قصص على الهواء

قصص على الهواء
        

قصص لأصوات شابة تنشر بالتعاون مع إذاعة بي. بي. سي العربية
لماذا اخترت هذه القصص الخمس ؟
-------------------------------------------

  • قصة «هويّة حصان» لعلي غازي جدع «فلسطين»

          تتميز هذه القصة عن قريناتها المشاركة في المسابقة بالعديد من المزايا التي تؤهلها للتغريد خارج السرب، فهي قصة مكتوبة بوعي عالٍ، تقنية لغوية بارعة، وهي من القصص التي يتضافر في بنائها: ذكاء الفكرة، وحُسْن توظيف اللغة، والحس الدرامي. وبالرغم من كونها قصة ذات مسحة ساخرة في العموم، فإنها لا تقدم مفردات وجمل السخرية المباشرة، وهذا يدل على براعة القاص، إضافة إلى اختزان القصة للكثير من المقولات الجوانية المختبئة خلف اللغة المقننة والتكثيف العالي.

  • قصة «فتاة خضراء» لهشام الحاج بلال «السودان»

          هذه القصة تسير في تناسق سردي مقبول، وتمتلك أدوات القص، ويديرها الكاتب بمهارة، وذهن مستيقظ، وأكثر ما ينهض بالقصة هذه هو متانة الوصف، والقدرة على ملاحقة التفاصيل الصغيرة، التي تنقذ القصة من الوقوع في الثرثرة، ومما يؤخذ عليها الإكثار من الحوار العامي الذي يفقدها بعض الرصانة.

  • قصة «همس الجدّات» لوجيهة عبد الرحمن سعيد «سورية»

          فكرة القصة هذه بسيطة، ولها إيحاءاتها، ودلالاتها، فهي تعقد فضاءً لغوياً يمشي فيه نسقان متوازيان من المتقابلات:الجدة المسنة، والشجرة المعمرة من جهة، والصبي الشقي، والفأس من جهة أخرى، وضمن هذا التوازي تلوح فكرة الوجود والزوال الإنساني، من خلال الربط الضمني الإيحائيّ بين موت الاثنين:العجوز والشجرة.

  • قصة «لمسة حنان» لإكرام عجم أوغلي «سورية»

          تنتمي هذه القصة إلى نمط الواقعية المباشرة، حيث تقوم على رصد حدث حياتيّ مألوف، مُحاولِةً إضفاء مسحة وجدانية عليه، بشكل عام لغة القصة بسيطة لكنها سليمة، وغير فضفاضة، والقاصة قادرة بمزيد من القراءة، والتجريب، على الخوض أكثر فأكثر في الجانب الفني الذي يُخرِج الحدث الواقعي من مياومته إلى فضاء الإيحاء.

  • قصة «جنازة جسدي» لمحمد عباس علي «مصر»

          تبدو هذه القصة في السياق العام متماسكة البنية، وتستطيع مقاربة الموضوع، والوقوف على الحد الفاصل بين الواقع والخيال، وإن كان الموضوع هنا يستلزم شحن اللغة وتكثيفها أكثر، لغرائبيّة الموضوع، فالكثير من الجمل في هذه القصة ليست مواكبة للفكرة.

----------------------------
هويّة حصان
علي غازي جدع «فلسطين»

          ها أنا جاثٍ على قوائمي أنتظر أن يأتي فارسي النبيل وتستقر رصاصة الرحمة بين عينيّ.. تلتمع الدموع في عينيّ:

          «لم أكافئ برصاصة نارية بين عيني بعد خدمة عشرين سنة في سلك الشرطة.. أهو قدر النبلاء؟!»

          تعود بي الذاكرة  إلى بداية الدرب يوم كان فارسي النبيل يمسك برأسي بين يديه ويضع جبينه على جبيني ويقول: «أنت أجمل حصان رأيته في حياتي... سنمضي معاً في الأزقة نجمع الأدلة ونسلمها للمركز ليقوموا بتحليلها... لعل مهمتنا الأهم فمن دونها لا يتم تنظيف البلدة من أذى المجرمين أبداً، ويبقون طلقاء يبثون الذعر في نفوس الآمنين... أنت أنبل حصان تحرٍ وأنا أمهر جامع أدلة... أنت الأشرف بين الخيل، وأنا الأعلى بين الشرطة».

          وفي ذات يوم لمح فارسي الحيرة في عيني: «لم لا أبيت في إسطبل الشرطة مع أقراني من نبلاء الخيل؟! لم تتركني أبيت مع حمير البلدية في هذه الزريبة النتنة؟!»، وأدرك جامع الأدلة الخبير بما يدور في خلدي وأخذ يمسح خديّ بكفيه: «يا حصاني الجميل.. أخاف عليك إن تركتك تبيت مع خيل الشرطة أن يكيدوا لك ويقتلوك، أما الحمير هنا فلا يمكنها أن تطمح حتى لأن تنظر في وجهك... هنا أمان أكثر». وكنت أسمع الحمير حولي تقول دوماً: «يا لهذا المغرور... من يظن نفسه ؟!», وكان ذلك يغبطني فأنا أعرف من أنا حقاً، وأنا فخور بما أنا عليه: أجمل حصان تحرٍ في العالم.

          وفي صباح خريفي مررنا أمام إسطبل الشرطة وكنت أتحرق شوقاً لأرى ما بداخله لكنني فوجئت بصوت طلق ناري فتوقفت مذعوراً... شد صاحبي لجامي لأتبعه وقال: «إنهم يعدمون حصان شرطة عجوز، فبعد أن يشيخ الحصان ويمرض ويصير بلا فائدة ترجى منه تقوم الشرطة بإعدامه برصاصة الرحمة بين عينيه، ومن الشرف أن يقوم فارسه بتنفيذ ذلك».. ارتعد قلبي ذعراً وأدرك صاحبي بفراسته ما بي فابتسم وأخذ يمسح جبيني ويقول: «لا عليك... أنت ما زلت شاباً وفتياً.. ولن تعدم اليوم... ثم إني أعد لك مفاجأة سارة لن تعرفها قبل أن تهرم ويحين موعدك».

          طارت السنون العشرون كلمح البصر، وها أنا اليوم أنتظر رصاصة الرحمة بين عيني... ربما يكون في ذلك شرف كبير لي... بل ربما يكون ذلك منتهى الشرف... ربما ! بعد عشرين سنة في جمع الأدلة هنا وهناك في أزقة البلدة ودك المجرمين في غياهب السجون .. بعد عشرين سنة من الفخار والعظمة والشرف... ربما يكون ختام الشرف  رصاصة نبيلة في رأس نبيل ... ربما !؟

          ها هو فارسي النبيل يتقدم نحوي مبتسماً... ها هو يجثو على ركبتيه ويضع رأسي المتعب على فخذه ويمسح جبيني بحنان ويبدأ خطاب الوداع: «أزف لك البشرى... أنت لن تعدم اليوم بل إنك لن تعدم أبداً... فأنت حمار بلدية ولست حصان تحرٍ، وما أنا إلا عامل نظافة ولست جامع أدلة... مهلاً لا تدع هذا يحزنك فأنا لم أكذب عليك يوماً فلقد كنت تساعدني حقاً في جمع القمامة وتسليمها للمركز، وبهذا كنا نبعد الأذى عن المجتمع، وهذه المهمة تساوي بنبلها وشرفها مهمة الشرطي جامع الأدلة وحصانه... لكن الناس لا يرون الأمر بهذه الطريقة... لقد قلت لك إنك حصان تحرٍ ولم أقل إنك حمار بلدية لأجعلك تفخر بما تقوم به، وهو يستحق الفخر في الحقيقة، وقلت لنفسي إنني جامع أدلة ولم أقل إنني جامع قمامة لأكون فخوراً بما أفعل، وهو يستحق الفخر حقاً.

          وعملنا في الحقيقة كان أحسن من عمل الشرطة، فالشرطي قد يتعرض للقتل أما عامل النظافة فليس له أعداء ولا يفكر أحد بقتله، وحصان الشرطة سيأتي يوم ويعدم مهما طال به الزمن، أما حمار البلدية فيبقى في زريبته حتى النهاية يأتيه طعامه وشرابه حتى يموت بسلام.

          اليوم سأتركك هنا ترتاح وترتع في هذه الزريبة الآمنة وسآخذ حماراً فتياً لا يعرف من هو حقاً لأعطيه هوية حصان شرطة ... سيكون فخوراً كما كنت أنت فخوراً على مر السنين الفائتة... وداعاً يا صديقي ولاتنس أن تكون فخوراً بما كنته وبما أنت عليه الآن».

          أهذه هي الحقيقة إذاً..! أنا مجرد حمار بلدية أجمع القمامة وأرسلها إلى المركز... أكنت حقاً طوال عشرين سنة أجمع الفخار المحطم وبقايا العظام وقرف الناس ؟! كيف لم أنظر يوماً في الماء الذي أشربه لأرى صورتي الحقيقية ؟! أم الحقيقة لم كنت دوماً أغلق عينيّ متلذذاً كالحمار بشرب الماء؟! ها أنا في لحظة واحدة أهبط من أعلى نجمة في السماء إلى قعر أثر حافر حمار ذليل... يا لذل النهاية في مواجهة شرف البداية... يا لذل الحقيقة في مهب شرف الخيال!!!!!.

----------------------------
فتاة خضراء
هشام الحاج بلال «السودان»

          ليلة من ذات الليالي التي تعقب عادة ايامنا العادية جدا.. جدا جدا..

          تضرب في اكباد الارض شرقا.. غربا.. فوقا.. تحتا.. تبحث عن خشاشها فتعود: مضرجا بغبار الطباشير وبالتهاب العيون الوسطى وقرقرة في الصدر والسمع متورم.. ليس لك من صديق سوى مرتبة قطنية هزيلة تحملها ارجل سرير من عهود غابرة علاه الغبار.. وبالخط الاخير من نار جمرتك الخبيثة تشهر صوت مسجلتك بسيف الصوت الحبيب:

          (... - ولما بردت مين شلح الكنزة ولبسها لوردة؟
          - انا
          - ومين كان بدو يرمي حالو ع سطح البلدية كرمال وردة الجورية؟
          - انا..انا..)(1)

          عندها غمزك درب الحنين الذي بدأت السير فيه: اتذكر هذا الموضع من..

          - اتقصد..
          - ومن اقصد غيرها.. الم يكن هذا موضع قبلة؟!!.. قالها وهو يرقص حاجب عينه اليمنى بنشوة ضافر
          - لكنها كانت اجمل عبير الوردة
          - وهل كانت الوردة الا هي؟
          - بل كانت اجمل الورد.. او اجمل وردة

          كان الصبح يتباهي بتوقيت مطلعه مع استعارتها لـ(بنبر) امها عندما كانت تجلس لتعد الشاي فتقربه اقرب ما استطاعت من (حائط برلين)- فهكذا كنا نسمي الجدار الفاصل بين منزلنا ومنزلهم بعد ان كنا نفهم من حوارات الكبار ونشرات الاخبار انه جدار جائر شكل فاصلا بين جزئين لكيان واحد- كان توقيت الصبح دائما ما يتوقف على طلعتها التي تهل عبر الجدار وبكل انتهازية الحب تصيح: خالتي سعاد اصبحتي كيف؟
(سنرجع يوما الى حينا.. سنرجع مهما يمر الزمان وتنأي المسافات ما بيننا)(2) وسأعود لاكتب عنها هاهنا..
كان لنا مع ذلك الحائط حكايات وحكايات.. اذ كان اول شهود اشتعال حريق العشق كما شاركته هذا ايضا- فيما بعد- شجرة الجوافة في بيتهم والطريق الى المدرسة وحلويات حاجة نفيسة التي كانت تفترش بها الطريق.. وكان ايضا اول شهود النهايات ولكن لم يشهد معه كل هؤلاء..

          اذكر فيما بعد من سنوات عندما صرنا نسلك طريقين مختلفين في الصباح كل الى مدرسته وانا قد اصرت اكبر وانا ارتدي البنطلون الذي كنت تباهين به البنات وانت تسخرين من فتيان احلامهن: عمر دا منو يا انتي؟ دا مش الشافع البجي يستناك في ناصية الشارع وهو لابس الردا الكاكي.. هيء هيء هيء كمان حلات تقول ليك عمر.. دا تسميهو عموري يادي(3)..
في ذلك الوقت بدأت تصرين على وضع الطرحة على رأسك لتنسدل على صدرك.. وكنت قد اعتدت على الامساك بها والشد عليها لئلا تنزلق عن راسك ولا ان تكشف عن ثمرتين من الليمون بدأتا النمو على صدرك.. اذكر ان حائطنا كان حاضرا عندما انتبهت الى عادتك الجديدة في الاصرار على لبس الطرحة حتى داخل المنزل، وايضا الاصرار على التشبث بها بقوة.. ففي حين كنت تقفين على بنبر امك من الجانب الآخر وكنت انا قد صرت امتلك من الطول ما يغنيني عن طلب عون أي من قطع الاساس كنت قد سألتك مرة: انتي حكاية الطرحة دي شنو؟

          : انت مالك عليها؟..

          كانت قد خرجت من بين احمرار خديك وازدياد تشبثك بها كأنك تعلنين اني الآن قد اكتملت أنثي بكامل حر حيائي.. فكان لابد ان اكتمل ايضا رجلا بكامل حر وقاحتي..
          : كدي زحيها نشوف داسة تحتها شنو..
          : اسمع.. كان ما بطلت بياختك دي بنزل..
          : خلاص.. خلاص، سكتّ..لكن اقول ليك؟.. الداير اشوفو بشوفو كانت العبارة الاخيرة تتزامن مع التقاء رمش عيني الايسر الاعلى مع رمش عيني الايسر الاسفل مع بقاء العين اليمني مفتوحة وتزامنت ايضا مع قفزتك من على البنبر ويتدافع عبر عينيك مزيج الخجل والغضب بعد ان قذفت في وجهي بالعبارة:

          : ثقيل
          وكانت تشيعك ضحكاتي .. حتى انتبهت للقدر من الوقاحة الذي كان يملأ ماتفوهت به، ولكن.. (ما بطّال) ثم بدات تختمر في رأسي الخطة..
          كانت العادة عندما نجتمع عصرا نحن (اولاد الحلة) للعب الكرة ان نتوقف عند المغرب لنستمع الى موجز انباء الحفلات بالحي والذي كان يبرع بجمع اخباره وتقديمه ابو النيز اختصاصي الحفلات في حين كنا لا نستهلك الكثير من الوقت للتوجه الى الاتجاه المحدد.. (شطيّفة سريعة في ماسورة النادي والسفنجتو اتقطعت في الدافوري يربطها بي سير ويا الحفلة جاك كوم ضهب) .. كانت العبارة الاثيرة التي يختم بها ابو النيز موجز انباءه العاجلة.. وكان برنامجنا اليومي يتواصل هكذا غير اني ما كنت اكمل معهم سهراتهم حتى آخرها.. كان لابد من العودة قبل ان يغلق ابي الباب معلنا ان (الجوة جوة والبرة برة).. لكني ذلك اليوم كنت اضمر امرا..

          وبعد ان اكتمل عقدنا واكملنا حفلنا.. كان الوقت وقت العودة.. طلبت يسري في حديث بعيد عن المجموعة..

          : طبعا يا يسري انت عارف الحاج زي الوقت دا بكون قفل الباب وانا ما عندي مكان تاني امشي ليهو..

          يضحك يسري ضاربا بكفه على كتفي..
          : يازول ما في مشكلة الليلة تبيت معاي وبكرة ترجع عادي زي المافي حاجة..
          فارتسمت حينها راحة كبيرة على وجهي، هل لان يسري انقذني من التشرد في هذه الليلة التي تعمدت ان أتأخر فيها؟ ام لان يسري- وليس صدفة- هو اخ نسرين؟..

          كانت هنا ابتسامة درب الحنين تزداد اتساعا واتساعا وهو يرقص حاجبية بنشوة ظافر اذ عاد بي الى هناك بينما كنت استلقي على سريري بينما كانت فيروز تغني:
          وهديتني وردة خبيتها بكتابي
          ورجيتها لاصحابي 
          زرعتها ع المخدة(4)

          فقد كانت هدية الوردة.. وردة
          "..يا جمال دنيانا.. ياجمالها..
          الحبيب معانا يا جمالها.."(5)

          كانت الاذاعة تبث الاغنية وفاءاً او ربما احتفاءاً بموت مغنيها.. هذا هو ما يمكن ان يقال عن ظاهر الفعل ولكن كان عندي غير ذلك.. هل كان من قبيل الصدفة ان تتلاقى نوايا الاختيار العشوائي للاغاني وهذا النهر الذي تتدافع مياهه وتجري من تحتي وهي تهدر في وعيد ان "اياك ان تمس الماء والا..".. وما كنت ابالي..

          فعندما ابتل لن يهاب قلبي ان اغتسل تماما.. فيا هذا النهر ويا هذا الغناء.. الآن أذكر جيدا.. الآن بينما يغيب العقل في سكرته تمر فتاة بلون الزرع ولون الامل ولون ذات الحنين على ردهات الذاكرة.. تمر غير عابئ انا بالماء ولا النار..
          ان اغرقتني ايها الحنين او احرقتني.. فهذه اللحظة لها..

          كان منتصف الليل وقتاً ليس بالباكر للعودة الى المنزل.. وعنده كانت نسرين تغفو وهي تتوسد جناح الحلم ليطير بها الى سماء بعيدة او هكذا كانت تظن.. ولهذا كانت تنام وذراعيها مفتوحان كهيئة الاجنحة تعبيرا عن رغبتها في التحليق او املا في ان تتحقق هذه الرغبة.. هكذا رأيتها عندما دخلت مع يسري الى صالونهم..

          كانت نافذته تطل على الفناء حيث ينام بقية اهله وهي كانت تصر على ان تنام قرب شجرة الجوافة العتيقة معاندة بذلك كل نصائح وتوبيخات امها.. فقد كانت الشجرة تساعدها على الحلم.. او هكذا كانت تقول.. كان يسري قد دخل الى المطبخ ليحضر بعض الماء عندما كنت اقف قرب النافذة متصنعا تعليق القميص لتتاح لي فرصة تأملها وهي تنام بهذا الوضع الذي كثيرا ما سمعت امها تحكي عنه في تندر لتثير به استغراب امي.. كانت الاضواء التي تتسرب في تلك العتمة غير كافية الا لأرى ابتسامة كانت مرتسمة على شفتيها ولألحظ حركة خفيفة اعترتهما لتطمئنني انها كما تقول دائما تردد اسمي حتى وهي نائمة.. وقع خطوات يسري جذبني بعيدا عن النافذة ليبدأ لنتبادل حوارا قصيرا يعبر كل منا فيه عن ارهاقه ورغبته في النوم لنختمه بـ"تصبح على خير"..

          "..بصحا وبنام على طيفك.."(6)
في ذلك اليوم كان الرثاء هو كل ما استطيع ان اتفاعل به مع صاحب كلمات هذه الاغنية اذ لم انم تلك الليلة على طيفها وعندما صحوت ايضا لم اصحو على طيف..

          كانت هي حقيقة.. بعض الرثاء له..وربما بعض الشماتة ايضا.. هل كان اجمل من صباح اصحو فيه لاجدها امامي؟!!..
كانت عند ماسورة المياه في الفناء.. ترتدي غيمة من ندى الصباح تكشف بكل فخر عن استدارتي كتفيها الناعمتين الذي يفاخر ايمنهما بشامة داكنة تزينه وتمنحه تميزا خفيا.. وكذلك كانت الغيمة تكشف عن الروعة في ساقيها الذين كان ايمنهما ايضا يحمل آثار ذلك الجرح الذي نتج عن انحراف قدمها في يوم ما عن الاستواء على بنبر تحية الصباح مما استدعى ان تنغرس ابرة الجراح في ساقها مخلفة ثلاث عقد من الخيط الطبي.. كانت تعالج بيمناها انبوب معجون الاسنان لتخرج منه شيئا يكفي لتجلي به اسنانها وفي اليسرى كانت الفرشاة مستعدة لتقوم بمهتمها اليومية ومن داخل الصالون كنت ارقب باسما لغفلتها عني ولاني قد بررت بوعدي لها.. فقد كانت الغيمة التي تلفها اوهى من ان تتحدى انتفاضة الليمون تحتها.. هل كان هو ما عناه المغني عندما صدح متغزلا بـ"ليمون بارا"(7)؟..

          انهت جلاء وجهها لترتقي بنبرها المعتاد وتقف على الحائط مستدعية امي بتحيتها المعتادة غير عالمة بوجودي اقرب اليها مما كانت تظن.. عند نزولها مرت على حبل الغسيل لتحمل زيها المدرسي المغسول مساءا لتبدا بعدها في الاستعداد للقائنا عند ناصية دكان عبد العال قبل ان يفترق سبيل كل منا عن الآخر في طريقه إلى مدرسته.. ومن خلال الزجاج المكسور للباب الفاصل بين الصالون وصالتهم الداخلية كانت عيناي ترقبانها وهي تعد ملابسها للكي.. مدت بفستانها على الطاولة وباصبع مبتل حذر لامست سطح المكواة التي انذرتها عند التلامس بصوتها "تششش" فكان بمثابة رعد غلالة الغيم حولها.. وجرعت بعض الماء من الكوب واحتفظت به في فمها لتخرجه في هيئة رزاز يطري الفستان بعض الشيء..

          :يا اللاااااااه...
          كان كل ما يحدث اكبر من احتمالي.. فكان لابد من لحظة انفجار تعبر بعض الشيء عن الانبهار.. لتلفت في ذهول نحو مصدر الصوت فتلتقي عيناها بعينيي مسترقتي النظر عبر الباب الموصد و..
          "بوووووووووووووف"
          كان انفجار الغيمة بانهمار الرزاز على وجهي.. فاكتملت لوحة المطر..
          وكانطلاق البرق كانت قفزتي نحو النافذة المعلق فيها قميصي وانطلاقي بعدها نحو الشارع مباشرة نحو بيتنا.. لنتقابل وجها لوجه انا وابي وهو خارج لعمله..
          : كنت وين يا ولد؟!!
          : انا كنت مع يسري ولما الوقت اتأخر بتا معاهو..
          :...
          انصرف في طريقه وهو يهز رأسه في عجب متمتما: عيال آخر زمن..

          "قصوا دربي لقوهو باين
          ياناس.. انا ما سرقت.. 
          انا جيت اعاين"(8)
          (معذور انا لو قلبي اشتهاك..
          ما انت عارف فرقتك ما بيحملا القلب الهواك)(9)

          شروق جديد للشمس يدشن كدحا جديدا.. غير ان هذه البداية كانت خاملة ربما بعد كل الطاقة التي سلبها جهد سلوك درب يعرج بك على كل الابواب.. كانت خلف كل هذه الابواب.. يازمان كنت انت الابواب .. قد ظل بابنا الخارجي يحمل ذات اللون الذي اصررت عليه ذلك اليوم..

          : ماشي وين؟
          : ماشي المغلق اجيب بوهية.. اصلو ابوي قال لي اضرب الباب البراني
          : عايز تجيب ياتو لون؟
          : هو ماحدد لي.. لكن اقول ليك.. انتي عايزاهو ياتو لون؟
          : يعني لو قلت ليك اي لون بتجيبو؟
          : انتي عندك شك في كلامي دا؟
          : طيب انت مش بتقول انو انا خضرا؟
          : عايزاهو اخضر؟
          : لا.. ضلفة خضرا والتانية حمرا
          كنت انت الاخضر وكنت انا الاحمر فتوحدنا في الباب.. توحدنا عنوانا ومنفذا.. وانفردت انا بالعقاب.
--------------------
(1) من البوم (سهرة الحب) لفيروز ووديع الصافي ونصري شمس الدين
(2) من أغنية لفيروز
(3) لم تكن الشخصية الحقيقية تحمل هذا الاسم
(4) من اغنية "بكتب اسمك" لفيروز
(5) أغنية لابراهيم عوض (مغني سوداني)
(6) أغنية لا اذكر متى سمعتها او من يغنيها
(7) أغنية لعبد القادر سالم (مغني سوداني)
(8) أغنية سودانية صادقة جدا، احببتها
(9) أغنية لمحمد النصري (مغني سوداني)

----------------------------
همس الجدّات
وجيهة عبد الرحمن سعيد «سورية»

          لابدَّ أنَّهُ سليل العفاريتِ, هذا الشَّبح ُالصَّغيرُ, الذي لا ينفكُّ ينصبُ فخاخهُ....
           يذرُّ حفنةَ قمحٍ, تحتَ صحفة ٍ كبيرةٍ تنازلت ْعنها أمُّه, لأنَّها باتتْ باليةً لا تصلُح للعجن, وقد ثقَّبها من الأعلى ليربط بها خيطاً من القنَّب, رفعها بمزلاج من الخشبِ, ينزلق من الحافَّة العلوية للصَّحفة, فإذا ما سَحَبَ الخيطَ من موقعه حيثُ يختبئ, تُطبق الصحفة بكليَّتها, قابضةً على العصفور الذي سيتحوَّل مع عشراتٍ مثله إلى وجبة صغيرة لا تكفي لفرد ...
          هكذا تنعته الجدَّة التي تتوسَّد الكوَّة في أعلى الجّدار الأمامي لغرفتها, تراقبهُ خشية أن يقبض في أيَّة لحظة على عنق الفأس, وينهال على ساق شجرة الكينا في ساحة الدار...!!

          كمْ مرَّة أخفت عنه تلك الفأس, ولكنْ عبثاً كلُّ ذلك العناء في إخفائها, فحصاد ُالأرواح كان عملاً يوميَّاً يقوم به هذا الصَّبي...
          كيف ستنجو منه الشَّجرة العملاقة, بالرغم من أنّها هي التي تجلب له العصافير ليتصيَّدها....؟
          إلا أنَّه ربّما في لحظة ما سينكر عليها كلَّ ما قدَّمته وتقدِّمه (ظلَّها .. أنسها .. والطبقَ اليوميَّ...)
ربّما لن يحصل على تذكرة إلى الجنَّة, لآثام يديه الملوَّثتين بدم العصافير, وبغبار تلك الفأس....؟
ذات صباح توقفت الأحلام... أصبحت الجدَّة قطعاً مكسورة لا يمكن جمعها, وكادت عيناها تخرجان من محجريهما, حين تناهى إلى مسمعها صوتٌ مُدوٍّ أحدث الصوتُ جلبة, وهمهمة في ذاكرتها, كانت حينذاك جالسة وراء الموقد الذي أخذ يلتهم الحطب بنهم الجَّراد, حين يحطُّ أسراباً على حقل الذُّرة الصفراء....
 كان الموقد يلتهم الحطب, فتظل ألسنة النار مشرئبة... متبارية فيما بينها.

          كيف ستنهض وهي التي نالت منها السّنون, فدبَّ الألم في مفاصلها, بعدما كانت سيّدَة الهمَّة والنّشاط فيما خلا من الأيام.
نهضت بتثاقلٍ, وضعت على كتفيها شالاً من الكتَّان يقيها البردَ في ذلك الصَّباح المثلج.

          اندفعت إلى الباب المطلِّ على ساحة الدَّار التّرابية بمِشيتها البطيئة, وهي تتمتم كلاماً غيرَ مفهومٍ... ثمَّ شهقت بعلوِّ صوتها... بعدها احتُبِس صوتُها داخل حُنجُرتها, أرادت الاستغاثة ( بأمِّ روان ٍ) التي كانت تُعدُّ الشّوربة السّاخنة, جرياً على عادتها كل صباح شتائيٍّ, للقضاء على البرد, وبثَّ الدفء في الأوصال... 
          إنَّهُ يقضي عليها....
          نعم أخيراً تمكَّن منها...
          لقد قطع نصف السّاق...
          هذه العجوزُ لا تدري ماذا تفعل لتمنع الصبيَّ من متابعة قطعه لجذع الشّجرة, بدتْ كمن تعرَّض لهجومٍ مباغتٍ...
أتختبئ أم تحمل ما تستطيع حمله من منزل ذكرياتها.....
انعكستْ خُطُواتها... صارت تخطو خطوة ً باتِّجاه اليمين, تأتي الخطوة التالية باتِّجاه اليسار, وهكذا..
ثمَّ حوَّلت كلامها إلى روان العابث:
دعها وشأنها ...

          ألا تعلم بأنَّها... ثمّ َتقطَّع صوتها ... ابتلعت ريقها بصعوبة ...
          روانٌ لم يلتفت إليها, ولم يستجبْ لصراخها, ارتفع صوتها بالتوسُّل...!
          لكنَّ روانَ تابع الضَّرب بعنف, بالفأس على جذع الشَّجرة....
          كانتْ الأفعواناتُ تهمس في أذنِه سرَّاً.... أرادت له الوقوفِ على أرض الهلاك.
          بدا شديد التَّعب, لشدَّة ما انهال على جذع الشَّجرة الواقفة كالتِّنين يحرس التِّلال... 
          ربما انتظرتْ كل هذه السّنين, ليكون قدرها أن تموت سقوطاً من علوِّها على الأرض, التي شهدت تعاقب الفصول سنين َ طويلة, والآن ستغادرُ الدِّيار......
          بعد لحظاتٍ ستسقط, إنّها تعيش الآن ( الحالة الزَّرقاء) الحالة التي لا يفصلها عن الموت إلا أمنيةٍ أخيرةٍ, يُطلب من المحكوم عليه بالإعدام النُّطق بها قبل إسدال السِّتارة على ثوانيِّه الأخيرة, وزجِّه في حفرة الموت....!!!
          تهشَّم الجذع... وانفصل عن جزئه السّفلي الذي ظلَّ كالوتد المنغرس في بقعة ما...!
          تناثرتِ الشظايا, وأصدرت بسقوطها نشيجاً مدوِّياً للأوراق والأغصان التي نازعت طويلاً, لكنَّها استكانت أخيراً, مطبِقة أجفانها على صفحة السِّماء التي غادرتها السّحب فزعاً, وآخر ما سمعته كان زقزقة لعصافير تكاثفت أسراباً حداداً على سقوط عرشها...

          راقبت الجدَّة ذلك بصمتٍ, بعدما عجزت عن منعه من قتلها, مسحت الدُّموع المنهمرة من عينين خبا بريقهما...
ثم قالت:
          لا توجد عاصفة ًٌ ولا حوت ٌيعادلُ قلب الجبان ... وتابعتْ ولا ضمير ٌ جشعٌ يمتصُّ الماء كالإسفنج فقد أعماك جشعك, وسدَّ أمامك كل المنافذ المؤديَّة إلى النُّور....
          ولا تنسَ فإنّنا كلّنا في النّهاية نسافر وحدنا...؟

----------------------------
لمسة حنان
إكرام عجم أوغلي «سورية»

          قالت لي الممرضة مبتسمة: 
          الحمد لله هذا آخر مريض.
          - نعم الحمد لله فماأحوجني الى هذه البشرى بعد يوم متعب .
          لاأذكر كم شاهدت من المرضى ولكني أعلم أني بحاجة ماسّة الى استراحة قصيرة ولو لدقائق .... أغمضت عينيي بضع ثوانٍ وتنهد ت بعمق , تذكرت أولادي ..أبي وأمي ..... شمس بلدنا
الدافئة .. آه على اجازة اقضيها بينهم...

          كان ذاك اليوم مخصصا لاستقبال المرضى في العيادات الخارجية في مشفى ويست ميد لسيكس الجامعي غرب لندن ومع كونه دائم الزحام , الا ان هذا اليوم كان أكثرازدحاما بسبب اقتراب اعياد راس السنة , وكأن كل واحد من المرضى كان يأمل ويسعى لترك امراض العام الراحل خلفه، والتخلص من كل معاناة قبل حلول العام الجديد استقبلت مريضي الأخيرولاحظت عند دخوله أنه يعرج من شدة الآلم وتبدو آثاره واضحة على وجهه , كان في العقد السادس من عمره, طويل القامة, ممتلئ الجسم ,أشيب الشعر يضع يده على فخذه الايمن الذي يؤلمه , وكانه يحاول التخفيف من المه..

          رحبت به ، ثم دعوته للجلوس، وسألته عن شكايته , فأسهب في شرح معاناته ...... قلت له:

          متى بدأ الآلم ؟ قال:
          - منذ ستة أشهر ....صمت قليلا ثم تابع بصوت خافت: منذ أن
          توفيت زوجتي ...
          تهدج صوته واغرورقت عيناه بالدموع ...صمتنا كلينا... احسست بحاجته للكلام فشجعته قائلة له بلطف ورفق :
          - أنا آسفة فعلا , ولكن ...كيف حدث ذلك ؟
          بدأ الحديث عن حياته دون توقف, لم أقاطعه بل عدلت من
جلستي لاجعلها أكثر راحة ولاغتنم دقائق من السكينة ، ولأشعره
بأني مستعدة لسماعه، واكتفيت بنظرة اهتمام وهزة رأس مشجعة بين الفينة والاخرى ....

          -غادر الأولاد المنزل بعد بلوغهم الثامنة عشرة ,ولم نعد نراهم إلا نادرا وبقينا زوجتي وأنا نعاني من الفراغ الذي تركوه لنا لسنوات نعتاد حياة الوحدة هذه ........ طويلة , ولما بدأنا
أصيبت زوجتي بالسرطان ..

          امتلات عيناه بالدموع ....وسكت قليلا ....
          لم أقاطعه وتجمد ت في مكاني لكي أحافظ على عفوية اللحظة .....
          تابع : بعد صراع طويل مع المرض توفيت ..... وبكى.
          لم أتفوه بكلمة, انتظرت قليلا حتى استعاد رباطة جأشه وأكملت أسئلتي وأتبعتها بالفحص السريري, ثم وصفت له مسكنا للألم فقط, بانتظار نتائج الفحوصات المخبرية والشعاعية اللازمة التي طلبتها , وحددت له موعدا آخر بعد أيام .

          في صباح اليوم التالي
قالت لى صديقتي الأوسترالية التي تعمل معي في نفس القسم :
هناك من يسأل عنك.

          -عني أنا شخصيا ! مستحيل ! أنت تعلمين جيدا أنه لايوجد لي أقرباء هنا ولامعارف !

          - بلى, انه رجل كبير السن طويل القامة ممتلئ الجسم و.... 
          ولمحته قادما من بعيد ,انه مريض البارحة .......
          تهلل وجهه لرؤيتي واندفع نحوي راكضا -بدون ألم أو عرج - وأمسك بيدي وهزها بقوة وهو يقول:
          جئت خصيصا لأشكرك , أنا ممتن لك لأني شفيت تماما , لقد أعطيتيني دواء سحريا , شكرا لك ياابنتي...شكرا
رفعت صديقتي طرف حاجبها ونظرت الي باستغراب وتساءلت:
          ماذا يحدث هنا , هل اخترعوا دواء سحريا لاأعرفه أنا ؟
أجبتها بمنتهى الجدية : نعم ياعزيزتي ..انه بكل بساطة ....
          لمسة حنان.

----------------------------
جنازة جسدي
محمد عباس علي «مصر»

          عاشر يا أبن أدم مهما تعاشر ..هكذا قلت لنفسى بعد أن قفلت راجعا من آخر مراسم دفن جثتى ..لم يكن حزنا مابى ، فالأحزان ماعادت تؤثر كالسابق علّى ،لكنها العشرة والمعرفة الطويلة ، وأحداثا مرت وأحداثا عاصرناها معا فى الخيال ، وتمنينا أن لو تحققت ..أشياء كثيرة سرت أفكر فيها ، وأنا عاود التساؤل المرة تلو الأخرى ، عن كيفية الحياة الجديدة التى سأحياها بلا جسد ، وكيف تكون؟ على الأرض أم فى السماء ؟وأن كنت الآن أسير وأتحرك ، وأمضى قاصدا منزلى الكائن هناك على أطراف الصحراء ، حيث أخترت أن أقيم بعيدا عن ضوضاء المدينة ، وقلبها الذى أصبح معتما ..الروح على ماأعرف لاتسير، بل تطير أو نحو ذلك..

          وهى خفيفة.. أخبرتنا الأخبار عنها أنها لطيفة .. دخلت الجسد غصبا وتغادره غصبا .. لكننى لم يحدث لى أى من هؤلاء ! فأى الأرواح أنا ،شقى أم سعيد ؟..

          ارتطمت قدماى بحجر .. تألمت .. زاد عجبى ..هل الأرواح تتألم للمسة حجر ؟..أكملت سيرى قاصدا أن أعود الى البيت ، فأقصص روايتى على زوجتى ، وأسمع منها المفيد ، فهى رغم أنها تعليم متوسط وأنا تعليم فوق العالى بقليل أستمع لرأيها ، وأنفذه فورا ، ليس لخوفى منها ، ولا هو تحيز لها ، ولا قلة شخصية منى فأنا شخصيتى قوية جدا بشهادتها - شهادة زوجتى - ولكنه تعود تعودته منذ سنين .. إذا الّم شىء بى عدت اليها فأعطتنى المفيد ، وهكذا ..اكملت السير ..

          رأيت أعرابيا قادما على البعد ..قلت لن يرانى وهذا شىء طيب .. هؤلاء الناس لم يعد لديهم ماكان لهم طوال دهور طوال.. خاصة أيام الرسالة الأولى ..جاورنى الرجل .. قال :-

          - السلام عليك
          قلت متعجبا :-
          - أنت ترانى؟ 
          قال بهدوء واثق :-
          - نعم 
          قلت:-
          - كيف ؟ ..انا عائد لتوى من جنازة جسدى فكيف ترانى ؟
          تبسم الرجل العجوز عن فم أثرم ابتسامة هى الى البكاء أقرب وقال :- .. يابنى أنت لم تدفن جسدك بل روحك اهتزت المرئيات أمام عينى ..ورأيت وجهه يصير وجوها عديدة تحدق بى ..تحاصرنى ..تحصرنى فى زاوية تحت نظراتها ، لا أملك معها الا أن أصلب مقلتى على براح وجهه ، منتظرا المزيد ..قال:-
- ماآراه الأن أمامى جسد بلا روح تذكرت الحجر ..وسيرى على قدمّى وتساؤلى ..و.. قلت لنفسى لن أصدق ماقال الا حينما أعود الى البيت وأستوثق من زوجتى.

 

 

أديب حسن محمد