مساحة ود

مساحة ود

على حافة الطلاق

جاءت صديقتي لتقول لي إنها سوف تطلب الطلاق من زوجها. أضافت وهي تبكي قائلة إن حياتها معه قد أصبحت عذابا مستمرا وأنهما يختلفان حول أي شيء وكل شيء.

كنت أحاول أن أهدئها وأن أجعلها تعاود التفكير قليلا. ولكن كان من الواضح أنها قد اتخذت قرارها. لم يكن الأمر مفزعا مثل السابق فلم يعد الطلاق غريبا هذه الأيام. ومعدله يواصل الارتفاع يوما بعد يوم. وكما يقول بعض الساخرين فإن المأذون يزوج الناس يوما واحداً في الأسبوع ويظل يطلق فيهم بقية الأسبوع.

ولكن السؤال يبقى حائرا، ماذا عن الأطفال؟ هل هم الخاسرون؟ وإذا كان الأمر كذلك فإلى أي مدى تبلغ هذه الخسارة؟ وهل يمكن تلافيها؟.

لقد أجريت كثير من الدراسات حول مصير هؤلاء الأطفال الذين تتحطم أسرهم في سن مبكرة. ووجدت تلك الدراسات أن الطلاق يضع الطفل تحت ضغوط غير عادية تجعله باستمرار متأخراً في الدراسة عن بقية أقرانه الذين يعيشون في ظل أسر طبيعية. وقد وجد أنهم يتأخرون في سن القراءة حوالي 11 شهرا على الأقل بالإضافة إلى العبء الاجتماعي الذي يقع غالبا على الأم التي تصبح أكثر فقراً وبالتالي ينخفض مستوى حياتها وحياة أطفالها. ويؤثر هذا الانخفاض على الأبناء الذين يصبح تعليمهم أقل وينالون وظائف متدنية لا تتفق مع مستوياتهم الاجتماعية. أضف إلى ذلك أن نصف هؤلاء الأطفال لا يرون آباءهم بعد الطلاق أو يعجزون عن إقامة علاقات حقيقية معهم. وقد أثبتت الأبحاث أيضا أن هؤلاء الأطفال يبدأ سلوكهم السيء في الظهور حتى قبل حدوث الانفصال الفعلي بين الأبوين ثم يزداد سوءاً بعد حدوثه.

بعض الأمهات يضطررن لتغيير المنزل، وبعض الأطفال يضطرون للانتقال إلى مدرسة أخرى أو يتركون المدرسة نهائيا، وبعضهم يعاني المشاكل الجسمية مع الزواج الثاني لأحد الوالدين. بل ويضطرون للمرة الثانية لتغيير المنزل والمدرسة. وهم خلال هذه المرحلة الشاقة يفقدون الكثير من الألفة والاستقرار، والزمالة، بل ويفقدون طفولتهم أيضا. ولكن ماذا لو كان الزواج مليئاً بالمشاكل والخلافات المحتدمة، هل يمكن أن ينتج أطفالا أفضل من أطفال الطلاق؟. الدراسات تقول أيضا حتى في هذا الوضع فإن مصير الأولاد أفضل من أولاد الطلاق.

إنه موقف أخلاقي في أساسه الأول، ويجب ألا يتخذه أحد الأبوين بناء على مواقفه الشخصية. فحسابات الزواج كمؤسسة اجتماعية معقدة جدا وتزداد نسبة التعقيد فيها عندما يكون هناك أولاد. هل يمكن أن يطرح المستقبل أشكالا جديدة لا يكون للأب فيها تلك اليد الطولى وأن تشعر فيها المرأة بحريتها في إطار الأسرة وألا يدفع الأطفال ثمن خلافات لا شأن لهم بها؟.

صديقتي مازالت تبكي، هل هناك حل لزواج مدمر غير الانفصال؟. أجل، الحل أن نتخلى قليلا عن إحساسنا المفرط بالذات، وألا نغرق في بحر الأنانية المدمر.

 

راوية جمال الدين

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات