المعروف ابن خلدون رأي سيئ في العرب وذلك من خلال مقدمته الشهيرة. فهو يرى أنهم بطبيعتهم متوحشون يميلون للتجوال والانتقال بما يتنافى مع طبيعة العمران الذي يتطلب الاستقرار. وهم أميل إلى السلب والتخريب أكثر من ميلهم إلى البناء. ويدافع المؤرخون ضد هذا الرأي بأن ابن خلدون قد استقى خبرته الرئيسية من خلال أفواج قبائل بني هلال الذين هاجروا بسبب الجفاف والجوع إلى بلاد المغرب.. وبرغم أنهم عاشوا وسط المغرب سنوات طويلة فلم يستقروا ولم يعرفوا الزرع ولا البناء وظلوا يواصولون السطو على المدن ونهبها. أي أن رأي ابن خلدون ينطبق على بعض من العرب.. وهذا البعض كان يقصد به الأعراب - أي البدو. وهو لم يقصد كل البدو ولكنه ركز خبرته على بني هلال.

فمن المؤكد أنه عندما جاء الفاتحون العرب إلى المغرب لم يكن هناك عمران أو حضارة تذكر كي يقضوا عليها. لم يكن هناك إلا بقايا بيزنطية متحللة تعيش في عزلة وصراع مع قبائل البربر في الجنوب. علاقة غير مستقرة ليس فيها تفاعل أو تداخل ثقافي يمكن أن ينتج شيئا ذا قيمة. لم تنشأ مدن عظيمة ولا حواضر زاهرة. لم يزدهر فكر ولم تنم تجارة.. وبدا العرب والمسلمون كأنهم روح جديدة تنبعث في هذا المكان. لقد جاءوا من الصحراء وعاشوا بنفس الهيئة التي يفهمها البربر جيدا. لأول مرة يفد عليهم أناس يحملون نفس عاداتهم وطباعهم وفوق ذلك يحملون فكراً مختلفاً وسامياً أي أن الأعراق تلاقت هنا في أقصى نقاط التشابه وكان لابد من التأثير أن يصل إلى أقصى مداه.

لقد بدأت الحضارة في المغرب مع الفتح العربي ومازالت الشواهد تؤكد ذلك... وعذراً يا شيخنا الجليل ابن خلدون.

بعض من السحر

يتوقف رفيقنا بنوس عبدالكبير في مدينة الرباط.. لا يمكن أن نعبر المدينة التاريخية دون أن نرى شيئاً من معالمها. بعد رحلة قصيرة حافلة بالوديان والهضاب وأشجار الزيتون والموالح. ها هي أسوار الرباط القديمة تظهر أمامنا. نجتاز البوابات ونقف على حافة الوادي.. إنه وادي أبي رقراق الذي يفصل بين مدينتي سلا والرباط وخلفنا يوجد برج حسان وبقايا المسجد الذي دمره الزلزال.

برج حسان منارة عالية أسسها السلطان يعقوب المنصور عام 1995 ميلادية وأمر أن ترتفع عن الأرض لأقصى ما يمكن أنه كان يعتقد أنه إذا صعد فوقها فسوف يرى مكة. ولكنه رأى بدلا من ذلك المزيد من البلاد والقرى. ثم جاء الزلزال ليقصف قمتها. كذلك تبدو آثار الأعمدة التي كانت تحمل أبهاء المسجد ذات يوم. وعلى سطحها يتناثر الأولاد والبنات والصغار وهم يستذكرون دروسهم.

المكان بارد جداً والهواء من وادي أبي رقراق يبعث بالرعدة في العظام. نحتمي بضريح محمد الخامس حيث يقف حرس الشرق فوق جيادهم ليلا ونهاراً. نطل من أعلى على القبر الممتد. إنه أفضل نموذج للفن المغربي. وبجانبه يجلس أحد المقرئين ليتلو القرآن. ومثلما يتغير حرس الشرف يتغير المقرئ أيضا بحيث لا يخفت ذكر الله في المقام أبداً.

بجانب ضريح والد الملك توجد قاعة أخرى. ونحن وقوفاً كان الرجال يقومون بإعدادها من أجل الدروس الحسينية التي سوف يحضرها العاهل المغربي بعد صلاة المعرب. كانت هذه الدروس الحسينية قد تحولت إلى أحد معالم رمضان في البلاد. ففي هذه المناسبة يستشيف نخبة من كل علماء العالم الإسلامي كي يقدم كل محاضرة يحضرها الملك وكبار رجال الدولة والسفراء وهو تقليد أصبح متبعاً بحيث يجلس الملك على الأرض في تواضع، بينما يجلس الفقيه أمامه في مكان مرتفع ويقوم التلفزيون بنقل كل هذه المحاضرات على الهواء.

نهبط إلى شوارع المدينة.. برغم أنها قد أختيرت عاصمة للبلاد منذ أيام الحماية الفرنسية فقط فإنها مدينة تاريخية. توجد فيها بقايا آخر رومانية وإسلامية.. قبور ومساجد لم تتم وثغرات الجدران وحصون ناقصة كلها تحكي عن الزمن الصعب الذي عاشته الرباط فيما مضى.

في سجن المولى

لم أشعر بالخوف في حياتي كما حدث لي وأنا في سجن مولاي إسماعيل الرابض تحت أرض "مكانس" ولم أتصور أن هذه المدينة التي تشبه حلما ملكياً والتي بنيت على نمط قصر فراي الفرنسي يمكن أن تخفي تحتها مثل هذا الكابوس المظلم.

عندما قال لنا مرافقنا إنا نتجه إلى السجن تخيلت الأسوار والأبراج والتحصينات التقليدية من مدافع وحراس. ولكن لم أجد أمامي سوى بقعة من العشب لايوجد فوقها إلا مبنى صغير ذو قبة عالية. قالوا لي "هذه قبة السفراء.. والسجن بجانبها" لم يكن يبدو إلا حفرة صغيرة فيها درج حجري متكامل يؤدي إلى أسفل. بدأنا في الهبوط وروفيقنا يحذرونا من ألا يبتعد بعضنا عن البعض الآخر حتى لانتوه في الظلام. وصلنا إلى القاع حيث يوجد واحد نم أشد السجون وحشة وكآبة. بدت الظلمة الهائلة تنيرها إلى فتحات صغيرة في السقف.. أقصد في مستوى سطح الأرض... فتحات لم تكن موجودة في عهد المولى إسماعيل ولكنها فتحت حديثا لعلها تبعث بالقليل ن الضوء والأمل للزوار.

لم يكن السجن مشيداً بأي نوع من الأحجار. كان محفوراً. أنفاق طويلة ومظلمة. وأعمدة ضخمة غير مستوية. الأرض أيضا لم تكن مستوية. مليئة ببقع المياه التي لا أدري إن كانت بقايا أمطار أم مياه جوفية. يقول مرافقنا إن السجن يمتد تحت المدينة بطول سبعةكيلومترات وكان يسع حوالي 60 ألف سجين، بعضهم أسرى من القراصنة البرتغاليين والغسبان ولافرنسيين وبعضهم كان من رجال القبائل الذين كانوا يغامرون أحيانا بالثورة على المولى.

فكرة السجن كما يقال أوحى بها إلى السلطان سجين برتغالي يدعي "كارا" وقام بالإشراف على تشييده أقصد على حفره في مقابل حريته. وقد تم تصوير أكثر من فيلم داخل هذه الأنفاق المظلمة منها فيل الماسة الزرقاء الذي قام ببطولته مايكل دوجلاس وفيلم خاص أعدته محطة C.N.N عن هذا السجن الفريد.

لم أشعر بالراحة إلا حين ارتقينا الدرج إلى حيث توجد الشمس وبقعة العشب الممتدة في براءة. جلسنا نأخذ أنفاسنا داخل المبنى الصغير المسمى قبة السفراء حيث كان مولاي إسماعيل يقابل سفراء الدول التي تريد أن تبادل أسراها أو تفك قيدهم. ولأن المولي كانت له علاقة قوية مع الملك الشمسي.. ملك فرنسا الرابع عشر فقد رسم شمساً كبيرة فوق باب القاعة.

تأخذنا المدينة الإسماعيلية مكناس إلى معالمها الأساية ولكن فوق الأرض هذه المرة.. يبدو التاريخ الزاهر الذي عاشته المدينة. أثارها مازالت متماسكةواضحة للعيان. والأسوار الممتدة تفصل المدينة عن الوادي السحيق الذي تطل عليه. وبوابة المنصور تبدو شامخة محافظة على كل نقوشها وزينتها. المدينة كلها تبدو مثل أسطورة من الحجر. فكل ما يحيط بها من أسوار وما تؤدي إليها من بوابات وما تحفل به من معالم يجعلها أبعد ماتكون عن واقع المدن العادية المألوفة.

قصر المولي إسماعيل يأخذ في بنائه طابع قصر فرساي الفرنسي. فقد كانت علاقته بملك فرنسا حافلة بالعداء الشديد والصدقة المتينة. وتوطيداً لذلك طلب المولي من السلطان أن يزوجه ابنته أميرة مقاطعة "كونتي" وبني لها القصر على نمط فرساي حتى لا تحس بالغربة ولكن الملك الشمسي اعتذر عن هذا الزواج وأرسل إليه هدية بدلا من العروس.

وفي الحقيقة لم يكن المولى يفتقد النساء كثيراً فالقصص تروي أنه كانت له 500 زوجة وجارية من مختلف الأجناس. أنجب منهن حوالي 800 ولد ولا أعرف إن كانت هذه الأرقام صحيحة أم مبالغا فيها فعهد المولي قريب وإن كان قد اتخذ هو أيضا طابع الأسطورة.

حظائر خيول المولى تحمل أيضا جزءا من عظمته. فهي مكان واسع وممتد مليء بالأعمدة، تماما مثل اتساع السجن ولكن فوق الأرض هذه المرة. مازال متماسكا برغم الزلزال الذي ضرب المدينة نظيف جدا لم يعد فيه أي اثر للخيول التي كان يبلغ عددها 12 ألف جواد. كانت تأكل هنا ويجلب لها الماء من بحيرة صناعية مقامة خصيصاً خارج الحظائر.. كانت هذه خيول الحرس الأسود الذي يتولى حماية المولي. أسمهم فقط كان كافيا لإثارة الفزع في قلوب الرعية. فقد أحضرهم من أعماق إفريقيا السوداء ودربهم على القتال بوحشية بحيث لا يكون ولاؤهم إلا له. وقد بلغ عددهم 16 ألف جندي وكان يمدهم بالنساء حتى ينفسن عن طاقاتهم ويوفروا لهم المزيد من المواليد الأقوياء بعد أن جعلهم يعيشون في عزلة عسكرية حتى لا تخفت شهوة القتل في نفوسهم.

وبرغم أن مولاي إسماعيل يرقد الآن في سلام داخل قبره، تحت الفسيفساء التي ترصع كل شبر في ضريحه فإن في عصره لم ينعم بأي قدر من هذا السلام. كان الضريح يحتوي على أسماء كل ملوك الأسرة السعيدية اليت مازالت تحكم حتى الآن، منقوش أسماء حكامها وسلاطينها أيضا بقطع الفسيفساء وبجانبها شعاره "العز لله".

كان هو السلطان الثاني من حكم هذه الأسرة. تولي الحكم بعد وفاة أخي وكان لا يزال في سن الخامسة والعشرين. وضع من توليه للعرش مشهداً لا ينسى حين علق ألفا من رءوس زعماء القبائل المتمردة على أسوار المدينة. وربما كان هذا المشهد من ضروريات عصر امتلأ بالمتمردات الداخلية وأخطار الغزو الخارجية وكان واحدا من ضمن سلاطين قلائل حافظ على المغرب موحدا وقام بطرد البرتغاليين من مدن أصيلة والمهدية وطنجة وأقام سلسلة كبيرة من التحصينات في المدن المغربية.

خلف أسوار فاس

ها نحن نصل إلى فاس أخيراً.. بعد غروب الشمس بقليل.. كنا في أشد حلالات الجوع بعد صيام يوم طويل. ولكي تعرف شدة هذا الجوع عليك أن تعرف أن الموعد الذي كنا نتناول فيه فطورنا في الكويت يتوافق مع الساعة الثانية ظهراً في المغرب.

والمشكلة ليست فقط في انتظار موعد الإفطار ولكن في التعود على التقاليد المغربية في هذا الفطور. فالفطور كما تعودنا هو هجوم كاسر على كل أنواع الطاعم وملء البطن منها في أقصر وقت ممكن. ولكن على طريقة أهل المغرب عليك أن تتحلى بصبر القناعة الجميل. عليك أن تسمع إلى الآذان وأنت ترشف الماء وتأكل حلوى الشباكية وبقية أصناف الحلوى المغربية اللذيذة ثم عدة ملاعق من حساء "الحريرة" الساخن وربما تأكل بيضة مسلوقة.. ثم عليك بعد ذلك الانتظار حتى موعد العشاء.

لم أستطع الصبر حتى هذا الموعد. كنت أريد الذهاب فوراً إلى "فاس البالي" فقد كان فندقنا في فاس الجديدة ذات الطابع المعاصر التي لا تختلف كثيراً عن المدن الأخرى. وعشت في أغرب المدن، ولكن لم أر مثل فاس.

الأسوار الممتدة العالية تخفي داخلها عبقا غريبا ومتميزاً عن كل المدن. أسوار قديمة يبلغ طولها 24 كيلو متراً. فيها أكثر من باب أشهرها باب أبوجلود الذي وجنا لأنفسنا مكاناً أمامه بصعوبة فلا مكان للسيارات في فاس. ومازالت البوابة محافظة على نفس الشكل الذي شيدها عليه بنو مارين منذ سنين طويلة.

نعبر هذه البوابة على أقدامنا فندخل فجأة في نسيج فاس المعقد. تأخذ الحواري الضيقة المسقوفة والمحلات التي بدأت تدب فيها الحياة بعد صلاة العشاء، وأفواج البشر الذين يتدفقون عبر الدروب صعوداً وهبوطاً. كأنهم كريات من الدم يسعون بلا هوادة داخل شرايين المدينة فيملأونها بالحياة.. تحيط بك الوجوه... بعضهم يرحب بك وبعضهم يقسم أنه لا أحد يحفظ معالم فاس خير منه. يحذونك من الضياع في الشوارع المتداخلة. ولكن هل هناك ضياع أجمل من هذا.. إن كل خطوة تأخذك بعيداً إلى زمن بالغ الخصوصية. وتجعلك تعيش تاريخاً لم يصنعه الملوك فقط ولكن صنعة تفاعل الناس مع المكان. فجزء من عظمتها هي تلك الخلطة من البشر التي عاشت خلف هذه الأسوار. كانت في الأصل مدينة بربرية ثم وضع إدريس الأول تخطيطها حتى تكون أول عاصمة فلكية بالمعنى الحقيقي تعرفها المغرب ثم وفد إليها عشرات العائلات العربية من القرويين ليقيموا أول الأحياء.. ثم وفد إليها الأندلسيون الذين أرغموا على الهجرة من الأندلس ليكونوا حي الأندلسيين وكان هناك أيضاً حى خاص لليهود هو حي الملاح وربما كان هذا أول جيتو يعرفه العالم العربي قبل أن يهاجروا من المغرب مع مطلع الخمسينيات من هذا القرن.

فهل يمكن أن ننتظر ضوء النهار.. حتى نجتلي وجهك الحقيقي بعيداً عن رتوش الظلمة؟

تقلبات مدينة

اقترب منا الرجل العجوز. تطلع إلى وجوهنا طويلا قبل أن يفتح كفه فيبدو فيه مفتاح ضخم قديم. قربه من وجهه وهو يبسمل وقله، ثم قربه من وجونا حتى نراه بوضوح أكثر. بدا كأنه يحمل في يديه تميمة عزيزة على القلب وليس مجرد مفتاح قديم. تأملته. كان نظيفاً. مدونا بالزيت فبدا لونه الأسود متألقا. قال لي العجوز "هذا مفتاح بيتنا في غرناطة. ورثته عن أبي الذي ورثه عن أجداده" كنت أرتعد وأنا أسمع كلماته. تجسد أمامي فجأة جزء من التاريخ العربي والحسرة العربية. كان هذا المفتاح ضمن مفاتيح كثيرة يملكها الناس في الأندلس وفلسطين. مفاتيح محفوظة لبيوت ضائعة. إشارات ورموز لخرائط تم محوها. تركت نفس لحركة الزحام.. هائما على وجهي بغير هدى. ولكن رفيقنا فؤاد الغازي منالشركة الشريفية للتوزيع لم يتركنا. كان واحداً من أبناء فاس ويريد أن يفتح أمامنا كل مغاليقها. لم تكن مدينة عشوائية كما تبدو من اللحظة الأولى ولكن تخضع لتقسيم خفي فرضته ضرورة المعايشة اليومية في المكان. فكل حي يختص بصناعة أو بحرفة معينة.. هناك حي النقاشين على المعادن. وهي واحدة من أكثر المدن الإسلامية احتفاء بهذه الفنون وقد دخلنا أحد محلات الوليد المراكشي الذي يصنع تحفا خاصة للقصر الملكي.. وهناك حي صناعة الحلوى السمبوسة والشباكية. وهناك حي العطارين حيث ينتابك العطس مع الخطوات الأولى ولكنهم يؤكدون لك أنهم وحدهم يملكون سر الحياة.. وحي بائعي الأسماك واللحوم والنجارين والمصنوعات الجلدية. والدروب لا تكف عن التفرع والامتداد، عددها يبلغ 9400 درب وزنفة وشارع وكلها تكون شبكة متداخلة من الصعب أن تعرف مبدأها من منتهاها.

ويبدو أن الروح التي تأسست فاس في ظلها لم تغادرها حتى الآن، فهي مدينة اللاجئين والباحثين عن ملاذ آمن. جاء إليها إدريس الأول من نسل الإمام علي بن أبي طالب بعد أن قتل كل آله في مجزرة "فخ" وانتشرت سيوف العباسيين تطلب رأسه، وبايعه الناس فيكل الآفاق ولكنه كان يحلم بمدينة تستطيع حمايته.

وبرغم أنه حلم بفاس طويلا فإنه مات قبل أن يشهد ارتفاع أي من أسوارها. تولي ابنه إدريس الثاني بناء المدينة. وكان هو مثلها، مزيجاً من الدماء العربية والبربرية التي جاءت إليه عن طريق الأم. وقد حسم الموقع إثر قصة أسطورية تقول إنهم اكتشفوا في مكان الحفر فأساً ذهبية وقد أخذت المدينة اسمها من هذه الفأس ودل اختيار الموقع على عبقرية فريدة. فقد أصبحت فاس بمنزلة القلب وملتقى المواصلات لا في منطقة المغرب وحدها ولكن في مسافة تصل من حدود الأندلس شمالاً حتى السنغال جنوباً,

كان الأدراسة قادة وسلاطين ودعاة في الوقت نفسه، اختلطت حملاتهم العسكرية بالدعوة الدينية، وجمع السلطان والإمام تحت عباءة واحدة.

ولكن هذه الدولة واجهت متاعبها الحقيقية منع السلطان الثالث عبد الله بن إدريس.. يبدو أنه كان سلطانا مثالياً أكثر مما يجب. أو أنه أطاع نصيحة جدته كنزة من حيث لا يفيد، فقد قسم المملكة بين سبعة من إخوته وأبقى لنفسه فقط الإمامة وحكم مدينة فاس. وبدلا من أن يكون هذا الحل عادلا فقد أثار الشقاق بين الجميع وأصبح كل واحد يطمع في نصيب أخيه، ثم أصبح الجميع يطمعون في فاس وكان صراع الإخوة المستمر والقاسي هو السبب في زوال دولة الأدراسة.

تقلبت الأهواء بمدينة فاس. فقدت مكانتها السياسية ولكنها لم تفقد مكانتها العلمية والروحية. أدركنا ذلك ونحن نسير بجانب أسوار جامعة القرويين أقدم جامعة في العالم الإسلامي. كانت ممتدة تحل الجزء الأكبر من قلب المدينة. بنتها البسيدة فاطمة النهرية عام 240 هجرية وأطلقت عليها اسم القرويين في حنين جارف لبلدتا لاصلية في تونس. دخلنا ساحة المسجد الواسعة، عشراتمن الأعمدة مغطاة بالحصر الملونة والطلاب الصغار جالسون يتلقون الدروس. من السقف تتدلى ثرايا من المعدن. بعضها أصلي جاء من الأندلس. المسجد يتسع لـ 20 ألف مصل ويدرس كل العلوم الأساسية ويضم مكتبة كانت ذات يوم واحدة من أغنى مكتبات العالم الثالث بالخطوطات.

لقد فقدت فاس الكثير من كنوزها مع كل التقلبات التي مرت بها. ففي البداية شك الموحدون في ولائها فقاموا بهدم أسوارها. ثم قاموا بنقل العاصمة غلى "مراكش" ولم تستعد فاس قوتها السياسية غلا مع صعود بني مرين الذين ظلوا في فاس لمدة عشرين عاما عاجزين عن التغلب على الموحدين ودول مراكش. وقد بنى سلطانهم أبو يوسف جاكوب امتدادا جديدا لفاس كما أضافوا إليها عددا كبيراً من المدراس والأسبلة لم تظفر به أي مدينة أخرى.

وعندما تدخلت أوربا في المغرب وفقدت كل مدن المغرب بما فيها مراكش قوتها لاسياسة ظلت فاس محافظة على قيمتها المعنوية والأخلاقية فهي التي حفظت جذوة التراث الإسلامي مشتعلة في هذه البقعة وبالتالي حافظت على جانب مهم من جوانب الشخصية المغربية.

نوقد شمعة في مقام سيدي إدريس ونواصل انطلاقنا. نمرق خلال الأبنية والسقايات والأسبلة. الدواب تملأ المدينة. كلا تستخدم في نقل البضائع وسط الطرقات الضيقة التي لا تسمح بدخول السيارت. أهالي فاس يطلقون على البغل لقب التاكسي الكبير وعلى الحمار لقب التاكسي الصغير.. وزمان كانت حيوانات فاس مدربة بشكل خاص. فهي تسير في الحواري دون أن تصطدم بأحد ولا تأكل من الأطعمة المعروضة أمامها كما أنها تعودت على أن تقضي حاجتها خارج أسوار المدينة. الحيوانات الآن فقد هذا الطابع وأصبحت تسبب مشكلة للأهالي خاصة أن رائحة روثها تبقى عالقة داخل الأزقة لمدد طويلة.

شمعة أخرى نوقدها في مقام سيدي أحمد التيجاني.. شيخ الكرامات وصاحب الطريقة الصوفية المعروفة. الزوار كثيرون والشموع الذائبة تكون طبقة سميكة على حافة الضريح. عشرات الزوار يتوافدون يومياً. وهناك اعتقاد شائع أنه لا أحد يذهب إلى حج بيت الله الحرام قبل أن يزور ضريح سيدي التيجاني وليس هذا الاعتقاد وقفا على أل المغرب فقط ولكنه يتعداها إلى موريتانيا والسنغال.

لقد عاشت فاس كل تقلبات العصور. وشهدت توقيع معادة الحماية الفرنسية في عام 1912 ولم تلبث أن هبت ثائرة لمواجهة هذا الأمر حيث حدثت أكبر مذبحة في تاريخها المعاصر قتل الفرنسيون فيها أكثر من 800 من الأهالي وكانت سببا مباشراً في نقل العاصمة السياسية إلى الرباط.

إنقاذ فاس

تحت حواري فاس يرقد سهرا الخفي، فهي أول مدينة في العالم تمتد داخلها قنوات المياه مثل الشرايين لتصل إلى كل مسجد ومدرسة وبيت. هذه القنوات كانت تحمل الحياة إلى هذه المدينة فأصبحت تحمل إليها خطراً مميتا. لقد أعلنت منظمة اليونسكو عام 1975 أن فاس هي محمية ثقافية وجزء من التراث الإنساني الذي يجب المحافظة عليه. جاء هذا الإلعان في الوقت الذي كانت تدق فيه أجراس الخطر معلنة أن مدينة فاس على وشك الموت.

حملنا أسئلتنا عن مصير مدينة فاس وذهبنا إلى مندوبية إنقاذها وإلى ارجل المشرف على عمليات الإنقاذ التي لا تتوقف. قال الدكتور عبد اللطيف الحجامي الأثري المتخصص: "إن فاس ليست مجموعة من المباني القديمة. ولكنها مدينة متكاملة وحيوية. لها إطار ثقافي وحضاري تواصلت به قرونا طويلة. ولكن تطور القرن العشرين أدخل في قلبها العديد من المستحدثات التي لم تكن منسجمة معها. لقد حدث رغما عنها تغيير في طبيعة المباني كما تغيرت الهياكل التجارية التي أصبحت تعتمد على المنافسة بعد أن كانت تعتمد على التكامل. واصبح لسكان البنايات التاريخية مطالب معاصرة لا يمكن تجاهلها كما أن الاستثمارات قد تراجعت عن فاس وتوجهت إلى الرباط الدار البيضاء بحكم انتقال الثقل السياسي والاقتصادي إليهما.. من كل هذا وجدت فاس نفسها مدينة غريبة في عصر غريب ".

ولكن كيف تواجه فاس هذا العصر مع ما فيه من متغيرات. كيف تفي باحتياجات الكثافة السكانية المتزايدة؟ يقول عبداللطيف الحجامي: " إن فاس تحتوي على 10 آلاف بناية أصيلة، و 70 كيلو متراً من القنوات المتدفقة من مياه الوادي والعيون و 4 آلاف نافورة وسقاية ألف من مرافق الخدمات الاجتماعية الأصلية من مدارس ومساجد وحمامات وفنادق. كل هذا يجب أن يوضع في إطار استراتيجية الحفاظ الشاملة. لقد بدأت عملية الترميم في إطار ميزانية المدينة العادية التي توفرها الدولة وحتى الآن لم تتجاوز الهبات الممنوحة لنا أكثر من 10% وقد بدأنا بعملية الترميم السريع أي أننا كونا طاقما من خبراء الترميم والمعلمين الحرفيين الذين يعملون على مدار الليل والنهار وفي مقدورهم التدخل في مدى ساعتين لمنع انهيار أي منزل أو أنقاذ ما يمكن إنقاذه وهو نظام لايوجد إلا في هولندا. كذلك بدأنا في تنقية قنوات المياه التي كان 90% منها مغلقا مما تسبب في غرق العديد من البيوت. كما تم التنسيق بين مختلف الخدمات إلى المدينة بحيث توفر الماء والكهرباء والتليفونات دون أن نمس الطابع الأثري للمدينة. كانت هذه المرحلة الأولى. مرحلة الترميم والحفاظ.

ثم انتقلنا بعد ذلك إلى مرحلة أخرى هي مرحلة تنفيذ المشروعات الكبرى. أي إنجاز برامج خاصة ترفع مستوى الخدمات وتحافظ على البيئة وتوفر مردودا ماليا لنا أيضاً.

ويهمني هنا - يضيف الحجامي - أن أشيد بالدور الذي قام به الصندوق العربي للتنمية لدولة الكويت فقد ساعدونا كثيراً في مشروعات تطوير قنوات المياه وأظهر مديره عبداللطيف الحمدي وعيا كبيراً بأهمية التراث وضرورة المحافظة عليه.. كما أن البنك الدولي يساعدنا من أجل توفير المواصلات داخل المدينة وذلك عن طريق تصميم سيارة صغيرة تصلح للسير في الأزقة الضيقة، كما وضعنا برنامجا لنقل كل الصناعات الملوثة خارج المدينة، وما زالت عملية إنقاذ فاس مستمرة".

وما زالت سفرتنا إلى فاس مستمرة أيضاً، نخرج منها لنعود إليها، يشدنا شوق وحنين كأننا عاجزون عن التنفس في جو معاصر ومخالف. المدينة الجديدة بشوارعها المتسعة تنمو. تبتعد عن الطابع الفرنسي الذي صاحب نشأتها الأوى. تمتلئ الصناعية بالمصانع. نزور أحد هذه المصانع حيث يتم حياكة الملابس لكبرى بيوت الأزياء العالمية في فرنسا وألمانيا. نواصل الرحيل إلى قمم الأطلس حيث توجد " إيفران" كأنك قد انتقلت فجأة من عبق التاريخ إلى جبال سويسرا حيث التزلج على الجليد ثم نعود مرة أخرى إلى فاس. نشاهد السد الذي ينظم المياه، والوديان المليئة بعيون المياه المعدنية ونشرب الشاي الأخضر الممزوج بالنعناع، أو بالأحرى النعناع الممزوج بالشاي ونسهر على إحدى المقاهي المفتوحة ثم نعود إلى أزقة فاس، شوقا وعشقا وحبا. نركب جياد الزمن الماضي ونعود مع المولى إدريس لنحقق حلم المدينة في احتضان كل الذين يلوذون بها ويبحثون عن الأمن والحماية.

 



 
  




إلى أرض الأحلام





بوابة المنصور في مكناس





حرس الشرف على ضريح الملك الحسن الخامس





بقايا مسجد السلطان يعقوب بعد زلزال الرباط





الزي المغربي التقليدي





سقاء الماء.. مهنة قديمة انقرضت





سوق السجاد في فاس





سوق آخر في مكناس.. نوع من الاحتفالية





قصر الجامعي في مكناس بعد أن تحول إلى متحف





احد الحواة في شوارع مكناس





عبداللطيف الحجامي مدير مندوبية إنقاذ فاس





فاس من أعلى وجامعة القرويين





بساطة وجمال. فتاة عاملة





باب ابن جلود في فاس