ما زلت ضعيفة

ما زلت ضعيفة

جالسة على المكتب منهمكة في عملها كسائر الأيام, وهو يقف أمامها ينظر إليهافي صمت. قالت دون أن ترفع رأسها: نعم تفضل. وظل جامداً ينظر إليها بابتسام. رفعت رأسها لتجده هو, بعينه ماالذي أتى به؟ كيف تذكرها وهل من الممكن أن يلتقيا مرة أخرى. زمان كانت هي كل شيء في حياته وكان هو كل مافي حياتها. كانت صغيرة والقلوب خضراء والحب مثل نجمة لاتكف عن التوهج. تضحك, تغضب حتى حين تبكي, هو يحبها بكل حالاتها. وكل صورها. كيف يعود هكذا فجأة من جديد. وكيف يكون اللقاء بعد كل هذه الأيام من البعد والفراق. هل تتحمل وحدها كل أسباب الفراق هذه؟ فكرت من داخلها: لم أقاوم أهلي حين تقدم رجل آخر لخطبتي. لم أستطع الصمود في وجههم, لم تكن شخصيتي قوية, لم أكن ناضجة بما فيه الكفاية, رفضي ومقاومتي كانا مؤقتين. استسلمت لهم.

كيف يخرج فجأة من هذا العدم والنسيان ويقف أمامها هكذا.. تمالكت نفسها وقالت بصوت عال تحاول أن تتجاهل من خلال نبراتها كل ماحدث: نعم ماذا تريد؟ ابتسم في وجهها وقال: ماذا.. أتريدين الإيحاء بأنك لم تتذكريني؟ قالت بصوت حاولت قدر إمكانها أن تجعله جافا: فلندخل في الموضوع.. ماذا تريد؟ كانت تتشبث بأي شيء حتى تقاوم ضحكة جافة قصيرة. إنه متأكد من أنها لم تنس. استغربت لماذا يضحك أهو كذلك حتى الآن؟ لم يدع مكانا للحنين في قلبي. فقال: أريد أن أسأل عن ابنتي ألست أنت الإخصائية الاجتماعية في هذه المدرسة؟ قالت له: لحظة من فضلك, ونادت زميلتها أشارت لها لتحل محلها وخرجت هي من خلف المكتب وهي تكاد تعدو وذهبت إلى غرفة المدرسات. ووقفت جامدة أمام المرآة. تنظر إلى ملامحها بتفحص تسائل نفسها.. هل تغيرت؟ هل تركت السنوات آثارها في وجهي؟ هل يمكن أن يقف الزمان بعيداً عن تضاريس الوجه فلا يسلبه جزءاً من نضارته وحيويته؟ إنها لم تتغير. مؤكد لم تتغير. كانت تريد إقناع وتحفيز نفسها بهذه الكلمات. أجل لم أتغير. فقد تزوجت وأصبح لدي من الأبناء ثلاثة. أحبهم ويحبونني. أريدهم. لا لن يكون له مكان بيننا. لا أريد أن أضعف لن أعود كالسابق ضعيفة, يجب أن أتخذ قراراً وأواجهه.. لكن بماذا. ولماذا هذا التحدي, لم أنا مترددة وخائفة؟ أخذت تتساءل ماذا أريد؟ أريد فقط رؤيته وأنا قوية نعم. هذا ماأريد. وبصوت هامس فيه صبغة اعتراف أريد أن أتأمله ولن أضعف من جديد. لن أضيع الفرصة كالسابق. استجمعت قواها وبلهفة غدت عند الباب نظرت إلى زوايا الغرفة, سألت زميلتها: أين؟ وهي تشير إلى المكان الذي جلس فيه قالت: لقد أخطأ بالمدرسة, ابنته تدرس في المدرسة المجاورة. ألقت بنفسها على الكرسي في ذهول ممزوج بالأسى. أيعقل هذا؟ كيف يحدث ذلك؟ أبعد هذه السنين هكذا يكون اللقاء؟ قصيرا وباتراً وغير مجد. الآن عرفت أنها سوف تظل ضعيفة.

 

وفاء جوهر