ضوء يعالج السرطان محيي الدين لبنية

ضوء يعالج السرطان

الليزر، تلك الحزمة الدقيقة من أشعة الضوء، هل تقوى- على رقتها- أن تقاتل أعتى أمراض عصرنا.. السرطان، إنه حديث عن بعض من الضوء ينير كثيرا من الأمل.

أصبح ممكنا الآن استخدام أشعة الليزر بدلا من مشرط الجراح لاستئصال الأورام واستغلال قدرتها الحرارية على تبخير الخلايا السرطانية وتقليص مساحة الورم لتخفيف شدة الإصابة للمرضى الذين يخشى عليهم من المضاعفات الصحية السيئة للجراحة التقليدية، كما أمكن بواسطة التسخين الموضعي بحرارة الليزر والعلاج الكيموضوئي بمركب حساس لهذه الأشعة قتل الخلايا الخبيثة، وهذا ما سوف يستعرضه هذا المقال بعد التعرف على الخواص العلاجية لليزر والتغيرات الخلوية التي يحدثها في الأنسجة.

تتكون أشعة الليزر نتيجة إثارة عنصر أو جزيء من مادة معينة بواسطة طاقة عالية، فتصطدم ذرات المركب المثار ببعضها وتتحرر الفوتونات التي تمر عبر مرآة شبه نفاذة في عمود الضوء داخل الجهاز، ثم تنطلق أشعة الليزر في شكل حزمة ضوئية ضيقة وملتحمة ذات طول موجي واحد يمكن توجيهها بدقة إلى الهدف المطلوب وتركيز تأثيرها على مساحة صغيرة جدا من الأنسجة الحية، وتختلف أنواع الليزر حسب نوع المادة المثارة داخل جهاز توليد الأشعة ومن ثم تتباين أطوال موجات الضوء المنبعث منها، وتتوقف قدرة هذه الأشعة على إحداث تغيرات حرارية في الخلايا ودرجة فعاليتها وعمق اختراقها للأنسجة على طول موجتها، لذا تتوافر أنواع من الليزر تفيد إما في التسخين الموضعي للأنسجة فقط أو في القطع كالمشرط في غرف العمليات الجراحية أو في إحداث تغيرات كيماوية في الخلايا الخبيثة بعد حقنها بمركب حساس لهذه الأشعة.

التغيرات الخلوية بفعل الليزر الجراحي

تصل درجة الحرارة في بؤرة حزمة أشعة الليزر من النوع الجراحي إلى أكثر من عشرة آلاف درجة مئوية، فيمكنها تبخير مكونات الخلايا عند سقوطها عليها ولا تتأثر المناطق المجاورة لها، ويؤدي التسخين الشديد في منطقة سقوط الليزر إلى تكوين مصل غازي gaseous plasma وحدوث تغيرات في طبيعة المادة الخلوية وتتكون موجة ضغط كبيرة قادرة على إحداث مزيد من الاضطراب في تركيب النسيج الحي، وقد يصل مقدار الضغط في بؤرة الأشعة إلى حوالي ألف ضغط جوي، لكنه ينخفض عند الابتعاد عنها ولو ملليمترا واحدا إلى أقل من ثلاثين ضغطا جويا، ويفيد هذا الضغط في قطع النسيج الذي يصبح هشا نتيجة الجهد الكبير الواقع عليه. ويؤدي سقوط أشعة الليزر على الهدف المحدد إلى تكوين طاقة مرتفعة جدا في مساحة صغيرة خلال وقت قصير، وقد تسبب الحقول الكهرومغناطيسية المرتفعة الناتجة عن الليزر تحللا في الجزيئات الخلوية في النسيج، وتشابه هذه الحالة ما يحدث عند تأين الغاز ويسميها علماء الطبيعة بالمصل plasma، وتنبعث خلال فترة العلاج القصيرة بالليزر طاقة عالية تنتقل عن طريق نظام توصيل خاص إلى الهدف المحدد الذي قد يصل قطره بين 5 و50 ميكرونا فقط.

استئصال أنسجة الورم

يستطيع الجراح استخدام الليزر بدلا من المبضع لاستئصال أنسجة الورم الخبيث، ويستعمل فيها أحد الأنواع الرئيسية لأجهزة توليد الأشعة ذات التأثير الجراحي مثل ليزر غاز الأرجون وليزر نيوديمم- ياج Neodymum - YAG وليزر ثاني أكسيد الفحم، وتتجمع فيها الأشعة بشكل حزمة ضيقة جدا من الموجات الضوئية تقع في مجال طيف الضوء المرئي والأشعة تحت الحمراء وبعدها بقليل، وتتفوق الليزر في دقتها البالغة في القطع على مشرط الجراح ولا تسبب نزيفا دمويا عند قطعها للأنسجة أو حرقها، كما لا يؤدي استعمالها إلى حدوث وذمة Oedema أو التهاب جرثومي نتيجة تأثيرها التعقيمي، كما لا تنتشر الحرارة الناتجة عنها في المناطق المجاورة لموقع سقوطها على الأنسجة.

وتستخدم أحيانا الحرارة الشديدة لأشعة الليزر في تبخير الخلايا السرطانية في منطقة الورم التي تتركب رئيسيا- مثل غيرها من الخلايا الحية - من الماء الذي تتراوح نسبته فيها بين 80 و 90% من وزنها، ويؤدي الضغط المرتفع المتكون في منطقة سقوط هذه الأشعة إلى حدوث مزيد من الاضطراب في تركيب نسيج الورم الخبيث، يقلل تماسكه، ويمكن بواسطة الليزر تبخير النموات السرطانية التي تسبب انسدادا جزئيا في المريء أو في فتحة الفؤاد بالمعدة أو في القولون، أو في المستقيم، وعلاج سرطان متقدم في الرئتين واستئصال ورم خبيث من المثانة بمساعدة المنظار الطبي، ويفيد ذلك في تحسين نوعية الحياة الباقية للمريض وتخفيف آلامه ومعاناته، فمثلا يستطيع المصاب بسرطان المريء بعد العلاج بالليزر بلع الطعام ومن ثم الحصول على مقدار كاف منه ويستعمل في هذه الحالة ليزر نيوديمم - ياج أو ليزر الأرجون في وجود منظار طبي خاص للوصول إلى المناطق البعيدة المصابة بالورم داخل الجسم، ومن ثم تعريضها لهذه الأشعة في صورة جلسات متتالية يختلف عددها وطول فترات الراحة بينها حسب شدة الإصابة المرضية، وهذه الطريقة مفيدة في علاج مرضى السرطان من كبار السن أو البدناء الذين لا يستطيعون تحمل المضاعفات الصحية للعملية الجراحية التقليدية لاستئصال الورم.

التسخين الموضعي للورم

اكتشف العلماء حديثا قدرة أشعة الليزر ذات القوة الضعيفة من نوع -Neodymum Yttrium alu minum garmet على إتلاف أنسجة الورم الخبيث الصلبة الموجودة داخل الجسم بواسطة التسخين الموضعي لها بحرارة هذه الأشعة، وتسالحراري تخترق أعماق منطقة الورم تحت توجيه ألياف بصرية أو المراقبة بالموجات فوق الصوتية أو بوسيلة أخرى، وتتلف خلال هذه العملية بعض الأنسجة السليمة المحيطة بمنطقة الورم ثم تشفى بعد ذلك وهي لا تسبب نفس المقدار من الضرر الناشىء عن العلاج بالإشعاع أو بالأدوية الكيماوية القاتلة للخلايا، ولقد استخدمها الأطباء في علاج الإصابة بأورام خبيثة غير قابلة للجراحة في الكبد والثدي والبنكرياس، كما استعملت في علاج الأورام المتكونة في الغدة الدرقية والبروستاتا وغدة الكظر. ويشترط قبل استخدامها توافر أنسجة سليمة وكافية حول المنطقة المراد علاجها لضمان شفائها بعد تحطيم أنسجة الورم بالليزر، وهذه الطريقة تفيد في علاج الأورام غير المنتشرة والمتجمعة صغيرة الحجم وشفائها تماما، واستعملت حتى الآن للمرضى الذين يستحيل علاجهم بالطرق التقليدية أو بالجراحة أو عند عدم نجاحها، وهي لا تسبب آلاما للمريض لأن الإبر تدخل منطقة الورم في وجود تخدير موضعي، ويبلغ ثمن الجهاز المستعمل فيها نحو 40 ألف جنيه إسترليني، ويمكن استخدامه أيضا في العلاج المخفف - Palliativc treat ment لأنواع أخرى من الأورام الخبيثة كسرطان المستقيم وسرطان المريء وفي الوقت الحاضر يقوم علماء من الولايات المتحدة وفرنسا واليابان بتقييم نتائج هذه الطريقة، وأكدت تقاريرهم الأولية فائدتها الكبرى في علاج الأورام الخبيثة من النوع الصلب المتكونة داخل الجسم.

اكتشاف العلاج الكيموضوئي

في أواخر الثمانينيات من هذا القرن اكتشف الدكتور ستانلي براون من جامعة ليدز بالمملكة المتحدة بمحض المصادفة خلال أبحاثه على الأمراض الوراثية أن أحد مركبات البورفيرين Porphyrins الحساسة للضوء تفيد في علاج بعض أنول الأورام الخبيثة كسرطان المثانة والمريء، ولاحظ وجود عيب في الأنزيم المسئول عن وضع الحديد في جزيء الهيم Haem في دم المرضى الحساسين للضوء يؤدي إلى تجمع البورفيرين الخالي من الحديد والحساس للضوء في دمائهم، وتوجد مستقبلاته في جميع خلايا جسم الإنسان لكن أعدادها تكون أكبر في الخلايا الخبيثة عنه في الخلايا السليمة، فتمتص الأنسجة السرطانية كمية أكبر من البورفيرين الخالي من الحديد ذي التأثير غير الضار، الذي ينشط عند تعرضه إلى موجات ضوئية معينة فيتحول إلى مركب سام للخلايا. ولقد أدت هذه الاكتشافات المثيرة إلى تطوير طريقة تماوجية جديدة للسرطان سميت بالعلاج الكيموضوئي.

وفي عملية العلاج الكيموضوئي لبعض أنواع السرطان تستعمل مركبات كيماوية لها القدرة على امتصاص أشعة الليزر كالبورفيرينات مثل "DHE" المعروف تجاريا ب فوتوفرين - 2 Photofrine وهو أحد مشتقات الهيماتوبورفيرين البشري، ويحقن هذا المركب للمريض عن طريق الوريد، فتحتفظ الخلايا الخبيثة بمقدار أكبر منه يصل نحو ضعفي أو ثلاثة أمثال الموجود في الخلايا السليمة، فيتولد عن ذلك اختلاف في مستوى تركيزه في كلا النوعين من خلايا جسم المريض، ويستهل الضوء الأحمر الذي يتبعثر بدرجة جيدة في أنسجة الجسم ليصل إلى عدد كبير من الخلايا الخبيثة ويكون ليزر الصبغة dye laser ذا ضوء أحمر شديد وطول موجته 630 ميللي ميكرون، وليس لهذا النوع من الليزر تأثير جراحي ولا تتبخر بواسطته محتويات الخلايا، كما لا يسبب تجمعا في بروتيناتها أو تخثرا فيها، ويعمل الضوء الأحمر اللامع على تنشيط عقار الفوتوفرين - 2 الذي يقتل بدوره الخلايا الخبيثة، ويستعمل المنظار الطبي المزود بمصدر أشعة الليزر في الوصول إلى مناطق بعيدة داخل جسم المريض، ويحدث انتفاخ في مواقع سقوط الأشعة ثم تتحول الخلايا السرطانية بعد ساعات قليلة أو أيام إلى ندبة سوداء ثم تنسلخ الخلايا الميتة وتنفصل، وتظهر بعض التأثيرات السيئة على الخلايا السليمة المجاورة لمنطقة الورم، لكن هذه الطريقة أقل ضررا لجسم المريض من تناوله الأدوية القاتلة للخلايا السرطانية أو علاجه بالإشعاع، وعادة يعاني المريض بعد العلاج الكيموضوئي من الحساسية للضوء فترة من الزمن تصل إلى شهر، يتحتم عليه خلالها عدم تعريض جسمه لأشعة الشمس المباشرة تفاديا لإصابة جلده بحروق شديدة، كما نجح حديثا فريق من الأطباء الصينيين في مدينة شنغهاي في تحطيم الخلايا المصابة بابيضاض الدم "اللوكيميا" - Leu Kemia بعد حقن المريض عن طريق الوريد بعقار الفوتوفرين - 2 ثم سقوط أشعة الليزر من نوع هليوم- كادميوم He -Cd laser ذي طول موجة مقدارها 442 ميللي ميكرون على تيار الدم.

ضبط مقدار جرعة العقار

يجري بعض العلماء حاليا تجاربهم على الاختلافات الاختيارية للخلايا في امتصاص ضغوط الليزر ومقدار تلف الأنسجة الطبيعية لتحديد مقدار الجرعة الفعالة من هذه الأشعة على الخلايا الخبيثة، ولقد عرفت خاصية مركب الفوتوفرين - 2 في عدم اختراقه للحاجز الطبيعي بين الدم والمخ، لكنه يستطيع ذلك عند وجود ورم خبيث داخل المخ، ويصل تأثيره على أنسجة الورم الخبيث في المخ نحو عشر مرات ما يحدث في الأنسجة الطبيعية، وهذا يعني فائدته في علاج الأورام الخبيثة في المخ، ويتركز تأثيره الرئيسي على الجذع الوعائي Vascular stroma المسئول عن توفير الدم لأنسجة الورم، وتستمر جهود العلماء لتطوير هذه التقنية الحديثة لعلاج السرطان، واستعمل بعضهم أخيرا مركزا آخر حساسا لأشعة الليزر يمتص كمية تزيد 20 مرة أو أكثر قوة امتصاص مركبات البورفيرين مما يجعل تأثيره متخصصا بدرجة أكبر على الخلايا الخبيثة، وتوفر هذه الطريقة الجديدة فرصة جيدة للأطباء لتطوير وسيلة سهلة وفعالة، ونتائجها مشجعة لاستعمالها على نطاق واسع في علاج مرض السرطان.

وهكذا يبدو أن الإنسان يتنبه شيئا فشيئا إلى ضرورة استخدام منجزات العلم في إزالة آلام البشرية، لا التسبب في مزيد من الألم. فالليزر الذي أعيا أباطرة الصناعات العسكرية لاستخدامه في الحروب يتقدم ليشغل مكانه الخير في ساحة الطب الحديث.

 

محيي الدين لبنية

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات




الليزر العامل في مجال الطب هل يوجه ضرباته للسرطان أيضا؟





عينة من سرطان الثدي تنتظر العلاج





سرطان الرئة الذي تظهره الأشعة هل يصل إليه الليزر؟