عزيزي العربي.. مدينة في قلب جمل

عزيزي العربي.. مدينة في قلب جمل
        

          يشرّفني ويسعدني أن أشارك في مجلتكم الغراء بهذه الخاطرة المتواضعة التي ينقصها إضفاء رونق مجلتكم الزاهي حتى تظهر بأفضل اللباس وهي بعنوان «مدينة في.. قلب جمل».

          في يوم ما كنت أطير خارج السرب، محلقاً لوحدي وعلى مستوى منخفض من الأرض، أحمل في قلبي ما يحمله الأطفال عند ولادتهم ولا أحمل ما يحمله الجمل عندما يضربه صاحبه عند هيجانه، وذلك في موسم التزاوج.

          أغرّد ولكن لا أحد يسمع تغريدي، وأحياناً أزغزغ ولا أحد يسمع زغزغتي، لا أعلم لماذا؟! فأخذت أهبط رويداً رويداً في مستوى التحليق. ربما يسمعني أحد، فلم يكن هذا السبب، أي لم يكن بعد المسافة هو المانع، فما كان مني إلا أن توقفت عن التغريد الذي أصدره، لكي أعرف النتيجة، التي كنت أظنها قبح صوتي، لذا لم أجد مستمعاً لي، ولكن تفاجأت بالضوضاء التي سمعتها وتلك الأصوات المزعجة في الأرض، ومن هنا بطل العجب فعلمت أن تغريدي لا يلقى استحساناً عندهم لكونه دخيلاً عليهم، فأخذت بالهبوط على أحد أغصان شجرة الزيتون لكي أتحقق من هذه الظاهرة التي جعلتني أفكر في أسبابها الخفية، وعند إمساك أظفاري بأحد الأغصان المصفرة وكان وقتها طبيعياً ليس به أي تغير، استقررت عليه، ومازلت أسمع تلك الضوضاء ولا أعرف مصدرها، فمللت الوقوف وتفاجأت بتغيير قد طرأ على الغصن، وإذ ببرودة تمتد على طول هذا الغصن حتى أصبح كسواك قد أدخل في قلب قالب ثلج. هممت بالطيران وإذ بصوت خافت يناديني ويقول لا تذهب أيها الطائر، فرجع لي بصيص من أمل الجواب على تساؤلي، فتراجع جناحاي إلى تغطية جسمي، فقلت: مَن المتكلم؟ فأجابت: أنا شجرة الزيتون التي كادت تفارق الحياة بعد أن هجرها جميع الطيور المغردة، التي كانت تعيش عليها، وذلك عندما كانت نبع الحياة والسعادة إلا أن الخلاف الذي حدث والتصادم بين أبناء هذه المنطقة، ولّد الحقد والكراهية بينهم فسادت الضوضاء على أصوات الطيور حتى وصلت إلى درجة اليأس لعدم الاستماع إليهم فاتفقت على قرار الهجرة، فهاجرت إلى ما هو أرقى من هذه المنطقة والتحقت بأقرانها، وأصبحت من طيور الجنة، ومن هنا السبب الذي أدى إلى ظهور هذه الظاهرة.

          كانت الأفكار التي يحملها الجمل في حالة حقده، قد انتشرت في هذه المنطقة فصدق المثل عندما قال: «أدق من نملة وأحقد من جمل».

حمود الكليب - الكويت

  • عتاب

          السيد رئيس تحرير مجلة العربي الغراء

          تحية أخوية صادقة

          لا يمكنني بعد 51 سنة على صدور هذه المجلة، وصمودها، وتطوّرها، أن أقول فيها أكثر وأجمل مما قاله عشرات الألوف ممن قرأها قبلي، وخصوصاً من أساتذتي الأدباء والشعراء. حيث قرأت في العدد «614 - يناير 2010» رأي عميد الأدب العربي طه حسين فيها. ولكنني - مثلهم - أحب أن أعرب عن إعجابي بالمجلة منذ تعرّفت عليها في النصف الثاني من سبعينيات القرن الماضي، وأنا طالب في المرحلة الدراسية المتوسطة، متمنياً لها المزيد من التقدم والرقي، والديمومة.

          سيدي الفاضل..

          وأنا أتشرّف بالكتابة إليك لأول مرة، مدفوعاً - بمثل الذي ألمسه في مجلة العربي من رؤى - بحبي لنسبي العربي، ولثقافتي العربية. متفقاً معك في آرائك التي أوردتها في المقال الافتتاحي للعدد «614» بشأن أسباب «التفتت العربي» في الوقت الذي اجتمع فيه شمل مَن لا يملكون من مقومات اجتماعنا إلا قليلاً أو لا يملكون. لكن السبب الثاني: «مفهوم الشرعية ومدى تحققه للسلطات العربية الحاكمة»، يمكن أن يكون الأول، حيث - وكما تعرفون حتماً - إن كثيراً من المفكرين والقادة الثقافيين العرب، وحتى بعض عامة الناس، يعزون سبب ما يحصل للمجتمع العربي وللدول العربية إلى القيادات السياسية. وقد يكون الخطأ/الخطيئة التي ارتكبها صدام حسين في غزوه لدولة الكويت، هو أقوى الأسباب - والتي لم نزل ندفع ثمنها قاسياً في العراق - التي يمكن أن تدعم صحة رأيي.

          - عوداً على بدء - وأنا أتشرّف بالكتابة إليك لأول مرة، فإنني أتمنى عليك، ومن خلالك على الأشقاء الكويتيين، أن يقفوا مع أشقائهم العراقيين لتجاوز الأزمة السابقة. وفي مد يد العون على أسس أخوية حقيقية للشعب العراقي. وفي ذلك حتماً مصلحة للطرفين الشقيقين، وللتغلب على النزعات المدفوعة من قبل أطراف أجنبية معروفة، في إثارة خلافات غير مبررة الآن. فما يجمعنا كثير جداً، وما نختلف عليه أقل القليل، ولا يساوي في معايير الإنسانية والقومية والتجاور شيئاً، إذ أنني لا أستطيع رؤية العراق خارج محيطه العربي، أو مقطوعاً عن عمقه الإنساني الأخوي في دول الخليج العربي. كما أن خسارة الأمة كبيرة أيضاً بفقدان العراق.

          قد يكون سبباً هيناً، وهو كذلك قطعاً، ما دفعني للكتابة إليك، وإلى مجلة العربي العزيزة على القلب. ولكنها ستكون فرصة طيبة لبثك محبتي ومحبة ملايين العراقيين للكويت، دولة وقيادة وشعباً. إن ذلك السبب هو ما كُتب على الصفحة رقم «3» من العدد «614 - يناير2010 »، وتحت عنوان «ثمن النسخة»، حيث وجدت أمام اسم العراق «50 سنتاً». وهذا الخطأ غير المقصود قد يُفهم بشكل لا ترغبون ولا نرغب نحن به. فالعملة المعتمدة في العراق هي «الدينار». لذا أحببت أن ألفت انتباهكم إليه، حبا بـ«العربي» المتألقة، وبالهدف السامي للأمة: وإن فرّقتنا السياسة فسنجتمع بعشرات الأسباب غيرها، ربما أهمها من جهة اهتمامي، اللغة.

          تفضلوا بقبول وافر تقديري ومحبتي واحترامي لجميع الإخوة العاملين في مجلة العربي.

الناقد العراقي
محمد رشيد السعيدي

          المحرر: شكراً على رسالتك التي نقدّر كثيراً ما جاء فيها، وسوف نراجع العملة المكتوبة في المجلة على وجه السرعة.

  • ملاحظات حول التفتت العربي

          السيد رئيس التحرير المحترم:

          أحييكم ومن خلالكم احيي جميع العاملين في المجلة الغراء والقراء جميعا وأتمنى لكم دوام الموفقية والنجاح في عملكم.

          لقد قرأت مقالكم الافتتاحي في العدد «614 - يناير 2010» والمسمى «التفتت العربي في زمن العولمة»، لقد كان مقالا تحليليا للوضع العربي والإسلامي في زمن كان من المفترض أن يحقق تقاربا عربيا على أقل التقدير ويكون المنطلق نحو بناء الوحدة العربية ولكنه أصبح المنطلق نحو التفتت، واعتقد أن أحد الأسباب هو القادة العرب أنفسهم الذين همشوا جزءا كبيرا من الشعب العربي وعندما أخذ هذا الجزء يطالب بحقوقه ثاروا عليه وأخذوا يتهمونه بشتى التهم ونحن نعرف أن كل قوة لها ما يقابلها ويعاكسها في الاتجاه.

          ولا نغفل القادة الذين تزعموا الأحزاب التي هي في واقعها أحزاب إما طائفية أو قطرية ذات أفق ضيق، كذلك لا نغفل رجال الدين الذين كونوا ما يشبه محاكم التفتيش وصكوك الغفران فالذي كان مذنبا عليه أن يفجر نفسه لكي يحقق الغفران ويذهب إلى الجنة والنعيم، وهذا أمر يمكن أن يخدع البسطاء والسذج من أبناء الوطن، وقد جعلوا من المسجد مكان فرقة لا جامعا، أما المثقف العربي فقد وجد نفسه غريبا لا يُسمع له صوت فاضطر للهجرة خارج الوطن أو انزوى منكفئا على نفسه تأكله الحيرة والدهشة.

          للأسف الشديد هذا هو حال العرب إنهم يعيشون في زمن سحيق ضارب في القدم يتباهون بالمجد التليد والرجال الذين بنوا ذلك المجد ولكنهم لا يستطيعون أن ينجبوا ولو واحداً من مثل أولئك الأفذاذ على الرغم من أنهم يسمعون قول الشاعر:

          ليس الفتى من قال كان أبي
                                        إن الفتى من قال ها أنا ذا

          لقد وجد المتطرفون أن هناك ثغرة في بناء المجتمع العربي فاخترقوها وبثوا سمومهم في جسد الأمة وقد بلغ السم القلب والعقل وخرب كل شيء، إن هذه الجماعات هي التي تتحمل هذا الخراب الواضح فكل من يتكلم بأفكار تناقض أفكارهم فهو زنديق أو كافر أو عميل، وأنا اتفق معك على أن الغرب لعب دوراً خطيراً في تفتيت العالم العربي لأنه وجد من يصغي له ولان البذرة موجودة منذ زمن في الأرض وتنتظر الوابل لكي تنمو وقد نمت بل أثمرت وحان قطافها كذلك لا نغفل دور التربية والتعليم ومناهجه التي لا يوجد بينها ما يحث على ثقافة الحوار وقبول الآخر والتعرف على افكاره ونقدها نقدا بناء وثقافة التقارب والوحدة التي بدأت تختفي من المناهج التربوية وكذلك من الأبحاث في الكليات المتخصصة.

          هذا ولكم خالص امنياتي في التقدم خدمة للامة العربية وشعبها وخدمة للثقافة العربية الحرة، والسلام عليكم

باسم محمد كاظم العجيلي
بابل - المحاويل - العراق

  • تعتيم!

          تحية طيبة وبعد,

          إضافة للتعتيم, شبه التام, الذي تمارسه «السلطة الفلسطينية» على الشاعر الفلسطيني الكبير «عزالدين المناصرة», أكملت الشاعرة الكويتية «سعدية مفرح», هذا التعتيم في مختاراتها الشعرية الفلسطينية, الصادرة عن مطبوعات مجلة العربي, وذلك بتجاهلها لهذا الشاعر, لسبب غير مفهوم, ورغم مقدّمتها التبريرية في «الاختيار». فإن عزالدين المناصرة, هو «شاعر المكان الفلسطيني الأوّل», حسب الباحثين الفلسطينيين أنفسهم, وهو «مؤسس شعرية الكنعنة», أي شعرية الجذور الحضارية للشعب الفلسطيني, وهو مؤسس «قصيدة التوقيعة» منذ منتصف الستينيات في الشعر العربي الحديث. وبالرغم من محبّة هذه الشاعرة لفلسطين, كما هو واضح, لكن «من الحبّ ما قتل», فأن يتم تجاهل هذا الشاعر الكبير, هو أمر مؤسف حقاً. إنّه شاعر «يا عنب الخليل, 1968», و«يتوهّج كنعان», و«الخروج من البحر الميت», و«كنعانياذا», و«بالأخضر كفناه», و«جفرا» و«لا سقف للسماء», و«لا أثق بطائر الوقواق»...إلخ. ولد هذا الشاعر في «مدينة الخليل» بفلسطين عام 1946, وأصدر أحد عشر ديواناًَ, وعاش حصار بيروت, 1982 كاملاً, وحمل السلاح, دفاعاً عن المخيمات الفلسطينية, والجنوب اللبناني, ولكنه وقف ضدّ «اتفاق أوسلو», ولم يُسمح له بالعودة إلى وطنه, منذ عام 1964. وهو أيضاً «ناقد شهير», أصدر «سبعة عشر» كتاباً نقدياً وفكرياً. آخرها: «فلسطين الكنعانية», و«الأجناس الأدبية في ضوء الشعريات المقارنة», وهو الفلسطيني الوحيد الذي رفض زيارة العراق, في ظلّ حكم صدام حسين, للأسباب المعروفة, ومنها: احتلال الكويت!, بالرغم من تلقيه عدّة دعوات, آنذاك, ولايزال يرفض زيارة العراق في ظلّ الاحتلال الأمريكي.

ندا مشعل - فلسطيني
مقيم بالولايات المتحدة

المحرر:

          شكرا عزيزي القارئ على رسالتك، لكننا نود أن نلفت انتباهك أن الكتاب الذي أعدته الأستاذة سعدية مفرح هو انتصار لذاكرة فلسطين والاختيارات خضعت أولا لما نشر في باب «شاعر العدد» واستكمل ببعض ما أتيحت مادته لدى الأستاذة سعدية مفرح، ولم يكن ذلك مقصودا فهناك إشارة إلى أن الكتاب يضم قصائد 15 شاعرا من فلسطين، وربما لو أتيحت الفرصة لأن تطبع «العربي» جزءا آخر أن تتدارك عدداً كبيراً من شعراء فلسطين وبينهم الأستاذ عز الدين المناصرة الذي نكن له كل التقدير مثلما نقدر الشعراء الفلسطينيين كافة.

  • نص.. رحيل

          أخيرا.. أخيرا ظهر ذلك الشيء الذي عندما يأتي يقتل الظلام من حولي فأرى.. وأشعر بسخونته في أطرافي بالرغم من أنه يبدو شديد البعد.

          تحركت قدماي وجلست في موضع نومي واستندت إلى ذلك الجدار المتهدم على جانب الطريق, فهو يحميني.. من ماذا؟! لا أعلم ولكنه بيتي.. فهو أمام بيتها.

          شخصت بنظري إلى ذلك المبنى أمامي في انتظارها.. لا ملل ولا أحرك عيني بعيدا.. أنا في انتظارها حتى لو اختفت تلك التي عندما تظهر في السماء تقتل الظلام من حولي فأرى.

          آه لقد تحرك ذلك الشيء الذي يخرجون منه هل هي؟ أم أنه أحد آخر.. وقفت وأخذت أعدل من ملابسي الممزقة المتسخة علها تلحظ وجودي إن كانت هي.. تحرك ذلك الذي يخرجون منه حتى نهايته وبدأ النور يخرج في هدوء يقتلني, إنها.. إنها هي هي

          نزلت درجات السلم في هدوء وتلفتت ناحيتي.. هل رأتني؟ ربما, ثم تحركت إلى الناحية الأخرى ومشت..

          مشيت خلفها.. هي كل شيء أعرفه في الدنيا منذ رأيتها أول مرة.. يوم طرقت بابها فأعطتني شيئاً وضعته في فمي فهدأ ألم بطني فصرت أسيرها لا أحد غيرها. آه كم كانت تؤلمني تلك الأشياء الصغيرة التي أمشي عليها والتي يقذفني بها الأطفال وهم يتضاحكون فلم أكن ألبس ذلك الشيء في قدمي ليحميني منها ولكن لا يهم.. مادامت تتحرك أمامي وأنا خلفها..

          توقفت..فوقفت أتأملها.. كم كنت سعيدا.. إنها تنظر نحوي.. نحوي أنا.. إنها تبتسم، إنها تلوح لي فحركت يدي سوف أجري نحوها.. أركع تحت قدميها أقبل يديها.. ولكن ذلك الشيء سبقني.. يالتعاستي.. إنه ذلك الشيء الضخم الذي تدخله ويمضي بها بعيدا..

          دخلته هي وانطلق... جريت خلفه.. كنت أعلم أني لن ألحقه.. كم حاولت من قبل. عدت مرة أخرى إلى مكاني فأوقفني رجل وأخذ يحرك فمه فرفعت يدي إلى فمي وأذني.. يبدو أنه فهم أنني لا أسمع أحداً ولا يفهمني أحد عندما أتكلم, وتحركت قطرتان كبيرتان من الماء على وجهي... تركته وعدت الى جداري.. إلى بيتي وجلست في انتظار أن ترحل تلك التي عندما تظهر في السماء تقتل الظلام من حولي فأرى بوضوح.. فهي سوف تأتي مع رحيلها لأراها وأنام.

محمد نجيب التهامي
الفرقة السادسة
كلية الطب جامعة القاهرة