المدونات الإلكترونية.. من النص إلى التدوين الصوتي والمرئي

المدونات الإلكترونية.. من النص إلى التدوين الصوتي والمرئي
        

          من بين السمات الخاصة التي تتمتع بها شبكة الإنترنت، هي إمكاناتها لاستيعاب أكثر من شكل للمحتوى الذي تضمه، فبإمكان الشبكة الدولية أن تبث مضمونا مكتوبا مدونا بالحروف، كما يمكنها أن تستوعب الصور الرقمية، ثم اللقطات المصورة المتحركة (المواد الفيلمية)، وهو ما يتيح للنص المدون على الشبكة نوعا من المرونة لا تتاح لغيره من الوسائط، فالكتاب يمكن أن يتيح النص والصورة الساكنة المرسومة أو المصورة، وكذلك الصحف الورقية، بينما شاشة التلفاز بإمكانها الاعتماد على نقل الصور المتحركة فيما تظل إمكانات اعتماد التلفاز على النص المكتوب محدودة لطبيعته الخاصة، كوسيلة مرئية لنقل الصورة المتحركة في الأساس. كذلك الإذاعة يمكنها بث المحتوى السمعي فقط، كوسيلة بث صوتي.

          أما شبكة الإنترنت فبإمكانها أن تجمع الوسائط التعبيرية معا، وعلى سبيل المثال يمكن لمدونة من المدونات أن تبث تدوينة تعبر عن موضوع أو قضية أو أيا كان شأنها، وأن تبث مقطعا من فيلم، أو لقطة من برنامج تلفزيوني، وأيضا بثا إذاعيا مسجلا من إحدى المحطات الإذاعية، أو أن تبث عددا من الصور الرقمية.

          وقد بدأت هذه الإمكانات التي تختص بها شبكة الإنترنت، ووسائط الحواسب الرقمية، في ظل انتشار أجهزة التليفونات المحمولة متعددة الأغراض، ووسائط التسجيل الصوتي الرقمية، والكاميرات الشخصية الرقمية، وسواها، بدأت هذه الوسائط في التعبير عن نفسها عبر إضافات جديدة، تضاف للمحتوى العام للشبكة.

          فقد بدأت اليوم صرعات جديدة في إنشاء مدونات سمعية، تختص ببث مواد صوتية لصاحب المدونة، يقوم فيها بالتعليق على موضوع معين، أو التحدث في قضية من القضايا التي يهتم بها.

          هناك أيضا مدونات كثيرة كان أصحابها عادة ما يبثون لقطات مصورة قاموا بتصويرها بشكل شخصي سواء لأحداث عامة، أو أية مشاهد من الحياة العامة، أو الخاصة، وأحيانا عبر تصوير حوارات مع شخصيات أدبية أو لها دور اجتماعي أو ثقافي مميز، وهذه تعرف بأنها Videoblog، لكن اليوم هناك مدونات جديدة، تعرف بالمدونات المرئية يقوم أصحابها بعمل برنامج يتم تصويره خصيصا للمدونة، وهناك تجربة سعودية على سبيل المثال قام بإنتاجها ثلاثة من المدونين السعوديين الشباب، لكنها عانت بعض السلبيات التقنية مثل زيادة الوقت المخصص للتسجيل، وتسجيلها على ملف ثقيل يصعب تحميله، مما أدى إلى توقف التجربة، لكن هذه الفكرة لها أصول أجنبية عديدة، سوف نلقي الضوء على العديد منها لاحقا، وهي تتسم بأنها تدوينات مرئية تتناول حدثا أو قضية يتم عمل مونتاج لها لتسريع الإيقاع، والتركيز على أهم ما يتم تصويره، ورفعها على ملفات يمكن تحميلها بسهولة عبر استخدام التقنيات التي تستخدم في مواقع تحميل اللقطات المصورة مثل اليوتيوب على سبيل المثال.

          وهذه المدونات الصوتية والمرئية ليست متوقفة على أفراد، بل هي أيضا تمثل جزءا من محتويات المواقع الإلكترونية لبعض الهيئات الدولية مثل اليونيسيف، أو بعض الجهات الأكاديمية المتخصصة في موضوع المحتويات الرقمية، وهي كذلك تمثل بعض مشروعات تخرج الطلبة العرب والأجانب من أقسام التقنيات المعلوماتية في الكليات المختلفة بالعديد من الجامعات اليوم.

          وقبل التوقف عند استعراض بعض المواقع المتخصصة في هذا النوع من المحتويات البصرية والسمعية والمرئية، ينبغي التوقف عند مدلول مثل هذه المتغيرات الجديدة، وتأثيرها على المستوى الثقافي والاجتماعي والمعرفي، بالرغم من أنها تكاد لا تمثل ظاهرة بالمعنى اللافت الآن.

ظاهرة النص التشعبي

          وقد اصطلح على هذا النوع من النصوص التي تتفاعل فيها النصوص المكتوبة مع الصور، وتحيل على روابط إلكترونية أخرى، بالنصوص التشعبية Hypertext، مع تمييزها عن النصوص ذات الروابط والتدوين الأفقي فقط، أي المدونة بلا روابط فيديو أو صوتية، باصطلاح «النصوص المتعالقة».

          وقد تم تعريف المصطلح على النحو التالي وفقا لما استند إليه الدكتور جابر عصفور في أحد مقالاته المنشورة في صحيفة الحياة:

          «أصبح الـ Hypertext يشير إلى الإمكانات الجديدة التي خلقها الكمبيوتر للوصول إلى النصوص والربط بينها. فوق ذلك, يؤكد المصطلح الطرائق التي يسمح بها الكمبيوتر للقارئ أن يهرب من تضييقات: الخطية, والتثبيت, والتقييد الذي يميز النصوص التقليدية المكتوبة. بالطبع, فإن فعل القراء لم يكن محدداً بهذه الخصائص على نحو بسيط, ففي الاستخدام, كان القراء قادرين على التنقل داخل النص, القفز من المتن إلى الهوامش, التوقف لمراجعة نصوص أخرى, أو التخلّي ببساطة عن نص في سبيل غيره».

          إن مثل هذه الوسائط الحديثة والجديدة، تقدم شكلا جديدا من أشكال امتلاك المعرفة، يدخل بها التاريخ الإعلامي مرحلة جديدة لم تعد فيها الرسالة الإعلامية حكرا على الأجهزة الإعلامية الرسمية، وبالتالي تمثل هذه الوسائط الجديدة لونا من ألوان التغذية للوسائط الإعلامية، والتأكيد على الطابع الشعبي غير الرسمي للمادة الإعلامية، كما أن مثل هذه الوسائط التي تعتبر وسائط يمتلكها أفراد ستعبر عن قيم فردية وفكرية أكثر تمايزا واختلافا عن السائد في المجال الإعلامي لأنها متحررة من التقاليد المتعارف عليها في الإعلام.

          أما التأثيرات الأخرى فهي تتعلق بالجانب الأكاديمي، حيث أصبح النص التشعبي، وتطبيقاته، موضوعا للعديد من الدراسات الجديدة في الشرق والغرب على السواء، وفتحت هذه الوسائط المجال لأسئلة عديدة حول مستقبل الكتاب الورقي بوصفه نصا خطيا، مقابل النص التشعبي المفتوح على آفاق غير محدودة من الإحالات على معارف أخرى، ومستقبل تراكم المعرفة في ظل هذه الوسائط، إضافة إلى العديد من الأسئلة حول التلقي التفاعلي بين الكاتب والقاريء في حالة النص التشعبي.

          كما تثير النصوص التشعبية السؤال عن تغيرات طبيعة النصوص في المستقبل عبر احتمالات إيجاد نصوص هجينة تجمع بين النص والصورة واللقطة وربما الصوت، أو أي من كل هذه العوامل معا.

          وسوف نعود لمناقشة هذا الموضوع بشكل موسع في هذه الزاوية لاحقا، أما الآن فنلقي الضوء على عدد من هذه الوسائط المختلفة.

المدونات الصوتية..إنتاج إذاعي خاص!

          التدوين الصوتي (Prodcasting) هو تقنية لتوزيع الملفات الصوتية (أو المرئية) من منتج إلى مستمعين بشكل آلي. ووفقا لموضوع منشور في مدونة السعودي جهاد  http://www.blogjihad.com/ فإن هذه التقنية توفر عليك أن تزور المواقع التي تبث ملفات صوتية بشكل دوري, وتتيح لك عبر الإشتراك فيها أن تتلقى على جهازك جميع هذه الملفات بشكل آلي حال صدورها. ومن ثم الاستماع إليها في أي وقت تريد. كما تستطيع أن تستفيد من التقنية بتسجيل وإنتاج مدونتك الصوتية الخاصة. إذا قمت بالإشتراك في بث (وهو اشتراك مجاني ولا يحتاج منك إلى أي شيء), يقوم برنامج تلقي المدونة الصوتية الذي لديك بتنزيل حلقات البث على جهازك حال صدورها.

أفكار مختلفة للتدوين الصوتي:

          وفقا لصاحب المدونة الذي يقترح ما يلي من أمثلة:

          - إذا كانت لديك موهبة الشعر, فمن الممكن أن تسجل قصائدك بصوتك وتنشرها. فسماع قصيدة من مؤلفها له أبعاد أكثر من مجرد قراءتها

          - إذا كانت لديك موهبة الخطابة, فالبودكاست قد يكون وسيطاً بينك وبين العالم. وتستقبل ردود المستمعين في مدونتك.

          - إذا كنت من متابعي رياضة معينة, فبإمكانك إنتاج بث تتحدث فيه عن آخر أخبار هذه الرياضة, وعن تفاصيلها التي لا يعرفها عامة الناس. (كما لو كنت من عشاق دوري كرة القدم الأوربي مثلاُ)

          - إذا كنت ملماً بمهارة معينة, وتريد تعليمها للناس (مثل الـ NLP, تأليف القصص القصيرة, التصوير الضوئي, أعمال يدوية, طبخة معينة! إلى آخره) فمن المناسب أن تقوم ببث لذلك.

          - إذا كنت تعاني جهل المجتمع بمجال اهتمامك وتخصصك, وتريد رفع مستوى الوعي عنه.

اليونيسيف.. مدونات صوتية

          يخصص الموقع الإلكتروني لمنظمة اليونيسيف  http://www.unicef.org/videoaudio قسما خاصا بالمدونات الصوتية التي يتم من خلالها بث عدد من التقارير الصوتية حول موضوعات تتعلق بالتنمية، وكفاءة التعليم ورعاية الأطفال في الدول الفقيرة، وتعليم الفتيات في إفريقيا، وبرامج وضع المناهج التعليمية، والرقابة على الكتب وحرية التعبير وغيرها.

          هناك تقارير صوتية أخرى تتابع أهم الأحداث في العالم وبينها، على سبيل المثال، بث صوتي لطفل من تاهيتي من سكان المنطقة المنكوبة بالزلزال المدمر الذي وقع في تاهيتي أخيرا، أو تقرير من ليبريا يبث صوت شاب لا يجد الفرصة للدراسة الجامعية في ليبريا بسبب الفقر، وخلاف ذلك من ملفات صوتية.

          وتوجد العديد من الأمثلة على التدوين الصوتي وبينها مثلا بعض المواقع الخبرية التي تقدم بعض التدوينات الصوتية لقرائها بين آن وآخر وبينها مثلا موقع www.swalif.net، وغيره.

أول مدونة مرئية عربية

          في أثناء تصفحي بعض المدونات بحثا عن موضوع المدونات المرئية لفتت انتباهي مدونة «التقنية من ضغطة زر» www.tech2click.net وهي مدونة لأكاديمية وباحثة سعودية هي د. هند الخليفة، وتقدم فيها العديد من المواضيع المتنوعة في عالم الحاسب والإنترنت وآخر التطورات والأبحاث في مجال الويب والتعليم الإلكتروني.

          وفيها تشير إلى تجربة توصف بأنها الأولى عربيا في مجال التدوين المرئي وقام بها ثلاثة مدونين من المملكة العربية السعودية وهم جهاد، وسعود الشريهي وسعد القحطاني.

          وقد قامت د. هند الخليفة بتقييم التجربة على النحو التالي:

          يعتبر موقع عالم التقنية مبادرة واعدة لإثراء عالم الويب العربي بمحتوى مرئي يناقش أحدث المواضيع التقنية في ساحة الإنترنت.

          وحال أي مبادرة جديدة، لابد لها من جوانب إيجابية وجوانب سلبية... وسنحاول في هذا الموضوع ذكر بعض الأمور التي لاحظناها خلال مشاهدة الحلقة الأولى.

          إخراج الحلقة: كان موفقا لحد ما وخاصة في استخدام فكرة العناوين الفرعية (Subtitles) مما يساعد المشاهد في الرجوع للخبر أو الموقع محل النقاش.

          تغطية المواضيع المحلية: وهذا سيجعل المشاهد في المملكة على علم بأحدث التطورات في وطنه.

          نقاط الضعف طول الحلقة: تعدت الساعة ويعتبر هذا أهم عيب، ففي رأينا المشاهد سيفقد التركيز ومتابعة الحلقة بعد أول 10-15 دقيقة من الحلقة. وهذا هو نفسه الخطأ الذي وقع فيه الفيديو الذي كان يبث من موقع ماك للعرب.

          حجم الحلقة: أكثر من 200 ميجابايت، هذا يعني أن المشتركين بخدمة الدايل أب لن يستفيدوا من الموقع.

          الإطالة في الحوارات وإيقاع الحلقة: كان بطيئا مما يسبب في ملل المشاهد. ففي عصر السرعة، المشاهد بحاجة إلى سماع أكبر قدر من المعلومات بجرعات خفيفة ذات إيقاع سريع.

          اقتراحات لحرصنا على نجاح مثل هذه المبادرات الواعدة نوجه بعض الاقتراحات للفريق القائم خلف موقع عالم التقنية:

          أولا: القيام بدراسة المواقع الغربية الناجحة في هذا المجال نفسه وفيما يلي نماذج لفيديو كاست تقني إنجليزية ناجحة.

          مدونة روكيت بوم (RocketBoom) والتي نتابعها يوميا مدة عرضها يتراوح بين 3 إلى 5 دقائق، قناة «سي نت تي في» (cnettv) ومشاهدة فقرة crave والذي يطرح جديد التقنية وكيف تم دمج التأثيرات وصور المنتجات مع المذيعين. وأيضا فقرة The queue والذي يعطي أخبار التقنية بجرعات خفيفة وسرعة ديناميكية.

          ثانيا: اختصار وقت البرنامج وجعله يوميا، قد يكون الاقتراح صعب التطبيق ولكنه مجدٍ على المدى الطويل يوميا وقد يساهم أيضا في استقطاب رعاة أو شركات مهتمة.

          ثالثا: استخدام مواقع استضافة الفيديو المجانية مثل قوقل فيديو أو يوتيوب لوضع الحلقات عليها. بهذه الطريقة ستوفر على الموقع سعة الاتصال (Bandwidth) وأيضا تساعد في انتشار الفيديو في محركات البحث الفيديوية.

          رابعا: الاهتمام بأصحاب سرعات الاتصال المنخفضة ومحاولة توفير الحلقة بهيئات ذات ضغط عالٍ حتى ولو كان على حساب الجودة.

          هذه الملاحظات لا تنقص أبدا من الجهود المتميزة للأخوة القائمين على هذا المشروع الواعد والذي أثلج صدورنا بخروج محتوى مرئى عربي على شبكة الإنترنت».

          انتهى تعليق الخليفة، التي أظن أن مدونتها الشخصية ذاتها مدونة جيدة ومتميزة وسوف نعود إليها لنلقي الضوء عليها لاحقا، بسبب تنوعها وتخصصها في آن معا.

هدير الصاروخ!

          ربما تكون هذه أقرب ترجمة لعنوان هذه المدونة المرئية Rocketboom، وهذه المدونة هي أقرب ما تكون لما يعرف باسم Video blog، وهي مدونة مهتمة بالتقارير الخبرية اليومية، تبث من نيويورك، تقدمها فتاتان شابتان هما، «مي موللي»، و«إيلا مورتون»، حيث تقوم الأولى بالتعليق على الأخبار المصحوبة بصور ولقطات حية متتابعة وسريعة، وتتراوح الأخبار بين السياسة والفن والعلوم وثقافة الإنترنت المعاصرة وسواها. أما مورتون فهي مختصة بالبرامج التي تتناول تحقيقات ثقافية وفنية عن موضوع بعينه، تقدم بالإيقاع نفسه، ولا يزيد مدة كل حلقة منها عن نحو خمس دقائق، لكنها مكثفة، وتحيط الموضوع المثار من مختلف جوانبه. ويقوم بإنتاجه عدد من المحترفين على البث على الإنترنت.

          على سبيل المثال من بين الحلقات التي يبثها الموقع حلقة عن تعلم الروبوتات (الإنسان الآلي) لفكرة استخدام السكين كوسيلة مستقبلية لدخول الروبوت ميدان الجراحة الطبية، أو الطهي.

          أيضا هناك حلقة خاصة عن أحد المعارض المتخصصة في التقنية المعلوماتية وتجري فيها مورتون لقاءات عدة مع العارضين وبينهم أحد مهندسي ومبرمجي الكمبيوتر الذي يقدم برنامجا لتعليم الهواة كيفية تكوين صورة ثلاثية الأبعاد على الإنترنت، بدلا من الصور المعتادة غير المجسدة التي تستخدم اليوم على الإنترنت، وهناك حلقات أخرى عديدة تتناول ظواهر مثل الآثار البركانية على الطبيعة، أو تتناول شخصيات شهيرة.

          إن هذه المدونات المصورة، تكشف وسائل ثقافية جديدة وممتعة، نتاج جهد وجدية، تعكس المستوى الثقافي الذي تخرج منه، وطبيعة الاحترافية التي يعبر عنها المجتمع الذي تنتمي إليه، ولعلها ستجد لها أشباها قريبا في محيطنا العربي تثري المحتوى العربي على الإنترنت والذي لا يزال يعاني كثيرا من المحدودية والفقر.





 





البث المصور على الانترنت يدخل منطقة الاحتراف





 





فيلم تسجيلي عن القبائل المعزولة في إحدى المدونات





النص التشعبي ظاهرة جديدة





موقع cnet أحد المواقع البارزة في مجال البث المصور على الشبكة





نموذج للفيديو بلوج