قصص على الهواء
قصص على الهواء
قصص لأصوات شابة تنشر بالتعاون مع إذاعة بي. بي. سي العربية
تتميز هذه القصة عن قريناتها المشاركة في المسابقة بالعديد من المزايا التي تؤهلها للتغريد خارج السرب، فهي قصة مكتوبة بوعي عالٍ، تقنية لغوية بارعة، وهي من القصص التي يتضافر في بنائها: ذكاء الفكرة، وحُسْن توظيف اللغة، والحس الدرامي. وبالرغم من كونها قصة ذات مسحة ساخرة في العموم، فإنها لا تقدم مفردات وجمل السخرية المباشرة، وهذا يدل على براعة القاص، إضافة إلى اختزان القصة للكثير من المقولات الجوانية المختبئة خلف اللغة المقننة والتكثيف العالي.
هذه القصة تسير في تناسق سردي مقبول، وتمتلك أدوات القص، ويديرها الكاتب بمهارة، وذهن مستيقظ، وأكثر ما ينهض بالقصة هذه هو متانة الوصف، والقدرة على ملاحقة التفاصيل الصغيرة، التي تنقذ القصة من الوقوع في الثرثرة، ومما يؤخذ عليها الإكثار من الحوار العامي الذي يفقدها بعض الرصانة.
فكرة القصة هذه بسيطة، ولها إيحاءاتها، ودلالاتها، فهي تعقد فضاءً لغوياً يمشي فيه نسقان متوازيان من المتقابلات:الجدة المسنة، والشجرة المعمرة من جهة، والصبي الشقي، والفأس من جهة أخرى، وضمن هذا التوازي تلوح فكرة الوجود والزوال الإنساني، من خلال الربط الضمني الإيحائيّ بين موت الاثنين:العجوز والشجرة.
تنتمي هذه القصة إلى نمط الواقعية المباشرة، حيث تقوم على رصد حدث حياتيّ مألوف، مُحاولِةً إضفاء مسحة وجدانية عليه، بشكل عام لغة القصة بسيطة لكنها سليمة، وغير فضفاضة، والقاصة قادرة بمزيد من القراءة، والتجريب، على الخوض أكثر فأكثر في الجانب الفني الذي يُخرِج الحدث الواقعي من مياومته إلى فضاء الإيحاء.
تبدو هذه القصة في السياق العام متماسكة البنية، وتستطيع مقاربة الموضوع، والوقوف على الحد الفاصل بين الواقع والخيال، وإن كان الموضوع هنا يستلزم شحن اللغة وتكثيفها أكثر، لغرائبيّة الموضوع، فالكثير من الجمل في هذه القصة ليست مواكبة للفكرة. ---------------------------- ها أنا جاثٍ على قوائمي أنتظر أن يأتي فارسي النبيل وتستقر رصاصة الرحمة بين عينيّ.. تلتمع الدموع في عينيّ: «لم أكافئ برصاصة نارية بين عيني بعد خدمة عشرين سنة في سلك الشرطة.. أهو قدر النبلاء؟!» تعود بي الذاكرة إلى بداية الدرب يوم كان فارسي النبيل يمسك برأسي بين يديه ويضع جبينه على جبيني ويقول: «أنت أجمل حصان رأيته في حياتي... سنمضي معاً في الأزقة نجمع الأدلة ونسلمها للمركز ليقوموا بتحليلها... لعل مهمتنا الأهم فمن دونها لا يتم تنظيف البلدة من أذى المجرمين أبداً، ويبقون طلقاء يبثون الذعر في نفوس الآمنين... أنت أنبل حصان تحرٍ وأنا أمهر جامع أدلة... أنت الأشرف بين الخيل، وأنا الأعلى بين الشرطة». وفي ذات يوم لمح فارسي الحيرة في عيني: «لم لا أبيت في إسطبل الشرطة مع أقراني من نبلاء الخيل؟! لم تتركني أبيت مع حمير البلدية في هذه الزريبة النتنة؟!»، وأدرك جامع الأدلة الخبير بما يدور في خلدي وأخذ يمسح خديّ بكفيه: «يا حصاني الجميل.. أخاف عليك إن تركتك تبيت مع خيل الشرطة أن يكيدوا لك ويقتلوك، أما الحمير هنا فلا يمكنها أن تطمح حتى لأن تنظر في وجهك... هنا أمان أكثر». وكنت أسمع الحمير حولي تقول دوماً: «يا لهذا المغرور... من يظن نفسه ؟!», وكان ذلك يغبطني فأنا أعرف من أنا حقاً، وأنا فخور بما أنا عليه: أجمل حصان تحرٍ في العالم. وفي صباح خريفي مررنا أمام إسطبل الشرطة وكنت أتحرق شوقاً لأرى ما بداخله لكنني فوجئت بصوت طلق ناري فتوقفت مذعوراً... شد صاحبي لجامي لأتبعه وقال: «إنهم يعدمون حصان شرطة عجوز، فبعد أن يشيخ الحصان ويمرض ويصير بلا فائدة ترجى منه تقوم الشرطة بإعدامه برصاصة الرحمة بين عينيه، ومن الشرف أن يقوم فارسه بتنفيذ ذلك».. ارتعد قلبي ذعراً وأدرك صاحبي بفراسته ما بي فابتسم وأخذ يمسح جبيني ويقول: «لا عليك... أنت ما زلت شاباً وفتياً.. ولن تعدم اليوم... ثم إني أعد لك مفاجأة سارة لن تعرفها قبل أن تهرم ويحين موعدك». طارت السنون العشرون كلمح البصر، وها أنا اليوم أنتظر رصاصة الرحمة بين عيني... ربما يكون في ذلك شرف كبير لي... بل ربما يكون ذلك منتهى الشرف... ربما ! بعد عشرين سنة في جمع الأدلة هنا وهناك في أزقة البلدة ودك المجرمين في غياهب السجون .. بعد عشرين سنة من الفخار والعظمة والشرف... ربما يكون ختام الشرف رصاصة نبيلة في رأس نبيل ... ربما !؟ ها هو فارسي النبيل يتقدم نحوي مبتسماً... ها هو يجثو على ركبتيه ويضع رأسي المتعب على فخذه ويمسح جبيني بحنان ويبدأ خطاب الوداع: «أزف لك البشرى... أنت لن تعدم اليوم بل إنك لن تعدم أبداً... فأنت حمار بلدية ولست حصان تحرٍ، وما أنا إلا عامل نظافة ولست جامع أدلة... مهلاً لا تدع هذا يحزنك فأنا لم أكذب عليك يوماً فلقد كنت تساعدني حقاً في جمع القمامة وتسليمها للمركز، وبهذا كنا نبعد الأذى عن المجتمع، وهذه المهمة تساوي بنبلها وشرفها مهمة الشرطي جامع الأدلة وحصانه... لكن الناس لا يرون الأمر بهذه الطريقة... لقد قلت لك إنك حصان تحرٍ ولم أقل إنك حمار بلدية لأجعلك تفخر بما تقوم به، وهو يستحق الفخر في الحقيقة، وقلت لنفسي إنني جامع أدلة ولم أقل إنني جامع قمامة لأكون فخوراً بما أفعل، وهو يستحق الفخر حقاً. وعملنا في الحقيقة كان أحسن من عمل الشرطة، فالشرطي قد يتعرض للقتل أما عامل النظافة فليس له أعداء ولا يفكر أحد بقتله، وحصان الشرطة سيأتي يوم ويعدم مهما طال به الزمن، أما حمار البلدية فيبقى في زريبته حتى النهاية يأتيه طعامه وشرابه حتى يموت بسلام. اليوم سأتركك هنا ترتاح وترتع في هذه الزريبة الآمنة وسآخذ حماراً فتياً لا يعرف من هو حقاً لأعطيه هوية حصان شرطة ... سيكون فخوراً كما كنت أنت فخوراً على مر السنين الفائتة... وداعاً يا صديقي ولاتنس أن تكون فخوراً بما كنته وبما أنت عليه الآن». أهذه هي الحقيقة إذاً..! أنا مجرد حمار بلدية أجمع القمامة وأرسلها إلى المركز... أكنت حقاً طوال عشرين سنة أجمع الفخار المحطم وبقايا العظام وقرف الناس ؟! كيف لم أنظر يوماً في الماء الذي أشربه لأرى صورتي الحقيقية ؟! أم الحقيقة لم كنت دوماً أغلق عينيّ متلذذاً كالحمار بشرب الماء؟! ها أنا في لحظة واحدة أهبط من أعلى نجمة في السماء إلى قعر أثر حافر حمار ذليل... يا لذل النهاية في مواجهة شرف البداية... يا لذل الحقيقة في مهب شرف الخيال!!!!!. ---------------------------- ليلة من ذات الليالي التي تعقب عادة ايامنا العادية جدا.. جدا جدا.. تضرب في اكباد الارض شرقا.. غربا.. فوقا.. تحتا.. تبحث عن خشاشها فتعود: مضرجا بغبار الطباشير وبالتهاب العيون الوسطى وقرقرة في الصدر والسمع متورم.. ليس لك من صديق سوى مرتبة قطنية هزيلة تحملها ارجل سرير من عهود غابرة علاه الغبار.. وبالخط الاخير من نار جمرتك الخبيثة تشهر صوت مسجلتك بسيف الصوت الحبيب: (... - ولما بردت مين شلح الكنزة ولبسها لوردة؟ عندها غمزك درب الحنين الذي بدأت السير فيه: اتذكر هذا الموضع من.. - اتقصد.. كان الصبح يتباهي بتوقيت مطلعه مع استعارتها لـ(بنبر) امها عندما كانت تجلس لتعد الشاي فتقربه اقرب ما استطاعت من (حائط برلين)- فهكذا كنا نسمي الجدار الفاصل بين منزلنا ومنزلهم بعد ان كنا نفهم من حوارات الكبار ونشرات الاخبار انه جدار جائر شكل فاصلا بين جزئين لكيان واحد- كان توقيت الصبح دائما ما يتوقف على طلعتها التي تهل عبر الجدار وبكل انتهازية الحب تصيح: خالتي سعاد اصبحتي كيف؟ اذكر فيما بعد من سنوات عندما صرنا نسلك طريقين مختلفين في الصباح كل الى مدرسته وانا قد اصرت اكبر وانا ارتدي البنطلون الذي كنت تباهين به البنات وانت تسخرين من فتيان احلامهن: عمر دا منو يا انتي؟ دا مش الشافع البجي يستناك في ناصية الشارع وهو لابس الردا الكاكي.. هيء هيء هيء كمان حلات تقول ليك عمر.. دا تسميهو عموري يادي(3).. : انت مالك عليها؟.. كانت قد خرجت من بين احمرار خديك وازدياد تشبثك بها كأنك تعلنين اني الآن قد اكتملت أنثي بكامل حر حيائي.. فكان لابد ان اكتمل ايضا رجلا بكامل حر وقاحتي.. : ثقيل وبعد ان اكتمل عقدنا واكملنا حفلنا.. كان الوقت وقت العودة.. طلبت يسري في حديث بعيد عن المجموعة.. : طبعا يا يسري انت عارف الحاج زي الوقت دا بكون قفل الباب وانا ما عندي مكان تاني امشي ليهو.. يضحك يسري ضاربا بكفه على كتفي.. كانت هنا ابتسامة درب الحنين تزداد اتساعا واتساعا وهو يرقص حاجبية بنشوة ظافر اذ عاد بي الى هناك بينما كنت استلقي على سريري بينما كانت فيروز تغني: فقد كانت هدية الوردة.. وردة كانت الاذاعة تبث الاغنية وفاءاً او ربما احتفاءاً بموت مغنيها.. هذا هو ما يمكن ان يقال عن ظاهر الفعل ولكن كان عندي غير ذلك.. هل كان من قبيل الصدفة ان تتلاقى نوايا الاختيار العشوائي للاغاني وهذا النهر الذي تتدافع مياهه وتجري من تحتي وهي تهدر في وعيد ان "اياك ان تمس الماء والا..".. وما كنت ابالي.. فعندما ابتل لن يهاب قلبي ان اغتسل تماما.. فيا هذا النهر ويا هذا الغناء.. الآن أذكر جيدا.. الآن بينما يغيب العقل في سكرته تمر فتاة بلون الزرع ولون الامل ولون ذات الحنين على ردهات الذاكرة.. تمر غير عابئ انا بالماء ولا النار.. كان منتصف الليل وقتاً ليس بالباكر للعودة الى المنزل.. وعنده كانت نسرين تغفو وهي تتوسد جناح الحلم ليطير بها الى سماء بعيدة او هكذا كانت تظن.. ولهذا كانت تنام وذراعيها مفتوحان كهيئة الاجنحة تعبيرا عن رغبتها في التحليق او املا في ان تتحقق هذه الرغبة.. هكذا رأيتها عندما دخلت مع يسري الى صالونهم.. كانت نافذته تطل على الفناء حيث ينام بقية اهله وهي كانت تصر على ان تنام قرب شجرة الجوافة العتيقة معاندة بذلك كل نصائح وتوبيخات امها.. فقد كانت الشجرة تساعدها على الحلم.. او هكذا كانت تقول.. كان يسري قد دخل الى المطبخ ليحضر بعض الماء عندما كنت اقف قرب النافذة متصنعا تعليق القميص لتتاح لي فرصة تأملها وهي تنام بهذا الوضع الذي كثيرا ما سمعت امها تحكي عنه في تندر لتثير به استغراب امي.. كانت الاضواء التي تتسرب في تلك العتمة غير كافية الا لأرى ابتسامة كانت مرتسمة على شفتيها ولألحظ حركة خفيفة اعترتهما لتطمئنني انها كما تقول دائما تردد اسمي حتى وهي نائمة.. وقع خطوات يسري جذبني بعيدا عن النافذة ليبدأ لنتبادل حوارا قصيرا يعبر كل منا فيه عن ارهاقه ورغبته في النوم لنختمه بـ"تصبح على خير".. "..بصحا وبنام على طيفك.."(6) كانت هي حقيقة.. بعض الرثاء له..وربما بعض الشماتة ايضا.. هل كان اجمل من صباح اصحو فيه لاجدها امامي؟!!.. انهت جلاء وجهها لترتقي بنبرها المعتاد وتقف على الحائط مستدعية امي بتحيتها المعتادة غير عالمة بوجودي اقرب اليها مما كانت تظن.. عند نزولها مرت على حبل الغسيل لتحمل زيها المدرسي المغسول مساءا لتبدا بعدها في الاستعداد للقائنا عند ناصية دكان عبد العال قبل ان يفترق سبيل كل منا عن الآخر في طريقه إلى مدرسته.. ومن خلال الزجاج المكسور للباب الفاصل بين الصالون وصالتهم الداخلية كانت عيناي ترقبانها وهي تعد ملابسها للكي.. مدت بفستانها على الطاولة وباصبع مبتل حذر لامست سطح المكواة التي انذرتها عند التلامس بصوتها "تششش" فكان بمثابة رعد غلالة الغيم حولها.. وجرعت بعض الماء من الكوب واحتفظت به في فمها لتخرجه في هيئة رزاز يطري الفستان بعض الشيء.. :يا اللاااااااه... "قصوا دربي لقوهو باين شروق جديد للشمس يدشن كدحا جديدا.. غير ان هذه البداية كانت خاملة ربما بعد كل الطاقة التي سلبها جهد سلوك درب يعرج بك على كل الابواب.. كانت خلف كل هذه الابواب.. يازمان كنت انت الابواب .. قد ظل بابنا الخارجي يحمل ذات اللون الذي اصررت عليه ذلك اليوم.. : ماشي وين؟ ---------------------------- لابدَّ أنَّهُ سليل العفاريتِ, هذا الشَّبح ُالصَّغيرُ, الذي لا ينفكُّ ينصبُ فخاخهُ.... كمْ مرَّة أخفت عنه تلك الفأس, ولكنْ عبثاً كلُّ ذلك العناء في إخفائها, فحصاد ُالأرواح كان عملاً يوميَّاً يقوم به هذا الصَّبي... كيف ستنهض وهي التي نالت منها السّنون, فدبَّ الألم في مفاصلها, بعدما كانت سيّدَة الهمَّة والنّشاط فيما خلا من الأيام. اندفعت إلى الباب المطلِّ على ساحة الدَّار التّرابية بمِشيتها البطيئة, وهي تتمتم كلاماً غيرَ مفهومٍ... ثمَّ شهقت بعلوِّ صوتها... بعدها احتُبِس صوتُها داخل حُنجُرتها, أرادت الاستغاثة ( بأمِّ روان ٍ) التي كانت تُعدُّ الشّوربة السّاخنة, جرياً على عادتها كل صباح شتائيٍّ, للقضاء على البرد, وبثَّ الدفء في الأوصال... ألا تعلم بأنَّها... ثمّ َتقطَّع صوتها ... ابتلعت ريقها بصعوبة ... راقبت الجدَّة ذلك بصمتٍ, بعدما عجزت عن منعه من قتلها, مسحت الدُّموع المنهمرة من عينين خبا بريقهما... ---------------------------- قالت لي الممرضة مبتسمة: كان ذاك اليوم مخصصا لاستقبال المرضى في العيادات الخارجية في مشفى ويست ميد لسيكس الجامعي غرب لندن ومع كونه دائم الزحام , الا ان هذا اليوم كان أكثرازدحاما بسبب اقتراب اعياد راس السنة , وكأن كل واحد من المرضى كان يأمل ويسعى لترك امراض العام الراحل خلفه، والتخلص من كل معاناة قبل حلول العام الجديد استقبلت مريضي الأخيرولاحظت عند دخوله أنه يعرج من شدة الآلم وتبدو آثاره واضحة على وجهه , كان في العقد السادس من عمره, طويل القامة, ممتلئ الجسم ,أشيب الشعر يضع يده على فخذه الايمن الذي يؤلمه , وكانه يحاول التخفيف من المه.. رحبت به ، ثم دعوته للجلوس، وسألته عن شكايته , فأسهب في شرح معاناته ...... قلت له: متى بدأ الآلم ؟ قال: -غادر الأولاد المنزل بعد بلوغهم الثامنة عشرة ,ولم نعد نراهم إلا نادرا وبقينا زوجتي وأنا نعاني من الفراغ الذي تركوه لنا لسنوات نعتاد حياة الوحدة هذه ........ طويلة , ولما بدأنا امتلات عيناه بالدموع ....وسكت قليلا .... في صباح اليوم التالي -عني أنا شخصيا ! مستحيل ! أنت تعلمين جيدا أنه لايوجد لي أقرباء هنا ولامعارف ! - بلى, انه رجل كبير السن طويل القامة ممتلئ الجسم و.... ---------------------------- عاشر يا أبن أدم مهما تعاشر ..هكذا قلت لنفسى بعد أن قفلت راجعا من آخر مراسم دفن جثتى ..لم يكن حزنا مابى ، فالأحزان ماعادت تؤثر كالسابق علّى ،لكنها العشرة والمعرفة الطويلة ، وأحداثا مرت وأحداثا عاصرناها معا فى الخيال ، وتمنينا أن لو تحققت ..أشياء كثيرة سرت أفكر فيها ، وأنا عاود التساؤل المرة تلو الأخرى ، عن كيفية الحياة الجديدة التى سأحياها بلا جسد ، وكيف تكون؟ على الأرض أم فى السماء ؟وأن كنت الآن أسير وأتحرك ، وأمضى قاصدا منزلى الكائن هناك على أطراف الصحراء ، حيث أخترت أن أقيم بعيدا عن ضوضاء المدينة ، وقلبها الذى أصبح معتما ..الروح على ماأعرف لاتسير، بل تطير أو نحو ذلك.. وهى خفيفة.. أخبرتنا الأخبار عنها أنها لطيفة .. دخلت الجسد غصبا وتغادره غصبا .. لكننى لم يحدث لى أى من هؤلاء ! فأى الأرواح أنا ،شقى أم سعيد ؟.. ارتطمت قدماى بحجر .. تألمت .. زاد عجبى ..هل الأرواح تتألم للمسة حجر ؟..أكملت سيرى قاصدا أن أعود الى البيت ، فأقصص روايتى على زوجتى ، وأسمع منها المفيد ، فهى رغم أنها تعليم متوسط وأنا تعليم فوق العالى بقليل أستمع لرأيها ، وأنفذه فورا ، ليس لخوفى منها ، ولا هو تحيز لها ، ولا قلة شخصية منى فأنا شخصيتى قوية جدا بشهادتها - شهادة زوجتى - ولكنه تعود تعودته منذ سنين .. إذا الّم شىء بى عدت اليها فأعطتنى المفيد ، وهكذا ..اكملت السير .. رأيت أعرابيا قادما على البعد ..قلت لن يرانى وهذا شىء طيب .. هؤلاء الناس لم يعد لديهم ماكان لهم طوال دهور طوال.. خاصة أيام الرسالة الأولى ..جاورنى الرجل .. قال :- - السلام عليك
|