إلى أن نلتقي
«هذه» التي سهرّتني طوال الليل!
لي صديق يعمل مصححاً لغوياً بإحدى المجلات، دائما ما يشتكي ويسهب في وصف معاناته في تصحيح المشاركات والرسائل الواردة إلى المجلة قبل نشرها. كنت أعتقد أنه يبالغ كثيرا في شكاويه المستمرة هذه، وكنت أعتقد أنني «شاطر» في النحو، وأنني لا أخطئ إلا في بعض التركيبات اللغوية المعقدة، وكنت أعتقد الكثير من الأشياء، إلا أن كل هذه الاعتقادات تحطمت عندما جلست بجانبه لنصف ساعة وهو يعمل!
هذا رجل يتعذب فعلاً، ومن المثير للأحاسيس الضمائرية أننا «نحن» من نعذبه! هناك كميات هائلة من الأخطاء النحوية والإملائية في ما يكتب الناس. إن علم النحو في خطر حقيقي!
هناك فوضى كاملة في الهمزات. لا أحد يعرف الفرق بين همزتي الوصل والقطع. وهناك خلط رهيب بين الياء والألف المقصورة، وبين الزاي والذال، وبين الهاء والتاء المربوطة. فضلاً عن مشكلات الإعراب البسيطة التي يخطئ فيها الجميع. وهناك مشكلات خاصة بالكتابة على الكيبورد لا تظهر أثناء الكتابة باليد. مثلا، لا يجوز أن تضع مسافة بعد واو العطف، وإنما يجب أن تلصقها بالكلمة التي بعدها، وذلك حتى لا يكون هناك سطر منتهٍ بواو عطف دون شيء بعدها. يجب أيضا عدم وضع مسافة قبل الفاصلة والنقطة وعلامتيّ الاستفهام والتعجب، وإنما تأتى المسافة بعدها وليس قبلها. وهناك تلك الأخطاء التي تحدث عند الكتابة بسرعة فينعكس ترتيب حرفين أو ينضغط الزر الخاص بحرف مجاور للحرف المطلوب، وهى مشكلة شائعة جدا حتى أن برنامج المصحح اللغوي ببرنامج الوورد يضع في حسابه احتمالات أن تكون الحروف المجاورة هي المقصودة عند التصحيح. يجب أيضا أن نقوم بتقسيم الجمل الطويلة بالفواصل والنقاط، وتقسيم الكلام إلى فقرات حتى لا يصبح الكلام مثل كتل صماء ملقاة بعضها فوق بعض. لكن مشكلات بسيطة كهذه يجب أن نعتني بها بأنفسنا عند المراجعة، ولا نتركها للمصححين اللغويين الذين يجب أن ندخر لهم القضايا النحوية الكبرى!
قال لي صديقي عن خطأ أمارسه بإصرار عند الكتابة على الكمبيوتر. إنني أكتب كلمة «هذه» هكذا: «هذة»، بالتاء المربوطة بدلا من الهاء. وبالرغم من أنني دائما ما أراجع ما أكتب، إلا أنني لم أنتبه لهذا الخطأ أبدا، وظللت مستمرا في ممارسته بنجاح! عندما عدت إلى المنزل، أخذت أراجع ما أكتب ووجدت أن هذا الخطأ قد تكرر في كل شيء كتبته، وأنني أكرره منذ أن هجرت الأقلام والأوراق منذ أعوام. وقد استغرق منى هذا الأمر ليلة كاملة لأقوم بتصحيح كل «هذه» أجدها في أي شيء كتبته. ولم أكن أتصور أن كلمة «هذه» هذه لها كل الأهمية هذه فى لغتنا هذه! فقد وجدتها تتكرر في كل مقال أو قصة كتبتها، حتى أنني وجدت اثنتين وأربعين منها في إحدى القصص!
وأعتقد أنني يجب أن أنتهز هذه الفرصة لأوجه الشكر لصديقي بيل جيتس، ولمايكروسوفت التي جعلت في الإمكان أن أغيّر 42 «هذه» بضغطة زر واحدة عن طريق الزر العجيب المسمى Replace. وقد كان من الممكن في الماضي أن أقضي سنة كاملة أعيد القراءة والبحث عن الكلمات لأصححها بالقلم [الكوريكتور] ثم أنتظر ليجف لأكتب الكلمة الصحيحة فوقها بالقلم الحبر. ألف شكر يا بيل!
أرجوكم راجعوا كشاكيل النحو الخاصة بالمدرسة الثانوية، ستجدونها في مكان ما أسفل السرير، أو أعلى الدولاب، أو تحت طاولة التليفون، أو في [السندرة]، أو في علبة كحك العيد المتحجِّر الخاص بالعام الماضي، أو عند بائع الترمس على الناصية، أو في السطوح في عشة الفراخ أو جرار الأرانب، أو في [المنور] أسفل الماسورة الكبيرة، أو في غرفة البواب تحت سرير العيال. فقط ابحثوا قليلاً ولا تعذبوا المُصحّحين اللغويّين!.