حرب النجوم تعود في التسعينيات

حرب النجوم تعود في التسعينيات

"ليس هناك شيء أريد أن أقدم عليه أكثر من إعادة تنفيذ المؤثرات الخاصة. هذا ما كنت أتمنى القيام به حينما أنجزت الفيلم لولا أنني لم يكن لدي الوقت الكافي لذلك "، صرح المخرج والمنتج جورج لوكاس بذلك قبل عشرين سنة إثر افتتاح فيلم " ستار وورز " أو " حرب النجوم " كما اصطلح على ترجمة عنوانه في حديث لمجلة " رولينغ ستون ". اليوم يتاح للوكاس تحقيق تلك الأمنية، بل هو حققها فعلا إذ عاد قبل ثلاث سنوات إلى ذلك الفيلم كما إلى الجزأين اللاحقين منه، وأنجز ما كان يريد مضيفا 4 دقائق ونصفا إلى الجزء الأول ومحسنا في الصوت والصورة مستفيدا من بعض تلك التطورات الهائلة التي أصابت صناعة الفيلم منذ إطلاق " حروب نجمية " العام 1977 وإلى اليوم.

كنت في هوليوود عندما بوشر إطلاق الإعلانات السينمائية حول إعادة عرض الأجزاء الثلاثة سينمائيا. سمعت تصفيق الحضور، إقبال المشاهدين على إعادة الكرة ومشاهدة فيلم يشكل جزءا من ذاكرة القرن. لا حظت ذهول الشبان الذين لم يشاهدوا المسلسل السينمائي المذكورة على الشاشة الكبيرة من قبل، بل اكتفوا به على الفيديو.

قبل ثلاثة أيام من بدء عرض " حرب النجوم " في صالات السينما " في الثالث من شهر فبراير 1979 " كانت التذاكر في عدد من الصالات الـ 1800 التي اتفق على إعادة عرض الفيلم فيها قد نفدت.

إحدى الصالات الكبيرة الكائنة في منطقة وستوود " التي تحتوي على 10 صالات وما مجموعة 19 شاشة " أغلقت أبوابها في الساعة الحادية عشرة والأربعين دقيقة من ليل الخميس - الجمعة على عرض أخير لفيلم جاكي تشان الجديد " الضربة الأولى " الذي لم يلق إقبالا يذكر. عند باب الصالة كان صف من الجمهور بدأ في التكون على رصيف الصالة. نحو عشرة متيمين وصلوا ومعهم بطاطينهم وملاءاتهم وقهوتهم وإفطارهم. سيسهرون قدر ما يستطيعون وعندما ينعسون سوف ينامون بضع ساعات. في اليوم التالي سيكونون على أهبة شراء اقرب البطاقات الممكنة توقيتا عندما تفتح الصالة شباك تذاكرها في الساعة الحادية عشرة قبل الظهر.

سألت رجلا تجاوز الخامسة والعشرين عن السبب الذى من أجلة يشعر بأن عليه أن يبيت على الرصيف وهو الذي يستطيع بعد أيام شراء تذكرة ولو لعرض في الاسبوع المقبل. أجاب قائلا: " كنت في الثامنة من العمر عندما عرض " ستار وورز " لأول مرة لوم أتمكن من مشاهدته إلا فيما بعد على الفيديو. لا أود أن أنتظر أياما من قبل أن أراه لأول مرة على الشاشة الكبيرة. أريد أن أراه في أول حفلة صباح الغد إذا استطعت ".

آخر أكبر سنا يرتدي ما يقيه برد تلك الليلة تدخل قائلا : " رأيته قبل عشرين سنة. كنت في الحادية عشرة من عمري. أريد أن أراه مرة ثانية للمرة الأولى ".

وعبارة " شاهده مرة أخرى لأول مرة " استخدمت في الإعلانات وعني بها أن الذين سيشاهدون الفيلم للمرة الثانية أو أكثر، سيشعرون بأنهم يشاهدونه للمرة الأولى.

بناء على ذلك، وعلى حملة إعلانية تكلفت 20 مليون دولار، حسب مصدر في شركة " فوكس " جذبت صالات السينما عددا غفيرا من الناس متنوعي الأعمار، من الصغار الذين ولدوا من بعد 1977 كما من متوسطي العمر الذين هم من جيل هذا الفيلم أو أكبر قليلا.

والنجاح لا يقاس إلا بالإرقام : في الأيام الثلاثة الأولى من عرض الفيلم حقق " ستار وورز " نحو 36 ألف دولار " الرقم تحديدا هو 661.35.906 دولارا " وما إن انتهى الأسبوع الأول من العرض، حتى كان المجموع قد وصل إلى 46.481.438 دولارا.

والقصة لا تنتهي عند هذه الأرقام : في العام 1977 عندما انطلق هذا الجزء الأول، حقق نحو 323 مليون دولار في السوق الأمريكية وحدها بالإضافة إلى اكثر بقليل من 190 مليون دولار من السوق العالمية. الآن وبإضافة الحصيلة الجديدة، فإن الرقم صار يتجاوز نصف المليار من الدولارات. وإذا ما حسبنا قرابة 100 مليون دولار أخرى سيجمعها هذا الفيلم خلال جولته الجديدة، فإن حصيلة هذا الفيلم من الإيرادات ستزيد على ميزانية بعض الدول الصغيرة أو تتساوى مع ميزانية عدد من الدول المتوسطة. ولأن الجزأين الثاني والثالث تليا الأول بنجاحات مماثلة فإن ذلك كان كمن يقدم للآخر هدية هي عبارة عن آلة تدر المال بانتظام كل يوم ومن دون تكاليف تذكر.

في الواقع، نتذكر أن لوكاس أنتج هذا الفيلم بميزانية لم تزد على العشرة ملايين دولار. أضف إليها نحو أربعة ملايين دولار كتكلفة للحملة الدعائية حينها وخمسة عشر مليون دولار تكلفة الإنجازات التجديدية التي أضيفت على كل جزء، ثم عشرين مليون دولار تكلفة الحملة الدعائية الجديدة، تجد أن المجموع لا يزيد على دخل أسبوع واحد من العرض إلا قليلا.

من المهدر للطاقة السؤال عن السر في ذلك، ربما لأنه ليس هناك من سر. ربما أن كل المسألة هي عبارة عن فكرة ذكية نفذت بحماس واختلفت عن أي إنتاج سبقها، ثم حفظت لعشرين سنة في العلب ثم طورت وانطلقت من جديد كمارد يخرج من قمقمة. شركة فوكس لم يسبق لها أن عرفت نجاحا كهذا. المخرج لوكاس يستطيع أن يعيش كل حياته الباقية " هو في حوالي الثانية والخمسين من عمره " بلا عمل ويصرف 40 مليون دولار في السنة من دون أن يأتي على نصف ثروته " تبلغ بليوني دولار وهو بذلك - وحسب مجلة " فورتشين " الاقتصادية. الرقم السادس عشر بين أثريا الولايات المتحدة ". لكن لوكاس أذكى من أن يفعل ذلك. على العكس سينجز ثلاثة أفلام جديدة من السلسلة باشر بالعمل عليها منذ منتصف العام الماضي وستقترب أولها من سطح الأرض خلال العام الأخير من القرن، سواء كنا مستعدين لذلك أم لا.

كل هذا ولم أذكر المائة والخمسين مليون دولار التي ستعود عليه من جراء بيع المنتجات الترويجية " ألعاب، ملابس فضائية، ديكورات وماشابه ". كما لم أذكر بعد ان إيراد الجزء الثاني وعنوانه " عودة الجيداي " Return of The Jedi " حقق نحو 264 مليون دولار من السوق الأمريكية، وأن الجزء الثالث، " الإمبراطورية ترد الضربة " (The Empire Strikes Back ) حقق 223 مليون دولار أخرى من ذات السوق.

إضافات

هذا هو الجانب المالي من الصناعة.

الجانب التقني الذي صاحب إعادة إطلاق " ستار وورز" ينص على تحسين المؤثرات والخدع البصرية بتوظيف تقنيات الكمبيوتر " جرافيكس " خصوصا في مشهد لقاء هاريسون فورد، أحد أبطال الثلاثية بكائن من العوالم الأخرى اسمه جابا. في الأصل لم يستطع خبراء المؤثرات إنجاز المشهد كما تمت كتابته، فتم إلغاؤه، لكن لوكاس، الحريص على إعادة تحقيق ما خطط إليه أصلا، أنجز المشهد الذي يريد وعن طريق الكمبيوتر استطاع الجمع بين جابا والممثل فورد من دون تصوير مشهد جديد للممثل وهو أمر متعذر لكبر سن وبدن الممثل اليوم عما كان عليه حينها.

الصوت بدوره بات مجسما. النقلة التي شهدتها تقنية الصوت في الفترة ذاتها، تجعل من شريط الصوت الذي استخدم حينها " والذي كان مدويا على ما أذكر جيدا " يبدو قديما ومتآكلا بالمقارنة. الجديد يجعل للصوت وجودا شبه منفصل. إنه عنصر يقف بحد ذاته، وإلى حد قد يكون مزعجا أو مثيرا لتشتيت انتباه المتفرج.

وفوق المشاهد الصحراوية التي تم تصويرها في تونس آنذاك " تحت إشراف المنتج طارق بن عمار " تم تصوير مشاهد موازية في صحراء يوما في أريزونا.

إلى ذلك، فإن استخدام نسخة عمرها عشرون سنة يعني حتمية التغلب على ما يعيبها من علامات الزمن. إحدى هذه العلامات خطوط أفقية تظهر جلية في مشاهد المعارك الفضائية تعود إلى ما تم استخدامه حينها من خدع بصرية بدائية بمعايير هذه الأيام، لكنها لا تزال متقدمة كثيرا عما تستطيع نصف الدول المنتجة للأفلام إنجازه حالياً. للتغلب على هذه المعضلة تمت الاستعانة بالليزر لمحو تلك الخطوط. باختصار : النسخة الجديدة تبدو كأنما الفيلم صنع كليا هذه السنة لولا بعض المشاهد الداخلية التي يعيبها لون باهت في بعض الاحيان.

الرجوع إلى المستقبل

كل ذلك يضعنا من جديد أمام فيلم هو - فنيا وفكريا - يقوم على قدر كبير من التميز عما عداه من أفلام الخيال العلمي. نتحدث عن الفيلم الأول تحديدا، ولو أن مساحة الحديث عنه تمتد لتشمل الجزأين الثاني والثالث أيضا. فما نلحظة أولا في هذه المغامرة الفضائية التي من المفترض أن تقعد في أحداثها في المستقبل " إن لم يكن لشيء فبسبب استيطان الفضاء والتنقل بين أرجائه، ناهيك عن القيام بالحروب بين جهاته ومخلوقاته" تبدأ بالحديث عن الماضي. الكلمتان الأوليان اللتان يتفوه بهما الفيلم هما " منذ زمن بعيد" (Long Ago ) فكيف يكون من زمن بعيد إذا ما كانت الأحداث مستقبلية ؟

الجواب في أساس الفيلم ذاته. فالمستقبل الذي يتحدث عنه الفيلم هو ماضيه الذي ما زال كامنا أمامنا. لكن الاختيار - اختيار هذا النوع من التقديم والتأخير - مقصود. ذلك لأن العالم الذي نراه ليس عالما تكنولوجيا متطورا إلى حد مذهل، بل إن بعض مخترعاته تبدو تطويرا لآلات حاضرة هي ربما أكثر تطورا مما على الشاشة.

خذ مثلا " الروبوت" الذي اسمه R2 - D2 تجده عاديا في مزاياه، قابلا للعطب والعطل. إذا وقع خشيت عليه من عطل يصيبه، وإذا تلقى اشعة من سلاح ما كان في ذلك ما يقارب هلاكه. كذلك الامر بالنسبة إلى " الأندرويد" C - 3po فهو محدود القدرات الجسدية وقريب العطب أيضا.

كلاهما، " الروبوت" و " الأندرويد"، مستخدم للوقوف إلى جانب الأخيار في الفيلم، لذا فإن المجال هنا مقصود به تأييد عصر ما قبل الحداثة التقنية المطلقة، حداثة مازالت في مطلع عهدها وتحتوي على احتمالات قصورها إزاء وظيفتها بصورة كاملة كأي إنسان منا.

تتحدث القصة، التي لها دلالاتها العميقة في مسألتي الحداثة والزمن هنا، عن شاب أبيض اسمه لوك سكايووكر " مارك هاميل " يبحث عن الحكمة والشخصية الخاصة به القائمة على الإيمان المطلق. في خلال مسعاه يصطدم، وهذا هو عنصر مشترك نجده في القصص الخيالية التاريخية والسيناريوهات التي تقوم على البطولات الأخلاقية، بالمصاعب والمخاطر. فهو ينطلق لمسعاه في حماس مزودا بإرشادات أحد الحكماء، واسمه بن كانوبي " اليك غينيس". وبتصميمه على إنقاذ الاميرة البيضاء ليا " كاري فيشر" حيث ينضم إليه لاحقا الفارس الأبيض هان سولو " هاريسون فورد". الثلاثة يقررون محاربة إمبراطورية دارث فادر " رجل طويل مقنع يرتدي اللباس الأسود وله مهابة وسلطة رهيبة" ويتنافسان - من حين لآخر على كسب ود الأميرة. المعركة الأخيرة تقع بين الأخيار الثلاثة ومجموعة ملاحيهم الفضائيين وبين جنود الشرير دارث وتنتهي بانتصار الخير على الشر كما في أحسن القصص التقليدية.

قصدت ذكر لون بشرة الأبطال الثلاثة لأن إمعان الفيلم في التوجه صوب الحكاية ذات المراجع التاريخية الكلاسيكية بالنسبة للبيض واضح وينص على استبعاد الملونين. سودا كانوا أم من بشرات أخرى. هذا لا يعني عدم وجود عنصر أسود " في دور ثانوي " لكن اشتراكه دوما محدود في نطاق الاشتراك مع شريكة أوبي وأن المصنوع على شاكلة كينج كونج سيفر قلما نراه مع آدميين.

ومسألة العود إلى الحكاية الكلاسيكية واضحة ايضا من مفهوم مايرويه الفيلم. أبطال " ستار وورز" والجزأين الآخرين " عودة جيداي " و " الإمبراطورية ترد الضربة" ليسوا من أولئك الذين يمكن أن نجدهم في أفلام مستقبلية كثيرة أخرى.

أولا هم ليسوا مثقفين، وثانياً هم ليسوا خالين من المشاعر الفطرية.

الثقافة والخلو من المشاعر والأحاسيس الفطرية لا يجتمعان بالضرورة في شخصية واحدة، لكن هذا لا يعني أنهما لا يجتمعان أبداً. فإذا اجتمعا في فيلم واحد، فإن ذلك يكون من باب الهجوم على المثقفين عموما. إذا لم يجتمعا، فإن المثقف في أفلام المستقبل كثيرا ما يخسر المعركة لصالح شخصية فطرية. إذا ربح، فإنه يربح ضد المجتمع بأسره وذلك من خلال مسعاه لنقل تفكير الناس إلى المرحلة المتقدمة وكرد على محاولة فاشية جديدة لإحراق الكتب وإعدام المثقفين ( " فهرنهايت" مثلا ).

لكن أبطال حلقات " ستار وورز" هم غير مثقفين إنما أيضا غير خالين من المشاعر الفطرية. على العكس يحاولون التصدي لحكم سلطوي دكتاتوري ولو عن طريق ثورة. هؤلاء هم خلاصة أبطال الأمس مثل عنترة وروبين هود " ولو أن المرء لا يتوقع أن يكون صانعوا الفيلم عرفوا فارسنا المغوار". أبطال هذه الحلقات آدميون لديهم أحاسيس وضمير حي ومواقف اخلاقية. لديهم الانفعال المطلوب للأحساس بأهمية الموقف الأخلاقي. عندما ينفصل هان سولو عن صديقيه يؤنبه ضميره فيعود إليهما. إذن هو إنسان ذو ضمير. كذلك فإن وقوعه في حب الأميرة، كما حال سكايوولكر، هو ممارة لإحساس لا تمحوه سنوات المستقبل الذي يتحدث عنه الفيلم، لأن هذه السنوات هي مستقبل فقط بالنسبة إلينا وماض بالنسبة لموقع الراوي مما يرويه.

في المقابل، فإن كل ما يرتبط بإمبراطورية دارث فايدر، هو شكل جسدي من دون روح. دارث - إذا ما خلعت عنه لباسه - قد لا يكون أكثر من هيكل، أو قد لا يكون هناك شيء ملموس ومرئي تحت ذلك الرداء الأسود الفضفاض والقناع المعدني القوي. كذلك فإن التقنية التي يستخدمها هو ورجاله " المماثلون في خلوهم من عنصر الحياة" تتلائم والنفس الشريرة التي يتحلون بها وكأنما الفيلم يريد أن يقول إن كل ما هو تقني متقدم هو شر متقدم أيضاً.

قبل ذلك وبعده، فإن " ستار وورز" في أجزائه الثلاثة هو ترفيه على النحو الامريكي الخالص. المعارك ليست عنيفة بل فقط ضوضائية. ليس هناك من عنف ولا دم مراق ولا كلام بذيء والشخصيات " الطيبة والشريرة على حد سواء " قريبة من شخصيات الكوميكس في الأربعينات والخمسينيات.

إنه عبارة عن قصص متراصة من الفروسية القديمة في عصر لاحق ليس بعيدا هو أتون الصراع ما بين الخير " الذي يتضمن البطولة والتضحية والحب والمشاعر الإنسانية الطيبة"، والشر " وهو المجسد بالرغبة في الانفراد بالسلطة وتوظيف القدرات التقنية للتدمير".

الأجزاء الثلاثة التي بوشر العمل عليها بالفعل، ليست تكملة للأجزاء السابقة، بل تسبر غور المراحل السابقة لتتحدث عن تاريخ ما قبل أحداث السلسلة المنتجة بالفعل.

جورج لوكاس إنسان لا يفصح عما يخبئه ونحن لن ندعي أننا نعلم أكثر مما أوردنا في هذه القراءة.

 

محمد رضا
  




السينما تصور العلاقة بين الإنسان والكائنات المختلفة





كائن الموت





أميرة الكوكب المفقودة





رجال الرمل





الامبراطور وحاكم الكوكب





أحد حراس الإمبراطور





قاعدة يافينه





شوابيكا كائن من كوكب الأدغال





فارس الفضاء