المعذبون في الأرض كادوا يسقطون حكومة صاحبة الجلالة ملكة بريطانيا، وعلى مدى شهرين متواصلين، كنا نشاهد على شاشات التلفزيون، ونقرأ في الصحف وفي وكالات الأنباء الأجنبية عن هؤلاء المعذبين الذين شغلوا الرأي العام البريطاني، إلى حد أن رئيس الوزراء جون ميجور اضطر تحت ضغط المسيرات والتظاهرات الشعبية إلى إصدار قرار يحدد فيه حقوق الثيران في حياة لائقة وموت كريم!

الثيران هي ما يشغل بريطانيا، وما يهدد حكومة هذه الديمقراطية الأوربية العريقة، ومع أن حقوق الثيران في بريطانيا هي أعلى منها في أية دول أوربية، وخاصة في إسبانيا، إلا أن جمعية حقوق الحيوان الملكية ترى أن الثور البريطاني يتعرض لتعذيب وحشي، عندما يتم تصديره إلى أوربا، فهذا الثور المسكين يحشر في حاوية ضيقة على ظهر السفينة تمنعه من حرية الحركة، ولأن الرحلة تستغرق حوالي 17 ساعة فإن هذا الثور يقضي أحياناً حتفه بتأثير الضغوط النفسية (!)

هذا حرفيا ما تقوله الجمعية الملكية، وبالتالي فهي تقترح أن توضح هذه الثيران في حظائر واسعة أثناء نقلها تتيح لها التحرك بحرية.

أصحاب مزارع الثيران يرفضون الاقتراح، لأن الثور إذا تحرك بكثرة أثناء نقله فإن لون لحمه يتحول من الأبيض إلى الوردي، ومع أن البريطاني يجب اللحم الوردي، إلا أن باقي أوربا تحبه... أبيض!

أنا أفضل اللحم الوردي، لذلك فإنني مدمن على الثيران العربية لأنها تسرح وتمرح بحرية مطلقة، والفضل في ذلك يعود إلى جمعيات وروابط حقوق الثيران المنتشرة بكثافة على اتساع العالم العربي، وهذه الروابط تقيم الدنيا ولا تقعدها إذا أخطأ "صاحب المزرعة" وقرر مثلاً إطباق فم الثور لأن "خواره" يزعجه!.

وكنا في طفولتنا، إذا قررنا أن نشتم من يضايقنا، نقول له "يا ثور" ولكننا والحمد لله كبرنا وبلغنا سن الرشد، وصرنا نعرف بالخبرة والتجربة أن للثيران حقوقاً محفوظة، وفي طليعتها حقها في أن تسرح وتمرح، وإلا فإن الجمعية الملكية البريطانية سوف تقاضينا، وهناك قانون لتبادل المجرمين.

مع ذلك مازلت أتساءل عن مدى "علمية" الجمعية البريطانية عندما تقول إن بعض الثيران يقضي نحبه إذا حبسته 17 ساعة... فقط أعتقد أن في الأمر مبالغة، وإلا فماذا نقول عن شعوب بكاملها في بعض ربوع العالم الثالث محبوسة من 17 سنة على ذمة التوقيف الاحتياطي...

ومع ذلك فإنها لم تضرب حتى عن ..... الطعام!.