كشف حقيقة اليهودية طارق خالد الحجي

كشف حقيقة اليهودية

عودة مرة أخرى إلى موضوع قديم.. وهو الكشف عن حقيقة التاريخ اليهودي، لأن معالجة هذا الأمر بأسلوب علمي ومعاصر أمر ضروري من الناحيتين الدينية والتاريخية في مواجهة الأفكار العتيقة التي تستند إلى الخرافات والأساطير الوهمية.

عند الإمعان بدقة في تطورات التاريخ نستنتج منطقيا أن كلمة "يهود" أطلقت في البداية خلال العصور القديمة لتعني سكان إقليم "يهوذا" في فلسطين دون أن تكون لها دلالة دينية معينة، فكان استعمال كلمة "يهودي" في العصور السابقة للسبي البابلي له دلالة إقليمية لا دينية كأن نقول اليوم نابلسي أو عكاوي. والأرجح أن كلمة "يهوذا" هي من أصل كنعاني مثل تسمية أورشليم وصهيون ومعظم أسماء مدن فلسطين وقراها وأقاليمها. ولكن بعد تطور اليهودية في بابل ونتيجة لانتشارها كديانة في أقطار مختلفة أطلقت نفس التسمية فيما بعد على كل من اعتنق هذه الديانة دون أن تكون للمعتنقين لهذه العقيدة أي علاقة عرقية أو قومية بيهوذا أو سكانها. هكذا تحولت هذه التسمية إلى اصطلاح يدل على الديانة وليس القومية أو الأصل ويشمل جميع من اعتنق اليهودية حتى أولئك المتهودين الذين لم تطأ أقدامهم أو أقدام أجدادهم أرض فلسطين ولا علاقة لهم بها من الريب ولا من بعيد، مما أدى إلى اختلاف معنى التسمية اختلافا جذريا.

ولمزيد من الدقة والوضوح نورد هنا وبإيجاز هذه المصطلحات كما تستعمل باللغة الإنجليزية اليوم التي تساعد على فهم مصدر هذا الالتباس، فمملكة يهوذا القديمة تسمى بالإنجليزية Judah أو Judea ويسمى سكانها المنقرضون Judeans وليس Jews وهي التسمية التي تصح على كل من اعتنق اليهودية ديانة في عصور لاحقة، والذين يعود إليهم أصل غالبية يهود العالم اليوم، والذين لا تصح تسميتهم Judeans نسبة إلى مملكة يهوذا المنقرضة. ولذلك فمن الضروري التمييز ليس فقط بين يهود اليوم وبني إسرائيل والعبريين، بل بين هؤلاء المتهودين واليهود القدماء سكان "يهوذا" الذين لا وجود لهم الآن.

أما القول الشائع بأن تسمية اليهود مستمدة من اسم قبيلة يهوذا بن يعقوب حسب روايات التوراة اليهودية وأن هذه القبيلة استقرت في تلك المنطقة فأطلق عليها اسم "يهوذا" فلا نجد أي دليل تاريخي يؤيد صحة هذا الادعاء، فما هي الأدلة على أنه كان ليعقوب ابن اسمه يهوذا، وأن قبيلة بكاملها انحدرت من صلبه، وأن هذه القبيلة سكنت في هذا الجزء من فلسطين؟ هذا مع العلم أننا نعلم علم اليقين أن لا يعقوب ولا أحد من أبنائه ينتمي إلى اليهود أو اليهودية لا من ناحية العرق ولا من ناحية الدين. حتى أن التوراة نفسها تشير في روايات سفر التكوين إلى أن عشيرة يعقوب كانت عبارة عن جماعة من الآراميين، وأن زوجاته أمهات أبنائه جميعهن من الآراميات، فكيف نعتبر الآراميين يهودا؟!.

سيدنا إبراهيم وا لأسفار المزيفة

إن معظم الأفكار الشائعة عن سيدنا إبراهيم وسيرته مستمدة من روايات التوراة اليهودية التي قد ثبت علميا أنها أسفار مزيفة مليئة بالأساطير والخرافات الوهمية، ومن الواجب عند البحث في هذا الموضوع أن نتذكر أن كتبة هذه الأسفار قاموا بتأليفها بعد عصر سيدنا إبراهيم بأكثر من ألف وثلاثمائة عام، اعتمادا على أفكار متوارثة غير موثقة أدت إلى تشويه سيرة سيدنا إبراهيم وغيره من الأنبياء الموحدين. وسنقدم هنا ما يكفي من الأدلة التي تؤكد أن سيدنا إبراهيم لا يرتبط باليهود أو اليهودية لا من ناحية العرق ولا من ناحية الدين. وتجدر الإشارة إلى أن الفهم الصحيح لسيرة سيدنا إبراهيم ودعوته إلى التوحيد يتطلب أولا فهم أحداث التاريخ القديم للمشرق العربي وتطوراته التي ترتبط ارتباطا وثيقا بالنواحي الدينية والفكرية والحضارية. ولذلك فإنه يصبح من الضروري إعادة صياغة هذا التاريخ على أسس علمية وبأسلوب معاصر اعتمادا على نتائج الجديد من الأبحاث والدراسات العلمية، بالإضافة إلى الاكتشافات الأثرية الحديثة وما أسفرت عنه من آراء جديدة مستمدة من المدونات الأصلية التي خلفتها شعوب المنطقة ذاتها بدلا من الخرافات والأفكار التوراتية الملفقة.

ونجد في القرآن الكريم آيات كثيرة تشير إلى أن سيدنا إبراهيم كان من أول المسلمين، منها على سبيل المثال الآيات (131- 136) و (140) من سورة البقرة. ويستطيع القارئ مراجعة الآية (67) من سورة آل عمران التي تحذر من اعتبار سيدنا إبراهيم يهوديا أو نصرانيا. وغني عن القول أن كلا من حقائق التاريخ ومعارف العلم الحديث تؤيد صحة ما جاء في القرآن الكريم من آيات حول هذا الموضوع.

أما القول الشائع بأن سيدنا إبراهيم هو جد العرب واليهود فلا أساس له من الصحة، وهي من نوع الخرافة والأسطورة المتوارثة المستمدة من أباطيل وافتراءات التوراة اليهودية المزيفة.

فانتماء يهود العالم العرقي وأصلهم يعود إلى أجدادهم الذين اعتنقوا الديانة اليهودية من مختلف الأجناس والقوميات وليس إلى إبراهيم أو أحد ذريته أو إلى عرق واحد معين كما يزعمون. والأدلة التاريخية والمنطقية جميعها تؤكد عدم ارتباط اليهود أو ديانتهم بسيدنا إبراهيم أو غيره من الأنبياء المرسلين. وعندما نبدأ بكشف حقيقة اليهودية نجد أنها ليست توحيدا كما يخيل لكثير من الناس، بل هي ديانة كهنوتية موضوعة نشأت على أيدي كهنة عاشوا في عصور لاحقة عملوا على تزييف الدين والتاريخ، ويستحيل نسبتها إلى أحد من الأنبياء والرسل الموحدين مثل إبراهيم وموسى.

وخلاصة القول أن سيدنا إبراهيم ينتمي بأصله إلى الأمة العربية، وهو أحد كبار أنبياء التوحيد والإسلام ولا علاقة له أو أحد من ذريته باليهود أو اليهودية لا من الناحية العرقية ولا من الناحية الدينية على الإطلاق، وإذا اعتبرنا الفرق الجوهري الشاسع بين عقيدة التوحيد التي دعا إليها سيدنا إبراهيم والديانة اليهودية ذات الطبيعة الكهنوتية فسنجد أن اليهود وبتأييد الأدلة والبراهين بعيدة كل البعد عن كونها ديانة سماوية كما يتوهم كثير من الناس الذين انخدعوا بادعاءات اليهود.

موسى والتوحيد الخالص

لاشك أن رسالة سيدنا موسى عليه السلام ودعوته هي نفسها رسالة سيدنا إبراهيم وهي التوحيد الخالص لعبادة الله الخالق الواحد رب العالمين، وهي رسالة الأنبياء أجمعين بجوهرها وطبيعتها التي ختمها الرسول العربي الأمين. إننا اليوم قادرون على إظهار الفرق الشاسع والجوهري بين دعوة سيدنا موسى للتوحيد وبين اليهودية التي هي في الحقيقة تزييف للدين والحق، وبالاعتماد على العلم الحديث وأدلة التاريخ ستتضح لنا الرؤية ونتمكن من التمييز بين دين موسى وإبراهيم وعقيدة اليهود النابعة من التوراة اليهودية المزورة التي ألفها كهنة اليهود بعد زمن سيدنا موسى بأكثر من سبعة قرون. ونشير في هذا الصدد إلى ما جاء في كتاب الدكتور موريس بوكاي من أن التوراة اليهودية التي اعتبرها الناس اعتمادا على زعم اليهود أنها هي كتب سيدنا موسى التي تحتوي على شريعته وتعاليمه قد أجمع العلماء المعاصرون على أنها ليست هي التوراة الأصلية ولا علاقة لسيدنا موسى بها. وهذا يعني بالدرجة الأولى أن هذه الأسفار ليست وحيا إلهيا منزّلا كما شاع بين الناس وكما يزعم اليهود، وأنه لا علاقة لسيدنا موسى باليهودية كديانة أو بكتبها المزورة.

لقد صدّق الناس عن جهل وبدون وعي تلك الروابط المزعومة بين اليهود أو ديانتهم هذه وسيدنا موسى الذي يزعم اليهود زورا أنه نبيهم وقائدهم ومؤسس شريعتهم. ولكن هذه الادعاءات لا تصمد أمام أدلة العلم والتاريخ وتبدأ بالانهيار عند التدقيق بها بالأساليب العلمية والمنطقية. فسيدنا موسى الذي ولد وعاش في مصر ويحمل اسما مصريا صميما ينحدر عرقيا من نفس الأصل الذي كان ينتمي إليه سيدنا إبراهيم وذريته من بعده، أي أنه ينتمي عرقيا إلى تلك القبائل التي نزحت من الجزيرة العربية إلى منطقة الهلال الخصيب. هذا من ناحية الأصل والعرق، أما من الناحية الدينية فإنه حتما كان على دين التوحيد الخالص، أي أن دعوته كانت موجهة للإيمان بالله رب العالمين ولإحياء دين سيدنا إبراهيم في محيط وثني تحوّل فيه الملوك إلى آلهة وسيطر الكهنة على عقول الناس بعيدا عن الإيمان السليم.

أما اليهودية فهي ديانة كهنوتية عنصرية بطبيعتها وجوهرها، أساسها الخرافات والأباطيل التوراتية وكتبها من تأليف بشر ويستحيل أن تصدر من أي مصدر إلهي أو أن يدعو إليها نبي مرسل. فعند دراستها والتدقيق بها سنجد أنها بجميع أركانها من صنع بشر، وبالتحديد من صنع أولئك الكهنة الذين عملوا على تزييف الدين تحت ظروف نستطيع اليوم دراستها بالأساليب المعاصرة بعد أن كشف علماء الآثار الكثير من الأمور المتعلقة بشعوب المشرق العربي القديم وحضاراتها وتراثها الأدبي والديني. والجدير بعلمائنا اليوم العمل على فصل هذه الصلة المزعومة بين اليهودية وسيدنا موسى وإعادة كتابة التاريخ القديم بأسلوب علمي معاصر يتفق مع حقائق العلم والدين والتاريخ.

اليهود.. هل هم بنو إسرائيل؟

من المغالطات الشائعة التي نستطيع كشف زيفها اليوم بالأساليب العلمية والتحليل المنطقي ادعاء اليهود بأنهم من نسل بني إسرائيل وأن بني إسرائيل كانوا يهودا حسب التأويل الخاطئ وسوء التفسير لنصوص التوراة ورواياتها. فهذا الادعاء في الواقع وهمي لا تسنده الأدلة التاريخية ومصدره زعم كتبة التوراة الأوائل بأنهم من نسل قبيلة بني إسرائيل وادعائهم بأن نسبهم يعود إلى يعقوب وأبنائه، وهو زعم باطل أساسه الكذب والتزوير.

ومع ذلك فقد ظل هذا الاعتقاد سائدا عبر القرون وبعد انتشار اليهودية كديانة واعتناق جماعات مختلفة لها في عدة أقطار، ومن مختلف الجنسيات والقوميات التي لا علاقة لها ببني إسرائيل أو يعقوب وذريته على الإطلاق. فبعد البحث الدقيق يتضح لنا أن اليهودية هي مجرد ديانة انتمى إليها أتباعها بالاعتناق، وليست عرقا أو قومية كما يتوهم كثير من الناس. وعند معالجة هذا الموضوع علميا يتضح لنا أن بني إسرائيل كانوا من قبائل العرب القدماء كما تدل على ذلك تسميتهم، وأن يعقوب وذريته كانوا على دين سيدنا إبراهيم وهو التوحيد والإسلام وينتمون عرقيا إلى القبائل العربية القديمة، إذ إنه لم يكن لليهودية أو اليهود وجود في تلك العصور. حتى أن التوراة نفسها لم يرد فيها ذكر لكلمة يهود أو اليهودية عند ذكر إبراهيم وإسحاق ويعقوب، ولكن كتبة التوراة تعمدوا الخلط بين العصور مما أدى إلى هذه الملابسات التي لا يتم كشفها إلا عند التدقيق والبحث المتواصل.

ولو أمعنا النظر في الاسم "إسرائيل " لوجدنا أنه من الأسماء العربية القديمة المركبة من شقين والتي تنتهي دائما باسم "أيل " أي الله أو الإله الأعلى عند بعض القبائل العربية القديمة، وهو على وزن إسماعيل وجبريل وماكئيل وخليل وبابل والتي يستحيل اعتبارها أسماء يهودية بأي حال من الأحوال. وإذا نظرنا إلى الأسماء الثلاثة الأخيرة المذكورة لوجدنا أن اسم ماكئيل يعني "ما- ك- إيل "، أي لا شيء مثل إيل، وخليل بمعنى خل إيل، وبابل تعني باب إيل. أما اسم يعقوب الذي يدعي اليهود الانحدار من صلبه فهو وبكل وضوح اسم عربي صميم مشتق من فعل عَقَبَ ويعقب. أما الأسماء الأخرى التى يتشدق اليهود بها مثل كلمة صهيون أو يهوذا أو أورشليم وغيرها كثير فهي في الحقيقة أسماء كنعانية قديمة كما تدل على ذلك النقوش والمدونات الأثرية ولا علاقة لليهود بها: فالمعروف أن الكنعانيين العرب هم الذين سكنوا فلسطين منذ آلاف السنين وأسسوا مدنها وقراها ومختلف مظاهر الحضارة فيها وأطلقوا هذه الأسماء عليها.

أما بنو إسرائيل كقبيلة فالأرجح أنهم انقرضوا كما انقرضت قبائل عاد وثمود والعمالقة، أو أنهم اندمجوا بالشعوب من حولهم ويستحيل أن يكون لهم وجود الآن، مما يعني أن اعتبار اليهود المتهودين- الذين اعتنق أجدادهم اليهودية- هم بني إسرائيل هو اعتقاد خاطئ ملفق لا يستند إلى الواقع أو الحقائق التاريخية، إذا نظرنا إلى ما سجله كتبة اليهود من أساطير في توراتهم عن بني إسرائيل بحلهم وترحالهم مع أغنامهم وخيامهم والتي تصور لنا جماعة من البدو التي لا يمكن أن ينتمي أفرادها لأي عرق غير العرق العربي.

وما نريد أن نؤكده هنا لتصحيح المفاهيم المغلوطة أن بني إسرائيل لم يكونوا يهودا أصلا، بل كانوا من قبائل العرب القدماء كما تدل على ذلك تسميتهم نفسها. هذا فضلا عن الحقيقة البديهية من أن اليهودية هي مجرد ديانة ولا يمكن اعتبارها قومية أو عرقا بأي حال من الأحوال. وليس أسهل من إثبات أن يهود العالم اليوم منحدرون من نسل تلك الجماعات التي اعتنقت اليهودية في عدة أقطار وتنتمي إلى مختلف الأجناس البشرية، فمنهم الأوربيون الشقر والأحباش السمر، ومعظمهم من أحفاد الخزر، وآخرون من اليمن وفارس وشمال إفريقيا الذين لا يمتون بأدنى قرابة لبني إسرائيل القدماء.

لا علاقة بين العبريين واليهود

وكما يزعم اليهود أنهم من نسل بني إسرائيل فكذلك يزعمون أن أصلهم يعود إلى العبريين، وهذا كذب وتلفيق مصدره الجهل بتفاصيل التاريخ القديم. فالعبريون حسب ما جاء ذكرهم في السجلات والنقوش القديمة هم قبائل بدوية كانت تغزو المدن العامرة، والأرجح أنها كانت تأتي من الصحراء السورية في شمال الجزيرة العربية لتغزو مدن فلسطين والشام ومصر. ويمكننا أن نتصورها كقبائل بدوية وثنية أقرب إلى العرق العربي القديم ولا علاقة لها باليهود المتهودين على الإطلاق. فمن الناحية العلمية والمنطقية لا تصح نسبة يهود اليوم إلى العبريين الذين لم يكونوا جهودا ولا تربطهم أي علاقة عرقية أو تاريخية أو دينية باليهود في أي عصر من عصور التاريخ. فمن الخطأ تسمية اليهود بالعبريين أو العكس.. ومن أجل وضوح الرؤية ووضع الأمور في إطارها الصحيح بعيدا عن الملابسات والخرافات المتوارثة يجب التمييز بين العبريين وبني إسرائيل وسكان يهوذا القدماء ويهود اليوم المتهودين كأربع مجموعات لا روابط عرقية فيما بينها ولا يشكلون شعبا واحدا أو قبيلة واحدة كما يدعي اليهود. وغني عن القول أن التمييز بين هذه المجموعات البشرية الأربع وعمر كل منها وعدم الخلط بينها يشكل الخطوة الأولى والأساسية لفهم تاريخ اليهودية واليهود في إطاره الصحيح.

داود وسليمان

لقد أوضحنا فيما تقدم كيف أن زعم اليهود بأنهم ينحدرون من نسل ذرية سيدنا إبراهيم وأنهم على دين سيدنا موسى هو زعم باطل مصدره المؤلفات اليهودية المليئة بالمغالطات التاريخية والافتراءات الملفقة. وعند إجراء المزيد من الدراسات سنجد أن نسبة اليهود إلى داود وسليمان، أو نسبة كل منهما عرقيا ودينيا إلى اليهودية والتي صدقها الناس على مدى أجيال هي أوهام وادعاءات باطلة لا تستند إلى المنطق ولا تؤيدها الحقائق التاريخية. فالنبي داود وابنه سليمان كانا على دين سيدنا إبراهيم وهو التوحيد الخالص وليس اليهودية التي بدأت في بابل بعد عصرهما بعدة قرون. ومن الضروري هنا التمييز بين دين التوحيد الذي نادى به الأنبياء المرسلون وبين العقيدة اليهودية العنصرية التي ترتكز على عبادة "يهوه " إله اليهود الخاص.

ولذلك فمن الخطأ الاعتقاد بأن لداود أو سليمان علاقة دينية أو عرقية باليهودية. فبالتحليل المنطقي نستنتج أن داود وابنه سليمان ينتميان إلى نفس العرق والأصل الذي ينتمي إليه سيدنا إبراهيم وذريته، وأن عقيدتهما هي نفس عقيدة سيدنا إبراهيم ومن بعده موسى وهي عقيدة التوحيد. هذه هي القاعدة الأساسية لانتماء جميع الأنبياء الموحدين من الناحيتين الدينية والعرقية ولا يمكن استثناء داود وسليمان منها. وإذا سلمنا بأن داود وسليمان عاشا في مملكة يهوذا القديمة فهذا لا يعني أنهما من اليهود أو على اليهودية، لأن اليهودية تكونت بعد عصرهما. هذا مع العلم بأنه لا يتوافر أي دليل مادي تاريخي أو نقش أثري فيه ذكر لداود وسليمان أو ما يشير إلى علاقتهما باليهود المتهودين أو اليهودية.

انتشار اليهودية بالاعتناق

عندما نعالج تاريخ اليهود بالعقل والمنطق لنفهمه بوضوح بعيدا عن الأفكار الخرافية المتوارثة يتحتم علينا التمييز بين يهود اليوم المتهودين من كل جنس ولون ويهود الأمس (سكان يهوذا) وبني إسرائيل والعبريين كأربع مجموعات مختلفة لا روابط عرقية أو تاريخية فيما بينها والتي شاع الخلط بينها اعتمادا على مغالطات تاريخية وافتراءات وهمية بعيدة جدا عن الواقع.

ولتأكيد ما نقوله هنا نذكر أنه قد أجريت بعض الأبحاث العلمية والفحوصات المختبرية على أفراد من الطوائف اليهودية التي كان من نتائجها إثبات أن يهود العالم لا ينحدرون من أصل أو عرق واحد ولا يشكلون شعبا واحدا أو قومية معينة، بل على العكس تماما فأفراد كل طائفة منهم ينتمون إلى نفس عنصر سكان البلاد التي يعيشون فيها، أي أنهم ينتمون عرقيا إلى نفس تلك الشعوب ولكنهم يدينون باليهودية كالذين يدينون بالإسلام أو المسيحية من مختلف الأجناس والقوميات، فيهود روسيا وبولندا على سبيل المثال من أصل خزري بشكل عام، ويهود اليمن والحبشة من اليمنيين والأحباش، ويهود المغرب من البربر أو من الذين لجأوا إليها من إسبانيا والبرتغال بعد سقوط الأندلس.. وهكذا.. حتى أن التباين والاختلاف العرقي والقومي بينهم بديهي واضح للعيان دون الحاجة لإجراء هذه الفحوصات المختبرية، ومع ذلك فهي ضرورية لدحر الادعاءات الصهيونية الملفقة بالبراهين العلمية الدامغة ونسفها من أساسها.

ونستطيع اليوم أن نستمد من دراسة التاريخ بأسلوب علمي جميع الأدلة التي تؤكد أن غالبية يهود الغرب الأشكناز ينحدرون عرقيا من قبائل الخزر الذين ينتمون بأصلهم إلى عنصر القبائل التركية.

لقد كان لهؤلاء الخزر دولة امتدت أملاكها من سواحل بحر قزين الشمالية إلى البحر الأسود، عاش فيها وثنيون إلى جانب طوائف من المسلمين والمسيحيين واليهود. وبحكم موقع هذه البلاد الجغرافي بين آسيا وأوربا تخترقها شبكة طرق برية وبحرية ونهرية ذات أهمية قصوى من النواحي التجارية والسياسية والعسكرية.

وخلاصة قصة تهود الخزر هي أن أحد ملوكهم اضطر إلى اعتناق اليهودية هو وأسرته خلال القرن الثامن بعد الميلاد تحت ظروف سياسية واقتصادية مفادها الاحتفاظ بكامل الأموال التي كان يحصل عليها من الضرائب والمكوس التجارية، والتخلص من دفع الجزية لإمبراطورية بيزنطة المسيحية أو الخليفة العباسي في بغداد. ونتيجة طبيعية لهذه الخطوة السياسية بدأت اليهودية بالانتشار بين الخزر. ولكن دولة الخزر هذه سرعان ما بدأت بالانهيار لتعرضها لغزو مستمر من قبائل الروس إلى الشمال منها، وكانت نهايتها المحتومة التي أدت إلى انقراضها عندما اجتاحتها جحافل المغول من الشرق فتشتت معظم سكانها المتهودين في بقاع روسيا وبولندا وأقطار أوربا الشرقية. ولذلك نجد الملايين من يهود الغرب الذين عاش أجدادهم وعلى مدى قرون تعساء داخل أحياء "الغيتو" الخاصة بهم حياة انعزال وتحجر وكآبة- ومنهم غلاة الصهاينة- يعودون بأصلهم وقوميتهم إلى أجدادهم المتهودين من الخزر ولا تربطهم أدنى علاقة بفلسطين أو سكانها القدماء. وقد انتهى بمعظمهم المطاف بأن هاجروا إلى أمريكا حيث بلغ كثير منهم أعلى درجات النفوذ والثراء وأصبحوا سادة البلاد بلا منازع. أما عتاة الصهاينة منهم فإنهم يحتلون فلسطين وقدسها مدعين بكل وقاحة وتبجح أنها وطن أجدادهم التى خصهم بها إلههم الوهمي "يهوه "، وحصلوا على التأييد والدعم من دول الغرب الاستعمارية لممارسة مختلف أشكال العدوان والهمجية في عالم غارق في أقصى درجات الجهل بكل ما يتعلق باليهودية واليهود*.

تهود قبائل اليمن

إن الظروف التاريخية التي مهدت لانتشار اليهودية في اليمن لا تختلف كثيرا عن الظروف التي أدت إلى تهود الخزر. فقد كانت اليمن كذلك ذات أهمية استراتيجية من الناحية التجارية والسياسية لوقوعها على خطوط المواصلات والتجارة برا وبحرا وتحكمها بسواحل البحر الأحمر وبحر العرب. وكانت الحبشة عبر مضيق باب المندب تحت نفوذ بيزنطة التي كانت تطمع بالسيطرة الكاملة على طرق التجارة والمواصلات. وقد قامت الحبشة- والتي كانت وقتئذ تدين رسميا بالمسيحية- بغزو اليمن واحتلالها عدة مرات بدعم من بيزنطة فارضة المسيحية على اليمنيين. وحتى لا تقع اليمن وسكانها فريسة لنفوذ بيزنطة والحبشة قام ملكها تبان أسعد أبوكرب في القرن الرابع بعد الميلاد باعتناق اليهودية وفرض اعتناقها على كل سكان اليمن. وقد دخل اسمه التاريخ لما قام به من حملات اضطهاد وقتل جماعي لكل من كان يدين بالمسيحية وبشكل خاص سكان نجران التي كانت أهم مراكز المسيحية في المنطقة مما دفع الأحباش إلى شن المزيد من الحملات العسكرية لاحتلال اليمن.

واستمر الصراع بين الطرفين، أي بين أتباع المسيحية وأتباع اليهودية في هذا الجزء من الجزيرة العربية حتى عهد ذي نواس يوسف آخر ملوك حمير الذي كان على دين أسلافه المتهودين ولم ينته هذا الصراع الدامي إلا بهزيمة الأحباش في نهاية الأمر وانتشار الإسلام، ومع ذلك ظل كثير من سكان اليمن المتهودين على دين اليهودية التي اعتنقها أجدادهم خلال تلك العصور الدامية، هذا بالإضافة إلى اعتناق بعض الأحباش لليهودية والذين ينحدر من صلبهم يهود الفلاشا الذين نقلهم الصهاينة إلى فلسطين كما نقلوا يهود اليمن قبل أربعين سنة.

اعتناق البربر لليهودية

نعلم من مراجعة تاريخ المغرب أن قبائل من "البربر" اعتنقت الديانة اليهودية في العصور السابقة لانتشار الإسلام في شمال إفريقيا تماما كما اعتنقت قبائل أخرى منهم المسيحية نتيجة لنفوذ بيزنطة المسيحية في المنطقة. ويبدو أن انتشار اليهودية بين بعض هذه القبائل كان بتأثير من يهود استقروا في المراكز التجارية التي كانت تمر بها القوافل المحملة بالذهب والعاج من أواسط إفريقيا في طريقها إلى الموانئ الساحلية. وتكاثر المتهودون من قبائل المغرب في المدن العامرة والمناطق النائية على حد سواء حيت تمر هذه القوافل.

ويذكر الدكتور أحمد سوسة في كتابه "مفصل العرب واليهود في التاريخ " نقلا عن ابن خلدون أسماء بعض هذه القبائل المتهودة ومنها قبيلة جراوة وموطنها جبال أوراس وأخرى مثل نفوسة وفندلاوة ومديونة وبهلولة وغياته. وهذا هو السبب الرئيسي لوجود يهود في مختلف أنحاء الشمال الإفريقي، والأرجح أن كثيرا من يهود إسبانيا والبرتغال إنما يعودون بأصلهم إلى بعض هذه القبائل المتهودة خلافا للاعتقاد السائد بأنهم قدموا إليها من فلسطين منذ القدم، هذا، ومن المعروف أيضا أن كثيرا من اليهود لجأوا إلى المدن المغربية بعد طردهم من إسبانيا والبرتغال إثر سقوط الحكم العربي في تلك البلاد، كل استقر بعضهم في تركيا.

إن الخيار واضح أمامنا اليوم، فإما أن نستمر بترديد الأفكار التوراتية الخرافية المتوارثة أو التسلح بالعلم والمنطق لكشف زيف الأباطيل اليهودية التي جسدتها الادعاءات العدوانية الصهيونية والحد من سيطرتها على عقول البشرية.

 

طارق خالد الحجي

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات