في عام 2004،
سيحتفل العالم بذكرى مرور عشر سنوات على ظهور عائلة جديدة من الأدوية - هي مقويات
الإدراك. وتعتبر هذه "الأدوية الذكية" بمثابة نقطة الانطلاق نحو علاج يؤدي إلى
تحسين الذاكرة والذكاء في ظرف عشر سنوات. وكانت هناك مصاعب عدة تواجه قدرة هذه الأدوية على إثبات
جدارتها. لكن بعد عقد من البحوث والتجارب المعملية المتكررة، نزل إلى الأسواق أخيرا
عقار COGNEX من إنتاج شركة وارنر لامبرت في
الولايات المتحدة. وهذا العقار مخصص لعلاج مرضى الزهايمر (وهو من أمراض تدهور
القدرات الذهنية وغير معروف السبب ويؤثر على الجهاز العصبي المركزي، ومن أعراضه
التشوش وعدم استقرار المشاعر والتدهور العقلي المتواصل). وقد أقنع العقار أكثر
الأوساط محافظة في الدوائر الطبية والتشريعية بإمكان تحسين قدرات الذاكرة والإدراك
بوسائط كيميائية. وسيفتح هذا الباب أمام 182 عقارا آخر لتقوية الذاكرة تنتظر
الترخيص الآن وفقا لما ذكرته مجلة سكريب الطبية. ويعاني مرضى الزهايمر كما هو معروف
من العجز الذهني نتيجة لنضوب بعض المركبات الكيميائية الحيوية المخية. وترمي مقويات
الإدراك إلى دعم هذه الناقلات العصبية- NEU ROTRANSMITTERS، وبالتالي استعادة الذاكرة والقدرة على التركيز. ويزيد
عقار كوجنكس من مستويات الاسيتيل كولين، وهي مادة أساسية بالنسبة لتكوين الذاكرة.
لكنه يؤدي إلى بعض الآثار الجانبية، إذ يتزايد أيضا مستوى الاستيلكولين في بقية
الجسم، الأمر الذي قد يسبب تلف أعضاء حيوية أخرى مثل الكبد.
لذا يجري تطوير جيل
جديد من هذه العقاقير ليكون تأثيره أكثر دقة. فعقار الأوندانسترون - ON
DANSETRON، الذي تجربه شركة جلاكسو، يعمل على زيادة
مستوى السيروتينين SEROTONIN وهو ناقل عصبي
حيوي آخر للإدراك، من خلال العمل في مناطق معينة في المخ، وهو ما يقلل الآثار
الجانبية إلى أبعد الحدود. ويتم اختباره الآن على مصابين بمرض الزهايمر ومجموعة من
رجال الأعمال المتوسطي العمر الذين يشتكون من فقدان متزايد للذاكرة. وقد أدركت
شركات الأدوية أن هناك استخداما آخر لاختراعها الفريد.
فإعطاء مقويات
الإدراك ذات الآثار الجانبية المحدودة لأناس من غير المصابين بالعجز الذهني سيؤدي
لا محالة إلى رفع مستوى ذكائهم. وفي نفس الوقت، تنكر بعض الدوائر الطبية القدرات
الخاصة لمقويات الإدراك، فهي تفترض أننا لم نفهم الإدراك بعد لكي نعبث به، وأن المخ
النموذجي لا يمكن أن يتحسن لمجرد أن نلقي فيه ببعض "المفاتيح
الكيميائية".
لكن ما هو هذا
"المخ النموذجي"، وإذا كان شديد التعقيد بحيث نعجز عن فهمه أو قياسه، فكيف نعرف أنه
لن يتحسن إذ إن المخ عندما يفقد خلاياه النشطة، مع التقدم في السن، يعوض ذلك بتحسين
الاستراتيجيات الفكرية. ويمكن تحسين الذاكرة "النموذجية" من خلال الاستعانة بفن
تقوية الذاكرة، وهي طريقة صناعية مثلها في ذلك مثل المواد الكيميائية التي يمكن
ابتلاعها داخل قرص دواء. والسؤال الحقيقي هو لماذا نقوي المخ النموذجي؟ وإذا كان
بعض المعارضين يشككون في ذلك مستندين إلى اعتبارات أخلاقية، فهل سيقاومون أيضا
تقوية الإدراك من خلال الأساليب الصناعية الأخرى مثل التعليم والغذاء - وهي "مفاتيح
كيميائية" أخرى إذا كان هناك فعلا مفاتيح كيميائية. وربما تنضم الأدوية الذكية هذه
إلى قائمة المركبات الثمينة التي تقوم بأعمال جليلة رغم عدم فهمها جيدا.
بيئة
الرياح تكسب في العام القادم
ستصل الكهرباء
المولدة من الرياح إلى سن الرشد في العام القادم.وعلى الرغم من أن طرح الفكرة منذ
عدة عقود كان كافيا لإثارة السخرية والاستهزاء، إلا أن الوضع تغير تماما اليوم. ومن
المتوقع أن تصبح طاقة الرياح هي أكثر مصادر الكهرباء رخصا واستعمالا.
وبحلول هذا العام
(1994)، ستصل كمية الكهرباء المولدة من الرياح إلى 2650 ميجاوات، تستغل الولايات
المتحدة وحدها 70% منها، أي كمية تكفي لسد حاجات سكان بوسطن وواشنطن معا. وتشتري
شركة كهرباء وغاز الباسيفيكي كهرباء مولدة من الرياح أكثر من غيرها من الشركات في
وقت الذروة في الصيف، وتستمد الشركة 7% من إنتاجها من الكهرباء المولدة من
الرياح.
وتؤكد لجنة الطاقة
في ولاية كاليفورنيا أن الرياح ستصبح المصدر الأكثر اقتصادا لتوليد الكهرباء مع
نهاية التسعينيات ولتقريب الأمور إلى الأذهان، فإن تكلفة إنتاج الكيلووات/ ساعة في
المحطة الجديدة المدارة بالفحم كانت 7 سنتات في عام 1980، بينما كانت تكلفة إنتاج
الكيلووات/ ساعة من الرياح حوالي 30 سنتا. وفي عام 1991، كانت تكلفة إنتاج
الكيلووات/ ساعة في المحطة المدارة بالفحم 10 سنتات، بينما انخفضت تكلفة الكيلووات/
ساعة المولد من الرياح إلى 6.5 سنت فقط. ومن المتوقع أن تنخفض التكاليف بمقدار
النصف في السنوات العشر القادمة. ويتوقع خبراء معهد وورلد ووتسن أنه يمكن لطاقة
الرياح توفير 10% من كهرباء العالم بحلول منتصف القرن القادم.
وفي أوربا، تخطط
الجماعة الأوربية لتوليد أربعة آلاف ميجاوات باستخدام الرياح بحلول عام 2000 ومائة
ألف ميجاوات بحلول عام 2030 وهو ما يعني استثمار 3.1 مليار دولار في سوق الكهرباء
المولدة من الرياح في السنوات السبع القادمة.
وسيؤدي هذا إلى خلق
فجوة تنافسية جديدة بين الدول التي تمتلك طاقة الرياح الكافية لتوليد الكهرباء وبين
تلك التي لا تمتلك هذه الطاقة.
وتتمتع بريطانيا
بأكبر قدرة على توليد الطاقة من الرياح بين بلدان الجماعة الأوربية، على الرغم من
أنها تتقدم ببطء على مضمار الاستفادة منها. كذلك تحتفظ الصين والهند والمكسيك
بثروات ضخمة من هذه السلعة غير المرئية. وتعتبر الدول النامية هي المستفيد الأكبر
من عملية تطوير الاستفادة من هذه الطاقة. إذ إن الطلب على الكهرباء يزداد فيها
بمعدل 7% سنويا، بينما لا تتجاوز هذه الزيادة 2% سنويا في البلدان
المتقدمة.
ويقول جون كونز،
رئيس شركة نيو وورلد باور، إن الانخفاض الكبير في تكلفة الكهرباء المولدة من الرياح
يعود في المقام الأول إلى "التحسن الذي طرأ على تكنولوجيا توربينات الرياح وعلى
أساليب ترتيبها وتشغيلها". فبحوث التوربينات تركزت في عقد الثمانينيات على
التوربينات الضخمة القادرة على إنتاج 5 ميجاوات لكل منها. لكن المشكلة أن هذا النوع
من التوربينات غير عملي اقتصاديا. وقد أثبتت توربينات الرياح الصغيرة كفاءتها
العالية. كيلووات لأنظمة الطاقة في المناطق النائية في أنحاء مختلفة من
العالم.
أما على المستوى
البيئي، فإن الكهرباء المولدة من الرياح هي الأنظف بكل المقـاييس. ففي ولاية
كاليفورنيا، وفرت محطات توليد الكهرباء من الرياح انبعاث أكثر من 2.8 مليار رطل من
غاز ثاني أوكسيد الكربون في عام 1991، كما أنتجت كهرباء تعادل طاقتها طاقة 4.8
مليون برميل من النفط هذا العام.
لكن بعض أنصار
البيئة ينظرون إلى الموضوع من زاوية مختلفة. فمحطات توليد الكهرباء من الرياح تقتل
الطيور وتشوه بقبحها جمال الطبيعة. وعلى الرغم من تباين وجهات النظر، تظل الحقيقة
الساطعة هي أن حلم الأمس قد أصبح حقيقة اليوم. وتبشر الكهرباء المولدة من الرياح
بأن تكون بديلا اقتصادي لمصادر الطاقة القابلة للنفاد، مثل البترول
والفحم.
تكنولوجيا
قطار إلكتروني تحت الماء
في السابع من هذا
الشهر سيشهد العالم افتتاح المرحلة الأولى من خط السكك الحديدية داخل أطول نفق تحت
مياه البحر، وهو النفق الأوربي تحت مياه بحر المانش ما بين بريطانيا وفرنسا، وينتظر
افتتاح المرحلة الثانية من هذا الخط في مايو القادم.
يبلغ الطول المنتظر
لهذا الخط حوالي 200 كيلو متر، وتستخدم في إدارته والإشراف عليه أكثر أجهزة
الكمبيوتر تطورا، بحيث تستطيع هذه الأجهزة رصد أي خلل طارىء في عمل القطار وبسرعة
فائقة.
ويتم عرض كامل
الصورة لمسار القطار وحركته وحركة أي جسم غريب في مجاله، على شاشة كمبيوتر ضخمة
طولها 100 قدم وارتفاعها 20 قدما ويراقبها فريق من خبراء الكمبيوتر على مدار 24
ساعة دون توقف.
إضافة إلى ذلك
فستكون وتستخدم اليوم توربينات تنتج 100 هناك أجهزة أخرى متطورة لمراقبة النفق
تحملها سفينة خاصة ترابط على الساحل البريطاني في مدينة فوكستون وبها شاشة كمبيوتر
مماثلة للشاشة الأولى.
أما الصورة على
شاشتي المراقبة فسترسمها أضواء خضراء تمثل ثمانية أرصفة، بينما الأضواء الحمراء
تحدد مواقع الخلل أو الحرائق بدقة بالغة، مع مجموعة قليلة من المفاتيح للإنذار
الدقيق في حالات الطوارىء.
سيسير القطار بسرعة
160 كيلو مترا في الساعة قاطعا المرحل داخل النفق خلال 35 دقيقة، وسيتألف القطار من
132 عربة يمكن تحميلها جميعا خلال 8 دقائق.
ومن الجدير بالذكر
أن هذا المشروع ستكون تكلفته الإجمالية حوالي 12 بليون جنيه إسترليني.
عمارة
أبراج المستقبل.. آسيوية!
تقول الحقيقة
العلمية إن البناء كلما ازداد ارتفاعا ازدادت مشاكله، وينطبق هذا بالطبع على ناطحات
السحاب، فالبناء يصبح أثقل كلما ازداد طوله. وبدون اتخاذ إجراءات وقائية دقيقة
ومفصلة، تتعرض ناطحات السحاب للتمايل مع الرياح على نحو مرعب. وتتمثل المشكلة
الحقيقية في المصاعد التي يجب أن تخدم ذلك الأنبوب العمودي البالغ الطول الذي قد
يصل ارتفاعه إلى ربع ميل، وفي رفع إمدادات المياه والطاقة إلى قمة هذا الأنبوب
الطويل الضيق.. وهكذا، فإن المساحة المكتسبة نتيجة لصعود البناء إلى أعلى تفقد
لحساب سمك البناء والحيز الذي تشغله المصاعد والخدمات.
إن ناطحات السحاب
العملاقة قليلة العدد، وبالتالي فهي محط أنظار الجميع، وقد ظل برج سيرز في شيكاغو،
الذي اكتمل بناؤه في عام 1974، هو أعلى بناء في العالم كله، رغم أن الثمانينيات قد
حفلت بتدشين مشاريع لبناء أبراج أعلى في نيويورك وهيوستن وشيكاغو ودولي في
إنجلترا.
وتعود الجاذبية
الشديدة لناطحات السحاب (وربما السبب الوحيد لبنائها) إلى شموخها، وقدرتها على
تجسيد طموح الإنسان وقوته وعنفوانه، لذا كان من المنطقي أن تقدم نيويورك الفتية إلى
العالم في العشرينيات سلسلة من ناطحات السحاب العملاقة، وهو ما فعلته شيكاغو
ونيويورك في سبعينيات ما قبل صدمة النفط.. وفي الثمانينيات، شيدت فرانكفورت ولندن
أعلى وثاني أعلى بناءين في أوربا. وكان الاستثناء الوحيد لهذه القاعدة هو طوكيو
الحديثة، حيث يصعب بناء ناطحات السحاب في منطقة زلازل نشيطة.
والحقيقة أن اقتران
بناء ناطحات السحاب بالصعود الاقتصادي والاجتماعي يفسر انتقال مراكزها من نيويورك
إلى شرق آسيا، مع وجود بضعة براعم في أمريكا اللاتينية، فأعلى بناء في آسيا هو
سنترال بلازا وهونج كونج، الذي وصل ارتفاعه، بعد اكتمال بنائه في 1992، إلى 374
مترا، وهو يتفوق في ارتفـاعه على أعلى مبنى في أوربا. لكن هذا المبنى العملاق
سينتقل إلى احتلال المرتبة الثانية في الارتفاع في عام 1995 عندما يكتمل بناء برج
سكاي سنترال بلازا في جوانجو في الصين، الذي سيصل ارتفاعه إلى 402.5 متر. وقد وضع
المعماري سيزار بيلي، وهو أحد أشهر مصممي ناطحات السحاب في سائر أنحاء العالم،
مشاريع لبناء سلسلة من ناطحات السحاب العملاقة في مكسيكو سيتي، وبيونس إيرس،
وطوكيو، وفوكومكا، وكوالالمبور. ويظل أروع هذه المشاريع هو مشروع برجي بتروناس
التوأمين في كوالالمبور، المقرر اكتماله في 1996، ليحطم في آخر المطاف الرقم
القياسي لبرج سيرز. ويجيء هذا المشروع معبرا عن اقتران اقتصاد وطني نام ومتطور
(أكثر من 8 % معدل نمو سنوي في الأعوام الستة الماضية) بطموح شركة عملاقة ناجحة
ورغبة في تسجيل علامة بارزة. ويقول الدكتور ماهاتير، رئيس وزراء ماليزيا، الذي
ارتبط بالمشروع منذ بدايته، إنه يرى فيه رمزا لخطته الرامية إلى جعل ماليزيا قوة
صناعية كبرى بحلول عام 2020م.
وقد تستحضر
كوالالمبور صورة معينة في أذهان البعض، لكن برجي بتروناس سيغيران هذه الصورة
بالتأكيد. واللافت للنظر أن مهندسي المشروع يزعمون أن كسر الرقم القياسي كان على
هامش المشروع وأن العملاء لم يلحوا على ذلك. ويقول أحد مهندسي المشروع إن كل ما
أرادته شركة بتروناس هو "بناء شديد الجمال، لأنهم يدركون أن مبنى أعلى سيظهر خلال
السنوات الخمس أو العشر القادمة". وهكذا سيعتمد تنفيذ واجهات البرجين على الهندسة
الإسلامية مع إضفاء طابع إنساني على التصميم الداخلي للأدوار والمكاتب بحيث يسمح
ذلك بزوايا نظر رائعة للخارج.
وعلى نفس المنوال،
سيكتمل في عام 1996 تشييد مبنى البنك التجاري في شتوتجارت، وهو من تصميم السير
نورمان فوستر. وعلى الرغم من أنه صمم لكي يكون أعلى مبنى في أوربا، إلا أن مصمميه
يتحدثون عن تشكيل "عناقيد من الفراغ أقرب إلى القرية". إذ ستطل المكاتب على "حدائق
معلقة في الفضاء تتصاعد لولبيا حتى قمة البرج"، وستستخدم هذه الحدائق مصدر تهوية
طبيعيا أيضا.
ويقوم السير نورمان
أيضا بتصميم برج آخر في طوكيو، هو برج المائتي عام، سيضع كل الأبراج الأخرى في
الظل. ويقترن في هذا التصميم الارتفاع الشاهق - سيصل إلى ضعفي طول برج سيرز - مع
خلق مساحات كثيفة من الفراغ. وسيضم المبنى، الذي يوصف بأنه "بلدة صغيرة"، مساحات
للمعيشة والاستجمام ومكاتب ومتاجر.
ثقافة
ندوة حول الغزو العراقي للكويت..
هدفها العلم..
والموضوعية العشر القادمة".
يعقد في التاسع عشر
من هذا الشهر في الكويت وعلى مدى ثلاثة أيام ندوة مهمة يشارك فيها باحثون متخصصون
كويتيون وعرب هدفها تأليف كتاب يعالج موضوع الغزو العراقي للكويت وآثاره المدمرة
معالجة علمية موضوعية تكشف زيف المزاعم والادعاءات العراقية لغزو الكويت وتلقي
الضوء على النتائج السلبية للغزو العراقي على الكويت ومنطقة الخليج والمنطقة
العربية على المستويات الاقتصادية والسياسية والفكرية.
وقد بدأ الإعداد
لهذه الندوة منذ وقت مبكر حيث تشكلت لجنة للإشراف والمتابعة برئاسة الدكتور سليمان
العسكري الأمين العام للمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب انتهت فيه إلى تحديد
محاور الندوة وأسماء المشاركين فيها سواء الذين يقومون بتقديم الأبحاث أو بالتعقيب
عليها.
وسوف يشترك في هذه
الندوة جمع كبير من المفكرين العرب والمتخصصين. وسوف تجمع أبحاث هذه الندوة كي تنشر
في كتاب شامل ضمن سلسلة عالم المعرفة التي يصدرها المجلس الوطني للثقافة والفنون
والآداب بالكويت.
استئناف ضد الاستئناف
كان الزمن دائما
يعاند الروائي ويليام جاديس. ففي الخمسينيات ساعدت روايته الأولى "الإدراكات" على
تشكيل تيار أدبي عرف باسم "روائيو الكتابة الصعبة". وبينما استفاد من جهده كتاب مثل
بينكون وجاس وكوفر- كتاب تبنوا نفس الرؤى السوداوية وتخلوا عن أسلوب السرد الروائي
التقليدي- بقي هو في الظل نسبيا.
وبعد عقدين من
الزمان نشر روايته "جي آر". ومجددا، كان على قمة المنحنى. فقد كان فضح عالم رجال
الأعمال هو القصة المثالية في عقد الثمانينيات. لكن رواية جاديس ظهرت مع الأسف في
عام 1975.
وعلى الرغم من أن
النقاد استقبلوها استقبالا جيدا إلا أن مبيعاتها كانت هزيلة، وفي عام 1985، لاقت
روايته "قوطي النجار" نفس المصير.
والآن ينشر جاديس
رواية "أضحوكة من صنع نفسه"، وهي أهجوته لأساليب التقاضي الأمريكية، ولا يوجد موضوع
جاء في وقته مثل هذا الموضوع.
وهي رؤية متشائمة
للحياة الأمريكية الحافلة بالجشع والانتحال والانكباب على الذات.
لكن هناك بعض
الاضطراب في الرواية. صحيح أننا رأينا من قبل هذه "الشقلبات" الأدبية وسمعنا هذا
النوع من النكات كثيرا، إلا أن مستوى جاديس، الذي ساعد في تكوين هذا المنحى
الأسلوبي، لم يكن هو نفس أسلوبه الرفيع. فهناك كثير من الاستسهال في هذه الرواية.
وسخريتها تبدو غير مسموعة، وتداعياتها غير مبررة. ويحكى جاديس في هذه الرواية قصة
أوسكار كريز، الأكاديمي الذي يهوى الأدب ويسعى لدى إحدى شركات الأفلام لكي تنتج
مسرحية كتبها عن الحرب الأهلية. وتتراكم تعقيدات الرواية وتتراكم كذلك الدعاوى
المرفوعة أمام القضاء، التي يجري استئنافها دون توقف ودون حسم، وهي تبدأ بالإحباط
وتنتهي باليأس، وبينهما، نسيج مزركش من الحكي، ونجد أوسكار ومحاميه وأفراد أسرته لا
يكفون عن الثرثرة، لا ينصتون إلا قليلا ولا يتعلمون أبدا. وبين حين وآخر، يقحم
جاديس مذكرات قانونية ومقاطع من مسرحية أوسكار، "حدث مرة في أنتيتام".
وصفحة وراء صفحة،
يطالعنا الكثير من الكتابة العبقرية. فجاديس يمتلك قدرة رائعة على الإنصات للناس
وهم يتحدثون إلى بعضهم البعض. ويمكن محاكاة
حديث مندوب شركة تأمين أو الأحاديث الاجتماعية العابرة بدقة متناهية. وقرب النهاية، يصف حب قاض قديم للقانون واللغة: "لأنك
عندما تصل إلى هذه النقطة، فإن القانون هو اللغة قبل أي شيء، وأي حب آخر أفضل من
هذا يمكن أن يشغل الرجل طوال الليل" وهي واحدة من أفضل فقرات الرواية قربا من
القلب. لكن جاديس يشغل نفسه في معظم الرواية
بجعل أطراف القضية يبدون أغبياء وحمقى أو يضجرون القارىء بالألقاب المضحكة، مثلهم
في ذلك مثل شخصيات جوناثان ليفنجون سيجال. وكان جاديس، في مؤتمر الكتاب عام 1985،
قد أراد أن يميز أسلوبه عن أسلوب الروائية دانييل ستيل فقال "إنها تكتب كتبا بينما
أكتب أدبا" وكان من الممكن ابتلاع هذه العنجهية الشديدة لو كان جاديس قد قدم لقرائه
المزيد عن متاعبهم. لكن عندما تنتهي من
صفحات روايته الجديدة الخمسمائة وستة وثمانين ستتساءل هل فاز جمهور السيدة ستيل
بالجانب الأفضل من الصفقة؟.
رياضة
أميرة الثلوج.. أفقر وأفضل!
صدم المهتمون
بالرياضة في العام الماضي عندما قام مهووس ألماني مغرم بلاعبة التنس الألمانية
شتيفي جراف بطعن منافستها اليوغسلافية مونيكا سيلش حتى تستعيد جراف صدارة لاعبات
التنس على مستوى العالم. وفي الشهر الماضي،
تابع عالم الرياضة بقلق بالغ جريمة الاعتداء على بطلة التزلج الفني نانسي
كيريجان. وكانت الصدمة الكبرى عندما حامت
الشكوك حول منافستها تونيا هاردنج (بطلة الولايات المتحدة لعام 1994) التي يشتبه
أنها وقفت وراء هذا الاعتداء من أجل إبعاد كيريجان (بطلة عام 1993 وصاحبة الميدالية
البرونزية في الأوليمبياد الشتوية في عام 1992) عن بطولة هذا العام وعن الألعاب
الأوليمبية الشتوية التي ستقام الشهر القادم. وبدا أن الوجه الجميل للرياضة سيتلطخ إلى الأبد بمسلسل
العنف والجرائم والمنشطات الذي اجتاح العالم أجمع طوال الفترة الماضية، وأن الرياضة
التي اخترعها الإنسان لتمجيد قيم الجمال والسرعة والقوة والرشاقة والمنافسة الشريفة
ستهوي إلى الدرك الأسفل وستستسلم لمكاتب المراهنات وصائدي الجوائز ووكالات
الإعلان.
لكن على الجانب
الآخر من العالم، تضرب الأوكرانية الصغيرة أوكسانا بيول، ابنة الستة عشر ربيعا،
مثالا من نوع آخر. فهي بطلة العالم الحالية
في التزلج الفني على الجليد والمرشحة للفوز بالميدالية الذهبية في الألعاب
الأوليمبية الشتوية المقبلة. وهي تتدرب في
منشأة رياضية فقيرة أرضيتها الثلجية هشة وغير مستوية. لكن تلك ليست هي المشكلة الوحيدة التي واجهتها، فعندما
كانت في الثالثة عشرة، فقدت أمها التي ماتت بعد إصابتها بالسرطان وكان والدها قد
ترك الأسرة عندما كانت في الثانية من عمرها. ولم يكن بجانبها طوال هذه الفترة سوى مدربها ستافسلاف
كوريتيك. وكان يقف إلى جانبها في جنازة
أمها. ويقول عن شعورها في تلك اللحظة:
"أحسست أنها تريد الانطلاق على الثلج. وكانت
أثناء التدريبات تتزلج وتبكي، تتزلج وتبكي".
وبعد عام واحد من
فقد أمها، أصيبت أوكسانا بخيبة أخرى. فمع
تدهور الاقتصاد الأوكراني، لم يجد مدربها بُداً من الهجرة إلى كندا حتى يعيل
أسرته. لكنه قبل أن يرحل سلم أوكسانا إلى
زميلته جالينا زمفسكايا. وهي مدربة قديرة
تولت تدريب فكتور بترنكو، الحائز على الميدالية الذهبية في الفردي في الألعاب
الأوليمبية الشتوية في عام 1992. واعتبرت
أوكسانا ابنتها الثالثة.
وسرعان ما قفزت
الفتاة الصغيرة من المرتبة الثانية عشرة في الاتحاد السوفييتي السابق لتحتل المرتبة
الثانية بين لاعبات أوربا كلها. ثم حققت قمة
مجدها في براغ. وهي تمتلك كل المواهب التي
تجعل منها أميرة الثلج: ساقان طويلتان، ورشاقة راقصي الباليه ووجه جميل.
وتؤدي القفزات الثلاثية بطريقة رائعة. وتقول إن سبب نجاحها يعود إلى إيمانها وإلى التدريب
المستمر. هي تصف نفسها بأنها "فتاة لا يمكنها أن تجلس ساكنة". ويساعدها، أصدقاؤها
في تصميم الأزياء التي تقدم بها عروضها، ويتدرب بترنكو على التزلج معها. بل إن
زمفسكايا نفسها تذهب إلى صالة التدريب مبكرة والجاروف في يدها لكي تنظف ثلج
الصالة. فلماذا يستمرون هناك بينما بالإمكان
اللجوء إلى بريق الغرب؟ وتعلق زمفسكايا على ذلك بقولها "نريد البقاء في
أوديسا. فلن نملك أبدا المال الذي نحتاجه
لشراء كل شيء في أمريكا. فهنا ينعم الراقصون
بالحرية، وهم أفقر وأفضل الراقصين في العالم كله".