قطوف دانية "4" لبيد.. إلى الذين يودون أن يتذكروا هؤلاء الشعراء أحمد السقاف

قطوف دانية "4" لبيد.. إلى الذين يودون أن يتذكروا هؤلاء الشعراء

الشاعر لبيد بن ربيعة بن جعفر العامري المضري، نشأيتيما بعد مقتل أبيه فتكفله أعمامه بنو أم البنين وهو في سن التاسعة، أما أمه فهي تامر بنت زنباع من بني عبس، ولما بلغ سن الرشد قصد الحيرة مع قومه العامريين، فلفت اهتمام النعمان بن المنذر فقربه، وكان بين قومه وبين قبيلة بني عبس خلافات وعداوات، وكان الربيع بن زياد العبسي من المقربين لدى النعمان، فاضطهد أعمام لبيد، فصمم لبيد على الانتقام منه، فشاور أعمامه فترددوا لقرابة الرجل من أم لبيد، ولما ضاق بسوء معاملة الربيع وقف بين يدي النعمان، وقال أرجوزته المشهورة التي مطلعها:

يارُبّ هيجاهي خير من دعة

نحن بني أم البنين الأربعة

ونحن خيرعامر بن صعصعة

المطعمون الجفنة المدعدعة

والضاربون الهام تحت الخيضعة

مهلا أبيت اللعن لا تأكل معه

إلى آخر الأرجوزة المليئة بالبذاءة، فنفر النعمان بن الربيع وعلت مكانة لبيد وقومه لديه، ويعد لبيد من الشعراء المخضرمين، فقد أدرك الإسلام وأسلم على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة في وفد من قومه، وحضر معركة حنين ونال من غنائمها، ويكنى لبيد "أبا عقيل "، وفي عهد عمر بن الخطاب هاجر إلى الكوفة وأقام بها وانصرف عن الشعر وأخذ يدرس القرآن الكريم ويتدبره. وقد توفي في خلافة عثمان رضي الله تعالى عنه، وفي قول إنه توفي في عهد معاوية بن أبي سفيان سنة إحدى وأربعين للهجرة، وله من العمر أكثر من مائة وخمسين سنة، وقال وقد بلغ السابعة والسبعين من العمر:

قامت تشكي إليّ النفس مجهشة

وقد حملتك سبعا بعد سبعينا

فإن تزادي ثلاثا تبلغي أملا

وفي الثلاث وفاء للثمانينا

وحين بلغ التسعين قال:

كأني وقد جاوزت تسعين حجة

خلعت بها عني عذار لجامي

رمتني بنات الدهر من حيث لا أرى

فكيف بمن يرمي وليس برامي

ولو أنني أرمي بسهمي رميتها

ولكنني أرمي بغير سهام

ويعتبر لبيد من شعراء الطبقة الثالثة، وكان ذا شرف وكرم وفضل، وقد تعصب له من امتدحوا فيه كرمه وترفعه عن الدنايا، وأعطوه منزلة أعلى من منزلته في الشعر، والحقيقة أنه دون امرىء القيس وزهير والنابغة الذبياني والأعشى، أما الكرم فلا يعلو فيه عليه غير حاتم الطائي، وهأنذا أقدم ما استحسنته من أبيات معلقته الشهيرة:

عفت الديارمحلها فمقامها

بمنى تأبد كولها فرجامها

فمدأفع الريان عري رسمها

خلقا كما ضمن الوحيّ سلامُها

دمن تجرم بعد عهد أنيسها

حجج خلون حلالها وحَرامها

رزقت مرابيع النجوم وصابها

ودق الرواعد جودها فرهامها

من كل سارية وغاد مدجن

وعشية متجاوب إرزامها

فعلا فروع الأيهقان وأطفلت

بالجلهتين ظباؤطا ونعامها

والعين عاكفة على أطلائها

عوذا تأجل بالفضاء بهامها

وجلا السيول عن الطلول كأنها

زبر تجد متونها أقلامها

فوقفت أسألها وكيف سؤالها

صما خوالد ما يبين كلامها

عريت وكان بها الجميع فأبكروا

منها وغودر نؤيها وثمامها

إلى أن يقول:

أقضي اللبانة لا أفرط ريبة

أو أن يلوم بحاجة لوامها

أو لم تكن تدري نوار بأنني

وصَّال عقد حبائل جذامها

تراك أمكنة إذا لم أرضها

أو يعتلق بعض النفوس حمامها

بل أنت لاتدرين كم من ليلة

طلق لذيذ لهوها وندامها

قد بت سامرها وغاية تاجر

وافيت إذ رفعت وعز مدامها

أغلي السباء بكل أدكن عاتق

أو جونة قدحت وفض ختامها

بادرت حاجتها الدجاج بسحرة

لأعل منها حين هب نيامها

 

أحمد السقاف

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات