شارل لوبرون «المستشار سيغييه»: عبود طلعت عطية

شارل لوبرون «المستشار سيغييه»: عبود طلعت عطية
        

          وصف ملك فرنسا لويس الرابع عشر الرسام شارل لوبرون بأنه «أعظم رسام فرنسي في كل العصور». وإن كان في هذا القول شيء من المبالغة، فإننا من دون شك أمام الرسام الذي دمغ الحياة الفنية في فرنسا خلال القرن السابع عشر بطابعه الخاص، وبات أفضل ممثل للمدرسة الكلاسيكية الفرنسية.

          ظهرت موهبة لوبرون باكرًا جدًا. فكان في الحادية عشرة من عمره عندما لفت نظر المستشار سيغييه بقدرته على الرسم، فأدخله الرجل إلى محترف سيمون فويه الذي كان من أشهر أساتذة باريس آنذاك ليتعلم عنده. وفي سن الخامسة عشرة تلقى لوبرون أولى الطلبيات من الكاردينال ريشيليو.

          ظل لوبرون يعمل برعاية سيغييه لفترة من الزمن، ثم تبناه الوزير كولبير وأطلق الاثنان يده ليرسم ما شاء وأينما شاء. وعندما رسم لوحة «الإسكندر وعائلة داريوس» منحه الملك لقبًا نبيلًا. ومنذ ذلك التاريخ صار كل ما يجري في القصور الملكية على الصعيد الفني تحت إشراف لوبرون.

          رسم لوبرون جداريات في قصر فولوفيكونت، وفندق لامبير واللوفر، كما كان أحد مؤسسي مصنع غوبلان (ليس فقط لسجاد الحائط المعروف بهذا الاسم، بل أولًا لصناعة المفروشات للقصور الملكية)، وكانت الذروة توليه رسم سقف قاعة المرايا في فرساي، درة العمارة الفرنسية الكلاسيكية.

          من بين الشخصيات التي رسمها لوبرون، حظي راعيه وحاميه لسنوات عديدة المستشار سيغييه بحصة الأسد. ومن أشهر هذه اللوحات هذه اللوحة المستقرة اليوم في متحف اللوفر، والتي تمثل بشكل جيد ما كانت عليه الكلاسيكية الفرنسية خلال القرن السابع عشر.

          اللوحة ذات مقاييس ضخمة (357 × 295 سم) مما يدل على أنها رسمت لجدار في قصر سيغييه نفسه. بدليل أنها بقيت ضمن ممتلكات عائلته حتى عام 1947، عندما اشترتها الحكومة الفرنسية من إحدى وريثات العائلة.

          نرى المستشار في هذه اللوحة على صهوة جواده الأبيض يحيط به ستة شبان من خدمه، في وضعية مرتبة جيدًا، ضمن هرم تتألف قمته من المظلتين، وينتهي في أسفله عند أقدام الخدم الموزعة وفق إيقاع مدروس جيدًا.

          لا عواطف مباشرة في هذه اللوحة، ولا أعماق نفسية. بل الكثير من الدلالات على العظمة والأناقة والمكانة النبيلة.

          فوجه المستشار يقع في الربع الأعلى من اللوحة، ولا يعلوه شيء غير المظلتين اللتين تلامسان حدها الأعلى، وإضافة إلى أناقة الرداء الذهبي للرجل، يبدو رداء الحصان الموشى بخيوط ذهبية أكثر أناقة! أما المرافقون، فلا يبدو عليهم أنهم من الخدم بالمعنى الحقيقي، بل هم ممن يُعرفون بالفرنسية باسم «باج»، أي أولاد عائلات نبيلة يعملون في خدمة من هم أعلى منهم رتبة للتمرس بحياة القصور والحياة العامة.

          وعلى الرغم من أن المناخ اللوني يبدو شبه موحد وداكنا، فاللوحة هي ذات غنى لوني أكبر مما يبدو عليها في الصورة المصغّرة. ولكن الفنان عرف بموهبته كيف يصهرها في مزاج موحّد. وهذا الإحساس الفائق بأهمية الأناقة والتعبير عنها في التركيب العام، يعوِّض عن البرودة العاطفية التي ميزت الكلاسيكية الفرنسيّة، والتي يراها البعض نقطة سلبية، متناسين أن الإحساس بالأناقة الشكلية المعبرة عن المكانة الاجتماعية كانت من أهم القيم الفنية والاجتماعية في عصر لويس الرابع عشر.
----------------------------
* ناقد تشكيلي من لبنان.

 

عبود طلعت عطية*