(خانوق) الأطفال

(خانوق) الأطفال

حالة تنتاب الأطفال أحيانا, وتثير أشد الفزع في قلوب
ذويهم, تتطلب سرعة التصرف, ودقة التشخيص والعلاج.

الخانوق حالة تتطلب كل الحكمة في تشخيصها وعلاجها.. فقد تكون الحالة بسيطة (وهذا هو الأكثر), وربما لا تكون ذلك.. ويختلف التشخيص اختلافا بيّنا بين حالة تظهر بُعيد الولادة أو بعدها, وحالة تظهر في الطفولة الأولى.. كما يختلف التشخيص تبعا للأعراض المرافقة. العلامة الأولى الرئيسية لهذا المرض هي الضباح Stridor أو الصرير الحنجري, وهو ذلك الصوت الخشن الذي يشبهه بعضهم بالعواء, وفي اللغة (ضبحت الخيل في عدوها) أسمعت من أفواهها صوتا ليس بصهيل ولا حمحمة.. وضبحت الأرنب والثعلب والقوس: صوتّت.. غير أن الضباح عرض حنجري فحسب, يستدعي منا الكشف عن أسبابه.

قد يحدث الضباح في الشهيق أو في الزفير أو في كليهما معا.

ففي الشهيق: يعبر عن إصابة فوق المزمار في الحنجرة أو في البلعوم.

وفي الزفير: يعبر عن إصابة تحت المزمار في الرغامى الصدرية أو القصبات.

أما الضباح ثنائي الطور: فهو شهيقي زفيري, ويعبر عن إصابة في المزمار ذاته أو دونه بقليل.

أما عن أسباب الضباح فهي ثلاثة:

أولا: أسباب خلقية نادرة وتشكل 58% من الحالات, وترى عقب الولادة:

1ـ تلين الحنجرة الخلقي ويشكل بمفرده 06 ـ07% من الحالات الخلقية..

2ـ شلل الحبال الصوتية..

3ـ تصلب ما تحت المزمار أو وجود ورم دموي فيه.. وغير ذلك من العيوب الحنجرية الخلقية الأخرى مثل وجود أغشية أو انشقاق أو انسداد..

ثانيا: أسباب التهابية شائعة, وترى في الطفولة:

1ـ فيروسية شائعة جدا وهو ما اصطلح عليه اسم خانوق (كروب) مثل التهاب الحنجرة أو التهاب الحنجرة والرغامى والقصبات.

2ـ التهاب الرغامى الجرثومي.

3ـ التهاب لسان المزمار بالمستدميات النزلية.

ثالثا: أسباب أخرى, مثل دخول جسم غريب في الحنجرة (قشرة, بذرة..)

من كل ما سبق يتضح أن الخانوق حالة أشيع عند الأطفال من الكبار, كما أنها أخطر.. فحنجرة الطفل أكثر ميلانا إلى الأمام والأعلى, ولسان المزمار أطول وله شكل حرف (اليو) الأجنبي, أما الحبال الصوتية فقصيرة ومقعرة, والغضاريف لينة سهلة الانضغاط.. وكذا تكون الطرق التنفسية كلها عند الطفل الصغير لينة سهلة الانخماص لاسيما خلال الشهيق.. فإذا ما وجد تضيق خلقي أو عيب ما صارت إمكانية الانسداد كبيرة عند حدوث التهاب ما.

فحص دقيق وحذر

لابد من تقويم شدة الحالة فور وصول الطفل من أجل اتخاذ الإسعاف المناسب, وعند فحصنا للمريض نتوخى الحذر وأول ما نفعل هو مراقبة حالته العامة: هل هو متعب منهك مزرق أم لا? هل حركة الصدر سريعة وهل توجد صعوبة تنفسية أو انخماص (سحب)?

إن شدة انخماص الصدر (السحب) لتدل على العائق التنفسي.. وهو قد يشمل القص وما بين الأضلاع أو تحت الأضلاع.

كما نراقب الوضعية التي يفضلها الطفل.. والأعراض المرافقة من وزيز وسعال, أو سيلان لعاب.. ونراقب وجود علامات غريبة مثل بقع الجلد والوحمات.. وننتبه إلى شكل الصرير (شهيقي أو زفيري..) وشدته.. وهنا نفحص صدر الطفل لنتأكد من طبيعة الصرير وزمن حدوثه والأصوات الأخرى المرافقة له.. وهل يوجد اختلاف في الإصغاء بين جانبي الصدر.

ومن المهم جدا عدم إزعاج المريض بالفحص.. وعدم تحريكه من الوضعية التي يفضلها.. كما يجب عدم تركه بمفرده وعدم فحص البلعوم, وعدم أخذ الدم منه أو إعطاء السوائل الوريدية أو الحقن.. وإذا فضل الطفل أن يبقى في حضن والدته فلا نمانع في ذلك.. فإثارة الطفل قد تؤدي إلى تدهور مفاجىء في حالته.

علاج تبعا لكل حالة

يختلف الإجراء الإسعافي والعلاجي باختلاف الحالات كالتالي: في الحالات الخلقية: وأشيعها كما أشرنا تلين الحنجرة Laryngomalacia الذي يتظاهر عادة بعيد الولادة بصرير ناعم لاسيما إذا كان الوليد بوضعية الاستلقاء لتخف الحالة, ويختفي الصوت عند وضع الطفل على بطنه.. وقد لا يسمع الصرير حتى أول التهاب تنفسي.. ولا يتغير الصوت ولا يصاب الوليد بشدة تنفسية ولا تحدث الزرقة عادة ما لم يوجد عامل آخر يفاقم الحالة (التهاب مثلا), ويندر أن تحدث صعوبات تنفسية.. فإن حدث كل ذلك أو بعضه لابد من قبول الطفل في المشفى لمراقبته وعلاجه. لا يوجد علاج خاص لهذه الحالات ويغلب أن تتحسن تلقائيا خلال ستة أشهر.. لكن يفضل أن يجري تنظير الحنجرة في وقت ما من أجل كشف الأسباب الأخرى المسببة للصرير عند الولدان.

في الحالات التشنجية والالتهابية: في حالات كثيرة يستيقظ الطفل ليلا ودون إنذار سابق ليبدي علامات الخانوق من صرير حنجري وبحة واختناق.. وحينما يهب الأهل راكضين إلى المشفى أو العيادة, فإن الحالة تتحسن كثيرا ولا يبقى إلا القليل من البحة. أكثر هذه الحالات تشنجية (لتشنج الحنجرة), ولا نجد آثار مرض فيها.. أو التهابية فيروسية.. تتلو يوما أو اثنين من التهاب تنفسي علوي (رشح, زكام), وتكون أعراض الرشح واضحة.. ويوجد ميل إلى تكرار الحالة عند بعض الأطفال المستعدين, حيث تكون حناجرهم أضيق من غيرهم, وتتحسن حالتهم مع مرور الوقت, ونمو الطرق التنفسية. إن وجود مرض تنفسي فيروسي في العائلة لنستدل عليه من تعدد الإصابة في العائلة الواحدة, ويشترط ألا تكون الإصابة شديدة عند كل الأفراد, فقد تكون البحة العرض الوحيد عند الكبار, وذات الفيروس يسبب الصرير الشديد عند بعض الصغار.

أكثر الحالات الالتهابية شيوعا هو ما يدعى (التهاب الحنجرة والرغامى والقصبات) LTB, ويغلب أن يسببها فيروس البارا إنفلونزا, ويمكن أن يسببها فيروس RSV وفيروسا الإنفلونزا أ و ب. أكثر ما يرى هذا المرض في الشتاء (موسم الفيروسات), وفي السنة الثانية من العمر, لاسيما عند الذكور.. وتتلو يوما أو اثنين من مرض فيروسي, وتحدث بحة وسعال خشن (كالنباح).. وتشتد الأعراض في الليل. أغلب الحالات لا تحتاج إلى علاج أو أي استقصاء. إن 59% من الحالات الفيروسية تتحسن تلقائيا.. وأقل من 5% تحتاج إلى القبول في المشفى ويكفي علاجها بالبخار الصرف, أما الحالات الأشد فهي تحتاج إلى إرذاذ الأدرنالين مع البخار, وتعطى حقنة من الديكساميثازون بالوريد أو العضل.. وأقل من 5% من المقبولين في المشافي يحتاجون إلى تنبيب أو خزع الرغامى والتنفس الصناعي.. وذلك عند وجود دليل على قصور تنفسي من زرقة وتعب, وهنا لابد من إدخال المريض إلى العناية المركزة. عند تحسن الحالة يبقى سعال خشن وبحة في الصوت لأيام متعددة. هناك حالات قليلة تحتاج إلى الحذر من البداية, وتحتاج إلى علاج إسعافي, وهي حالات التهاب لسان المزمار والتهاب القصبات الجرثومي. تنجم الحالة الأولى عن جراثيم المستدميات النزلية البائية (هـ فلو).. وزمن المرض قصير (خلافا للحالات الفيروسية), والحدوث مفاجىء, والصرير خافت, والصوت ضعيف, والسعال شبه غائب.. وهنا يحذر بشدة من فحص البلعوم, وغالبا ما تحتاج الحالة إلى تنفس صناعي ليومين, أما الحالة الثانية فترى في أعمار أكبر, وتتلو عدة أيام من سعال ضباحي وحمى عالية, وتكون الحالة العامة للطفل سيئة.. وأهم أسباب هذه الحالة العنقوديات المذهبة ثم المستدميات النزلية.. ونصف الحالات تحتاج إلى تنفس صناعي لمدة خمسة أيام.. ناهيك عن المضادات الحيوية الوريدية المناسبة (سفترياكسون).

الصرير المزمن المتكرر: عند تكرار الصرير الحنجري, لابد من صورة للصدر والعنق وتصوير المريء بالباريوم وتنظير الحنجرة لمعرفة السبب, فقد يوجد جسم غريب في الحنجرة مثل بذرة أو قشرة ما.. وقد يوجد ما يضغط على الرغامى من أوعية دموية شاذة (الحلقة الوعائية), أو قد يوجد نمو نسيجي ما في الحنجرة الأمر الذي يتطلب خزعة وعلاجا جراحيا.

الوقاية

لا توجد إمكانية للتنبؤ بالمرض الحنجري الذي سوف يتلو إصابة تنفسية فيروسية.. ومن ثم لا يوجد علاج وقائي.. وينصح بعدم تناول أدوية السعال من مضادات الهستامين في حالات الخانوق لأنها تسيء إلى الحالة.

هناك لقاح حديث ضد المستدميات النزلية (هـ فلو) يعطى مع اللقاح الثلاثي.. وهو يقي من أخطر إصابتين ممكنتين لتلك الجراثيم وهي التهاب السحايا والتهاب لسان المزمار, ومن الإصابات الخطرة الأخرى التهاب التامور (الغلاف المحيط بالقلب), والذي رأينا منه حالة نادرة عند طفل رضيع.. كان مصيره قاتما لولا العمل الإسعافي الذي أجري له وهو بزل القيح المحيط بالقلب مع المضادات الحيوية القوية.

لهذا فإننا نشجع تعميم لقاح المستدميات النزلية التي تقي من أسوأ الالتهابات القاتلة عند الأطفال. أما بالنسبة إلى الفيروسات فلا يوجد لقاح لها جميعها.. وهي ليست من الخطر الذي يتطلب تعميم لقاحاتها.

 

غالب خلايلي