القطار أحمد محمد المعتوق

القطار

شعـر

ماذا يكون! هو القطار تدحرجت عجلاته الزرقاء
مزقت السكون
فكأن عفريتا تلمظ ثم هاج يصارع الليل الحرون
وكما الصخور تحدرت زعقات تيمور تقاذفها
السيول
فتلوت الأرض الحزينة تحت أقدام المغول
وسرى القطار كأن شيئا ما جرى
والسكة العمياء تلهث وهو يعدو
عبر أنفاق الزمان
ماذا يكون!
سنابك الريح الجموح تهز قنطرة الوجود
ورنين أضلاع الجسور تردد الأصداء
تهدر كالرعود
النائمون كما الكراة رءوسهم ظلوا هناك يدندنون
وعيونهم غرثى تفتش في تخوم الليل عن نجم بعيد
وهنا الجريدة في يد كسلى تحملق في العيون
تتثاءب الكلمات فيها
والأسى يمتص في خدر تهاويل الحروف
وكأنما تتمدد الأشباح في ليل الخريف
الثلج يقبع في القرى، ينمو على شرف البيوت!
والغول يبتلع المسافات المديدة، والعويل
وخطاه في عجل تجلجل في الفضاء كما الطبول
وعلى الوجوه نوافذ حيرى تنام بلا جفون
ومضات حلم متعب تنداح في غيب الظنون
وتناثر الضوء الحزين كما الغبار
على وجوه المتعبين
وتناثر الصمت الحزين
***

ماذا يكون وأيّما نجم تكور في غيابات الظنون!
من أين تعلم ما سيجري أو يكون!
ليست على الأبواب إلا تمتمات الراكبين
حدقات أعينهم تلوب كما الطيور
تلوب بحثا عن يقين
سود الحقائب رعشة سكرى ترنحهم
وصوت كالأنين
نزق يمر الصوت
حنجرة تزمجر خلف أبواب القطار
وأصابع تمتد، تقرض مثلما الفئران في جوف الظلام
- هات، وأومأت العيون إلى العيون
وهاج طوفان السكون!

وكأن قرصانا يهب إلى سفين البائسين
- أسفا فشباك التذاكر كان مكتظا
وعجلان أتيت فليس يتركني القطار
كانت قناديل العشية تختفي خلف الستار
والأفق مشدوه العصابة، والدوار!
قد كاد يقتلني الدوار!
ومشيت عبر سلالم الدهليز
ترهقني السلالم إذ تدور بلا جدار!
***

وحدي أنا جئت المحطة مفردا
وركضت عبر طريقي اللهفان يزكمني الغبار
حلفت بأن تأتي تودعني ولكن النساء!!
قبلاتي العطشى على فمها المدور راح يخطفها القطار
وزنابق الضوء التي هتفت تحييني اختفت
وذوى النهار
ورأيتها طيفا وراء الليل، ما أشجى الحوار!
شبكت يديها: عائد! ألقاك؟!
- لا أدري! سيحملني القطار إلى هناك
إلى الديار!!
لا شيء أعلم، لا خطى ليلي ستعرفني
جناح في فضاء الصمت مشدود
على سور المساء!
وتكسرالضوء الدفيء على الجفون
تباعد الطيف الغريب.. سرى القطار!
زمر النجوم تراكضت فزعا
وراء الغيم زائغة القرار

 

أحمد محمد المعتوق

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات