في نظريات التعلم بالترابط: هل يمكن تطبيع السلوك؟

في نظريات التعلم بالترابط: هل يمكن تطبيع السلوك؟

ثقافة العلوم النفسية ليست ترفا ذهنيا, بل هي ضوء كاشف لكثير من دقائق السلوك الإنساني, ومن أهم النظريات النفسية نأتي النظرية المدرسية السلوكية.

عندما بدأ واطسون أبحاثه كان من الشائع تفسير تقريبا كل شكل من السلوك على أنه يعود إلى غريزة معينة. فحب معاشرة الناس نُسب إلى غريزة اجتماعية, والشجار إلى غريزة العداء, وهلم جرا. وكان يُفترض أنها غرائز فطرية متوارثة وهي تحدد إلى حد كبير أنواع السلوك البشري. لكن وجد واطسون أن هذه الغرائز ذهنية وتجريدية, وأكد أن سلوكنا على النقيض من ذلك, عبارة عن ردود فعل منعكسة مكيفة: أي عبارة عن ردود فعل متعلمة من قبل ما أصبح يسمى الآن التكييف الكلاسيكي, إننا لا نظهر ميولا اجتماعية أو عدوانية لأننا نولد وبحوزتنا غريزة تدفعنا نحو هذا أو ذاك, بل لأننا تعلمنا ذلك من خلال التكييف.

هذا وأعلن واطسون إيمانه الراسخ بالحتمية البيئية, إن البيئة المسئول الأول والأخير عن تكييف الأفراد وبالتالي فيما يصبحون حين يكبرون. وتقوم البيئة بممارسة تكييف وتطبيع ردود الفعل المنعكسة لدى الإنسان منذ الطفولة. وتنتج البيئة الصالحة أفرادا صالحين, وتنتج البيئة غير الصالحة أفرادا غير صالحين. إن الشخص في علم النفس السلوكي محتوم عليه بالبيئة التي يولد ويتربى فيها. ويتضح هذا الاعتقاد المطلق بفاعلية البيئة في تكييف السلوك وتفوق البيئة في التأثير على السلوك مقابل العوامل البيولوجية في قوله: (اعطني اثني عشر طفلا سليما وعالمي الخاص لتربيتهم وسوف أؤكد أن باختيار أي منهم وتدريبه يمكن أن يصبح متخصصا كما أختار, دكتورا أو محاميا أو فنانا أو تاجرا أو زعيما ونعم حتى شحاذ أو لص, هذا بغض النظر عن مواهبه أو استعداده أو ميوله أو مقدرته أو أصل أجداده).

مفاهيم نظرية رئيسية

التكرار: يقوي تكرار المصاحبة بين المنبه المكيف والمنبه غير المكيف الارتباط بين المنبه المكيف والاستجابة المكيفة. يقوي تكرار المصاحبة بين ظهور الفأر والصوت المزعج الارتباط بينه والخوف.

إن التكرار أمر نسبي فقد يتم التكييف (التعلم) بعد مرة أو عدة مرات, مثلا: لا يحتاج الطفل إلى عدة مرات ليتعلم الابتعاد عن النار, لكنه ربما يحتاج إلى عدة مرات ليتعلم الحديث بهدوء.

الانطفاء: تتوقف الاستجابة المكيفة على وجود المنبه غير المكيف, من الواضح لا يستطيع المنبه المكيف خلق الاستجابة المكيفة دون المنبه غير المكيف. لذلك لو منع المنبه المكيف عن مصاحبة المنبه غير المكيف, فإن الاستجابة المكيفة تبدأ بالزوال والانطفاء تدريجيا. إذا توقفنا عن إصدار الصوت المزعج عند ظهور الفأر (في تجربة واطسون), وبعد تكييف الطفل على الخوف من الفأر, فإنه يبتدىء تدريجيا بعدم الخوف منه. أي يبدأ التكييف في الانطفاء. وللانطفاء تطبيقات مهمة في العلاج السيكولوجي المؤسس على النظرية السلوكية (العلاج السلوكي).

الاسترجاع التلقائي: لا يعني الانطفاء أن رابطة التكييف قد تلاشت تماما عن الوجود, بل بالأحرى حدث (كمون) على نحو ما. ووجد أنه إذا قُدم المنبه المكيف إلى الكائن بعد مضي بعض من الوقت بعد الانطفاء تعود (استرجاع) الاستجابة المكيفة مرة أخرى تلقائيا.

التعميم: يعني التعميم قابلية الكائن إلى الاستجابة إلى عدد من المنبهات المشابهة للمنبه المستخدم في عملية التكييف. بمعنى آخر, يمكن إثارة الاستجابة المكيفة المرتبطة بمنبه مكيف معين بواسطة منبهات أخرى شبيهة بالمنبه المكيف. وتتوقف درجة وقوع هذه الاستجابة تبعا لدرجة الشبه بين المنبه الأصلي والمنبه الجديد: وكلما زاد الشبه بين المنبهين زاد احتمال التعميم. مثلا, يحتمل أن يسبب الخوف من الفأر الخوف من الحيوانات والأشياء الأخرى الشبيهة بالفئران, وربما يؤدي تعلم الخوف من الظلام إلى الخوف بشكل عام.

التمييز: إن التمييز نقيض التعميم, يشير التمييز إلى قابلية الكائن إلى الاستجابة لنوع معين من المنبهات أو للمنبه ذاته الذي استخدم في عملية التكييف وليس لمنبهات شبيهة أي القدرة على التفرقة بين المنبهات المكيفة المتشابهة التي دعم بعضها ولم يُدعم البعض الآخر.

وكان إدوارد ثورندايك (1847 ـ 1949) أول من درس التكييف المؤسس على عواقب السلوك, وذلك بإجراء تجارب مع قطط جائعة محبوسة في أقفاص خاصة. وحتى تستطيع تلك القطط الحصول على الطعام كان لزاما عليها التصرف بطريقة معينة, وذلك بالضغط على رائعة داخل القفص والتي تفتح الباب. وكان تصرفها (سلوكها) هو الوسيلة للوصول إلى الهدف المنشود, كما أنه يصدر (إرادي) من قبل الكائن وليس يُستخرج (لا إرادي) من قبل مثير, هذا ولا تُعطى المكافأة (الطعام) إلا بعد القيام برد فعل معين.

تكييف الوسيلة

في تلك الأثناء تقريبا عندما كان بافلوف يجري تجاربه مع الكلاب, كان ثورندايك يُجري تجاربه على القطط في أمريكا. ومن تلك التجارب بدأ ثورندايك دراسة تكييف الوسيلة (Instrumental conditioning). واستطاع تعليم (تكييف) القطط التصرف بطريقة (وسيلة) معينة حتى تحصل على الأكل الذي تحتاج إليه, ولذلك سمي هذا النوع من التكييف تكييف الوسيلة. وفسر طريقته هذه (تكييف الوسيلة) بعبارات وميكانيكية حول التعلم. وتوصل إلى الافتراض أن الإحساس بالرضا (الشبع) الذي يتبع رد فعل ناجحا يجعل وقوع رد الفعل هذا أكثر احتمالا في الظروف المشابهة التي تقع في المستقبل وسمي ذلك (قانون الأثر). وهكذا أصبحت طريقته في البحث وأفكاره بمثابة حجر الزاوية في الجهود العلمية الأمريكية لدراسة عملية التعلم لدى الإنسان والحيوان.

إن أساس تكييف الوسيلة هو العبارة: (إن التدعيم (الحصول على الطعام) يتوقف على الاستجابة). ذلك أن المكافأة (الطعام) لا تقدم إلا بعد قيام الكائن باستجابة معينة. بمعنى آخر أن الحصول على المكافأة يعتمد على ماذا يفعل الكائن. أي أن سلوكه هو الوسيلة للحصول على هدف مرغوب به, أو تجنب (هروب) من شيء غير مرغوب به.

وتابع سكنر (1904 ـ 1990) أعمال واطسون وثورندايك, وقام بإجراء تجارب رائدة محاولا تطبيق مبادىء تكييف الوسيلة على أحوال الحياة اليومية. ونبدأ الآن الاطلاع على تجربته الأساسية. ابتدع سكنر التجربة التالية ليوضح كيف يمكن تعليم الكائن من خلال تكييف الوسيلة. جهز قفصا مقسوما إلى جزأين بحاجز يمكن لحيوان (قط, فأر, كلب) القفز فوقه. ترتبط أرضية الجزء الأول من القفص بتيار كهربائي أما الجزء الثاني فلا. يوضع الحيوان في الجزء الأول من القفص ويوصل له التيار, فنجد أنه يتألم ويجتهد في البحث عن وسيلة يتخلص بها من الألم. وبعد فترة من الجري من جهة إلى أخرى يتوصل إلى القفز على الحاجز والاستقرار في القسم الثاني الخالي من التيار.

ثم يوضع الحيوان مرة أخرى في القسم الأول ويوصل التيار, فيعيد البحث عن حل يتخلص به من الألم حتى يتوصل إلى القفز على الحاجز. وبتكرار إعادة الحيوان إلى الجزء الأول وتوصيله بالتيار يلاحظ تناقص الوقت الذي يستغرقه للجوء إلى القفز على الحاجز الذي يفصل بين جزأي القفص. ثانيا: بعد التكرار مرات كافية يتعلم الحيوان الهروب إلى الحاجز والقفز عليه حال توصيل التيار ودون أي بحث. أي يتعلم الوسيلة التي يتخلص بها من الألم, بمعنى آخر, تمت عملية تكييف الوسيلة التي يتخلص بها الحيوان من الألم.

هناك مبدآن عامان مرتبطان بهذا النوع من التكييف وهما:

ـ أي استجابة متبوعة بتدعيم (مكافأة) تميل إلى التكرار.

ـ إن التدعيم هو أي شيء يزيد من درجة حدوث الاستجابة المكيفة.

وهكذا يقع التركيز في تكييف الوسيلة على نوعية الاستجابة إذ يعتمد الحصول على المكافأة على إصدار الكائن لاستجابة معينة مرغوب بها.

التدعيم

يشير مفهوم التدعيم (Reinforcement) إلى أي فعل يقود إلى زيادة في حدوث رد فعل معين أو تكراره, ويتراوح التدعيم من تقديم كلمات التشجيع أو المدح أو الاستحسان أو الموافقة إلى الإثابة المعنوية أو المادية لرد فعل معين صادر عن الكائن. إن التدعيم هو المكافأة والتي تقدم تعبيرا عن استحسان سلوك معين.

تبرز تجربة سكنر الدور المهم الذي يلعبه التدعيم (أو المكافأة reward) في التعلم وتشكيل السلوك. ولم يحصل الحيوان على التدعيم ـ المكافأة (التخلص من الألم) إلا بعد القفز على الحاجز والوصول إلى الجزء الثاني من القفص (منطقة أمان). إذن يتوقف إمكان الحصول على المكافأة على إصدار الكائن سلوكا معينا مرغوبا به.

يعلق سكنر أهمية قصوى على التدعيم في التعلم وتكييف وتشكيل وتثبيت السلوك. ويصبح السلوك الذي يحوز على تدعيم إيجابي أكثر احتمالا في التكرار والإعادة, وعلى العكس لا يحتمل تكرار أو إعادة السلوك الذي يحوز ردود فعل سلبية (تدعيما سلبيا). باختصار, تميل الاستجابة إلى التكرار إذا تبعها تدعيم. ثانيا: إن التدعيم هو أي شيء يزيد من درجة حدوث استجابة ما. وتعد نوعية الاستجابة في تكييف الوسيلة أمرا مهما لأن الحصول على التدعيم يعتمد على (contingent) إصدار الكائن استجابة معينة. وهكذا يتم تكييف الوسيلة نتيجة التدعيم الذي يلقاه الإنسان أو لا يلقاه من البيئة (ومن يتعامل معهم).

ويسمى التكييف الذي طوره سكنر التكييف الإجرائي (Operant conditioning) وهو يختلف قليلا عن تكييف الوسيلة الذي اكتشفه ثورندايك, وذلك من منطلق أن معدل الاستجابة (معدل احتمال حدوث الاستجابة) هو الذي يُقاس وليس مجرد وقوع استجابة واحدة. ويقول المبدأ الأساسي في التكييف الإجرائي إنه إذا اتبع استجابة ما تعزيز, فإن إمكان تكرارها يزداد. وبالتالي يمكن القول بإمكان تكييف السلوك إجرائيا من جراء التحكم بنتائج السلوك. ويستخدم سكنر وأتباعه مصطلح (إجرائي) لوصف الأفعال التي تتألف منها الاستجابة التي يقوم بها الكائن: كالقفز على حاجز, النقر على رافعة, نطق كلمة معينة.. وهلم جرا. وهكذا فإن هذا النوع من التكييف هو عبارة عن عملية يمكن بواسطتها تغيير (أو تعديل) السلوك أو التحكم به, وذلك من خلال التحكم بالأحوال البيئية.

إن مصطلحات تكييف الوسيلة والإجرائي تستخدم بالتبادل من قبل العديد من علماء النفس والسبب هو أن كليهما يشيران إلى سلوك إرادي مدعم (معزز) صادر من الكائن. فضلا عن أن كليهما يشيران إلى تعلم سلوك جديد ما, والذي يساعد الكائن على اكتساب مكافأة (تدعيم) ما أو تجنب عقوبة معينة.

تشكيل السلوك

تسمى التقنية التي تستخدم لخلق ردود فعل سلوكية جديدة التشكيل (shaping). إن التشكيل عبارة عن طريقة تكييف إجرائي ينجم عنها سلوك جديد, وذلك بواسطة التدعيم المتفاوت لعناصر السلوك التي تتقارب مع سلوك معين مرغوب به. وحتى يمكن تشكيل (أو تغيير أو تعديل) سلوك ما يجب الانتباه إلى عدة أمور: التحديد ماذا يُعد تدعيم مؤثر (مكافأة) بالنسبة لشخص معين, ترقب حدوث السلوك المطلوب ثم دعمه بسرعة وفقا لجدول منظم, ثانيا, حدد بوضوح ما هو الهدف (السلوك) المنشود. ثالثا, ارفع بالتدريج معيار التدعيم كلما تم اتقان (تعلم) جزء من السلوك المنشود. وعندما تستمر مكافأة الكائن على ردود فعل معينة تصدر منه فإنه يتعلم ويتعود على سلوك معين, وبالتالي يقال تحقق تشكيل (تكييف) سلوكه.

وهكذا يتسنى تطبيق مبادىء هذا النوع من التكييف على تشكيل السلوك (وتعلم أنماط سلوكية جديدة) عامة. إن الإنسان, بالنسبة لسكنر, عبارة عما كان يكافأ عليه, وما يدعى الشخصية ما هو إلا سلوك متكرر يلخص ما كان المرء يكافأ عليه, هذا ونبه إلى قيام الآباء والأمهات أحيانا على تشكيل وتطبيع أطفالهم على نوع معين من السلوك دون قصد أو وعي منهم, بل قد يدعموا سلوكا معينا لا يحبوه في أطفالهم. مثلا, عندما يرد الوالدان على صياح أطفالهما بتلبية رغباتهم وذلك لإسكاتهم, فكلما تعالى الصياح تسارع الوالدان إلى تلبية الرغبات. لذلك يصبح أسلوبهما في تهدئة وإسكات أطفالها, وذلك بتلبية جميع رغباتهم, في واقع الأمر, عبارة عن تدعيم وتشجيع لهم على اللجوء إلى البكاء والصراخ كلما أرادوا شيئا. ومع تكرار هذا الأسلوب في التعامل مع الأطفال يتم تشكيل سلوكهم.

إن التكييف السيىء, من وجهة نظر السلوكيين, يلازم الإنسان مدى حياته, وبالتالي يميل الشخص الذي يتربى ويتعود على مثل ذلك الأسلوب التربوي إلى التوتر والاضطراب عند مواجهة مشكلة في حياته أو عند عدم الاستطاعة من تحقيق أمنية أو رغبة أو ما يريده, هذا ما لم يحصل تغيير في التكييف (تكييف معاكس) الذي اكتسبه وقت الطفولة.

وطور السلوكيون مبادىء التكييف وتوظيفها في تغيير وتعديل السلوك غير المرغوب به, وذلك ضمن نطاق العلاج السلوكي. إن المبدأ الأساسي في هذا النوع من العلاج السيكولوجي هو تدعيم الاستجابات المستحبة وإطفاء الاستجابات غير المستحبة. ولا تحاول هذه الطريقة العلاجية معرفة أسباب الأعراض المرضية أو تاريخها بقدر ما تهتم بالعمل على إطفائها والتخلص منها.

وأخيرا, تجدر الإشارة إلى أن مبادىء تكييف الوسيلة (والإجرائي) تستخدم على نطاق واسع لتدريب الكلاب البوليسية وسمك الدلفين والحيتان في حدائق الأسماك, وذلك بواسطة الربط بين الطعام وأداء أفعال معينة.

مفاهيم تكييف الوسيلة

التدعيم: للتدعيم الإيجابي فائدة قصوى في عملية تكييف الوسيلة (والإجرائي), فهو ضروري لتكوين الاستجابات المرغوب بها (المكيفة), وتبين التجارب التي أجراها السلوكيون هذه الأهمية في التعلم عموما. كل سلوك يتبعه تدعيم ما (أي شيء يرغب به الكائن) يزداد إمكان حدوثه مرات أخرى. التدعيم إذن هو الجائزة التي يرغب بها الكائن والتي يعتمد (يتوقف) تقديمها على ما يقوم به من سلوك.

ـ التشكيل: عندما تستمر مكافأة الكائن على استجابات معينة تصدر منه, فإنه يتعلم ويتعود على سلوك معين, ومن ثم يقال تحقق تشكيل (تكييف) السلوك. لذلك نجد أن الاستجابة المتعلمة تحتاج إلى تدعيم وتعزيز بين آونة وأخرى حتى تستمر وتثبت.

ـ الانطفاء: يمتنع الكائن عن القيام باستجابات معينة عندما لا تؤدي إلى مكافأة معينة. مثلا, يمتنع الحيوان عن القفز إلى القسم الثاني من القفص (تجربة سكنر) لو لم يكن آمنا وهذا ما يُسبب توقف أو انطفاء التكييف.

ـ الاسترجاع التلقائي: بعد الانطفاء, إذا ما أعيد الحيوان إلى قفص التجربة وأجريت التجربة مرة أخرى ثم دعم سلوكه كما في السابق, فإنه يعود بسرعة إلى سابق سلوكه الذي تعلمه قبل الانطفاء.

وهناك فروق بين التكييف الكلاسيكي وتكييف الوسيلة:

أولا: يعتمد التكييف الكلاسيكي على استخراج استجابة معينة مرغوب بها من قبل الكائن, وهي استجابة غير إرادية وأوتوماتيكية, وذلك بواسطة منبه معين. ويركز تكييف الوسيلة (والإجرائي) على الاستجابة التي يصدرها الكائن وهي استجابة إرادية وتحت سيطرته.

ثانيا: ترتفع درجة تكرار أي استجابة في تكييف الوسيلة (والإجرائي) وإذا جلبت مكافأة.

ثالثا: تختلف وظيفة المكافأة (التدعيم) في نوعي التكييف. تُعطى المكافأة في التكييف الكلاسيكي حتى يمكن استخراج استجابة مرغوب بها, لكنها لا تعطى في تكييف الوسيلة (والإجرائي) إلا بعد إصدار أو وقوع استجابة مرغوب بها.

رابعا: يركز تكييف الوسيلة (والإجرائي) على دور المنبه كتدعيم ـ مكافأة في تكييف وتشكيل السلوك, وهكذا يلعب التدعيم ـ المكافأة دورا حاسما في هذا النوع من التكييف.

تقويم

من المعروف أنه لا توجد نظرية علمية أو فلسفية مهمة إلا ويصاحبها نقد وتقييم, ويجب عدم الأخذ بأي نظرية أو مفهوم على أنهما نهائيان ولا يقبلان النقد أو الشك. وعلى درجة أهمية النظرية أو الرأي يكون النقد, فكلما قوي الاهتمام قوي النقد كذلك. ومن نافلة القول إن النقد العلمي المنظم ليس رفضا أو هدفا بقدر ما هو محاولة جادة في إبراز المزايا والعيوب أو النواقص الأساسية التي تؤثر سلبا على فاعلية ومصداقية النظرية. ولا يحتوي العلم عامة على مقدسات أو طقوس لا يمكن المساس بها. وقد عارض عدد من علماء النفس افتراض السلوكية أن البيئة تعمل على تكييف ليس فقط العادات والأخلاق والمعتقدات, بل أيضا الأفعال المنعكسة وهي أفعال لاإرادية لا يملك المرء أي قدرة على التحكم بها إلا بواسطة التدريب على تغيير السلوك. ورفضوا الرأي أن المبادىء المستنتجة من تجارب مصممة لدراسة أنواع بسيطة من السلوك لدى الحيوانات تنطبق على السلوك الإنساني المتشعب, وأن للسلوك الذي يصدره الكائن في المختبر علاقة بما يحدث في البيئة الخارجية. هذا ولا يمكن تفسير جانب كبير من السلوك البشري بهذه البساطة. لذلك يرى النقاد أن الطريقة السلوكية مبسطة جدا وأولية, ولا تفسر المدى الكامل والمتعدد الجوانب للسلوك الإنساني. وهي جزئية ـ ذرية لأنها تجزىء السلوك إلى وحدات مبسطة صغيرة وتهمل دراسة الكائن ككل.

وانتقدت السلوكية أيضا بأنها تغفل حقيقة التكوين الذهني لدى الكائن البشري ولا تعطيه أي أهمية. فضلا عن أنها تتجاهل الوظائف الذهنية والنفسية, وهي جوانب فاعلة غير قابلة للملاحظة المباشرة, ولكنها مع ذلك غاية في الأهمية, ويصر النقاد على وجود تضمين الظواهر الذهنية ـ الإدراكية في أي نظرية حول تعلم الإنسان يراد لها أن تكون متكاملة. ولقد أثبتت الأفكار والمبادىء التي انبثقت من التجارب التي أجراها السلوكيون صحتها وصلاحيتها ليس خارج المختبر فحسب, بل إن لها تطبيقات عملية في التربية والتعليم وفي مجال العلاج السيكولوجي.

ويستخدم السلوكيون المبادىء السلوكية, وعلى نطاق واسع, في تغيير أو تعديل السلوك غير المرغوب به. إن الطريقة التي يتبعها السلوكيون في التعامل سواء مع المشاكل السلوكية الصغيرة أو اضطرابات سيكولوجية معقدة طريقة واضحة ومباشرة. فبدلا من التركيز على خبرات الطفولة, أو الحالة النفسية, أو التكوين البيولوجي, يتساءل السلوكيون ببساطة: ما الذي يقوم به هذا الشخص والذي لا نستسيغه أو نقبله منه? وما الذي نريده أن يعمل بدلا من ذلك?. وعندما نقرر ذلك, بالإمكان المضي في إطفاء السلوك غير المرغوب به وتعزيز السلوك المرغوب به. وجدير بالذكر أن تغيير أو تعديل السلوك عبارة عن طريقة تعليمية كما أنها طريقة علاجية سيكولوجية.

إن أعظم إسهامات السلوكية بالنسبة لتطور علم النفس هي التركيز على الدراسة الموضوعية للسلوك, ومحاولة تحرير علم النفس من الذاتية والاعتقاد المطلق بالغرائز.

 

جمعة الياسين