حملة عالمية: من أجل الخلاص من معاناة إنسانية طال أمدها أسرى الكويت صادق يلي تصوير: أنور الحساوي

انتهت الحرب.. ولكن المعاناة الإنسانية لم تنته.

ما زال هناك العشرات من الرجال والنساء والأطفال ينئون تحت ربقة الأسر دون سبب أو مبرر معقول، وما زالت عشرات من أسر المفقودين تنتظر دون أن تفقد الأمل، وهي تصرخ في ضمير العالم من أجل أن يفك أسر المحتجزين.

مأساة إنسانية مدونة بحروف واضحة على وجوه الأطفال والأمهات. ثمن باهظ من أجل ذنب لم يرتكبوه، كأن النظام العراقي يحاول - في تشف غريب- أن يثأر من هؤلاء الأسرى الذين لا حول لهم ولا قوة ، ويجعلهم يدفعون ثمن هزيمته.

الجرح العربي ما زال مفتوحاً. أهل الكويت يتابعون الحملة العالمية التي تقوم بها حكومتهم من أجل إنقاذ هؤلاء الأسرى بقلوب واجفة. فالعالم كله يدرك عدالة موقف الكويت بعد التحرير. وهو يصرخ في وجه النظام العراقي الغاشم مع صرخات أطفال الكويت "أعيدوا أسرانا".

في كل مكان بمدينة الكويت تتناثر الملصقات " لن يهدأ لنا بال إلا بعودة أسرانا" ، "لا تنسوا أسرانا" ، "يا راد يوسف إلى يعقوب اردد علينا أسرانا" إنها ليست مجرد شعارات أو كلمات، ولكنها احتجاج مدو على ذلك الوضع المأساوي الذي ما زال النظام العراقي يفرضه على أهل الكويت العزل. لقد بدأت الحكومة الكويتية حملة عالمية في كل المحافل الدولية من أجل الضغط على العراق لإطلاق سراح هؤلاء الأسرى، ومعظمهم تم خطفهم قبل انسحاب القوات العراقية المهزومة من الكويت. ومن على منبر الأمم المتحدة إلى كل أرجاء المعمورة طاف سمو أمير البلاد يحمل قضية شعبه وناسه، وفي هذه الرحلة الطويلة كان في صحبته مجموعة من أبناء الأسرى تنطق وجوههم بكل براءة الأطفال عندما توضع تحت محك التعذيب والمماطلة.

وربما كانت هذه هي المرة الأولى في تاريخ الأمم المتحدة التي يحتل فيها الأطفال مقاعدهم في مقصورة سمو الأمير نفسها وسط بقية المسئولين عن دول العالم. ولعله كان التعبير الأمثل عن ذلك التلاحم بين القيادة والشعب ورمزاً لتلاحم الأسرة الكويتية كلها كبيراً وصغيراً. إن الأسرى الكويتيين ليسوا سلعة للبيع، وليسوا وسيلة للضغط والمساومة أو رهينة للابتزاز.

في البداية كان لقاء سمو الأمير مع الرئيس الأمريكي بوش الذي أكد الموقف الأمريكي من هذه القضية الإنسانية، ودعا العراق إلى إطلاق سراح الأسرى فوراً، وإلى بقاء العقوبات الدولية حتى يتم هذا الإفراج.

وفي الوقت نفسه بينما كان الأمير يقوم بهذه اللقاءات الرسمية، كان أطفال الكويت يقومون بلقاءات شعبية وإنسانية على المستوى نفسه. لقد تحدثوا إلى إذاعة "صوت أمريكا" وإلى الصحف الأمريكية الكبرى. لقد قصوا عليهم بكلماتهم البريئة والبسيطة تلك المعاناة التي يشعرون بها وهم ينتظرون عبثاً عودة ذويهم. وسار وفدهم الصغير إلى مبنى "الكابيتول" حيث تقابلوا مع أعضاء الكونجرس المختصين بحقوق الإنسان وأطلعوهم على الأوضاع اللاإنسانية التي يعانيها الأسرى في معتقلات العراق الرهيبة.

وعلى الطائرة الكويتية المكتوب عليها بخطوط بارزة "لا تنسوا أسرانا" واصل الأمير جولته إلى بريطانيا ولم يخاطب الأمير المسئولين البريطانيين فقط، ولكنه خاطب من خلالهم كل دول الكومنولث. كذلك كان الأمر مع الرئيس الفرنسي فرانسوا ميتران. إنه جهد متواصل وحركة دائبة من أجل إنهاء هذا الوضع الإنساني المعذب، من فرنسا إلى تركيا، ثم إلى بكين وموسكو وروما. رسالة حية ومعبرة إلى الضمير الإنساني. وفي كل مكان كان أطفال الكويت بوجوههم البريئة وصمتهم البليغ رسالة تعلو فوق الكلمات. وفي الصين كان لقاؤهم بالرئيس الصيني مؤثراً.. حيث أصر على تقبيل كل طفل من الأطفال. وشملت الرحلة أيضا الاتحاد السوفييتي، وكان الرئيس جورباتشوف يستعد لتسليم كل مسئولياته إلى القيادة الجديدة، ولكن كان لديه فسحة من الوقت للقاء أطفال الكويت، ووجه الأطفال إليه وإلى الرئيس الروسي يلتسين رسالة يقولون فيها "إننا نوجه نداءنا إلى كل رؤساء وقادة العالم، إلى الأسرة الدولية كلها ونؤكد لهم أن آباءنا مازالوا في أسر النظام العراقي، ولن يهدأ لنا جفن إلا بعد إطلاق سراحهم، ولن نذوق طعما للحياة إلا بعد أن يعودوا إلينا. إننا نفتقدهم بكل أسى وحرمان، ونعرف أنهم يرزحون تحت وطأة الأسر بسبب حبهم لبلادهم وولائهم الكبير لترابها وشعبها وأميرها. ونحن باسم جميع أبناء الأسرى الكويتيين ندعوكم، وكلنا أمل ورجاء أن تبذلوا مساعيكم الحميدة والنبيلة لإعادة آبائنا إلى أرضهم الحبيبة وإلى أسرهم وأبنائهم الذين طال بهم الانتظار.

شعب الكويت لا يستسلم

والأمر لا يقتصر على هذه الحملة الإعلامية التي شملت معظم أجزاء العالم، ولكن في داخل الكويت واصلت اللجان الشعبية عملها. إن هذه اللجان قد بدأت تحت ظروف الاحتلال الصعبة كي تساعد الشعب على المقاومة. وبعد التحرير جعلت من قضية الأسرى والشهداء والمفقودين هدفا ساميا تكرس من أجله كل جهودها. وكانت أبرز هذه الجهود هي رعاية أسر الشهداء والأسرى والمفقودين من مختلف النواحي المادية والمعنوية، وقامت بالتحرك على مختلف الأصعدة، وهي تجعل من هذه القضية هاجسا وطنيا، ومطلبا شعبيا. وأهم هذه الجمعيات الوطنية ثلاث جمعيات رئيسية هي: صندوق التكافل والجمعية الكويتية للدفاع عن ضحايا الحرب. ثم اللجنة الوطنية لرعاية الأسرى والمفقودين.

وقد تأسس صندوق التكافل لرعاية أسر الشهداء والأسرى في الكويت أيام الاحتلال العراقي الغاشم، وتولى رئاسته الدكتور عبد المحسن الخرافي. وتمثلت أهداف هذا الصندوق في عدة أمور منها رعاية وكفالة أسر الشهداء والأسرى، ثم السعي لإطلاق سراح بعض المعتقلين وتوفير المعلومات حول الشهداء والأسرى لتوصيلها للسلطة الشرعية.

يقول المسئول عن هذا الصندوق، لقد سعينا لتحقيق أهدافنا بشكل سري تحاشيا لمواجهة الأذى الذي قد نلاقيه من قوات الطاغية، فقد قمنا برعاية العديد من أسر الأسرى والشهداء، كما قمنا بجمع المعلومات عن الأسرى والشهداء لإرسالها إلى السلطة الشرعية في الطائف. أما بعد التحرير فقد قمنا بإنشاء صندوق التكافل لرعاية أسر الشهداء والأسرى، وهو يكمل مسيرة لجنة الشهداء والأسرى، ويعد هذا الصندوق أول صندوق خيري معلن يعمل في هذا المجال، حيث سعى لتخفيف الضرر الذي نال عوائل الأسرى والشهداء والمحتجزين، وقد تركزت أهداف الصندوق في العديد من الأعمال الخيرة التي تعود على أسر الشهداء والأسرى بالخير العميم.

مهمة لم تكتمل

أما الجمعية الشعبية الأخرى التي قامت خلال شهور الاحتلال العراقي البغيض للكويت، وقام مؤسسوها بخدمة الأسرى وعائلاتهم في تلك الفترة بقيادة الدكتور غانم النجار وباسم مستعار هو شركة النجار للسياحة والسفر، فقد باشرت عملها التطوعي علنيا بعد التحرير، وهي تضم نحو ألف متطوع ومتطوعة من فئات وتخصصات مختلفة لتأدية المهام المطلوبة ضمن نطاق اختصاص الجمعية وأهدافها.

وأما أهم أهدافها فهو الدفاع عن حقوق كل ضحايا الحرب مثل الشهداء والأسرى والمفقودين والمعتقلين، وكذلك الأسر المتضررة بشكل مباشر من الاحتلال، وتتألف من ثماني لجان عاملة تتضافر جهودها لخدمة أهداف الجمعية، يقول الدكتور غانم النجار: لقد نظمنا حملة عربية ودولية لإطلاق سراح الأسرى والمحتجزين تحت شعار "مهمة لم تكتمل"، ويعني أن المهمة التي قام بها المجتمع الدولي لتحرير الكويت ينقصها شيء بسيط بالنسبة للمجتمع الدولي، لكنه كبير بالنسبة للكويت، وهو عودة الأسرى، وقد شملت هذه الحملة كلا من دولة الإمارات العربية المتحدة والبحرين ومصر وسوريا والمملكة المتحدة، بالإضافة إلى الكويت، كما قامت الجمعية بحملة أخرى لجمع التوقيعات على مذكرة ترسل إلى الأمين العام للأمم المتحدة، وقد بلغت هذه التوقيعات قرابة المائة ألف توقيع شلمت منها نسخ إلى الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن، وتطالب هذه المذكرات المجتمع الدولي ببذل المزيد من الضغوط من أجل الإفراج عن الأسرى والمحتجزين في سجون طاغية بغداد، كما قامت الجمعية بإقامة المعارض التي عرضت فيها أدوات التعذيب التي استخدمها النظام العراقي، والأساليب اللا إنسانية التي اتبعها الجلاوزة في التعذيب، بالإضافة إلى عروض لأفلام الفيديو وصور من الشباب الذين عذبوا واغتيلوا على أيدي الطغمة الفاسدة في العراق. ويضيف الدكتور غانم النجار قائلا: إن المقصود من وراء كل هذا هو توجيه رسائل محددة للرأي العام المحلي والعربي والعالمي لتوضيح أن النظام العراقي يحتجز الأسرى والمدنيين، ولايزال يعاملهم بطرق التعذيب نفسها التي كان يعامل بها الشعب الكويتي في أثناء الاحتلال.

اللجنة الوطنية لشئون الأسرى والمفقودين

وقد تأسست هذه اللجنة بعد التحرير بقرار من مجلس الوزراء وتضم في عضويتها أربعة وزراء، ثم أربعة من الشخصيات الكويتية والتي لها صلة وارتباط بالعمل التطوعي، وتتشكل اللجنة من مكتبين أولهما المكتب التنفيذي الذي يتولى تنفيذ التوصيات والقرارات التي تصدر عنها، أما المكتب الثاني فهو مكتب الاتصال الخارجي ومقره في الرياض، وهذان المكتبان هما الذراعان الرئيسيتان للجنة الوطنية، فمهمة مكتب الاتصال الخارجي تنحصر في الاتصال بالمنظمات الدولية - ومنها منظمة الصليب الأحمر الدولي ولجان وهيئات دولية أخرى- التي لها علاقة وارتباط مباشر بموضوع الأسرى والمفقودين، بينما يرتبط المكتب الفني بتنفيذ مجموعة من التوصيات والقرارات الخاصة بالأسرى سواء بالاتصال المباشر أو غير المباشر.

يحدثنا الدكتور بدر العمر رئيس المكتب التنفيذي في اللجنة الوطنية عن مهام اللجنة قائلا: إن المكتب التنفيذي- من غير شك- هو منفذ لتوصيات وقرارات اللجنة الوطنية لشئون الأسرى والمفقودين، فنحن في حاجة لتوفير معلومات وافية حول الأسرى وأعمارهم وجنسياتهم وأجناسهم، بل كل المعلومات الخاصة بهم، ولأجل ذلك أنشانا لجنة معلومات تابعة للمكتب التنفيذي، كما أن اللجنة تهتم أيضا بأسر الأسرى، وقد أنيطت هذه المهمة باللجنة الاجتماعية التي تشرف على برمجة وتنظيم القرار الخاص بصرف الإعانة الخاصة لذوي الأسرى وهي تصرف لكل أسرة أسير أعزب 300 دينار و 500 دينار لكل أسرة أسير متزوج، واللجنة الاجتماعية التي تقوم بهذه المهمة تقوم بزيارات ميدانية لذوي الأسرى في منازلهم للوقوف على كل مشاكلهم الحقيقية دون الحاجة إلى حضور الأسرة إلى اللجنة الوطنية. وحقيقة يجب أن نذكرها هنا، وهي أنه أن بين هذه الأسر هناك أسر متعففة لاتظهر مشاكلها أو حاجاتها، ويضيف الدكتور العمر قائلا: أمامنا الآن مهمة تختص بطفل الأسير، فالطفل كما هو معروف أكثر حساسية، وقد يتأثر بها كثيرا، وينعكس ذلك على سلوكه وشخصيته فيما بعد، لذلك فإن هناك تنسيقا بين اللجنة الوطنية ووزارة التربية بخصوص فحص المشاكل التي تواجه الطلبة في المدارس- وبالتحديد طلبة أبناء الأسرى وتحصيلهم الدراسي- لتنفيذ هذا المشروع. كما أن هناك بعض ذوي الأسرى الذين يحتاجون إلى بعض الوقفات الروحية كي تساعدهم على الصبر والتصبر، ومن أجل ذلك أقامت اللجنة الوطنية مجموعة من الندوات الدينية، ولدينا فتيات ذوات ثقافة دينية يقمن بهذا العمل، ومن فعاليات اللجنة الاجتماعية القيام بعقد لقاءات مع الأطفال، لأنه من الواجب أن يعيش طفل الأسير كطفل عادي يزاول حياته الطبيعية ولا يكون منزويا أو منغمسا في مشكلة والده الأسير، وقد قامت اللجنة الاجتماعية بعمل لقاءين للأطفال سادهما جو من الثقافة والمرح، وبالإضافة إلى ذلك تقوم اللجنة بتنظيم رحلات العمرة لذوي الأسرى، وتتكفل اللجنة الوطنية بمصاريفها.

ولكن هل استطاعت اللجنة الوطنية لشئون الأسرى والمفقودين أن تجند كتابا عالميين ودوليين لإبراز قضية الأسرى على المستوى الدولي والعالمي؟ أجاب الدكتور العمر قائلا: لم نصل إلى هذه المرحلة بحيث نجند كتابا يكتبون عن قضية الأسرى، إننا لن نحاول شراء ضمائر الكتاب والصحفيين، المفروض على الكاتب أن يعرف أن هناك مشكلة إنسانية بهذا الحجم وأن يبادر بالكتابة عنها دون أن يستقطب، والواقع أنني أريد أن أذكر هنا أننا قابلنا العديد من الصحفيين من أوربا واليابان وانجلترا وإيطاليا ومن جميع دول العالم سواء من الصحافة أو التليفزيون أو الإذاعة، وأننا بذلك قد تخطينا العالم كله، إلا أن الإعلام يحتاج إلى الاستمرار والتعزيز والدعم. إن مهمتنا أن نجعل قضيتنا صادقة وواضحة، والعالم يحتاج إلى حقائق ويحتاج إلى دعم هذه المصداقية لأن غريمنا يحاول هو الآخر أن يقول العكس.

مركز لعلاج ضحايا الغزو

ولكن ماذا عن البرامج التي وضعت للأسرى بعد أن يفك الله أسرهم من سجون الطاغية؟، يقول الدكتور العمر: لقد أجرينا اتصالات مكثفة مع وزارة الصحة بخصوص إنشاء مركز طبي خاص بهذا الموضوع، ولقد أكد لنا وزير الصحة أن الكويت أولت أهمية كبرى للتأثيرات النفسية لضحايا الغزو والأسرى الكويتيين، وأن الدولة أعطت اهتماما بالغا منذ اللحظات الأولى بعد التحرير بالجانب الإنساني والصحي والنفسي لضحايا الحرب، وذلك بإنشاء مركز تخصصي لعلاج الحالات النفسية على أسس علمية حديثة، وذلك بالتعاون مع منظمة اليونيسيف بالأمم المتحدة والمركز العالمي لتأهيل ضحايا الحرب، وهناك خبراء متخصصون عالميون في هذا المجال، وسوف يكون للمركز فريق طبي كامل من المتخصصين في مجال الطب النفسي، كما سوف يتم وضع برنامج عمل بالتعاون مع المنظمات العالمية المتخصصة لتقديم العلاج اللازم للمصابين، بالإضافة إلى تأهيل الكوادر اللازمة من الأخصائيين الاجتماعيين.

شهادات الأسرى

وكان لا بد من لقاء مجموعة من الأسرى الذين من الله عليهم بالتحرير من سجون الطاغية، لإلقاء الضوء على ما كابدوه من آلام في أثناء أسرهم، وكان أول لقاء مع أسيرة شابة لم يتجاوز عمرها 23 سنة تقول: اسمي ليلى. م، أعمل في إحدى المصالح الحكومية، يقال عني إني جميلة بعض الشيء، ولكم أن تتصوروا كيف يكون مصير فتاة في سني عندما تقع بين أيدي جنود الاحتلال العراقي الغاشم، فلو افترضنا أنها لم تصنع شيئا فإنهم لن يتركوها إلا بعد أن يذيقوها العذاب والألم ويتركوا في جسدها ونفسها جراحا لن تندمل. أما أنا وقد ألقوا القبض علي بالجرم المشهود فإن قسوتهم ووحشيتهم وبطشهم قد تضاعفت، ليس فقط من أجل دفعي للاعتراف، بل لإذلالي وإهانتي وامتهان كرامتي وشرفي تنفيسا لحقدهم وكراهيتهم لكل كويتي شريف، إن ما تحملته لن أنساه ماحييت، لأن ما أصابني على أيدي هؤلاء الطغاة لا يمكن أن يتحمله أو يتصوره إنسان.

لقد اعتقلني الجنود العراقيون بسبب ترددي على منزل أحد أقربائي الجنود الذين استشهدوا في اليوم الأول للغزو وكنت أزور عائلته للاطمئنان عليهم، وأقدم لهم بين الحين والآخر أموالاً وأغذية، كنت أتسلمها من أحد الأشخاص يدعى "حامد" ليعيلوا بها أنفسهم، وكانت هذه العائلة تتكون من زوجة وثلاثة أطفال أكبرهم في التاسعة بالإضافة إلى والدة الشهيد.

وقد اعتقلت عندما كنت خارجة من منزل الشهيد حيث أنزلني الجنود العراقيون من سيارتي عند إحدى السيطرات القريبة من منطقة العمرية، وطلبوا مني الدخول إلى أحد المباني، كنت أعتقد في البداية أن الأمر لن يتعدى سرقة سيارتي، إلا أن الصفعة القوية التي تلقيتها من أحد الضباط العراقيين عند دخولي إلى حجرته جعلتني أدرك أن الأمور لاتسير لصالحي وبدأوا في استجوابي، وكانت الأسئلة تدور حول علاقتي بالشاب حامد وبأسرة الشهيد، وعن علاقتي برجال المقاومة، علماً بأنني كنت أعتبر أن ما أقوم به هو نوع من المساعدة لأسرة محتاجة فقدت عائلها، فأنا لم أنقل سلاحاً ولم أقم بتوزيع أية منشورات، وعلاقتي بحامد هي علاقة جوار، وقد أنكرت الاتهامات، وأخبرت المحقق أنني أعرف تلك الأسرة منذ مدة ولي معها صلة، لذلك أقوم بزيارتهم بين الحين والحين للاطمئنان على أحوالهم، ولم أعترف بعلاقتي مع حامد، وقلت إنني لا أعرفه فجن جنونهم وأخذوا في ضربي، بل إنهم جربوا معي حرباً نفسية حيث نقلوني إلى إحدى الغرف فوجدت فيها فتاة في حالة يرثى لها وجسدها شبه عار وقد ظهرت في أنحائه آثار حروق وجروح، وهددوني بأن مصيري سيكون كمصيرها إن لم أعترف، وحقيقة لم يكن عندي شيء أعترف به، فأعادوني إلى غرفة التحقيق مرة أخرى بعد أن تلقيت عدة لكمات وصفعات، فقلت ما قلته في البداية، فجن جنونه وأخذ يشتمني بأقذر الشتائم وبأبشع العبارات، ثم اقتادوني إلى غرفة شاهدت فيها مجموعة من أدوات التعذيب كالكماشات والأسلاك الكهربائية والعصي وقال لي أحد الزبانية إن لم تعترفي فسنجرب كل هذه الأدوات معك، ثم شدني من شعري وأخذ سوطاً وجعل يضربني به بينما كان جندي آخر يمسك بي ليمنعني من الهرب، وبعد مضي ساعة وأنا على هذه الحال تركوني وحيدة في زنزانة حتى اليوم التالي دون أن أرى أحداً، وقد أخذ بي الجوع والعطش والألم كل مأخذ، ثم نقلت إلى مبنى آخر بعد أن عصبوا عيني، وعرفت فيما بعد أنه "مبنى الهيئة العامة للزراعة" ليبدأ مشواري مع التعذيب النفسي والجسدي، حيث لاقيت في هذا المبنى طوال ثلاثة أسابيع أهوالاً لا يمكن وصفها، فقد قصوا شعري وعرضوني للصعقات الكهربائية مراراً وخلعوا أظفاري، كما أطفأوا أعقاب السجائر في جسمي الذي استباحوه مرات عديدة بكل دناءة ووحشية الغزاة الأنذال، وبعد ذلك أفرجوا عني وأنا بين الحياة والموت حيث ألقوا بي على مقربة من منزلنا بعد أن أطلقوا الرصاص في الهواء لإبعاد الناس الذين تجمعوا حولي ظناً منهم أنني ميتة.

استقطاب الكتاب والمفكرين

ولما كانت قضية الأسرى والمحتجزين تعد قضية الكويت الأولى وتستأثر بجانب مهم من اهتمامات الكويت على الصعيدين الرسمي والشعبي، لذلك قمنا بعرض هذه القضية على مجموعة من الكتاب والمفكرين الكويتيين لطرح رأيهم في هذه القضية المهمة كان السؤال هو: ما هي الطريقة المثلى لتخليص أسرانا من معتقلات طاغية العراق؟ ذهبنا بهذا السؤال إلى الأستاذ فهد الدويري الكاتب والمفكر الكويتي فأجاب قائلا: إن قضية الأسرى والمحتجزين بالنسبة لنا في الكويت معروفة، والتركيز عليها في الداخل وبين أهل المختطفين لا جدوى منه، وقد ينقلب مع الأيام إلى نوع من السأم والتكرار الممل، أما السؤال الذي يجب أن نسأله لأنفسنا فهو: كم كاتبا أجنبيا له وزنه أقنعناه بقضيتنا ليكتب عنها بصدق وإيمان؟، وكم صحيفة جعلناها تتبنى الدفاع عن هذا الموضوع، وإبرازه بالشكل المناسب ولو كلفنا ذلك أموالاً ؟، ثم كم محطة إذاعة أخذنا فيها ركنا نشرح فيه قضايانا وحقوقنا، ومبلغ الظلم الذي وقع على بلدنا وعلى أفراد شعبنا الذين سرقهم جلاوزة بغداد وهم في مساجد الله؟ وكذلك كم قناة تلفزيونية استخدمناها لعرض هذه القضية الوطنية والقومية والدينية والإنسانية؟ ويضيف الأستاذ الدويري قائلاً: يجب أن يكون هناك ضغط دولي واستخدام لكل الوسائل المتاحة لإطلاق سراح إخواننا وأبنائنا، يجب أن يكون هناك دور لسفاراتنا بالخارج فإن لديها كل الإمكانات والاتصالات لتؤدي الجهد المطلوب لخدمة هذه القضية العادلة.

ضغط عسكري

أما الدكتور عبد المحسن الخرافي رئيس صندوق التكافل لرعاية أسر الشهداء والأسرى فيطالب باستثمار القوة العسكرية للتحالف الدولي في المنطقة لحسم قضية الأسرى والمحتجزين الكويتيين لا سجون العراق، وأضاف: إن هناك محاور عديدة للعمل سواء على الصعيد الرسمي أو الشعبي، وقد شبه هذا العمل بدوائر متحدة المركز وتتدرج في الاتساع وهي دول مجلس التعاون الخليجي ودول إعلان دمشق، والجامعة العربية، ومنظمة المؤتمر الإسلامي والتحالف الدولي، والأمم المتحدة. وقال الدكتور الخرافي: إن النظام العراقي باحتجازه لهذه المجموعة من الأسرى الكويتيين قد خرق بنود لائحة لاهاي واتفاقيات جنيف المبرمة عام 1949، ولذلك فإن مفهوم التحرير لم يكتمل بعد مادام هناك أسرى كويتيون لايزالون محتجزين في سجون النظام العراقي، بل إن مفهوم سيادة الكويت وحريتها لم يكتمل، فاحتجاز بعض رعاياها هو مساس بسيادتها، وأضاف الدكتور الخرافي قائلا: ومن هنا أطالب التحالف الدولي بضرورة ممارسة الضغط العسكري على العراق حتى تمتثل لقرارات الأمم المتحدة بإطلاق سراح جميع الأسرى.

ليست قضية أسرى.. بل قضية إرهاب

أما الأستاذ عبد العزيز طاهر المحامي فيقول عن قضية أسرى الكويت، وعن أحسن السبل لإطلاق سراحهم: إن قضية أسرى الكويت من القضايا التي يمكن إدخالها في باب قضية الإرهاب، لأن معظم الأسرى الذين تم القبض عليهم داخل الكويت لم يكونوا في حالة دفاع، ولم يكونوا جنوداً يحملون السلاح، بل هم أقرب إلى كونهم رهائن، وقد استخدم النظام العراقي هؤلاء الأسرى كرهائن، ولذلك فهم أسرى ورهائن يجب أن تطبق بشأنهم قوانين مكافحة الإرهاب. ويجب تصعيد القضية عالمياً على اعتبار أن مسألة أسرى الكويت هي من عمليات الإرهاب. ويضيف المحامي عبد العزيز طاهر قائلاً: لقد كان في الحرب العراقية الإيرانية أسرى، ولكن هؤلاء الأسرى يختلفون عن أسرى الكويت، إن أسرى الكويت كانوا نتيجة إرهاب دولي، وهذا شيء أكثر فظاعة من إرهاب- الأشخاص، لأن الإرهابيين الأشخاص طاقاتهم محدودة، ولكن الدول الإرهابية طاقاتها شديدة، وبالتالي فإن الإرهاب الذي فرض على الكويتيين إرهاب لا يستطيع دفعه أحد، ولا حتى بعض الدول، لذلك فيجب أن يؤخذ الموضوع من باب التعامل مع العراق كدولة إرهابية، استخدمت الإرهاب في القبض على هؤلاء الأسرى الكويتيين، وحتى عندما تستخدمهم في الابتزاز وفي طلب المقابل، فهي تقوم بعمل إرهابي، ومن هنا يجب أن يعرف العالم هذه الحقيقة، إنهم نتاج عملية إرهابية. ويضيف الأستاذ عبد العزيز طاهر المحامي قائلاً: أما الأمر الثاني فهو أن هؤلاء الأسرى مدنيون ويجب أن تحكمهم ظروف مختلفة عن العسكريين، إلا أن النظام العراقي لا يراعي ذلك، ويعامل الأسرى معاملة سيئة. أما الأمر الثالث فهو أن العالم يجب أن يطبق القواعد المتفق عليها عالمياً بشأن الإرهاب في العالم وألا يستمر أي وضع ناتج عن الإرهاب، وإلا تفشى الإرهاب في العالم، وهذا بالطبع يشكل خطورة على الإنسان في كل بقعة من الأرض، والأخطر من هذا إذا كان الإرهاب إرهابا دوليا وبذلك سوف يؤدي إلى تنامي الإرهاب.

إذن فإن أسرى الكويت تنطبق عليهم قوانين الأسرى، كما تنطبق عليهم قوانين مكافحة الإرهاب وقواعد حقوق الإنسان، ولذلك فقضية الأسرى الكويتيين تعد من أهم قضايا العصر، بل يجب أن تكون هذه القضية نموذجا للرقي بالإنسان من مستواه المتدني في الظلم والإرهاب والقهر إلى مستوى الإنسان الحضاري الذي يتمتع بكامل حقوقه.