تاريخ كمبردج للأدب العربي الحديث حمدي السكوت

تاريخ كمبردج للأدب العربي الحديث

إعداد: الدكتور محمد مصطفى بدوي

صدر أخيرا عن جامعة كمبردج المجلد الرابع في سلسلة: تاريخ كمبردج للأدب العربي وهو المجلد الخاص بالأدب العربي الحديث والذي قام بإعداده الدكتور محمد مصطفى بدوي الأستاذ بجامعة أكسفورد. واشترك معه فى كتابة فصوله عشرة باحثين وباحثات من جامعات مختلفة.

صدر المجلد بقائمة تاريخية مفيدة لأهم الأحداث التي وقعت في الوطن العربي منذ أواخر القرن الثامن عشر وحتى إجلاء الجيش العراقي عن الكويت في عام 1991. كما تصدرت المجلد أيضا خارطة لأقطار الوطن العربي موضحا بها عدد السكان في كل قطر منها باستثناء موريتانيا والصومال وجيبوتي، ربما لعدم إسهام أبنائها في الأدب الحديث إسهاما يعتد به، ولكنها أيضا لم تشر إلى فلسطين ولا إلى سكانها مع أن قصاصيها وشعراءها قد خصص لهم حيز ملائم في فصول الكتاب المختلفة.

والكتاب يبدأ بمقدمة للدكتور بدوي توضح الخلفية التاريخية لفترة النهضة في الوطن العربي، ثم بفصل تمهيدي آخر عن حركة الترجمة والاقتباس من عام 1834 إلى عام 1914 يقدمه المستشرق الكبير الدكتور بيير كاكيا الأستاذ بجامعة كولومبيا.

الشعر العربي

ثم يبدأ الحديث عن الشعر العربي، الذي خصص له المجلد ثلاثة فصول: أولها عن شعراء المدرسة الكلاسيكية، يقدمه المستعرب الإسرائيلي ساسون سومخ الأستاذ بجامعة تل أبيب، وثانيها عن الشعراء الرومانتيكيين، ويقدمه المستعرب البريطاني روبن أوسل، الأستاذ بجامعة أكسفورد، وثالثها عن شعراء التجديد كتاب الشهر وتقدمه الشاعرة الفلسطينية سلمى خضراء الجيوسي.

كما يخصص الكتاب للرواية ثلاثة فصول أيضا، أولها عن بدايات الرواية العربية حتى صدور رواية زينب للدكتور هيكل عام 1913، وثانيها عن الرواية العربية، بعد نضجها، في الأقطار العربية خارج مصر، ويقدم الفصلين الدكتور روجر ألين الأستاذ بجامعة بنسلفانيا. ثم تقدم المستعربة البريطانية: هلري كلبترك الأستاذة بجامعة برن، الفصل الثالث الخاص بالرواية في مصر منذ عام 1913 وحتى عام 1980.

أما القصة القصيرة فيقدمها الباحث المصري الدكتور صبري حافظ الأستاذ بجامعة لندن. وأما المسرحية فيخصص لها فصلان، الأول للدكتور بدوي عن بدايات المسرحية - من مارون النقاش حتى عشرينيات هذا القرن- والثاني للناقد المصري الكبير الدكتور علي الراعي الذي تغطي دراسته المسرحية في الوطن العربي منذ الثلاثينيات وحتى الآن.

ويختم الكتاب بأربعة فصول، أولها عن "الأسلوبين" أي كتاب النثر الفني بدءا من كتاب "الإنشاء" للشيخ حسن العطار، ومرورا بالرافعي والمنفلوطي ومي زيادة وطه حسين وغيرهم، وثانيها عن "النقاد"، وهذان الفصلان يقدمهما الدكتور كاكيا.

أما الفصلان الأخيران فيدور أولهما حول "أدب المرأة العربية"، وتقدمه المستعربة الأمريكية مريام كوك الأستاذة بجامعة ديوك. ويدور ثانيهما حول "الشعر العامي" وتقدمه المستعربة الأمريكية مارلين بوت، الأستاذة بجامعة الينوي. ثم يختم الكتاب بالمراجع والفهارس.

حيز ضيق رغم ضخامته

والكتاب الذي يغطي كل هذه الموضوعات يقع في أقل من ستمائة صفحة من القطع المتوسط. وهو حيز لا يساعد على تحقيق ما تطمح إليه دراسة مرجعية كهذه من شمول وإحاطة. ولست أدري لماذا تخصص جامعة كمبردج أو قسم النشر بها مجلدا واحدا للأدب العربي الحديث بكل أشكاله الأدبية والنقدية، على تنوعها وثرائها وعلى امتداد مائة وخمسين عاما أو يزيد، مع أن نفس الجامعة قد خصصت في سلسلتها عن تاريخ الأدب الإنجليزي مجلدين كاملين- على سبيل المثال- لفزة لا تتجاوز سبعة عشر عاما فقط من تاريخ هذا الأدب وهي الفترة من 1815 إلى 1832.

وقد أدى تقليص حجم الكتاب على هذا النحو إلى سلبيات مختلفة، منها على سبيل المثال ما يخبرنا به الدكتور بدوي في مطلع الكتاب من أنهم اضطروا إلى حذف الهوامش كلية من عدد من فصول الكتاب! ومنها أن الدكتور صبري حافظ يكتفي أو يضطر- فيما يبدو- إلى مجرد ذكر أسماء مائة من كتاب القصة القصيرة، ومنهم في مصر مثلا أهم عشرة قصاصين من جيل الستينيات في رأيه وهم: سليمان فياض ومحمد حافظ رجب وعبدالحكيم قاسم وبهاء طاهر وإبراهيم أصلان ومحمد روميش ومحمد البساطي ومحمد مستجاب ومجيد طوبيا ويحيى الطاهر عبدالله ومحمد مبروك وجمال الغيطاني.

أما القصاصون العرب التسعون فمن بينهم أسماء كبيرة كالطيب صالح والطاهر وطار وعبدالرحمن الربيعي وغالب هلسا وغيرهم. وهذه القائمة نفسها تجعل القارىء يتساءل: أكان من العدل لهؤلاء القصاصين وللدكتور حافظ أن يلقى على عاتقه وحده عبء دراستهم وتحليل أعمالهم، بالإضافة إلى الأجيال الكثيرة التى سبقتهم منذ العشرينيات وما قبلها، والتي تناولها هو أيضا بالدراسة؟.

ويبدو لي من تصفح هذا الفصل أن الدكتور صبري حافظ لم يكن يتوقع أن تكون هناك مشكلة حيز، وإلا كتب بشيء من التفصيل عن أدباء كثيرين مثل يحيى حقي وتوفيق يوسف عواد ومحمود البدوي وأبو المعاطي أبو النجا وكثيرين غيرهم. وفي ظني أنه لو كان يدرك مشكلة الحيز تماما لقدم الفصل على نحو أكثر توازنا.

والواقع أن ختام هذا الفصل بمجرد ذكر أسماء مائة قصاص ليعمق إحساس القارىء بشيء من فقدان التوازن الذي يبرز في جوانب من الكتاب، فالبدايات عادة تحظى بمساحات كبيرة، وبعض الفصول تبدو ترفا في سياق مشكلة الحيز هذه، فضلا عن أن بعض الباحثين يتوقف عند الخمسينيات والبعض عند السبعينيات، والبعض الثالث يتناول الثمانينيات وهكذا. ومسألة أخرى تفرض نفسها. على قارىء الكتاب. وهي التفاوت الواضح في المنهج وأسلوب العرض، فبعض المسهمين في الكتاب يتميزون بالموضوعية والحياد الأكاديمي على حين يتأثر البعض بالمذهب الاجتماعي الذي يعتنقه، أو بالقضية التي يتحمس لها، بل في حالات نادرة، بالعلاقة الشخصية، فضلا عن أن بعض الفصول تعكس وضوح الرؤية والقدرة على توصيل الرأي النقدي في اقتصاد لغوي يتلاءم مع مشكلة الحجم التي جابهت الكتاب والبعض الآخر يغرق في التفاصيل ويرهق قارئه دون أن يمنحه في النهاية صورة مبلورة ومميزة لوضع القالب الأدبي موضع الدراسة في الوطن العربي.

ولاشك أن القارىء يتوقع من مثل هذه الأعمال المرجعية أن تسود فيها نغمة منهجية متجانسة وأن تقل أو تنعدم فيها هذه الفوارق، كما أدى بُعد معظم المسهمين في الكتاب عن الساحة التي ينتج فيها هذا الأدب ويناقش إلى الوقوع في بعض الأخطاء التي تفاوتت ما بين ذكر تاريخ وفاة أديبة عربية كبيرة، مع أنها لا تزال حية ترزق وتنشر مقالا واحدا كل أسبوع على الأقل، أو غمط حق الدور النقدي البارز لبعض النقاد العرب الكبار، كالأستاذ محمود أمين العالم، الذي توقفت الدراسة عند نتاجه المبكر في أوائل الخمسينيات، حين كان متأثرا بعقيدته الاجتماعية، ولم تشر إلى تغير منهجه ولا إسهامه النقدي الغزير فيما تلا ذلك من عقود، وهو إسهام رائد وأصيل ومواكب لأساليب النقد المتطورة بأي مقياس.

وبعد، فعلى الرغم من الملاحظات السابقة، ومن كثير غيرها، فإن هذا المجلد المهم يسعد بظهوره كل مهتم بالأدب العربي الحديث. وهو وإن لم يقدم جديدا للمتخصصين- كما هو المتوقع من مثل هذه الدراسات- إلا أنه يجمع لهم بين دفتي كتاب واحد مسحا أكاديميا يوثق به لكل الجوانب والأبعاد التي تغطيها الدراسة، والتي ذكرت في مطلع هذه المراجعة.

أما الفائدة الحقيقية فيجنيها القراء الأجانب، بما أن الكتاب منشور باللغة الإنجليرية، كما يجنيها - في الوطن العربي- طلاب الدراسات العليا بصفة خاصة، إذ يوفر لهم الكتاب منطلقا جيدا لدراسات أكثر تخصصا وأكثر عمقا.

 

حمدي السكوت

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات




غلاف الكتاب