أثر التجربة الفرنسية في المسرح المغربي.. الطيب الصديقي نموذجاً

أثر التجربة الفرنسية في المسرح المغربي.. الطيب الصديقي نموذجاً
        

          منذ دخول المسرح للعرب من بيت مارون النقاش عام 1848 والى يومنا هذا لم ينقطع التأثير الغربي، على المنطقة العربية برمتها، إذ استمر هذا التأثير ليومنا هذا، بل هناك تقليد لتجارب مسرحية كاملة أو مشروع مسرحي متكامل، مثل تجربة محترف بيروت للمسرح لروجيه عساف ونضال الأشقر، المسرح الجديد لفاضل الجعيايبي وفاضل الجزيري، اللذين قاما بتقليد كل مشروع مسرح الشمس لاريان منوشكين.

          الواقع أنه لم يختلف تعرف المغاربة على المسرح ، عن بقية البلدان المغاربية والعربية الأخرى، إذ إن طرائق الاكتشاف متشابهة تقريبا في أغلبها، إما عن طريق الحملات الاستعمارية التي اجتاحت المنطقة، من خلال استقطاب المستعمر للفرق المسرحية من أجل الترفيه عن جنوده، أو عن طريق الفرق العربية الزائرة.

          وبشكل عام فإن الفرق العربية لم تكن تحمل هويتها الخاصة بقدر ما كانت تعمل بطرق وأدوات غربية، طريقة استنساخية، تقليدية، أغلبها وجدت في مسرحيات الكاتب الفرنسي مولير ملاذها الأكثر بوحا للتعبير عما يدور في خلجاتها، لما تحمله من سخرية اجتماعية لاذعة، وأيضا فإن  (سخريته كانت تستجيب لرغبة التغير عن العرب)، وهذه الفرق المسرحية المصرية مثل:

          - فرقة فاطمة رشدي، جورج أبيض، الشيخ سلامة.

          كانت تقدم عروضها باللغة العربية، على الطريقة الغربية، وأيضا كانت مصدر إلهام للمغاربة بالتعرف على العرض المسرحي.

          بالرغم من أن المغاربة قد عرفوا فنون الفرجة مبكرا، عن طريق الاحتفالات الشعبية والأشكال الفرجوية مثل (الحلقة، البساط، سيدي الكتفي، سلطان الطلبة)، لكنهم اكتشفوا العرض المسرحي من خلال تلك الفرق الزائرة (....... ونستطيع أن نقول إن سنة 1923 هي أول فترة سجلت ميلاد المسرح بالمغرب، .......)، إن كانت تلك الزيارات للفرق العربية أو الأجنبية، وبما أن المغرب في تلك الفترة تحت سيطرتين الفرنسية والإسبانية، أدى هذا إلى الجدل تاريخيا حول الشرارة الأولى للمسرح المغربي، منهم من قال بأنها كانت في الجانب الإسباني وبالذات في طنجة عام 1912، وآخر ذهب بأنها كانت من فاس ومن ثانوية مولاي إدريس عام 1923، وهذا الرأي تبناه من هم تحت السيطرة الفرنسية.

          نستشف من كل ذلك بأن المغرب لم تتعرف على المسرح، بالمعنى الحرفي للمسرح، كعرض مسرحي متكامل، إلا في بداية القرن العشرين، ولم يكن هناك وجود لعروض مسرحية مغربية باستثناء المظاهر الدرامية الشعبية المنتشرة في أغلب المدن المغربية، وإن كنا نرى في بعضها الكثير من الدراما واللعب، ولكننا نتحدث عن العرض المسرحي بالمعنى الاصطلاحي للعرض المسرحي، وبقصديته الفرجوية، بل كانت الفرق المسرحية القادمة من إسبانيا وفرنسا والقاهرة، هي من عرّفت المغاربة بالعرض المسرحي.

          ولعله من البديهي أن تترك التجربة الفرنسية أثرها في المسرح المغربي ورجالته ، نتيجة للفترة الطويلة التي قضاها المستعمر الفرنسي في المغرب، حيث لعبت اللغة الفرنسية عاملا مؤثرا بذلك التأثير، لسهولة الوصول للمصادر الفرنسية، وكان لفوازان الفضل في تكوين الكثير من الشباب المغربي مسرحيا، ويبرز لنا اسم الصديقي من ضمن تلك الأسماء.

جان فيلار والمسرح الشعبي

          أحدثت الثورة الصناعية في القرن التاسع عشر ردة فعل عنيفة على كل الأصعدة في الغرب، ونتيجة لما تركته من ترسبات، شاعت فكرة تشكيل نقابات العمال، لحماية أعضائها، وهنا تبلورت فكرة المسرح الشعبي، والذي كان يسعى برغبة شديد في عودة الروح الاحتفالية والطقسية التي كان عليها المسرح قبل ذلك، رغبة استعادة الاحتفالات الدينية والطقسية والشعبية العفوية، وكذلك الاحتفالات الوطنية، وذلك بهدف توجيه المسرح إلى الجماهير.

          ويعتبر الفرنسي موريس بوتيشير(1867-1960) أول من شكل مسرحاً للشعب في مقاطعة الفوج في فرنسا، والذي كان يقدم عروضه في الهواء الطلق، ولكن لم تتبلور فكرته بشكل كامل إلا مع المخرج الفرنسي جان فيلار (1912-1971)، والذي (أجرى تغيرا جذريا في بنية المسرح انطلاقا من رغبته في الوصول إلى أكبر عدد ممكن من الناس من خلال تغير شروط العرض والإخراج، وتقديم شيء مختلف للجمهور الشعبي، وهذا ما قصده بتعبير «المسرح خدمة عامة».....).

          وامتد المسرح الشعبي من فرنسا إلى ألمانيا في نهاية القرن التاسع عشر، على يد المخرج إروين بسكاتور، وبرتولد بريشت، اللذين لعبا دورا أساسيا (في تطوير المسرح الشعبي. على الرغم من أنهما لم يذكرا في كتاباتهما النظرية تعبير المسرح الشعبي الذي انطلق منه الفرنسيون ، إلا أن الصيغ المختلفة التي اقترحاها مثل المسرح البروليتاري، والمسرح السياسي، والمسرح التحريضي، والمسرح الملحمي، كانت تصب جميعا في المنظور نفسه.

          ولم يكن المسرح العربي بمعزل عن طروحات المسرح الشعبي. خاصة وأن أغلب الشعوب العربية واقعة تحت السيطرة الاستعمارية، وتعاني مرارة الاضطهاد والتهميش في بلدانها، خاصة بعد المد اليساري في الستينيات من القرن الماضي، بزغ إشعاع المسرح الشعبي فيها، وكانت هناك دعوات لتوجيه المسرح إلى الجماهير، وأيضا الاستفادة من المظاهر الدرامية في المجتمعات العربية، كان توفيق الحكيم و يوسف إدريس في مسرح السامر الريفي، والحكواتي والراوي، وسعدالله ونوس في المسرح التسيسي، لكن يبقى المسرحي المغربي الطيب الصديقي عرابا للمسرح الشعبي في الوطن العربي برمته.

خيط الحرير في يد الطيب الصديقي

          تشرب الصديقي بطروحات المخرج الفرنسي جان فيلار، والتيارات الحديثة التي كانت باريس الرحم الأول لها، واجتهد كثيرا بأن يستفيد من نصيحة أستاذه فيلار بعد أن أنهى تكوينه في فرنسا (أن ينسى ما شاهده في فرنسا وأن يتذكر التقنية فقط وأن يتعلم الفن، الصحيح من شعبه)، تلك الكلمات التي عرف الصديقي كيف يستثمرها بمشروعه المسرحي، وكانت تجربة المسرح العمالي هي بداية هذا الاشتغال المسرحي المهم، والذي كانت أولى خطواته:

          - عمل ربيرتوار مسرحي متكامل، معظمه مقتبس عن المسرح العالمي، ويتعبر ذلك من أهم الخطوات التي رسخت بقوة تجربة الصديقي المسرحية.

          - برنامج المناقشات الحوارية بعد كل أمسية مسرحية، وهذا هو الهدف الأسمى لمشروع المسرح الشعبي، من خلال ما ذكرناه سابقا، وهو نقل المسرح إلى الجماهير، بدلا من بقائه مسرحا للنخبة البرجوازية.

          - الاشتغال في الربيرتوار على نصوص عالمية واقتباسها، وتوظيفها وفق متطلبات المرحلة التي يعيشها المجتمع المغربي.

تأثيرات فرنسية

          لكن من الصعب جدا عند الحديث عن تجربة الصديقي، بمعزل عن كل تلك المصادر الفرنسية، وتاثيرها عليه، وهي:

          - فوازان.
          - جان فيلار.
          - المسرح الوطني الشعبي.

          وهذا لاينكره هو شخصيا، لايمكن أن نقر بأن تجربة الصديقي هي تجربة مغربية خالصة، ذات خصوصية عربية / مغربية، انطلق وفق رؤية تأسيسية لنظرية مسرحية حديثة، تسعى لإيجاد خصوصيتها وسماة بقائها، وبالرغم من قناعتنا برأي الناقد اللبناني بول شاوول الذي يقر بـ(تجمد معظم المسرحيين العرب في حلول إخراجية عشرينية - ثلاثينية أو براندوللية  الاستلهام، المتمثلة بمحاولة كسر الإيهام المسرحي من ناحية، وكسر الحواجز بين المتفرج والخشبة، والشارع، والساحة، ....... أو العمل ضمن ما يسمى المسرح داخل المسرح، أو توغلا في التأثر الانفتاح الجزئي على بعض التجارب الطليعية كتجربة (مسرح الشمس) الذي أسسته منوشكين.... لكن المشكلة أن المخرجين العرب استساغوا هذه النماذج الجاهزة، فأطروها وحبسوا أنفسهم في أطرها).

          هذا الكلام فيه الكثير من الصحة، وإن كان فيه قسوة كبيرة، لكن من المؤكد هناك استثناءات ومن هذه الاستثناءات تجربة الصديقي، لأنه سعى بقصدية عالية وبوعي متقد لتطويع المناهج الغربية في تجربته المسرحية.

أثر العبث

          كانت فرنسا حاضنة مهمة للكثير من التيارات الثقافية الحديثة منذ أواخر القرن التاسع عشر والتي كانت فيها الرمزية، المفصل الذي نقل الأدب والمسرح العالمي من الإيهام إلى الايحاء، قاد الرمزيون ثورة جمالية بصرية هزت عرش الواقعية والطبيعية التي تسيدة على المشهد المسرحي العالمي برمته، نتيجة ذلك كان الإبهار والإدهاش البصري في العرض المسرحي، وبعده السريالزم الحديثة التي بلورها أندريه بريتون، ومن ثم مسرح القسوة، وبعده مسرح العبث، أو دراما اللامعقول، والذي نجد طروحاته على أغلب الساحات المسرحية في العالم.

          وقد امتاز أدب العبث في غياب الترابط المنطقي بين أجزاء العمل، وانفلات الزمن والمكان، رفض كل مظاهر الإرث الكلاسيكي في الكتابة مما يؤدي إلى اضطراب المعنى، العمل فيه ينحو منحى الغرابة وعدم العقلانية، وهذا يبدو منطقيا إذا عرفنا بأن ارتباط العبث في القرن العشرين بحوادث تاريخية كارثية ودموية، المتمثلة في الحربين العالميتين، تداعيات الفكر النازي، طغيان سيطرة الآلة في العصر الصناعي، غربة الإنسان عن إنسانيته، غربته داخل المجتمع، بعد أن قوضت كل تلك الأحداث العلاقات الإنسانية داخل المجتمع، وهذا ما نجده في كتابات جان جينيه وخاصة في مسرحية الخادمات على لسان سولانج وكلير.

          كل هذا ساهم في صعود تيار العبث، كفعل كتابي جديد في عالم مضطرب، فعل جديد صادم لكل المظاهر الحياتية والثقافية.

في انتظار جودو

          بعد تجربته في المسرح العمالي امتلك الصديقي هويته المسرحية كصانع جمالي ماهر ومتمكن، ومؤثر في حركة المسرح المغربي التي بدأت تتلمس خطوات وجودها الفعلية بعد الاستقلال 1956، وبعد الاستقلال بعام عاد إلى بلده، بعد أن أنهى تكوينه المسرحي.

          وكانت مسرحية بيكيت (في انتظار جودو) أولى خطوات الصديقي ضمن هذا المنهج، كان هدفه الإنسان حاله حال أصحاب دراما اللامعقول، لهذا (مَغرب) النص ليكون (في انتظار مبروك)، لكنه حافظ على الجو العام للمسرحية وفكرتها الفلسفية، أراد أن يصدم المشاهد والوسط المسرحي بهذه التجربة التي شكلت حضورا مهما للصديقي كمخرج طليعي مجرب ومجتهد.

          أخذ الصديقي الفكرة الفلسفية للنص الأصلي، وأسقطها على الواقع المغربي بمهارة كبيرة، لأن الوضع متشابه، كون المغرب في ذلك الوقت يعاني تداعيات الاستعمار الفرنسي، ألبس العرض لباسا مغربيا، ابتداء من الشخصيات وانتهاء بلغة العرض التي كانت اللهجة المغربية الدراجة، وقد اقتربت كثيرا من لغة بكيت الفوتوغرافية المقتضبة، وهذا يكون أول حضور لمسرح العبث في المسرح المغربي، الذي كان يتلاطم بأمواج التقليد والاقتباس للمسرح الغربي.

أمديه أو كيف التخلص منه

          بعد تجربة (في انتظار جودو)، عاود الصديقي نشاطه في مشروع المسرح الشعبي، وفي هذه الفترة قدم مسرحيات (مبروكة، محجوبة، لعبة الحياة والمصادفة) معتمدا على المسرح الواقعي في آلية الاشتغال، ثم انتقل لعملية اشتغال جديدة وهي الاستفادة من التاريخ العربي والتراث، وتوظيفه مسرحيا، بأدوات جديدة، ولكن بتقنية غربية، فظهرت لنا عروض (معركة الملوك الثلاثة، المغرب واحد، سلطان الطلبة، سيدي عبد الرحمن المجذوب، ومولاي إسماعيل).

          عاد بعدها ليؤكد رسوخ تيار مسرح العبث في تجربته المسرحية، فأخرج مسرحية يونسكو (امديه او كيف نتخلص منه)، والتي أصبحت فيما بعد (مومو بوخرصة)، والتي نجد في حكايتها، بعد حقيقي عن المجتمع المغربي، وعن مشكلاته وهمومه اليومية، هي حكاية زوج وزوجته لم يغادرا منزلهم منذ خمسة عشر عاما، يحصلان على طعامهما من خلال النافذة، بالرغم من هذه العزلة لكن الزوجة مادلين كانت تتصل بالعالم الخارجي من خلال عملها علي مقسم الهاتف والذي يتيح لها بإرسال نداءات إلى مكتب رئيس الجمهورية. كانت هذه المسرحية أشبه بالحلم، وجاء بها يونسكو إلى الخشبة، وهذا ما لايتفق مع طروحات المسرح الواقعي الذي لا ينطق بالأحلام، والأحلام لا تنقل أفكارا بقدر ما تنقل صورا، احدى هذه الصور على الخشبة التي تتنامى داخل الغرفة/المنزل.

          ولجأ الصديقي لاقتباس معظم أفكار المسرحية وأضاف عليها الجو الكوميدي، من أجل تبسيطها للمتفرج المغربي، وأيضا لكونها مسرحية ثقيلة بحكايتها وفكرتها، لكنه حافظ على فكرتها الفلسفية / كما فعل في مسرحية بيكيت في انتظار جودو.

          عرف كيف يوظف أدوات مسرح اللامعقول، فنراه يستبدل الجثة بساق كبيرة تكبر وتنمو باستمرار، حتى تحتل البيت بأكمله، بينما عند يونسكو تخرج من النافذة، لقد عمل الصديقي لإنجاح تجربته هذه من خلال فهمه واستلهامه لمسر ح العبث، وتنفيذه بطريقة واعية.

          نستشف من هذا بأن الصديقي كان ذا عقلية إخراجية فذة، عقلية لا تشبه أقرانها من المخرجين، كان يعمل بقصدية، ويعرف كيف يوظف أدواته الاشتغالية.

          لكن الهدف الذي نريد أن نصل إليه هو مدى التأثير الفرنسي في تجربته المسرحية بشكل خاص ومن ثم تداعيات ذلك الأثر على تجربة المسرح المغربي بشكل خاص.

          من الطبيعي جداً أن يترك ذلك أثره في تجربة الصديقي والمسرح المغربي، ومهما استطردنا عن ذلك التأثر فيبقى أن نشير لجراءة الصديقي ومغامراته الإخراجية، بإحضار تجربة مسرحية جديدة، وهي مسرح العبث للمسرح المغربي، بالرغم من أن المسرح المغربي مازال في بدايات تكوينه الأولى، لايزال وقتها يردد ما وصله من عروض وربيرتوارات عربية وأجنبية على مسارحه.

مسرح غربي بعباءة عربية

          لكن هل من أجل مسرحية مغربية لبحث في منابع التراث، يخلق تجربة مغربية/عربية خالصة؟

          هذا هو السؤال المهم، خاصة واذا عرفنا بأن حتى هذا البحث، قد ساهم فيه المسرح الغربي، وهنا نستشهد بتجربة الفرنسي (فوازان)، وربط أعماله المسرحية التي قدمها في المغرب، بالتراث المغربي.

          لايمكن اعتبار المسرح الذي يرتدي عباءة عربية، أو زيا تراثيا، هو مسرح مغربي أو عربي بامتياز، مادامت أدوات الاشتغال هي غربية بامتياز، ليس مهما أن يكون العمل المسرحي نابعا من التراث، أو نابعا من التاريخ العربي، كي يأخذ خصوصيته المسرحية، مادام أنه سار وفق التيارات الغربية، خاصة أن المسرح المغربي مازال للآن يسير وفق تلك التأثيرات الغربية وخاصة المسرح الفرنسي، وهذا ما نلاحظه في العروض التي تقدم في المواسم المسرحية على الساحة المغربية،  حيث نجد حضور مسرح العبث كثيفا، بل وكثيفا جدا، وأغلبه سار على الطريق نفسه الذي انتهجه الصديقي، بالاقتباس وإنزال النص للدارجة المغربية، ليس هناك جديد على مستوى الاشتغال، لأن اللهجة لا تصنع خصوصية مسرحية، بقدر ما ترسخ الاستنساخ والتكرار، وهذا الكلام لا ينطبق على تجربة المسرح المغربي لوحده، بل على أغلب البلدان العربية والمغاربية التي تتعاطى مع المسرح كفعل تطويري وتنويري داخل المجتمع، ومع الأسف الشديد هذا هو واقع الحال، حيث (... إن المسرح العربي لايزال يلوك ما تبقى في ذاكرته من يونسكو وأربال، وما تجمد في عقله وخياله من برشت).

          حتى لو كانت العروض تستخدم في عروضها المظاهر الفرجوية الشعبية، فإنها تعمل وفق الطروحات الغربية، وهذا ما نجده بكثافة في تجربة الصديقي، مسار اشتغالاته سارت وفق ذلك التأثير الفرنسي الذي ابتدأه في المغرب مع فوزان، ومن ثم سفره لباريس للتكوين المسرحي على يد جيميه وجان فيلار، هذا التكوين، ما هو إلا خيط الحرير الذي أمسك به الصديقي، والذي أحدث نقلة كبيرة في مسيرته الشخصية ومسيرة المسرح المغربي، وبنظرة نقدية سنجد بأنه سار وفق طروحاتهم المسرحية، عروضه الجماهيرية، الأجواء الاحتفالية والطقسية والدينية للمسرح، كل ذلك هي مقترحات المسرح الشعبي وجان فيلار بتقريب المسرح إلى الجماهير، وتغير شروط العرض والإخراج، اشتغاله على المظاهر الفرجوية الشعبية والتراث والموروث، كانت موجودة في عروض فوازان، حتى إن تجربة مسرح الناس الجوال، هي تجربة تنتمي إلى المسرح الفرنسي، وبالذات إلى المخرج (فيرمان جيميه)، الذي ذهب بقطاره إلى المناطق البعيدة عن المركز من أجل تقديم عروضه المسرحية.

          ونحن هنا لسنا بصدد محاكمة قامة مسرحية بحجم الطيب الصديقي، لكننا نبحث عن آثار التجربة، وتأثير المسرح الغربي، هذه التأثيرات هي من عرفتنا بشيء اسمه المسرح، ولا نجد عيبا أو مأخذا بذلك، لكن علينا أن نقر بأننا لا نملك خصوصية مسرحية، ولسنا أصحاب نظريات مسرحية خالصة، حتى لو كانت عروضنا المسرحية، ترتدي الأزياء العربية.

          ونجد بأن أغلب الطروحات العربية والمغاربية التي سعت لخصوصية مسرحية انطلقت أولا من التجارب الغربية، ومن ثم بنت طروحاتها، وتبنتها كمشروع شخصي، وهذا ما نجده عن توفيق الحكيم ومسرحه الذهني، ويوسف إدريس وسامره الريفي، وسعدالله ونوس ومسرحه التسيسي، وغيرها الكثير، ولعل آخر (فتح مسرحي)، هو ما تنادي به الاحتفالية، وهي أنها نظرية مسرحية عربية خالصة، وهذا شيء مثير للغرابة حقا، إذا عرفنا بان كل مصادر الاحتفالية هي مصادر غربية بامتياز، بل إنها هجين مسخ، لكل تلك الطروحات الغربية.

 

 

أحمد شرجي   





الطيب الصديقي





 





مسرح غربي بعباءة عربية





عرف الصديقي كيف يوظف أدوات مسرح اللامعقول في عروضه





اللهجة لا تصنع خصوصية مسرحية