تصويبات بنيوية
يقول عبدالعزيز حمودة - رحمة الله عليه - ( ص 96 من كتابه «المرايا المحدبة»): «قد يحتج أساتذة الفلسفة ومؤرخو الفكر الفلسفى على تناولنا التالى لمعالم تلك المحطة في تاريخ الفكر الغربى باعتباره تبسيطا مخلا للفلسفة الغربية - الإشارة إلى حديثه عن النزعة التجريبية من لوك إلى نيتشه وارتباطها بثنائية الداخل والخارج - ولكن عذرنا الوحيد أننا لم ندّع أبدا بأننا نؤرخ للفلسفة الغربية في دراستنا هذه، ولكننا نحاول أن نضع أيدينا على التيار أو التيارات الأساسية التي تشكل مجرى هذا الفكر من زاوية تأثيره في نظريات الأدب والنقد واللغة ومن يطلب فكرًا فلسفيًا خالصا فليبحث عنه في مكان آخر غير الدراسة الحالية من منطلق التبسيط المخل فلسفيًا، وإن كان جوهريا في تحديد الاتجاهات النقدية واللغوية». طبعا هذا كلام لا محل له من الدقة لأن كل ما يفعله هو تلخيص أفكار آرت بيرمان بعنوان «مقدمات إلى مناهج النزعة التجريبية» ( من ص 7 إلى ص 25). ولذلك فعندما يقول «قد يفهم من هذا التبسيط المخل» ( ص 98) فمن الأفضل القول التلخيصى المخل. وكذلك حين يقول: «الثنائية التي نرصدها فلسفيًا منذ البداية ونقديًا في تجلياتها المختلفة خلال أكثر من ثلاثة قرون حتى الآن» (ص119)، فالأدق هو القول الثنائية التي يرصدها بيرمان. - يقول حمودة (ص65): «وما يهمنا هنا، وبصفة مؤقتة، الإشارة السريعة إلى أن الفرنسيين بصفة عامة، وخاصة علماء اللغة مثل شتراوس وبارت ولاكان وفوكو وألتوسير ثم ديريدا، يركزون على مناقشة تركيب العقل البشرى، وهم بذلك التركيز على تركيب العقل لا يتجهون إلى تأكيد الذات، أو الحفاظ عليها حرة مستقلة، بل إنهم في حقيقة الأمر ينفون وجود الذات كنقطة انطلاق». وتلك جملة غير دقيقة، خصوصًا في إشارتها إلى «علماء اللغة» مثل شتراوس وبارت ولاكان وفوكو وألتوسير ثم ديريدا، إذ لا يمكن وصف واحد من هؤلاء على أنه «عالم اللغة» على سبيل الحقيقة. ويمكن تصويب الجملة بالعودة إلى الأصل الذي يأخذ منه حمودة، ولا يشير إليه في هذا الموضع على سبيل التحديد، وهو كتاب آرت بيرمان «من النقد الجديد إلى التفكيك» ( ص 68-69): حيث نجده يقول ما نصه «إن تركيب العقل هو الاهتمام الأساسى لعالم اللغة الحديث، وللنزعة البنيوية على وجه الخصوص، سواء عند ليفى شتراوس أو بارت أو لاكان أو فوكو أو ألتوسير أو ديريدا. وسوف نجد، على كل حال، أن البنيويين الفرنسيين المهتمين بتركيب العقل لا يظهرون كالأمريكيين الحاجة إلى الحفاظ - مهما كان الثمن - على فكرة الذات الحرة المتحدة المستقلة شبه الديكارتية، بل على النقيض من ذلك تماما، ينكرون هذه الذات». - يقول حمودة ص(83): «من هنا نجد أن نفس مقولات المذهب التجريبي عند لوك وهوبز تفتح الباب بشكل واضح أمام نيتشه وقوله بقصور العقل وحدود المعرفة بل وهم الحقيقة ذاتها، تلك التي يصفها بأنها «مجموعة متحركة من الكيانات والمجازات... باختصار، تلخيص للعلاقات الإنسانية ثم دعمها ونقلها وتحميلها شعريًا وبلاغيًا، علامات بدت للناس، بعد فترة استخدام طويلة ثابتة ومعيارية وإجبارية، الحقائق أوهام نسي الناس أنها كذلك، مجازات تآكلت من طول الاستعمال». ويشير حمودة إلى مرجع في أحد الهوامش على النحو التالي: (كذا في الأصل) Nietche, «White Mythology» in Migins philosophy English trns.1982. ولا توجد صفحة في المرجع المشار إليه ولكن ليس هذا هو المهم، فالأهم أنني لا أعرف - حسب معلوماتي المتواضعة - أن للفيلسوف الألمانى نيتشه دراسة بعنوان «White Mythology»، وطبعًا، لم أستطع أن أعرف اسم الكتاب المشار إليه بعد ذلك ولكنني خمنت أنه يمكن أن يكون هناك خطأ في هجاء كتاب ديريدا «هوامش الفلسفة» Margins of philosophy وهو الكتاب الذي ترجمه آلان باس، وصدر عن مطبعة جامعة شيكاجو سنة 1982. وقد عدت إلى الكتاب وعدت إلى مصادري ومراجعي والعارفين بفلسفة نيتشه من المتخصصين، فلم أجد ما يكون مصداقًا لكلام حمودة. وعندئذ، عدت إلى كتاب آرت بيرمان الذي أعرف أن حمودة اتكأ عليه كثيرًا في الفصل الثاني من كتابه، فوجدت أصل كلام حمودة وتوضيح الأمر خلال الأدب ما بعد البنيوى، حيث يواجه المرء بيان نيتشه الذائع «عن الصدق والكذب في معناهما الخارج عن نطاق الأخلاق»: «ما الحقيقة، إذن؟ حشد متحرك من استعارات وكنايات وتشخيصات. باختصار مجمل علاقات إنسانية تم تعزيزها ونقلها وتزيينها شعريًا وبلاغيًا، وتبدو - بعد استخدام طويل - راسخة ومعيارية وإجبارية للناس: الحقائق هى أوهام عن ما نسي المرء أنه ليس سوى استعارات بالية». إن الفلسفة النسقية، من حيث كونها مؤسسة على اللغة، قابلة لأن تفكك أو تنقض في مصطلح ديريدا، وذلك للكشف عن البلاغة التي تدعمها، الوضع الذي يضخمه ( يتوسع فيه) ديريدا في «ميثولوجيا بيضاء» (في كتابه «هوامش الفلسفة» 1972، الترجمة الإنجليزية، سنة 1982). وطبعا، كالعادة، نقل حمودة عن بيرمان ما فهمه منه، وأخذ عنه العبارات التي اقتبسها بيرمان عن نيتشه، وحاول التدليس على القارئ في الهوامش، فنسب العبارات إلى نيتشه مباشرة، ولكنه في «لهوجة» النقل نسي أن دراسة الـ«White Mythology» ليست للفيلسوف الألماني نيتشه، وإنما هي عنوان دراسة ديريدا التي تعالج بعض أفكار هذا الفيلسوف فيما يتصل بدور الاستعارة من حيث علاقتها بالحقيقة. ولذلك كان العنوان الكامل للدراسة «الميثولوجيا البيضاء: الاستعارة في نص الفلسفة». وكالعادة، أخطأ حمودة في هجاء اسم كتاب ديريدا كما أخطأ في نسبة الدراسة إلى نيتشه، والسبب بالغ البساطة، وهو أنه لم يقرأ، ولم يتصفح كتاب ديريدا، وإنما ظل ينقل عن بيرمان، ويدعي في نقله أنه ينقل عن أصل لم يره، فكانت النتيجة هذه السقطة القاتلة. في «موسوعة النظرية الأدبية المعاصرة» (تورنتو1994) (ص652) ما يلى مصطلح «White mythology» مشتق من مقال اك ديريدا عن هذا الاسم في «هوامش الفلسفة 1972». يشير إلى القيمة الميتافيزيقية للاستعارة بوصفها حركة فقد المعنى الحقيقي الحرفي - واستعادته. ويبدأ ديريدا المقال بفحص سلسلة من استعارات فلسفية عن العملية التي تتحول بها الاستعارات إلى مفاهيم خلال فقد دلالتها الأصلية ويستعير عبارة «White mythology» من «حديقة أبيقور» لآناتول فرانس، حيث يوجد حوار عن اللغة المجازية. وذلك في سياق يتلاعب بالمعنى الحقيقي Propre في الفرنسية من حيث دلالته على «نظيف»Clean وعلى Propre sese، المعنى الحرفي، فإن ديريدا يستخدم المصطلح «White Mythology» بوصفه عنوانًا عامًا ( سنة/ قاعدة ) للحلم الفلسفي بلغة نظيفة من البقع المجازية ومقاربة تماما لمدلولها. وإحدى هذه الاستعارات عن المحو (usure) ترتبط بالعملة، بالنقش الذي يبليه الاستخدام المفرط. معنى الإبلاء usure من حيث هو تضاؤل عنيد يتضمن اللعب على المعنى الاقتصادي للكلمة: مع الاختفاء التدريجي للمعنى الاستعاري يأتي تزايد الفائدة في زمن فائض المعنى التصوري. بالنسبة إلى ديريدا، هذه العملية أساسية للتفكير الميتافيزيقي. في آخر المقال، يركز ديريدا على فقرة من هيجل تصبح فيها الشمس استعارة لمسيرة الروح من نفسها وإليها في مجرى التاريخ. الروح تحاكي الغروب الدائري للشمس من أصلها الشرقى إلى مبعثها. هذه الحركة تتضمن انعطافة من خلال الاستعارة: من خلال مصادرة المعنى البدائي الممنوح للأشياء، نقع في الطراز الاستعاري للفهم، وذلك في مجرى التاريخ الإنساني وخلال عملية الإبلاء usure أو المحو المجازي، حيث يتولد معنى «حقيقي» جديد يستعاد؛ هذا المعنى الجديد هو المعنى القديم مُحِي ورفع إلى قوة مفهومية أعلى، أصبح الآن مروحن ومدخلن now interiorized and spiritualized. العودة المتأخرة للحقيقة تنتج فائدة، فائض المعنى الذي حُصِّل عند نهاية الوقت الذي، مثل شمس هيجل الغاربة، يعود إلى نفسه. هكذا، يلعب ديريدا على الكلمة الفرنسية Plus: Plus de metaphor التي لم تعد استعارة (الاستعارة تم تدميرها من حيث تحولها المتزايد إلى تصورية خلال عملية الإمحاء (وفائض الاستعارة) فائض المعنى التصوري الناتج بواسطة الإمحاء كناتج فائدة متكررة على قرض بارز). هكذا يكشف ديريدا عن الصلة بين الفهم الفلسفى التقليدى لشيء بوصفه بريئا كاستعارة في ثنايا كشفه عن الحقبة الميتافيزيقية الشاملة للثقافة الغربية. وكان نقد ديريدا لـ«White mythology» على هذا النحو جزءا من الكشف (الفضح) العام للقمع الميتافيزيقي لما يسميه «كتابه» والطريقة التي تضيّق بها الفلسفة «قانون الحقيقي»، محاولة على نحو ينتهي إلى الفشل في أن تشمل هوامش خطابها. يقول حمودة (ص 111): «وفي هذا يتفق الشكليون مع اللغويين الجدد في التفريق بين لغة العلم التقريرية حيث يتساوى الدال والمدلول، وبين لغة الشعر التي تعتمد أساسا على اختفاء ذلك التساوي: بقدر ما يبدو في ذلك من غرابة فإن ما يجعل التسميات الراسخة أكثر ملاءمة لعملية الإحالة هو غموضها. إنها ترسخ لا لأنها أكثر تساويًا من العلامات الأخرى مع الأشياء التي تشير إليها، بل بسبب «مرونتها» الدلالية - بسبب قدرتها على تقبل استخدامات مختلفة ومتعارضة أحيانًا». ويشير حمودة في كتابه إلى أنه اعتمد على كتاب بيتر ستينر عن «الشكلية الروسية». والواقع أن الكلام غير مفهوم، فمسألة اتفاق الشكليين الروس مع اللغويين الجدد في التفرقة بين لغة الشعر ولغة العلم من البديهات التي يتفق حولها الجميع، ولا تحتاج إلى التخصيص أو التعيين، أو الاستشهاد بنص ستينر الأكثر غموضًا. وهو لا يقع موقع الدليل في الكلام السابق، بل موقع الذي يزيد إلى التعميم غموضًا. وعندما عدت إلى ستينر وجدت سياق الكلام مختلفًا اختلافا هائلا، فالنص المقتبس موجود في الفصل الأول من كتاب ستينر، وهو محاولة منهجية لتحديد الشكلية الروسية. وعنوان الفصل «ما الشكلية الروسية؟». ولكي يجيب عن هذا السؤال، يضطر إلى مناقشة تسمية «الشكلية الروسية» نفسها، من حيث هي بطاقة تسمية أطلقت على تيارات متعارضة وشخصيات متباينة المنزع. ويتوقف عند فعل التسمية نفسه، من حيث هو فعل سميوطيقى، ويعرض لنظريتين متعارضتين في التسمية - النظرية التقليدية التي ترى أن التسمية سابقة على الوصف، ونظرية الفيلسوف الألماني جوتلوب فريجه (1848-1925) التي ترى أن الوصف يسبق التسمية ويناقش كلتا النظريتين مستعينًا بأفكار علم اللغة التداولي عند جون سيرل على وجه التحديد، منتهيًا إلى تبرير استخدامه تسمية «الشكلية الروسية»، الأمر الذي يفضي به إلى القول (ص 40 من الطبعة الصادرة عن جامعة كورنيل سنة 1984 ): «بقدر ما يبدو في ذلك من غرابة، فإن ما يجعل من نعوت التعريف Labeles المستقرة أكثر موافقة لفعل الإشارة هو غموضها. إنها تغدو مستقرة لا لأنها أكثر ملاءمة للموضوعات من غيرها من العلامات، وإنما بسبب مطاوعتها الدلالية، أى قدرتها على أن تستوعب الاستخدامات المختلفة المتعارضة غالبًا. وعلى هذا الأساس، فإن المفاهيم المستقرة تمثيلات متعددة المنظور مجاوزة الزمن التاريخي لأجزائها المخصوصة، فهي تحتوي وجهات نظر عديدة وطبقات متعددة من الإضافة الدلالية، ومن ثم تقدّم موضوعاتها على نحو تركيبي في تعدد مغايرة الخواص». - نقرأ ( ص 128): «لقد تحوّلت النظرية المثالية إلى كابوس لا يختلف كثيرًا عن ذلك الكابوس الذي صوره ماركوز Marcuse لمجتمع يقوم فيه من الصفوة، هو الدكتاتور بالطبع، بفرض الحرية على العامة». هذا الكلام المرتبك له صلة بأصله الذي لا يشير إليه حمودة، وهو كتاب روبرت شولز عن «البنيوية في الأدب» حيث نقرأ فيه ( ص194) ما يلي: «إن الرؤية السياسية للوجودية تنتهى إلى الصورة التي يرسمها ماركوز لمجتمع مدار (منظم) تفرض فيه صفوة ثاقبة النظر الحرية على الجماهير السلبية». يقول حمودة (ص:130): «إن الالتزام بالمفهوم الماركسي يتحول عند سارتر إلى التزام آخر، غير ما يرمي إليه الماركسيون، فالكاتب والقارئ على السواء ملتزمان بالدعوة إلى الحرية، حرية القارئ على وجه الخصوص، ومن ثم حرية المجتمع ككل، فالإنسان، كما يقول سارتر، لا يكتب للعبيد. بل يذهب في دعوته للحرية إلى الترحيب بحرية القارئ للمشاركة في إنتاج النص الأدبي، وهو ما يعتبر تمهيدًا مبكرًا لنظريات الاستقبال التي تركز على حرية القارئ في تحديد معنى النص». الأصل هنا بيرمان الذي يتحدث ص (61) عن كتاب «الوجود والعدم» لسارتر بوصفه أكثر الكتب الممثلة لفكر سارتر ذيوعًا في الولايات المتحدة، ويعرضه إلى أن يقول: «الحرية الإنسانية تتقدم الجوهر في الإنسان وتجعله ممكنا، جوهر الكائن محصور في حريته.. ليس هناك.. » في مقالة شهيرة بعنوان «الوجودية نزعة إنسانية». يكتب سارتر: «الإنسان حر، الإنسان حرية»... وفي «ما الأدب» (1947) يقول سارتر إن أهم وظيفة للأدب هي الانتقال من حرية المؤلف إلى حرية القارئ، مؤكدًا أن الالتزام في الأدب يؤدي إلى مجتمع حر «المرء لا يكتب لعبيد، فالقلم الحر لا يكتب لعبيد وإنما لأحرار أو لمن يريدون أن ينتزعوا حريتهم من قاهريهم»... ويؤكد سارتر «إن الكاتب يلجأ إلى حرية القارئ ليعينه في إنتاج عمله»، وتلك نظرة يمكن ربطها بنظرية الاستقبال الحديثة. - نقرأ عند حمودة (131): «لقد كانت نقطة الانطلاق الحقيقية للظاهراتية أن الفكر الإنساني قد وصل في مطلع القرن العشرين إلى طريق مسدود، بعد أن تجاهلت العلوم دور الذات المدركة وتأثيرها في معرفتنا بالعالم، وفي الوقت نفسه فإن الانهماك في الدراسات النفسية قد يؤدي إلى درجة من الذاتية غير مرغوب فيها. ومن ثم أراد هوسيرل «إحداث عملية توفيق بين الفكر والعالم عن طريق وصف البنى العليا للوعي الإنساني»، لذلك يطالب هوسيرل بأن «تصبح الظاهراتية علمًا للوعى يصف عمليات التأثير المتبادل بين الذات والعالم». الأصل هنا هو «موسوعة النظرية الأدبية المعاصرة» ( تورنتو 1994) حيث نقرأ (ص149) عن النقد الظاهراتى ما يلي: «اعتقد هوسيرل أن فكر بواكير القرن العشرين كان قد وصل إلى طريق مسدود، علم اليوم تجاهل على نحو ساذج أثر الذات المدركة على معرفتها بالعالم ومن ناحية أخرى، فإن مغامرة الذاتية يمكن أن تؤدي إلى دراسة نفسية لعمليات عقلية. وكان البديل عند هوسيرل هو فلسفة حاولت أن تصالح بين الفكر والعالم خلال وصف للأبنية المتعالية للوعي الإنساني وأكد هوسيرل أن الفينومينولويا يجب أن تكون علم الوعى، بوصفها برنامجًا يحدد الكيفية التي يتفاعل بها العالم والذات». يقول حمودة (ص141): «ويخلص بارت إلى القول بأن البنيويين حلوا محل الوجوديين الذين سيطروا على الحياة الفكرية في فرنسا في الخمسينيات والستينيات وقد كان تمرد البنيويين على أسلافهم بمنزلة إعلان استقلالهم، وإن كانت الاختلافات في الواقع أكثر جدية من مجرد رغبة جيل في التمرد الطبيعي على الجيل السابق». ويذكر حمودة مرجعه وهو بيرمان (ص69 ). ونعود إلى بيرمان الذي كان يتحدث عن رفض البنيوية، فيقول: «من المسلم به فإن الاعتبارات الثقافية أساسية جيل يجب أن يرفض ما قبله، وهو الجيل السابق عليه لصالح عمله الذي لابد له أن يظهر فريدًا ومهمًا ولذلك كان رد الفعل المضاد للوجودية لمفكرين في فرنسا، خلال الخمسينيات والستينيات، مساويًا لتأكيد استقلالهم الثقافي. البنيويون كان عليهم أن يستولوا على الحياة الثقافية الفرنسية من هؤلاء الذين ظلوا مهيمنين عليها لثلاثين عامًا (thody 1983 108). وليس في الكتاب المأخوذ عنه كلام حمودة إشارة إلى بارت، كل ما في الأمر أن بيرمان يعتمد على كتاب فيليب تودي عن رولان بارت. المهم أن بارت لم يقل هذا الكلام، وإنما هو محاولة من بيرمان في استيعاب كتاب تودي، ولا علاقة لبارت بهذا الكلام من قريب ولا من بعيد. وأما عن عدم دقة ترجمة المصطلح، فيمكن الإشارة إلى أن كلمة «عملية» لا تنفع ترجمة للأصل correspondence، (ص83) فالأفضل «مطابقة» أو «تجاوب». وكذلك «القيمة الإحالية » Referential (ص176،123،83) مع أنها مأخوذة من ترجمة عناني، لكني أفضل القيمة الإشارية Referential لسببين: أولهما الشيوع منذ أن ترجم محمد مصطفى بدوي المصطلح على هذا النحو ضمن ترجمته مصطلحات ريتشاردز الخاصة بالتمييز بين الوظيفتين الأساسيتين للغة: الانفعالية/ الرمزية ( الإشارية). والثاني هو إمكان اختلاط كلمة «الإحالة» بمعنى الاستحالة وعدم المعقولية. أما «نظرتها الكونية Ontological إلى اللغة» (ص 101) فالأصوب هو «نظرتها الوجودية». وكذلك «نظرية جزئية Atomistic» (ص 102) فالأصوب هو ما يتفق عليه دارسو الفلسفة «النظرية الذرية». وقس على ذلك كثيرًا.