قراءة جديدة في كتاب قديم: المرأة تمسك بطوق الحمامة

قراءة جديدة في كتاب قديم: المرأة تمسك بطوق الحمامة

نال كتاب طوق الحمامة للفقيه الظاهري ابن حزم الأندلسي " علي بن أحمد بن سعيد " 384 هـ - 456 هـ " عناية مبكرة يستحقها. وفي آخر طبعته المتاحة لنا أحصى كاتب المقدمة " طبعة دار الفكر العربي - بيروت 1995 - بعناية الدكتور محمد أمين فرشوخ " ثماني طبعات أو نشرات ما بين عام 1914 م حين نشره المستشرق بتروف في ليدن، وعام 1980م حين نشره الدكتور إحسان عباس ضمن رسائل ابن حزم. وهذا مقياس مهم لرواج الكتاب وإقبال القراء عليه، وقد يدل على هذا أن الطبعة التي حركت في نفسي هذا الموضوع الذي أنا بصدده ليست أجود الطبعات، ولا تمثل إضافة أو تصويباً بل لعلها كثيرة الهفوات والأخطاء، وليس هذا موضوعنا، وإن دل على الاطمئنان الشديد لرواج الكتاب وما يدر على ناشره من أرباح مادية ومعنوية " دعائية ". وأشير هنا إلى أمر آخر وهو أن كتاب " طوق الحمامة في الألفة والإلاف " كان موضوعاً للبحث والدراسة والتحليل عند عدد من الباحثين من أساتذة الجامعات بصفة خاصة.

وما أثار انتباهي في جميع هذه الدراسات والبحوث - مع أهميتها وجديتها العلمية - هو أنها اهتمت بالأسس النظرية التي تستند إليها أفكار ابن حزم في تصوره لعاطفة الحب، كالإشارة إلى أن النفوس كانت مدورة الشكل، مزدوجة الجنس، ثم أنقسمت إلى ذكورة وأنوثة، والتوقف عند الشرح الاستنتاجي الجميل الذي علق به ابن حزم على الآية الكريمة : سورة الأعراف آية 189هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها يقول ابن حزم : ( فجعل علة السكون أنها منه ".. إلخ.

وقد أشار هؤلاء الباحثون جميعاً إلى حرص إبن حزم على أن يسجل على نفسه رفضه أن يكتب في موضوع الحب مستعيناً بالأفكار والأشعار والقصص والأخبار المشرقية، وبخاصة تلك التي تنسب إلى البادية وأهلها من الأعراب، وقال صراحة : " فسبيلهم غير سبيلنا " ولذلك اعتمد بشكل مباشر على خبرته الذاتية، ومشاهداته الشخصية، ومعارفه وما سمع من أهل زمانه، واما انتهى إليه من زمن قريب، ولهذا السبب يمكن اعتبار كتاب " طوق الحمامة " من كتب " السيرة الذاتية " أو " الاعترافات ".

أما الجانب الذي لم يأخذ نصيبه من الاهتمام في نشرات " طوق الحمامة " وماصحبها من دراسات، أو في تلك البحوث عن الحياة العاطفية عند العرب، فهو جانب " المرأة " في هذا الكتاب الذي نحن بصدده،إذ أدى الاهتمام باستخلاص موقف او نظرية في الحب عند ابن حزم إلى إهمال الطرف الآخر " المرأة " التي دونها ستكون هذه النظرية فاقدة المعنى والهدف. وربما يكون من الصواب أن نتذكر هنا أن هذه الدراسات المشار إليها سابقاً نبهت إلى أصول مشتركة في نظرية الحب عند العرب ومنها أن المحب " وليس المحبوب " هو موضع الاهتمام، وأنه الذي نستخلص من أقواله وأفعاله المعاني والأفكار، دون المحبوب، بل لم يشترط العرب في الحب أن يتجاوب المحبوب مع من أحبه، إن يصح عندهم - أن يتأبي عليه، أو يرفضه، وقد لا يشعر به أصلاً، فيكون الحب من طرف واحد، كما نقول في زماننا، فلعل هؤلاء الباحثين أهملوا أو لم يعطوا قدراً مناسباً من العناية بالمرأة في كتاب " طوق الحمامة " لأنها غالباً تكون في موقع المحبوب. ولكن الطريف الذي يكشف عنه موضوعنا أننا سنجد نساء يأخذن بزمام الموقف في إنشاء علاقة الحب ومدها بما يبعث فيها الحياة.

إن نظرة ابن حزم إلى المرأة وما كتبه عنها وما رواه من أفعالها وأسرار نفسها وعواطفها، في كتابه هذا، لا تفسر بمذهبه الفقهي وحده، وهو أنه فقيه " ظاهري " يهتم بالواقع الماثل، ولا يجري وراء التأويلات البعيدة، أو الرموز الأسطورية، إنه " يرى " الأمر بقدر من النظر الشامل، المحايد، الذي يحيط بالمشهد من جميع جوانبه، ثم يحاول تركيبه تركيباً يقبله واقع الحياة الإنسانية، وشواهد السلوك الإنساني، هذا الجانب " الظاهري " له تأثيره الواضح لا شك، ولكنه لا يكفى لتعليل تصور أبن حزم للحب، ونظرته إلى المرأة. وهنا لا بد أن نضيف ملابسات نشأته وظروف حياته في طبقته، في مجتمعه الأندلسي، في أواخر القرن الرابع والنصف الأول من القرن الخامس الهجري. فقد كان ابن حزم ابنا لوزير، وعاش بين أبناء أمثال أبيه من الوزراء والكتاب، وهنا لا نشير إلى المناصب التي شغلها ابن حزم فيما بعد، لأننا نهتم بمرحلة النشأة " الطفولة والصبا وبواكير الشباب " التي تغرس في الإنسان، وترسخ طباعه وتشكل أخلاقه، ومفاهيمه السلوكية.

أسرار النساء

يقول ابن حزم إن تنشئته كانت تحت إشراف ورعاية النساء حتى أنه تلقى تعليمه في الصغر على أياديهن.

فقد لجأ العلية والرؤساء في الأندلس، إلى تخصيص النساء لتعليم الأطفال، مثلما نفعل الآن في مرحلة رياض الأطفال، ونقف مترددين أمام " تأنيث " التدريس في المرحلة الإبتدائية، ونحول دونه - بالنسبة للذكور - فيما بعدها من مراحل. أما تقريره - أو إقراره - بأنه لا ينسى شيئاً مما رآه منهن، فهذا متوقع بالنسبة لمشاهدات الطفولة - كما يقرر علماء النفس، فالطفل لا ينسى وإنما يختزن المشاهدات والمعلومات إلى أن تستجد حاجة إليها، ولا يزعجنا قوله إنه مطبوع على الغيرة، وأنه مفطور على سوء الظن بالنساء، فالأمر الأول يرجع إلى طبيته التي تشعر بالرياسة والأنفة والسطوة، من حيث هو يد في قصر والده، وسنرى كيف خصصت له جارية تعلق بها وهو في مرحلة البلوغ، أو لم يكد يبلغها، وفيما يتعلق بسوء الظن بالمرأة فلهذا أكثر من سبب يرجع إلى الموروث الاجتماعي، الذي ينظر إلى المرأة على أنها باب الغواية، ومن وسائل الشيطان في الانحراف والإغراء بالمحظور، وربما ساعدت بعض النصوص الموروثة على ترسيخ هذا. الموروث الاجتماعي، ولابد أن ابن حزم في زمن طفولته وما بعدها أيضاً قد شاهد من مؤامرات القصور وألاعيب الحب في طبقته ما يحمله على الإعلان عن هذا الموقف المتخوف من المرأة، وبخاصة أن عينيه مركزتان عليها، بفعل الطبع والغيرة كما قال، ومن هنا لم يفطن إلى الطرف الآخر الذي لا يتم من دونه شيء، وهو الرجل، بل لم يفطن إلى أن هذا العنصر المختفي عن عينيه أو تفكيره قد يكون هو المحرك لكل شيء، وأن المرأة لم تكن إلا جزءاً من لعبة السلطة، أو لعب الحب، حسب الظروف. وهذا القول الذي نراه ليس مقحماً على ابن حزم، وليس من باب إحسان الظن بفقيه احترام عاطفة الحب وألف عنها كتابه فيه الكثير مما لم يألف الناس تقبله من وقار الفقيه وحدود اهتمامه، وذلك لأننا سنجد أكثر من دليل على الموقف العلمي الموضوعي الحيادي من المرأة، فكانت هذه الموضوعية القائمة على تحليل الواقع بحياد ودون انحياز إلى سوء الظن القديم الذي أشار إليه، كانت قيداً على الطبع الموروث، وسوء الاعتقاد المكتسب مهما كان مصدره. وسنجد هذا الموقف العلمي واضحاً في قوله " وإني لأسمع كثيراً ممن يقول : الوفاء في قمع الشهوات في الرجال دون النساء، فأطيل العجب من ذلك، وإن لي قولاً لا أحول عنه : الرجال والنساء في الجنوح إلى هذين الشيئين سواء، وما رجل عرضت له امرأة جميلة بالحب، وطال ذلك ولم يكن ثم مانع، إلا وقع في شرك الشيطان واستهوته المعاصي، واستفزه الحرص، وتفوله، الطمع، وما من امرأة دعاها رجل بمثل هذه الحالة إلا وامكنته، حتما مقضيا، وحكما نافذاً لا محيد عنه البته.. ولست أبعد أن يكون الصلاح في الرجل والنساء موجوداً، وأعوذ بالله أن أظن غير هذا ".

الإغواء بين الرجل والمرأة

لقد أطال ابن حزم التعجب مما كان يعتقده في طفولته وصباه، وأنكره على من يستمر في اعتقاده، وجعل الحب شركة والإغراء أو الإغواء مقسوماً بين الرجل والمرأة على السواء، ومرهوناً بظروف من يبدأ منهما، ولهذا لم يضن بالصلاح عليهما معاً كذلك، واستعاذ بالله من أي ظن غير هذا. وهكذا تطور موقفه بل تغير إلى النقيض، مع معاناة الحياة، وطول الاختبار، وتقلب الأحداث، وكثرة من رأى من الرجال والنساء وشاهد من أفاعيلهم، وسنجد النماذج النسائية التي تطرق إلهيا في كتابة تقدم الدليل على رسوخ هذه الموضوعية والنظر الحيادية إلى المحبين والمحبات كذلك.

إن الخبرة الخاصة واضحة في محتوى الكتاب، وقد استخدم صيغاً غير مألوفة في سياق الحديث عن مشاعر وانفعالات من النوع الذي يفضي به ابن حزم، مثل " وعني أخبرك " - " وحدثني " - " وإني لأعلم " - " وإني لأعرف " " ولقد حثني ثقة من إخواني " - " حدثتني امرأة أثق بها " وهو في هذا التعبير المباشر لا يدل على شجاعة أدبية محمودة في نسبة الأخبار والأفعال مهما كان وجه الرأى فيها، وحسب، وإنما يدل أيضاً على المناخ الاجتماعي السائد، المترف، المنشغل بالعواطف وحوادث العشاق، وعلى آداب وتقاليد الطبقة التي ينتمي إليها ابن حزم. وهذه الفترة التي عاش فيها ابن حزم يمكن اعتبارها أعلى مراحل الرفاه والثراء والتسامح الأخلاقي والسلوكي التي عاشتها بلاد الأندلس، وابن حزم نفسه عاصر انتهاء عهد المنصور بن أبي عامر، وتخريب قرطبة وبدء التشرذم السياسي، وهي بعض ثمار المرة لأمراض اجتماعية ضاربة بعروقها في التكوين السكاني والتوزيع الاجتماعي لقاطني الأندلس، ويمكننا أن نجد في " الطوق " دلائل هذا الترف الذي يمكن اعتبار موقع المرأة فيه علامة على اتجاهه العام. إن ابن حزم في باب " من أحب بالوصف " يعلل وجود هذا النوع من الحب بالفصل الحاد بين مجتمع الرجال ومجتمع النساء إذ يقول : " وأكثر ما يقع هذا في ربات الخدور المحجوبات من أهل البيوتات مع أقاربهن من الرجال، وحب النساء في هذا من حب الرجال لضعفهن وسرعة إجابة طبائعهن إلى هذا الشأن - يعني الحب - وتمكنه منهن ". وهنا لابد أن نتذكر ان ابن حزم نفسه منتسب إلى هذه البيوتات من حيث المستوى الطبقي الاجتماعي، ولكنه كان يتحرك بكثير من الحرية بين نساء الأسرة الكبيرة دون حرج، ولم يكن جميعاً من المحارم، أو حتى كبيرات السن، والدلالات واضحة في هذا الاتجاه، مما يعني أن نتصور وجود قدر كبير من الحرية بين الفتيات والفتيان داخل فروع الأسرة الواحدة.

الفصل بين الجنسين

وحين يتعرض ابن حزم لقضية الفصل بين الجنسين أو الحجاب، يقول، في باب " الوصل " : " وإني لأعلم فتى وجارية - وجارية في هذا السياق تعني فتاة صبية، وليست بمعنى العبدة المملوكة - كان يكلف كل واحد منهما بصاحبة فكانا يضطجعان إذا حضرهما أحد، وبينهما المسند العظيم من المساند الموضوعة عند ظهور الرؤساء على الفرش، ويلتقي رأساهما وراء المسند العظيم في حضور بعض أهلها لا يمكن تصوره يتم في غفلة كاملة عن الحاضرين، وإنما هو " التغافل " المتعمد القائم على إقرار حق الفتيان والفتيات في الحب، والتعبير عن هذا الحب في حدود معينة، ومن سياق هذا الخبر تعرف أن الفتى والفتاة من أبناء العز، وتتأكد حرية الحب بين أبناء عليه القوم، والجهر به، والتعامل معه بغير حرج، وقد كان موقف ابن حزم بعيدا عن الاستهجان والاستخفاف والسخرية كما أنه كان موضوعيا ومحايدا في طرح قضايا الحب، ويتضح أن حكايات الحب كانت تتناقل ببساطة شديدة، وأن اشتهار فتاة بحب فتى لم يكن يصنع كارثة أو يصور على أنه فضيحة، حتى وإن بلغ حد الهوس والهيام، إن مرض ( عضوي ) يمكن التصدي له بالعلاج الطبي أو النفسي، ويؤكد الجانب الشخصي المباشر المتعلق بابن حزم هذه الحرية السلوكية والعاطفية، وقد سبقت الإشارة إلى ما يدل على هذا.

لقد سوى ابن حزم بين الرجال والنساء في التصون، وفي الميل إلى الشهوات إن وجد الظرف المغري، ولكن النساء ينفردن عن الرجال بالاهتمام بأمور الحب، وإطالة التفكير فيه، في جميع مراحل العمر مع اختلاف الطريقة، لهذا فإن المرأة خير سفير بين المحبين " ولا سيما ذوات العكاكيز، والتسابيح، والثوبين الأحمرين ) وكانت أولى إشارات التحذير للفتاة الغريرة ان تبتعد عن النساء ذوات الصناعة كالطبيبة، والحجامة، والدلالة، والماشطة، والنائحة، والمغنية، والكاهنة، والمعلمة، والمستخدمة، والصناع في الغزل والنسيج " وكم داهية دهت الحجب المصونة، والأستار الكثيفة، والمقاصير المحروسة، والسدد المضبوطة، لأرباب هذه النعوت " هذا هو الجانب " الردئ " لانشغال المرأة بأمور الحب وحماستها للمشاركة في عقد صلة بين عاشقين. أما الجانب " الطيب " فأكثره مذكور في باب " المساعد من الإخوان " فالمرأة أكثر حفظاً لسر المحبين وكتمانه، " وما رأيت امرأة كشفت سر متحابين إلا وهي عند النساء ممقوتة مستثقلة " وهذا خبر في الباب نفسه - عن امرأة جليلة حافظة لكتاب الله عزوجل ناسكة مقبلة على الخير، تظفر بكتاب لفتى إلى جارية، فلا تلومه، بل تعلن إليه أنها لو استطاعت أن تشتري الجارية بحيث تسهل له أمر حبه فإنها تفعل. ثم يعقب ابن حزم بعبارة يتجاوز فيها الأخبار الفردية إلى الدلالة العامة، وكأنه يضع " قانوناً " أو قاعدة سلوكية خاصة بالنساء :

" وإنك لترى المرأة الصالحة المسنة المنقطعة الرجاء من الرجال، وأحب أعمالها إلهيا وأرجاها للقبول عندها سعيها في تزويج يتيمة، وإعارة ثيابها وحليها لعروس مقلة ".

ويعقب على الملاحظة بالتعليل : " وما أعلم علة تمكن هذا الطبع من النساءإلا أنهن متفرغات البال من كل شيء، إلا من الجماع ودواعيه، والغزل وأسبابه، والتآلف ووجوهه، لا شغل لهن غيره، ولا خلقن لسواه. والرجال مقتسمون في كسب المال، وصحبة السلطان، وطلب العلم، وحياطة العيال، ومكابدة الأسفار، والصيد، وضروب الصناعات، ومباشرة الحروب " الخ. ونعيد قراءة هذا التعليل فنجده لا يستند إلى سبب فطري، إلى أمر خلقي في تكوين المرأة، أو وضعها الفسيولوجي أو السيكولوجي، الحتمي بالوراثة، إنه يستند إلى النظام الاجتماعي وأسلوب تقسيم العمل، فالمرأة محتبسة في البيت، لخدمة رجل، أو في انتظار أن يختارها رجل، وهذا يوجه أفكارها ومشاعرها في الاتجاه الذي ارتآه ابن حزم.

النساء والسلطة

مع هذا فإننا نعرف - في التاريخ، وبالمشاهدة - نساء اخترق نشاطهن هذا الإطار المفترض، وفي تاريخ الأندلس القريب جداً من زمن ابن حزم توجد " صبح " زوج الخليفة الحكم المستنصر، وأم ابنه الخليفة هشام " المؤيد بالله " ومدى طموحها إلى السلطة معروف، ولم تكن مثلا فريداً بين النساء، وهذا التعليل الاجتماعي القائم على نظام العمل فيه قدر كبير من الدقة وبعد النظر والقدرة على التحليل الموضوعي للظاهرة، وهو يعني - فيما يعنيه - أن المرأة إذا تغير نظام اسهامها الاجتماعي فطلبت العلم، واشتغلت بالسياسة، واهتمت بحياطة العيال، وكابدت الأسفار، ومارست ضروب الصناعات، إلى آخر ما ذكر من شواغل الرجال، فإن هذا سيؤدي تلقائياً إلى إنحسار حجم الاهتمام بالرجل والتفكير في الحب، وكأنه الشغل الشاغل للمرأة، وليس هذا بصحيح قديماً، وحديثاً، ولعله بعض ما يتخيله الرجل، أو يستريح إلى تخيله عن المرأة وعالمها الخاص.

لقد صور ابن حزم في " طوق الحمامة " عدداً من الشخصيات النسائية من الكبيرات ومن العامة، ومن الحرائر والقيان، فلم يضن بصفة الوفاء والنقاء على طبقة دون طبقة، كما لم يتردد في وصف بعض النساء بالكيد والمكر وشدة الغيرة، وابتكار الحيلة، ووصف بعضهن بالجرأة إذا تملكهن الحب ورأين تجاهلاً أو تلاعباً من المحبوب، فهذه تشير لمحبوبها بيدها ملفوفة في قيمص لتكون علاقة بينه وبينها فلا ينخدع بيد أخرى تشير إليه من بعيد على سبيل الكيد لهما، وهذه فتاة تهوى فتى من أبناء الرؤساء لا يشعر بها، نصحتها امرأة مجربة أن تعرض له بالشعر، فلم يأبه برغم تكرار التعريض " إلى أن عيل صبرها، وضاق صدرها، ولم تمسك نفسها في قعدة كانت لها معه في بعض الليالي، ولقد كان - يعلم الله - عفيفاً، متصاوناً بعيداً من المعاصي. فلما حان قيامها عنه بدرت إليه فقبلته في فمه، ثم ولت في ذلك الحين ولم تكلمه بكلمه، وهي تتهادى في مشيتها " وكما يسجل للمرأة القوة في الحب فإنه يسجل لها قوة الحفاظ على الذكريات العزيزة وصيانة الماضي الجميل.

الحب توافق

إن ابن حزم يرفض مبدأ الحب من أول نظرة، ويستهجن الحب الشاذ " حب الغلمان " ويرى أن الحب توافق وتجاذب كالمغناطيس، لا يعتمد على حسن الصورة يقدم لنا دراسة اجتماعية لأهل عصره، ودراسة سيكولوجية للمحبين من الرجال والنساء، ولكنه فوق هذا يفتح أمامنا باب قضية مهمة هي قضية ما يدعى بـ ( الثقافة الجنسية ) وقد أساءت هذه التسمية للموضوع، ولأهميته، التي تستحق أن نطيل التفكير فيها، وكيف نقدم المعرفة بها إلى الأجيال الجديدة، لأننا نقدم إليهم - في الواقع - رابطة من روابط الحياة.

 

سعاد عبدالوهاب

 
  




صورة الغلاف