من يخشى الرعب الكهرونووي؟ عدنان مصطفى

من يخشى الرعب الكهرونووي؟

توليد الكهرباء عن طريق المفاعلات النووية تلقى ضربة قوية مع اشتعال المفاعل الكهرونووي الشهير في تشرنوبيل، لكن رد الفعل إزاء الضربة - التي لم تكن قاضية - اختلف بين الشمال والجنوب، وبدا أن الرعب الكهرونووي يخيف جهة دون أخرى، وهذه نظرة لعالم عربي من أهل الاختصاص والرأي.

وقد خمدت رياح حرب الشمال الباردة، بدأت بالانحسار مخاوف الناس من إرهاص السيف النووي المسلط على عنق البشرية، وتولت العديد من شعوب العالم المتقدم ندامة على عدم جسارتها في تطوير إمكانات التوليد الكهرونووية المتاحة لديها في إمداد الطلب الوطني على الطاقة، وفي الوقت الذي لعب به الصراع السياسي المحلي والإقليمي والدولي دورا رئيسيا في صنع عدم الجسارة هذه، أضفى عدم الحكمة فعله في صنع قزمية إمكان التوليد الكهرونووية لدى عالم الجنوب.

ويمكن الإشارة بصدد ما سبق إلى رأي بعيد النظر أبداه العلامة الفيزيائي الدكتورآلفين واينبرغ حول مستقبل الطاقة النووية لدى أقطار الشمال، قال فيه: "إن مستقبل الطاقة النووية هو بالنهاية مسألة سياسية واقتصادية ونحن التقنيين يمكننا الإسهام في حلها وليس حسمها" (واينبرغ 1981)، أما إمام علم هذا العصر الدكتور محمد عبدالسلام فقد عبر فيما يخص عالم الجنوب الذي ينتمي إليه، ولدى استماعنا معه إلى مسئول تحدث مفصلا- في مطلع الثمانينيات بتريستي (إيطاليا)- عن خطة عربية طموح يستنهض فيها جهود تطوير التقنية الكهرونووية العربية، فقال متحمسا: "ليشد الله أزر من فكّر في هذا الأمر، فتخصيص خمسة بلايين دولار لإخراج هذا البرنامج إلى حيز الوجود خلال السنين القادمة من الثمانينيات لن يصنع لقاء الطراز الرفيع من علماء العرب والمسلمين حول أمر كبير كهذا فحسب، بل سيقدم من خلاله العرب مجددا عطاء حضاريا جديدا لا يقل عن عطائهم النفطي لصناعة الطاقة العالمية خلال العقود المنصرمة من هذا العصر، ولا بد أن يقود نجاح هذا البرنامج إلى فتح باب أمل جديد لازدهار العلم الإسلامي خلال العقود القادمة من القرن المقبل.." والجدير بالذكر هنا أن الخطة المشار إليها آنفا كانت شهابا عارضا في مطلع الثمانينيات وأفل.

وفي محاولة لسبر أبعاد ندامة الناس في الولايات المتحدة، قام "مجلس الولايات المتحدة للوعي الطاقي US Council for energy awareness - CSCEA"، في شهر آيار/ مايو من عام 1993 الفائت باستطلاع ميداني استند إلى أسئلة رئيسية ثلاثة، كما فعل تماما في آب من عام 1988، فحصل على نتائج تبين منها صعود ثقة الناس في الولايات المتحدة الأمريكية بسلامة وأمن المنشآت الكهرونووية العاملة، وتوقع تعزيز تلك الثقة في المنشآت التي ستبنى مستقبلا، أضف إلى ذلك حدوث ارتفاع في رغبة الناس رؤيتهم صناعة الطاقة الكهرونووية تلعب دورا أكبر في تلبية حاجات الولايات المتحدة الأمريكية من الطاقة، وفي استبيان ترتيب قدر المساهمة الكهرونووية في إمداد الطاقة الكهربائية عالميا، اتضح أن موقع الولايات المتحدة الأمريكية من هذا الترتيب لدى بداية عام 1993، الفائت هو الى (17)، في حال احتلت فرنسا المرتبة الأولى بين الدول المستوعبة لأهمية إمكان التوليد الكهرونووية في ميدان إمداد الطاقة العالمي.

المولدات الكهرونووية تنافس

وعلى الرغم من أن الوطن العربي لم يحظ باستطلاع منظم، كالذي تم اجراؤه في الولايات المتحدة الأمريكية، فإننا عبر تفاعل فكري- عملي أبديناه على مدى عقد الثمانينيات مع أفراد من الجمهور عامة، ومع شخصيات علمية- تنموية، ومع لقاءات ومؤتمرات عربية وإقليمية جنوبية تبين لنا أنه:

1 - لا يملك الإنسان العربي العادي أي فكرة واقعية عن أهمية حيازة إمكان التوليد الكهرونووية عربيا.

2 - يجادل الكثير من منظري التنمية العربية بعدم حيازة إمكان التوليد الكهرونووية مقدرة على التنافس الاقتصادي مع إمكانات التوليد التقليدية "أي العاملة على النفط والغاز الطبيعي.. وغير ذلك ".

3 - لا يرغب العديد من صناع القرار العرب في الاقتراب من الخيار النووي- التنموي لإرهاصاته السياسية والاستراتيجية، على الرغم من أن العدو الصهيوني قد بدأ بالعمل لهذا الخيار منذ عام 1934 وذلك عند تأسيس قسم الفيزياء بالجامعة العبرية في القدس الشريف.

وإذ نترك للقارىء حرية التفكير بالحقيقتين الأولى والأخيرة أعلاه، يمكن لنا مجددا التأكيد على خطل الحقيقة الثانية من خلال استطلاع تنموي قام بتحقيقه أيضا "مجلس الولايات المتحدة للوعي الطاقي USCEA " ، حيث تبين أن مصادر التوليد الكهرونووية منافسة حقا لمصادر التوليد التقليدية، وبناء على نتيجة الاستطلاع الأخير، نجد أن منشأة توليد كهرونووية ذات إمكان توليد " 600 ميجاواط " تنتج الكيلوواط الساعي بكلفة "3.8 سنت أمريكي "، إضافة إلى أن المنشأة الكهرونووية وهي ذات السلامة الأعلى والأمان الوثيق لا تسهم في تلويث البيئة على النحو الذي تفعله بقية المنشآت التقليدية.

قادرون، ولكن؟!

ولا بد من التأكيد في هذا المقام على أنه خلال انعقاد "المؤتمر العربي للطاقة النووية- دمشق 1981 " تبين للقاصي والداني عربيا وعالميا أن العرب قادرون علميا وتقنيا على إنشاء وإدارة وتشغيل محطات كهرونووية متقدمة إضافة إلى توجه العديد من البلدان الأوربية إلى توفير مفاعلات كالعاملة لديها لبدء بعض البرامج الكهرونووية المنظورة وقتئذ لتعمل على إمداد الشبكات العربية قبيل دخول عقد الستعينيات، والسؤال الذي يمكن طرحه الآن في مناخ الانفتاح الكهرونووي العالمي هو: "هل سيعود العرب للنظر في رؤيتهم الحكيمة لإقامة منشآت كهرونووية عربية تحقق للوطن العربي نموا معززا في بنيان طاقته الوطنية وعلى نحو مواكب لنفاد النفط والغاز الطبيعي لدى العديد من أقطار الوطن العربي؟ وما رأي الجمهور العربي العام في التفكير ديمقراطيا بدفع تلك النظرة قدما للأمام؟ "

إنها أسئلة لا تحتمل التأخر كثيرا في الإجابة عنها، إن لم نقل لا تحتمل الرد سلبا، فلننظر بالسرعة الواجبة إلى العالم من حولنا، ولنجب بالسرعة الواجبة أيضا.

 

عدنان مصطفى

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات




السباق العالمي على الطاقة في القرن القادم هل يحتم اللجوء إلى المحطات الكهرونووية؟