مركز الإمارات للبحوث الاستراتيجية بأبوظبي

 
مركز الإمارات للبحوث الاستراتيجية بأبوظبي

لم تكن الخضرة الممتدة كبساط، ولا الكرم العربي الأصيل بحميميته ودفئه وحفاوة استقباله، هي التي أدهشتنا، ولا كانت مظاهر الحياة الضاجة بالألق والجمال والتناسق الرائع، فقد كان بانتظارنا حين هبطنا " أبوظبي " عاصمة دولة الإمارات العربية المتحدة البديعة.. ما هو أكثر جمالا.. وبهجة.

كان لابد من أن نذهب إلى " أبو ظبي " التي تحتضن مركزاً عربيا مهما للبحوث والدراسات الاستراتيجية، بعد أن دعانا " المركز" للمشاركة في مؤتمره السنوي الثالث، والذي خصصه هذا العام لاستعراض موضوع غاية في الأهمية، عن " ثورة المعلومات والاتصالات وتأثيرها في المجتمع والدولة في العالم العربي".

فبقدر ما يمثل الاجتماع فرصة للاطلاع على آراء مهمة لخبراء ومفكرين في موضوع مصيري، لم يعد أمامنا إلا مواجهة التحدي الذي يفرضه علينا واستيعاب أدواته، فإن هذا اللقاء كان أيضا فرصة لنا لإعادة دفق المزيد من الود تجاه أشقاء تكن " العربي " لهم كل التقدير.

الدعوة أتت في إطار الأنشطة المهمة التي يضطلع بها هذا المركز الذي استطاع منذ إنشائه في 14 مارس 1994 أن يقدم إنجازات رائدة في مختلف مجالات الأنشطة العلمية والبحثية.

في مبناه الذي يضفي على النفس راحة محببة، والذي تم تجهيزه بأحدث وسائل العلم الحديثة، كانت لنا جولة، حاولنا من خلالها التعرف إلى هذا الصرح المعلوماتي شديد الأهمية، قبل أن ننطلق في اليوم التالي للمشاركة في فعاليات المؤتمر المهم أيضاً، والذي يشارك فيه نخبة من كبار الخبراء والكتاب والمفكرين.

في البداية، أدهشنا مدير المركز الدكتور جمال السويدي حين ذكر لنا أنه برغم عمر المركز الذي لا يزيد على السنوات الثلاث، فإنه استطاع أن ينظم ما يزيد على 41 محاضرة، و 3 ندوات و 13 حلقة دراسية إضافة إلى ثمانية مؤتمرات، إلى جانب إصدار 7 كتب و 16 دراسة تناولت العديد من الموضوعات في مجال الدراسات الاستراتيجية.

الدكتور السويدي بحماسه الشديد تحدث عن إنجازات المركز الأخرى وأشار إلى أنه تمكن من توظيف تكنولوجيا المعلومات والاتصال، فهو يملك حاليا العديد من أقراص الكمبيوتر المبرمجة التي تضم قوائم الكتب والدوريات وعناوين الأبحاث الأجنبية، وهو الأمر الذي يقدم خدمة كبيرة للباحثين في مختلف المجالات والتخصصات في العلوم الاجتماعية، في الوقت الذي أضاف فيه المركز إنجاز آخر هو إعداد المرحلة الاولى من قاعدة المعلومات عن دولة الامارات عبر شبكة " الانترنت " العالمية، فيما يتم العمل حاليا على دعم هذه القاعدة المعلوماتية لتصل إلى أكثر من عشرة الاف صفحة في المراحل القادمة.

وعندما سألنا د. السويدي عن الأهداف التي يتوخى مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية تحقيقها، واصل حماسته قائلا : إنها تتمثل في تشجيع البحث العلمي النابع من تطلعات واحتياجات مجتمع دولة الإمارات، إلى جانب تنظيم الملتقيات الفكرية ومتابعة التطورات العلمية ودراسة انعكاساتها وإعداد الدراسات المستقبلية، إضافة إلى تبني البرامج التي تدعم تطوير الكوادر البحثية الوطنية، والاهتمام بجميع البيانات والمعلومات وتوثيقها وتخزينها وتحليلها بالطرق العلمية الحديثة، والتعاون مع أجهزة الدولة ومؤسساتها المختلفة في جميع المجالات الدراسية والبحثية والعلمية.

وهنا أشار إلى أن المركز عزز من نجاحاته من خلال ثلاثة مجالات شملت البحوث والدراسات، إلى جانب إعداد وتدريب الكوادر البشرية إضافة إلى خدمة المجتمع، في الوقت نفسه يهتم بمتابعة التطورات التي تستجد على الساحة المحلية والإقليمية والدولية خاصة التي لها انعكاسات على أوضاع دولة الإمارات وسياستها ومصالحها وعلى واقع منطقة الخليج العربي ذات الأهمية الاستراتيجية المتزايدة. ويضيف د. جمال السويدي ان المركز يعمل على استخلاص مغزى وأهداف هذه التطورات والانطلاق إلى تحديد بعض التوقعات العلمية والنتائج المستقبلية.

وبينما نجح المركز في إعداد برامج سنوية لاستضافة النشاطات الثقافية المتنوعة التي وفرت مناخا لإكساب الكوادر فيه خبرات في مجالات العلوم البحثية، فإنه نجح ايضا في توفير إمكانات تقنية شملت قاعة اجتماعات مزودة بأحدث ما توصلت إليه تكنولوجيا الاتصالات، من أهمها شبكة المعلومات المتخصصة في بث البرامج السياسة والاقتصادية والثقافية، وقد اشترك المركز فيها سواء في الاستقبال أو إعادة البث، وقد وفرت تلك الشبكة إمكان إجراء حوار إلكتروني مباشر عبر الأقمار الصناعية بين الحضور داخل قاعة الاجتماعات والضيوف الموجودين في استديوهات المحطة التليفزيونية في أي بلد.

بالإضافة إلى ذلك فإن المركز يستقبل نحو 100 قناة تليفزيونية قضائية عبر الأطباق اللاقطة، كما يستخدم الحاسب الآلي بالإضافة إلى الأجهزة السمعية والبصرية.

وإلى جانب قيام مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية بمساعدة اجهزة الدولة والمؤسسات المختلفة في مجال المشاريع البحثية التي تتناول الموضوعات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. فإنه وفر للشباب برامج للبعثات والمنح الدراسية بالإضافة إلى تبني نشاطاتهم العلمية، كما أنه أوجد فريقا من الباحثين المتخصصين بعد أن صقل مهاراتهم البحثية والتطبيقية من خلال برامج أعدها لهم وقام بتنظيم دورات دورية لتطوير أداء الباحثين، إلى جانب نجاحه في دعم وتطوير الموارد البشرية عن طريق توفير التعليم والتدريب لأبناء دولة الإمارات من خلال إعداد البرامج التدريبية في مجالات دراسة القضايا والمشكلات التي تواجه وطنهم.

ادارة الموارد

وحول أهمية إنشاء مراكز للدراسات والبحوث في الدول العربية، والتي تعد التجربة الإماراتية نموذجا جيدا لها في إطار سعي الدولة لزيادة ثقلها الحضاري عن طريق تفعيل الأنشطة الثقافية في حقول البحث والمعرفة، سألت " العربي " رئيس أركان القوات المسلحة في دولة الإمارات والذى رعى فعاليات المؤتمر السنوي الثالث حول " ثورة المعلومات والاتصالات "، عن بداية الفكرة فأوضح قائلا "

إن فكرة إنشاء مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية جاءت من منطلق الرغبة الصادقة في إيجاد المؤسسات الحديثة القادرة على دعم الجهود العلمية الرامية إلى خدمة التنمية الاقتصادية والاجتماعية الشاملة التي تتبناها الدولة، من خلال دراسة وتحليل قضايا التنمية والتحديث في مجتمع دولة الإمارات ومنطقة الخليج على وجه التحديد، وفي جميع أنحاء عالمنا العربي والساحة الدولية على وجه العموم. وبالتالي فإن إنشاء المركز يصب في خدمة هدف بناء دولة المؤسسات العصرية المتخصصة، وهي من أهم الأهداف التي تسعى المسيرة الاتحادية المباركة - التي احتفلنا بيوبيلها الفضي في نهاية العام الماضي - لتحقيقها بتوجيهات من الوالد الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رئيس الدولة، ، فمركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية إلى جانب بقية المراكز والمؤسسات والهيئات الثقافية في الدولة، يساهم في تنشيط الحركة الثقافية بصورة عامة، وإلى تفعيل دور النشاط البحثي والمعرفي على وجه الخصوص، الأمر الذي سيزيد من ثقل دولة الإمارات العربية المتحدة إقليميا ودوليا، وعموما فإن قناعتنا بأن وزن دولة ما لا يقاس بحجمها ومواردها فقط، بل وبكيفية إدارة هذه الموارد، وهنا يأتي دور المركز، حيث يساهم في التخطيط لإدارة الموارد بطريقة علمية وموضوعية.

وسألناه: كطيار ورئيس أركان القوات المسلحة الإماراتية، هل كان لذلك دور في تحفيز المركز للاهتمام بالأبعاد العسكرية في الدراسات الاستراتيجية، فهناك من إصدارات المركز عناوين كثيرة توحي بذلك مثل " الحروب في العالم "، و " إعادة النظر في المسألة النووية بالشرق الأوسط "، و " مستلزمات الردع "، و " السيطرة على الفضاء في حرب الخليج الثانية " وغير ذلك كثير؟

فقال الشيخ محمد بن زايد : " نظرا لخلفيتي الأكاديمية العسكرية، ولكوني أحد منتسبي القوات المسلحة بدولة الإمارات العربية المتحدة، فإنني كسائر الأخوة العسكريين تتركز اهتماماتي ومطالعاتي في مجال العلوم العسكرية على وجه التحديد. أما عن سؤالك المتعلق بمدى تأثير ذلك في مجالات النشر في المركز، أود أن ألفت انتباهك إلى أن اهتمام المركز بنشر وإصدار الكتب والدراسات المتعلقة بالعلوم العسكرية الاستراتيجية هو أحد المجالات التي تغطيها خطة المركز للنشر العلمي، إلا أن تلك الخطة متنوعة في طبيعة اهتماماتها إلى حد بعيد. فالمركز مهتم بإصدار الكتب الأصلية والمترجمة والدراسات والبحوث العلمية المحكمة باللغتين العربية والانجليزية، والتي تتناول القضايا السياسية والاستراتيجية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية المتعلقة بدولة الامارات العربية المتحدة ومنطقة الخليج على وجه التحديد، وكل أرجاء عالمنا العربي وأهم القضايا المطروحة على الساحة الدولية بصورة عامة. من جانب آخر، فإن المفهوم العالمي لمصطلح الأمن القومي لم يعد مقصورا على الجوانب العسكرية، بل إنه أشمل من ذلك بكثير حيث يتضمن الأبعاد السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعلمية والثقافية، فمفهوم مصطلح الدراسات الاستراتيجية واسع وشامل يسلط الضوء على الجوانب العسكرية باعتبارها أحد المحددات المهمة التي تؤثر في الأحداث والقضايا المعاصرة التي تشهدها الساحتان الإقليمية والعالمية.

رصد التغييرات

وحول ما إذا كان إنشاء المركز في جوهره يستهدف مردودا على المستوى الإماراتي والخليجي، على الرغم من أن فعاليات المركز ذات أبعاد عالمية ودولية، وهو ما يدعونا إلى التساؤل عن ماهية المردود على المستوى الإماراتي والخليجي الذي يدفع المركز إلى الاهتمام بالدراسات المستقبلية والعلاقات الدولية وإدارة الأزمات التي تعد إدارات أساسية في الهيكل التنظيمي للمركز.

فقال الشيخ محمد بن زايد آل نهيان : " إن اهتمامنا بالدراسات المستقبلية والعلاقات الدولية نابع من إدراكنا للموقع الاستراتيجي لدولة الإمارات العربية المتحدة، وكونها إحدى أهم الدول المصدرة للطاقة في العالم من جهة، ولترابط العلاقات الدولية والاعتماد المتبادل بين دول العالم من جهة أخرى. من هنا فإن دراسة ورصد التغيرات في النظام الدولي ومحاولة استشراف المستقبل تعتبر إحدى مهام مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، وذلك لتحديد انعكاسات وآثار هذه التغيرات على دولة الإمارات ومنطقة الخليج العربي على وجه التحديد، مما يجعلنا أكثر قدرة على رسم وصياغة استراتيجيات فعالة لحماية مصالحنا وضمان استقرار أوضاع دولنا واطراد ازدهارها ".

وحول إنجازات المركز خلال سنواته الثلاث قال الشيخ محمد : " أود بداية التوجه بالشكر الجزيل لهيئة تحرير مجلة " العربي " لاهتمامها الملموس ومتابعتها المتواصلة لفعاليات ونشاطات مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، وعلى دورها الرائد في نشر الثقافة ومتابعة أهم الأحداث والإنجازات الثقافية في دولة الإمارات العربية المتحدة ومنطقة الخليج على وجه الخصوص، وفي كل أرجاء عالمنا العربي عموما. بالنسبة لتقويمنا لإنجازات المركز، فنحن فخورون بما حققه من إنجازات حتى الآن، على الرغم من قصر عمره الزمني. فبإمكان المرء التحقق من إنجازات المركز فور استعراض النشاطات والفعاليات العلمية والنشرية التي حققها إلى الآن، لقد نظم المركز عددا من المؤتمرات المتخصصة تطرقت لبحث وتقصي أبعاد أهم القضايا المطروحة على الساحة الدولية والتي تبحث في قضايا ذات أبعاد سياسية واقتصادية واجتماعية تتعلق بمنطقة الخليج على وجه التحديد. كما أن المركز يهتم بتنظيم سلسلة من المحاضرات والندوات وورش العمل المتخصصة على مدار العام، بالاضافة إلى إصدار العديد من الكتب الأصيلة والمترجمة والدراسات البحثية المحكمة باللغتين العربية والإنجليزية ".

تحديات متجددة

في أبوظبي على مدار ندوات المؤتمر ومحاوره المتعددة، كان الحديث عن عالم الغد، هو الحافز لاكتشاف الحاضر وإمكاناته الهائلة، في وقت اصبح العالم فيه مجرد قرية صغيرة، بعد أن أتاح لهم التقدم المذهل في عالم الاتصالات الفرصة كي تترابط أطرافه البعيدة وتتقارب في لحظات.

جئنا إلى هذا البلد العربي لنتساءل أين نحن العرب من هذه الثورة المعلوماتية الكبرى التي اجتاحت الدنيا، ساعين مع تلك النخبة المنتقاة التي جاءت من مختلف البلاد في قارات الأرض، إلى تشخيص أبعاد التحديات التي ستواجه المجتمع والدولة في العالم العربي خلال القرن المقبل.

كانت الأسئلة تدور في أهاننا فيما كانت الندوات تنتقل من موضوع مهم إلى آخر أشد أهمية، ومن تقديم معلومة مدهشة إلى أخرى أكثر إثارة للدهشة.

كان العصر القادم يطرق الأبواب بشدة، وتجتاحنا نسائمه وتلفح وجوهنا، كي نستيقظ ونعيشه.

لقد كانت أربعة أيام حافلة تلك التي استضافتنا فهيا مدينة ابوظبي، لمناقشة واحدة من اهم قضايا العصر خلال الفترة من 4 إلى 7 يناير 1997، وعلى مدار 12 ندوة صباحية ومسائية شارك فيها عدد كبير من أهم الباحثين والخبراء والأكاديميين العرب والأجانب الذين ينتمون إلى هيئات ومؤسسات ومراكز بحثية إقليمية ودولية كبرى.

المعلومات والقضايا الراهنة

في بداية المؤتمر الذي رعى أعماله الفريق الركن طيار الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس اركان القوات المسلحة في دولة الإمارات العربية المتحدة، أكد وكيل وزارة الإعلام والثقافة الإماراتي الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان على ضرورة تقصي أبعاد ومحاور ثورة المعلومات بأسلوب علمي وربطها بقضايا الواقع المعيش، مشددا على أهمية تحري سبل الحد من الآثار السلبية للفيض غير المحدود من مخرجات ثورة المعلومات. واضاف في كلمة الافتتاح التي ألقاها نيابة عن الدكتور جمال السويدي مدير مركز الإمارات للدراسات، إنه إذا كانت بعض الدول قد حظيت بالسبق في مجال المعلومات والاتصالات، فإن علينا ألا نتقاعس عن خوض هذه المجالات، ودراسة نتائجها وتقصي آثارها، وتحديد سبل تسخيرها على الوجه الأمثل لخير أوطاننا ورفعة شأنها ورخاء شعوبها.

على نفس هذا المعنى أكد مدير المركز الدكتور جمال السويدي قائلا: لقد أصبحنا نعيش في عالم يعاني من وجود ظاهرتين مهمتين، الأولى هي انطلاق التقدم التكنولوجي وإطراد ثورة المعلومات والاتصالات، والثانية تتجسد في العلاقة بين مستوى المعيشة وقدرة المجتمعات على تنمية الموارد البشرية في ظل ارتفاع متوسط أعمار الأفراد وتزايد عدد سكان العالم.

وأضاف د. السويدي قائلا : إنه إذا ما أخذنا حالة مجتمعات عالمنا العربي، وجدنا أنها تعاني بحدة من آثار عدم وضوح الرؤية بخصوص المتغيرين السابقين، بصورة إجمالية، فمجتمعاتنا مازالت تردد عبارة " مواكبة ثورة المعلومات والاتصالات"، في حين أنها مازالت حائرة بشأن التساؤل الذي تجاوزه الآخرون، والمتمثل في أي الطريقين نسلك : هل ننفتح على ثورة المعلومات والاتصالات، أم نبتعد عن التطور الهائل الذي تحدثه هذه الثورة؟

البعد النظري

وانطلاقا من تفاعلات ثورة الاتصالات الهائلة، بحثا عن الطريق إلى الإنسانية، بدأت فعاليات المؤتمر السنوي الثالث الذي انقسم إلى أربعة أجزاء ضمت 12 ندوة، وجاء الجزء الأول منها تحت عنوان " البعد النظري "، حيث بدأت خلاله الندوة الأولى التي حملت اسم " مستقبل المعلومات والاتصالات في العالم العربي، "، ورأسها أنور قرقاش من جامعة الإمارات، فيما شارك ميشال سالوف كوست الخبير الإعلامي الفرنسي والمدير العام لمؤسسة (MSC) وكان عنوان الورقة التي قدمها " ثورة المعلومات والاتصالات وانعكاساتها على المجتمع والدولة. في القرن المقبل "، وأكد فيها أن الإنسانية لم تشهد من قبل تحديات كالتي نواجهها اليوم، غير أن هذه التحديات لا تهدد مصير عرق بعينه أو دولة محددة، بقدر ما تهدد مصير كل فرد من كوكبنا، فالتقدم العلمي الذي أحرزه الإنسان كان مصحوبا بعواقب وخيمة على البيئة والصحة والإنسان في كوكبنا.

وأختتم بحثه بالقول إن ثورة المعلومات والاتصالات أعطت فرصة للجميع، ودون استثناء، أن يجدوا لهم مكانا تحت الشمس.

مراحل متميزة

وفي تعقيبه على تلك الورقة البحثية أكد أستاذ علم الاجتماع في جامعة الكويت الدكتور خلدون النقيب أن تقسيم تاريخ البشرية إلى مراحل خطأ وقع فيه المفكرون منذ عصر النهضة الأوربي إلى التيارات الفلسفية لهيجل وماركس.

وذكر النقيب أن التاريخ البشري يتحدى أي محاولة لتقسيمه إلى مراحل متميزة، وقال إننا لا نستطيع أن نقول الآن ما إذا كان اتجاه التاريخ مرحلياً أو ديالكتيكيا أو وحيد المسار، وعارض النقيب المعروف بمؤلفاته حول مجتمعات بلدان الخليج العربية وجهة النظر حول نهاية التاريخ والانتصار النهائي للفكر الليبرالي الغربي، وتوقع أن تؤجج ثورة المعلومات الخلافات القديمة وتتغذى على صراعات الماضي، معبرا عن تعاطفه مع آراء المفكر الأمريكي صاموئيل هنتنجتون حول صراع الحضارات، وقال إن المرحلة الحالية من ثورة المعلومات لن تؤدي إلى اختفاء أنماط التفكير التقليدية، وتوقع ألا تختفي كلية المشاعر والروابط الدينية والقبلية والإثنية، فهي التي تقوم بدور الرقابة.

اعتبارات ثلاثة

أما البحث الثاني الذي عرض في الندوة الأولى فكان للدكتور مصطفى المصمودي مدير عام معهد الإعلام الجماهيري بالجمهورية التونسية، وكان تحت عنوان " ثورة المعلومات وتحدياتها في العالم العربي "، وفيه أكد أن التكنولوجيا الجديدة أصبحت تقدم لنا الوسيلة الفعالة لإجراء العديد من التعديلات والإضافات والتواصل على كل المستويات وبين كل المجتمعات، ولكنه قال إن هناك مجتمعات وفئات بكاملها في المقابل تتعرض لخطر دفعها إلى مرتبة متدنية وإبقائها مجرد مستهلك سلبي لتصبح مرهونة بالخدمات التي يصنعها الآخرون، ولا تلبي احتياجاتها الحقيقية، وبالتالي سيصبح تفاعل هذه المجتمعات مع التكنولوجيا والعالم الخارجي محصوراً في إطار التفاعل الفردي.

وأشار د. المصمودي إلى ثلاثة اعتبارات مهمة أثرت وتؤثر في تطور ثورة المعلومات، وبالتالي تؤثر في حياة المجتمعات، وهي الاعتبارات التكنولوجية، والاعتبارات الاقتصادية، والاعتبارات السياسية والثقافية.

ثورة المعلومات

وفي الجزء الثاني من المؤتمر والذي حمل عنوان " ثورة المعلومات والاتصالات وتأثيرها في العالم العربي "، أقيمت الندوة الثانية وجاءت تحت مسمى " السياسات الإعلامية والاتجاهات العامة لوسائل الاتصال "، وترأس الندوة الدكتور عبدالوهاب أحمد من جامعة الإمارات، حيث قدم الدكتور عبداللطيف العوفي من جامعة الملك سعود ورقة عمل بعنوان " مضمون البرامج التليفزيونية في دول الخليج العربية - تحليل مقارن لحجم البرامج ومصادرها وأنماطها". وتناولت تلك الورقة موضوع دراسة ميدانية مقارنة، أجريت عن حجم ومصادر وأنماط البرامج التليفزيونية في الدول الخليجية الست، وأشارت إلى ثلاث مراحل للبث التليفزيوني هي مرحلة البث قبل عام 1961 بواسطة أفراد وشركات ومعظمها كانت موجهة للقوات الأمريكية، ثم مرحلة البث خلال الفترة من 1961 إلى 1989، وتم فيها افتتاح المحطات المحلية وربط محطات التليفزيون، وأخيرا مرحلة البث الفضائي المباشر الذي يستطيع كل فرد استقباله عن طريق أطباق الاستقبال، وأشار الباحث - في هذا الصدد - إلى القنوات التليفزيونية في الدول الخليجية المختلفة.

وعقب على تلك الورقة وزير الاعلام السابق بدولة البحرين طارق عبدالرحمن المؤيد الذي تحدث عن أهمية البث التليفزيوني الذي أصبح جزءاً من حياة الإنسان، وتناول مدى مساهمته في تبادل المفاهيم بين الشعوب المختلفة، ونقل ما يدور في العالم من أحداث، مشيراً إلى أنه يمكن ضم محطة تليفزيون MBC ضمن المحطات الخليجية، وبالتالي يجب تضمينها في الدراسة، كما قال إن معظم الدول الخليجية بدأت البث عن طريق المحطات الأرضية، ثم أدخلت البث الفضائي بسبب الحاجة للاتصال بدول العالم الأخرى، ولكن هذا البث يجب أن يكون مخططا ومنضبطاً.

اتصالات متطورة

ثم قدم د. محمد العايش من جامعة الإمارات العربية المتحدة ورقة بحث حملت عنوان " اتجاهات وسياسات الاتصالات السلكية واللاسلكية في دولة الإمارات وانعكاساتها على التنمية الوطنية "، أشار فيها إلى أن دولة الإمارات، تعد من إحدى الدول القلائل في المنطقة التي تمتلك هيكل خدمات ذا مستوى عالمي، ينمو ويتطور في ظل بيئة اقتصادية قوية، وقد يرجع البعض سبب هذه المعجزة التنموية إلى وفرة رأس المال وإصرار الإدارة السياسية، لكن ذلك لم يكن ممكنا لولا هيكل الاتصالات عالي التطور، الذي برز في دولة الإمارات باعتباره العمود الفقري للنمو الاجتماعي والتطور الاقتصادي، وأشار إلى بعض الاتجاهات الرئيسية في صناعة الاتصالات، والتي تتمثل في التقارب التكنولوجي، ومنح حرية أكثر، واندماج الشركات، وعولمة خدمات الاتصالات وحدوث تكامل أكبر في مجال التطور الاقتصادي.

دراسات ميدانية

وشهد اليوم الثاني للمؤتمر فعاليات ثلاث ندوات جاءت تحت عنوان " تأثير ثورة المعلومات في طلاب دول الخليج العربية في المرحلتين الثانوية والجامعية " أعد الدراسة التي قدمت في الندوة ثلاثة باحثين خليجيين هم رئيس تحرير مجلة " العربي " الدكتور محمد الرميحي ومدير مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية الدكتور جمال السويدي، والأستاذ المساعد في قسم الدراسات الاجتماعية في جامعة الملك سعود الدكتور سامي الدامغ.

وفي تقديمه لهذه الدراسة قال د. الرميحي إنها الأولى من نوعها في المنطقة، مشيراً إلى أنها جرت في الكويت والإمارات والسعودية، وكانت عينتها من طلاب وطالبات المرحلتين الثانوية والجامعية بواقع 500 حالة من كل دولة، وأنها استندت إلى عدة فرضيات واستهدفت بشكل رئيسي معرفة مدى انتشار وسائل الإعلام والاتصال في دول الخليج العربية، وتأثير لك الوسائل في افراد المجتمع وتقويم هؤلاء لها.

وأشار د. الرميحي إلى أن من أبرز النتائج التي افرزها البحث الميداني تشابه درجة التفاوت في استقبال الجنسين للوسائل الإعلامية، الأمر الذي يؤكد تقارب النسيج والإطار الاجتماعي والثقافي العام في دول الخليج.

وعن النتائج التي توصلت إليها الدراسة قال د. جمال السويدي إنها أظهرت أن هناك نسبا لابأس بها لفترات قضاء أفراد العينة في متابعة وسائل الإعلام، مبينا أن جهاز التليفزيون يحتل النصيب الأكبر منمها وبمعدل ساعة ونصف يوميا للدول الثلاث حيث يأتي جهاز الراديو في المرتبة الثانية ثم الكمبيوتر. وأكدت الدراسة تفاوت نوعية البرامج التي يفضلها أفراد العينة بين دولة وأخرى مع احتلال البرامج الرياضية والترفيهية والكوميدية للمراتب الأولى وخاصة في دولة الكويت والتي يرى الدكتور الرميحي أنها ربما تعود إلى رغبة الكويتيين في تجاوز الآثار النفسية التي خلفها الغزو العراقي في بلادهم.

اما الدكتور جمال السويدي فقد حذر من غياب دور الرقابة الاجتماعية قائلا إن من القضايا الخطيرة أن أغلبية البرامج المشاهدة في الدول الثلاث، لا تخضع لاي رقابة بالإضافة إلى غياب نظام تصنيف البرامج الأمر الذي يهدد بإصافة عملية التنشئة الاجتماعية بآثار كبيرة.

وكان الدكتور سامي الدامغ قد تحدث قبل ذلك عن منهجية الدراسة الميدانية، التي اعتمدها الباحثون الثلاثة، مبيناً أن اختيار طلاب المرحلتين الثانوية والجامعية كأفراد للعينة جاء على اعتبار أن الطلاب في الكويت والسعودية والإمارات يمثلون النسبة الكبيرة من سكان الدول الثلاث.

مؤثرات متعددة

وشهد هذا اليوم أيضا فعاليات الندوة الرابعة التي دارت حول " ثورة المعلومات وتأثيرها في التجربتين الأردنية والفلسطينية " ورأسها جمعة أحمد السلامي رئيس مجلس إدارة جمعية التجاريين والاقتصاديين في دولة الإمارات العربية المتحدة، واشتملت على بحث عن " استطلاعات الرأي العام : التجربة الفلسطينية "" قدمه جميل رباح نائب مدير مركز القدس للاتصالات والإعلام في فلسطين، أشار فيها إلى أن أهمية استطلاعات الرأي قد ظهرت بعد أن قدمت بيانات أولية استفاد منها الجمهور والمنظمات غير الحكومية، وبعد أن أتاحت مزيداً من المشاركة الشعبية ومارست تأثيراً في الجماعات السياسية وجماعات الضغط.

وعقب على الدراسة جميل مطر من المركز العربي لبحوث التنمية والمستقبل في جمهورية مصر العربية قائلا إن هناك مؤثرات إقليمية وعربية وفلسطينية تساهم في تشكيل الرأي العام، منبها إلى ضرورة الإشارة إلى العلاقة بين الموضوع والتطورات الحادثة في عصر المعلومات، مشيراً في الوقت نفسه إلى أن هناك موضوعا مهما كان ينبغي التعرض له وهو مسألة التمويل الأجنبي للبحوث والدراسات وقياس الرأي العام، موضحاً أن بعض التصنيفات في إجراء الاستطلاعات تتسم بالخطورة، مثل تصنيف افراد العينة على أنهم أنصار للسلام أو معادون له.

ثم قدم د. صقر عبدالرحيم مدير قسم تكنولوجيا المعلومات التابع للجمعية الملكية في المملكة الأردنية الهاشمية ورقة بحث حملت عنوان " تأثير ثورة المعلومات في المجتمع والدولة في الأردن " أشار فيها إلى أن أجهزة الكمبيوتر أصبحت تستخدم حاليا في معظم المؤسسات الأردنية، كما أنها تستعمل برامج معدة في الأردن بنسبة 90 %، في الوقت الذي اتسع فيه استخدام الكمبيوتر الشخصي، مشيراً في هذا الصدد إلى أن هناك 176 شركة تعمل في مجالات الكمبيوتر المختلفة، يتركز معظمها في العاصمة عمان، لكنه قال إنه لا توجد حتى الآن قاعدة قومية للبيانات في الأردن.

الإعلام الجماهيري

وشهدت أنشطة اليوم الثاني للمؤتمر فعاليات الندوة الخامسة التي كانت عن " دور وسائل الإعلام في صياغة العملية السياسية " وترأسها محمد المر رئيس ندوة الثقافة والعلوم في دبي بدولة الإمارات، وقدمت خلالها ورقة حول " الإعلام الجماهيري والعملية السياسية " للدكتور ديفيد مورجان من جامعة ليفربول وانطلق خلالها من الرأي القائل " إن المعلومات في حد ذاتها ليست قوة، ولكنها تكتسب أهميتها لأنها تساعد من يملكون القوة "، مشيراً إلى أن وظيفة وسائل الإعلام الجماهيري هي أن تمد كلاً من المواطنين والحكومات بهذه المعلومات، وهذا ينطبق على جميع النظم السياسية في العالم، سواء كانت ديمقراطية أم شمولية.

وتناولت ورقة مورجان ثلاثة موضوعات رئيسية، أولها الأدوار التي تقوم بها وسائل الإعلام الجماهيري في عمليات التنمية، ثم العلاقة بين وسائل الإعلام والديمقراطية. أما الموضوع الثالث فهو سياسات البرمجة الإعلامية.

ثم عقب الإمين العام المساعد لأمانة مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار في الكويت علي محمد الشريدة على ورقة الدكتور ديفيد مورجان، مؤكدا ان وسائل الإعلام سوف تنقل العالم إلى مرحلة جديدة، وأن هذا التغيير سوف يمتد إلى جميع المجالات، بما فيها الحكومات نفسها وأسلوب تعاملها مع وسال الإعلام، ففي المستقبل لن تكون الحكومة هي المصدر الوحيد للمعلومة، وستتعذر السيطرة على التدفق الهائل للمعلومات، وسيصبح أمام كل فرد الفرصة للتعليم والترقي في أي مكان.

إدارة المعلومات

وشمل الجزء الثالث من المؤتمر والذي خصص للحديث حول محور " إدارة المعلومات " الندوة السادسة التي حملت عنوان " ثورة المعلومات في إيران وشمال إفريقيا " ورأسها د. عبدالله محمد صادق من مركز البحرين للدراسات والبحوث، وتم خلالها تقديم بحثين الأول عن " وسائل الإعلام في إيران منذ سنة 1979" لأمير طاهري من دار الصحافة العربية في لندن، والثاني قدمه د. مارك تسلر من جامعة وسكنسن - ميلواكي وكان حول " دراسة التوجهات ودور أبحاث استطلاعات الرأي العام في فهم ثورة المعلومات وتأثيرها في شمال إفريقيا ".

الندوة السابعة التي دارت في إطار المحور الثالث كانت عن " وسائل الإعلام وحرب الخليج"، وقدم خلالها الدكتور حامد مولانا من الجامعة الأمريكية في واشنطن ورقة تحت عنوان " دور الإعلام في حرب الخليج الثانية... تغطية ناجحة للحرب وما بعدها ". أشار فيها إلى أنه بالرغم من التغطية الإعلامية الواسعة لحرب الخليج الثانية، فإنها لم تعط صورة واضحة ودقيقة عن ذلك الحدث المهم، وأوضح أن هناك ثلاثة عوامل يمكن من خلالها تقويم دور وسائل الإعلام لحرب الخليج تتمثل في عدم إعطاء خلفية تاريخية للصراع، إضافة إلى غياب النقوش حول التدخل العسكري، وكذلك سيطرة عقلية الحرب الباردة على جميع أطراف الصراع، مما ساهم في خلق " الصورة النمطية للعدو " وهذا بالطبع مهد السبيل للحرب.

التغطية الإعلامية

في نفس الندوة قدم كبير مراسلي شبكة.C.N.N بيتر أرنت ورقة حول " وسائل الإعلام وحرب الخليج.. انطباعات شاهد عيان " تحدث فيها عن تجربته في تغطية حرب الخليج الثانية، كمراسل للشبكة من بغداد، وقال إن خبرته في تغطية الحروب والأزمات تعود إلى حرب فيتنام، التي ذهب إليها كمراسل لوكالة الأسوشيتدبرس في مطلع شبابه، وتعلم خلالها ما يمكن أن نسميه بالقواعد الأساسية لفن التغطية الإعلامية للحروب، بكل ما تنطوي عليه من تكتيكات للتعامل مع الظروف القاسية في حالة الحرب. وأرجع تمسكه بهذه المهنة الخطيرة إلى إيمانه بأن جوهر الديمقراطية الأمريكية هو التعبير الحر، وأن الصحافة تجسيدا لهذا التعبير. ثم انتقل إلى تفاصيل تجربة حرب تحرير الكويت، ودور شبكة.C.N.N، فقد كانت هي الشكبة التليفزيونية الوحدية التي ظلت في بغداد تتابع التطورات من قلب الحدث، برغم ضغوط البيت الأبيض على الشبكة كي تسحب طاقمها من العراق، قبل بدء الضربة الجوية لقوات التحالف.

ظاهرة الصحافة

وشهد نفس اليوم فعاليات الندوة الثامنة التي دارت تحت عنوان " دور الصحافة في عالم متغير" حيث نوقشت فيها ورقة بحثية حول " هل أصبحت الصحف ظاهرة عابرة ؟" تحدث فيها اربعة متحدثين. وقد بدأها رئيس الندوة السفير وليام روو رئيس مؤسسة اميديست بإعادة صياغة السؤال، مشيراً إلى أن الصحف تواجه تحدي التطوير وليس تحدي البقاء فهل ستتغير الصحف لمواكبة ثورة المعلومات؟ ثم تحدث رئيس تحرير صحيفة " جوردان تايمز" جورج حواتمة قائلا إن التحدي الأكبر للصحف العربية ليس ثورة المعلومات، ومنافسة وسائل الإعلام الأخرى، بقدر ما هو تحدي الانغلاق على ذاتنا.

أما رئيس تحرير مجلة " المجلة " عبدالرحمن الراشد، فأكد أن الصحافة إذا طورت نفسها مع مقتضيات العصر الجديد " عصر ثورة المعلومات " فإنه سوف تستمر، ولن تكون مجرد ظاهرة عابرة، ودلل على ذلك بما خاضته الصحافة من معارك في الماضي سواء ضد الراديو أو التليفزيون، وخرجت منها منتصرة، وظلت الوعاء الأكبر للمعلومات.

من جهته خالف د. عبدالقادر طاش رئيس تحرير جريدة " آراب نيوز " الصادرة في جدة وجهة نظر عبدالرحمن الراشد، فهو يرى أن الصحافة المطبوعة مقبلة على مرحلة تغير مهمة بدأت خطواتها بالفعل، مشيراً إلى مظاهر الأزمة التي تعانيها الصحف تتمثل في انخفاض معدلات توزيعها في كثير من البلدان، إضافة إلى انخفاض إعلاناتها وانحسار عدد القراءة، وارتفاع تكلفة الإنتاج والطباعة مما أدى إلى انهيار بعض الصحف الكبرى، إلى جانب التوزيع اليومي للصحف الذي بدأ تراجعه ابتداء من عام 1994، وقد يستمر هذا التراجع على المدى البعيد أيضا.

ضغوط خانقة

من جانبه قال رئيس تحرير " الأهرام الدولي " صلاح الدين حافظ إن أفتراض التناقص بين تكنولوجيا المعلومات والصحافة ليس أمراً مؤكداً، مشيراً هنا غلى أن الصحافة في العالم العربي تشعر بالخطر من ثورة المعلومات، لأنها تصدر في بيئة شديدة التسلط، حيث تمارس عليها ضغوط تخنق حريتها، إضافة إلى الضغوط الاقتصادية والرقابة.

تغير اجتماعي

وفي الندوة التاسعة التي شهدها اليوم الثالث للمؤتمر تمت استضافة المفكر الأمريكي الياباني فرانسيس فوكوياما في جلسة متلفزة، الذي اشار إلى أن ثورة المعلومات والاتصالات الحالية هي عبارة عن تغير اجتماعي واع، وتنبأ بأن هذا التغير لن يحدث بالسرعة التي كان يتوقعها الكثيرون، ولن يتخذ اتجاها مطرداً بل سيتم بشكل غير منتظم.

وتوقع فوكوياما أن يكون لثورة المعلومات أربعة تأثيرات في المجتمع الدولي تتمثل في إضافة النظم الحاكمة المتسلطة، والإسراع في عملية الديمقراطية على مستوى العالم، وتآكل السيادة القومية وتشتت السلطة المركزية، إضافة إلى تغير طبيعة القومة ومفهومها، وتحول المنظمات هرمية البنية إلى شبكات أصغر وأكثر مرونة.

تضليل إعلامي

وفي اليوم الرابع والأخير للمؤتمر والذي ضم ثلاث ندوات رأس أولها وهي الندوة العاشرة تحت عنوان " الاستخدامات الإيجابية والسلبية لتكنولوجيا المعلومات " د. محمد مراد عبدالله مدير مركز البحوث والدراسات بدولة الإمارات وضمت ورقتين دارت الأولى حول " فن تكنولوجيا المعلومات والتضليل الإعلامي " ألقاها رئيس المؤسسة العالمية لتعليم رجال الأعمال والمهندسين الأوربيين هنري كونز دعا خلالها إلى ضرورة التمييز بين الدعاية والتضليل الإعلامي، لأن الدعاية من المفترض أن تنشر الحقائق وتترك للجماهير استخلاص النتائج، أما التضليل الإعلامي فيعمد إلى تكريس أيديولوجيا قائمة أو فرض أيديولوجيا جديدة، مشيراً إلى أن التضليل يستند إلى ثلاثة عناصر أولها غموض المعلومات، وثانيها عدم إمكان التأكد من صحة المعلومات، وثالثها تعقد المعلومات أو إغراقها في التخصص بطريقة تجعل من الصعب على العامة وفهمها.

ودارت الورقة الثانية التي حملت عنوان " استخدام التكنولوجيا المعلوماتية من قبل جماعات المعارضة" التي قدمها أريك رولو سفير فرنسا السابق في تونس وتركيا، حول موضوع استخدام تكنولوجيا المعلومات مشيراً إلى أنه من المتوقع أن يصل عدد مستخدمي " الإنترنت" في العالم خلال السنوات الخمس القادمة إلى 440 مليون في الوقت الذي وصل عدد مستخدميه في منطقة الخليج وحدها حاليا إلى مليون مستخدم.

ورأي السفير رولو أن العالم يتجه اليوم نحو التوازن، وأن التعددية سوف تصبح هي الأصل بعد أن كانت الاستثناء.

قرية صغيرة

وفي الجزء الرابع من المؤتمر والذي حمل محوره عنوان " العالم قرية صغيرة " أقيمت فعاليات الندوة الحادية عشرة حول " تكنولوجيا المستقبل"، تحت رئاسة الدكتور علي غانم من مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، حيث قدم دوسان ميحاجولفيك ورقة حول " الثورة المقبلة عبر الإنترنت " تناولت موضوع الشبكة باعتبارها قمة تكنولوجيا المعلومات في الوقت الحالي، وألقى الضوء على تاريخ الاتصال منذ المراحل الشفاهية إلى الكتابية وأخيراً الإلكترونية، متناولا خصائص تلك المراحل والمزايا التي تتسم بها مرحلة التقنيات الإلكترونية والاتصالات الرقمية، مشيراً إلى أن " الإنترنت" غيرت رؤية الإنسان للعالم، بإيجاد نوع من " الديمقراطية الاتصالية" التي ليس لها مركز محدد يتحكم فيه شخص معين، الأمر الذي يعني إعادة تعريف مفهوم الاتصال.

الندوة الأخيرة في المؤتمر وهي الثانية عشرة جاءت تحت عنوان " تكنولوجيا المعلومات والاقتصاد العالمي" وضمت ورقتين، حملت الأولى اسم " تأثير ثورة المعلومات في الاقتصاد وأسواق المال" وقدمها الدكتور لسترو ثرو من معهد ماساشوستس للتكنولوجيا، وأشار فيها إلى أن الأثر الحقيقي لثورة الاتصالات والمعلومات لن يظهر إلا في المستقبل، ربما في غضون عشر سنوات، وحينئذ ستتم عمليات التسوق بطريقة إلكترونية. ويقل الاحتياج إلى سيارات الأجرة والطرق والفنادق والمطاعم والطائرات والمطارات، ومن ثم فإن الأسواق المالية سوف تتأثر بثورة الاتصالات والمعلومات، أكثر من تأثرها بالقطاعات الاقتصادية نفسها.

وأضاف انه إذا كانت المعاملات البنكية - في تطورها الحالي - تستخدم البطاقات الذكية، فإن جميع العمليات الاستثمارية - في المستقبل - سوف تتم عبر شبكة " الإنترنت "، ومن ثم، سوف تذوب الاقتصاديات الوطنية في الاقتصاد العالمي، لأن تحريك رأس المال إلكترونيا سوف يحرره من سيطرة الحكومات، كما تحرر في أواخر السبعينيات، عندما تحول العالم عن أسعار الصرف الثابتة إلى أسعار الصرف المرنة.

معرض للتكنولوجيا

وعلى هامش المؤتمر نظم مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية معرضا لتكنولوجيا الاتصالات،، ضم منتجات ما يزيد على 100 شركة ومؤسسة عالمية وإماراتية لإحدث ما توصلت إليه تكنولوجيا الاتصالات مثل نظام " الإنترنت "، وحفظ الوثائق وتجهيزات الاتصال المرئي والاتصالات والمؤتمرات المتلفزة الدولية عبر الأقمار الصناعية، وإجراء عمليات مالية إلكترونية والتحصيل العلمي عن بعد وبرامج التدريب المشترك بالإضافة إلى خدمات الإنترنت العالمية والاستشارات الطبية عن بعد، وشبكات الاتصال الدولية المتنوعة للمشتركين من الأفراد والمؤسسات، وهو النظام الذي من المقرر أن يبدأ العمل به اعتبارا من عام 2001.

وكذلك تضمن المعرض الذي افتتحه الشيخ ذياب بن زايد آل نهيان مدير ديوان الرئاسة في دولة الإمارات، عروض الشركات لنظام المحطات الأرضية للأقمار الصناعية، وأنظمة المراقبة والاستطلاع لمساحات واسعة التي تستخدم مجموعة من أجهزة الاستشعار، وأجهزة تنقيب جيوفيزيائية لجمع البيانات عن المناطق الغنية بالثروات الطبيعية والمناطق المتأثرة بالتلوث البيئي، وكذلك عرض لتكنولوجيا الأجهزة التليفزيونية والتجهيزات الرقمية.

وألقى الشيخ ذياب بن زايد كلمة في حفل الافتتاح أكد فيها أن المؤتمر الثالث لمركز الإمارات للدراسات والبحثو الاستراتيجية يعد نقلة حضارية وتكنولوجية تساهم بدور كبير في الاتصال بالعالم الخارجي والتعرف على ما يحدث في الدول المتقدمة، وتحديد الاحتياجات المطلوبة لمواكبة التكنولوجيا الخاصة بالمعلومات.

أربعة أيام شهدت فعاليات هذا المؤتمر ومعرضة المهم، انطلقنا فيها إلى المستقبل بحثا عن مكان للعالم العربي فيه، وخلال " المعلومات المكثفة الكبيرة" عرفنا مدى الحاجة الملحة للدخول إلى " الغد " الذي يتقدم نحونا، ويدعونا بشدة إلى التعامل بوعي وكفاءة معه.

فالزمن القادم، هو للأقوياء وللذين يمتلكون الإرادة والعزم لمقارعة تحدياته، دون وجل.

 

 

 

أنور الياسين

 
  




الشيخ ذياب بن زايد أثناء جولته في معرض التقنيات





مركز البحوث الاستراتيجية





الشيخ ذياب بن زايد رئيس ديوان الدولة برفقة الدكتور جمال السويدي في معرض الكتب الذي أقامه المركز





الصحفي الأمريكي بيتر أرنت كبير مراسلي شبكة تلفزيون c.n.n مع طلبة المدارس الإماراتية في معرض التكنولوجيا





إحدى جلسات ثورة المعلومات والتي ترأسها جمعية أحمد السلامي وشارك فيها جميل رباح وجميل مطر وصقر عبدالرحيم وبدران عبدالرازق معقباً





الشيخ محمد بن زايد والسيدة مارجريت تاتشر في جولة بمركز الإمارات للدراسات الاستراتيجية





إحدى المحاضرات المتخصصة التي ينظمها المركز للقيادات العليا في الدولة





حوار عبر الأقمار الصناعية مع الدكتور فرانسيس فوكوياما من جامعة جورج ميس في الولايات المتحدة





د. أنور قرقاش





عبدالقادر طاش





السفير ايرك رولو





إحدى جلسات مؤتمر ثورة المعلومات





حضور كثيف لمتابعة فعاليات المؤتمر





الفريق الإعلامي المتخصص والذي يصدر معظم النشرات المتخصصة بالمركز





د. عبدالله محمد





ضيوف المؤتمر





الدكتور جمال السويدي مدير المركز في لقاء يومي مع زملائه العاملين بالمركز