هيكل.. مفكراً إسلاميا

هيكل.. مفكراً إسلاميا

إن نظرة واحدة إلى مجمل مؤلفات الدكتور محمد حسين هيكل الإسلامية لتؤكد أن أسلوبه في هذه الكتابات، يمثل ملامح شخصيته التي عرفها القارىء على مدى خمسين عاما من التأليف، فهذه الشخصية تتنازعها ثلاثة ملامح رئيسية أولها كونه محاميا، وثانيها كونه صحفيا وثالثها كونه سياسياً.

ولعل صدى هذه الملامح الثلاثة، يبدو واضحا فيما تركه من مؤلفات ومنها المؤلفات الإسلامية.

فالدكتور هيكل المحامي نجد صداه في دفاعه المجيد عن عظماء التاريخ الإسلامي وما قدموا للأمة من أعمال جليلة وكأنه في ساحة المحكمة فيطالب بحق يراه مشروعا حيث يتبين ذلك في دفاعه عن "حياة محمد" و"الصديق أبو بكر" و"عثمان بن عفان" و"الفاروق عمر".

والدكتور هيكل الصحفي، ورئيس التحرير لواحدة من كبرى المجلات الصحفية في عشرينيات وثلاثينيات هذا القرن وهي "السياسة".. صدى ذلك نجده فيما تركه لنا من عمل كبير هو "منزل الوحي".

أما الدكتور هيكل السياسي أو أحد رجالات الدولة حيث تولى الخارجية وغيرها من الوزارات، ورئاسة حزب الأحرار الدستوريين، ورئاسة أحد المجلسين في البرلمان.. صدى ذلك نلمسه فيما تركه لنا من كتابات أهمها كتاب "الإمبراطورية الإسلامية والأماكن المقدسة" فيه نلتقي به كسياسي تشغله القضايا العامة التي تحكم العلاقة بين الراعي والرعية وما يتصل بذلك من مذاهب وأيديولوجيات.

لكن رغم تميز شخصية الدكتور هيكل بهذه الملامح الثلاثة التي تجعله يتميز أيضا عن غيره من الكتاب الإسلاميين.. رغم ذلك نجد أن كونه قصاصا هو الأكثر تأثيرا فيما كتب أو ترك من مؤلفات إسلامية.

ولا عجب على ذلك، فالدكتور هيكل الذي بدأ حياته التأليفية بقصة "زينب"، وختمها بقصة "هكذا خلقت" لم يكن من الصعب عليه أن يقتحم ميدان السيرة وهو في الأصل قصاصا. والسيرة قصة حياة إنسان فرد ترك من الأثر في الحياة ما جذب إليه التاريخ.. وهي ـ على هذا النحو أقرب إلى القصة منها إلى التاريخ بمعناه العام حيث تحفل بالعواطف الجياشة، والأحاسيس النابضة.. عندما تعرض من سيرة الفرد جوانب مختلفة من حياته.. حتى تتجلى مقومات شخصيته، وتبرز معالم حياته، وتفصح عن سر نبوغه وتفرده حيث لا تحفل إلا بكل نابغة وفريد إلى آخر ما يقرره نقاد السير والتراجم.

حافز نفسي

وعلى هذا الأساس فالسيرة أقرب للقصة أكثر من قرابتها للتاريخ. حيث نلمس الإنسان مباشرة، بينما في التاريخ نلمس هذا الإنسان عن طريق الأحداث التاريخية التي أحاطت به، ومن هنا يبدو يسيرا على الأديب القصاص أن يكتب سيرة تاريخية. ولا أدل على ذلك من أن معظم مؤرخي السير.. هم الذين يملكون في الأصل موهبة الأديب، فمازالت السيرة قصة إنسانية تعج بالأحاسيس والانفعالات والمواقف والأحداث التي يقتنصها كاتب السيرة ليضفي عليها الحيوية ويبعث فيها النشاط.

ومن هنا تتحكم الموهبة القصصية في الكاتب مؤرخا كان أو قصاصا. فشوق كل منهما إلى المنهج الذي يرتضيه ويتميز به أو يجمع بين الاثنين معا فيكون مؤرخ سيرة وكاتب قصة.

وقد كان الدكتور هيكل يجمع بين الميزتين معا. ميزة المؤرخ العالم، وميزة الأديب الفنان.. ولا أدل على ذلك من أن الأستاذ حسين فوزي النجار يقول في هذا الصدد: "كانت سيرة جان جاك روسو التي كتبها الدكتور هيكل في مطلع حياته بعد أن كتب "زينب" بسبع سنوات خليطا.. من التاريخ والأدب يقف فيها الأثر الفني لروسو.. من ناحية، وسيرته من ناحية أخرى".

والسؤال الآن حول هذا الحافز النفسي الذي جذب الدكتور هيكل إلى التاريخ هاويا في البداية، حيث كان يحاول أن يضفي على الأدب روعة التاريخ، ثم باحثا في التاريخ يعتبر في مقدمة كتاب السير والتراجم في العصر الحديث?

لعل الحافز النفسي الذي كان يسيره في ركاب التاريخ هو الجاذبية للعمل العظيم، وليس لعبادة البطل، عبادة العمل العظيم الذي يضفي على الحياة حيزا وبهاء، ويتوج الفكر الإنساني بجلال الحق وروعته يحل عند الدكتور هيكل محل عبادة البطل.

وبناء على هذا الأساس كانت للدكتور هيكل محاولات في عالم التاريخ.. هي في واقع الأمر محاولات أديب يرى في أحداث التاريخ ما يلهم أدبه أجمل الصور والمعاني.

وهو هنا يضع منهجا بكتابة السير يعتبر أقرب المناهج إلى الطريقة العلمية في كتابتها. وكان ذلك حين كان يظن أنه أبعد الناس عن اقتحام ميدان البحث التاريخي ففي عام 1916 نشر بضعة مقالات في مجلة الشعور عن قاسم أمين. عرض فيها لغاية التاريخ وللمنهج العلمي الذي تقوم عليه كتابة السير. فلم تعد غاية التاريخ أن يلم بمواليد الملوك ووفياتهم وما يقومون به من الغزو والفتح، فليس هو وحده الذي يقوم بتقييم حياة الأمم. فقد ثبت للمؤرخين أن قيام الملوك ونزولهم عن عروشهم وما يتخلل ذلك من الحروب ليس إلا مظهراً من مظاهر هذه الحياة. خصوصا بعد أن دك عرش الاستبداد. وقامت الديمقراطية حاكمة آخذة بيدها النهي والأمر، وإنما قوام حياة الأمم مميزاتها من أخلاق وعادات وتقاليد وعقائد وآمال. وتلك مجموعة المظاهر التي تصدر عن الأمة، والتي تقوم عليها الحكومات والملوك والحروب، من يوم أن ثبت ذلك بعلماء التاريخ في أوربا وكيف وجهوا عنايتهم الخاصة لبحث مختلف المظاهر التي كانت تصدر عن المجموع الذين يريدون تعرف ماضيه. فلم يتركوا أثرا يهدي لبعض هذه المظاهر إلا قفوه. وبذلك أمكن لهم أن يرسموا في التواريخ التي وصفوها صورا مضبوطة من تلك الأمم، واستطاعوا من بعد ذلك أن يربطوا الحاضر بالماضي، وأن يقدموا بذلك لأنفسهم ولغيرهم من المفكرين وعلماء الاجتماع مادة جيدة غزيرة يمكن معها رسم أقوم الطرق للوصول إلى أحسن ما يرجى في المستقبل..".

معرفة الحقيقة

وبكتابه "حياة محمد" اقتحم الدكتور هيكل ميدانا يتصل بقلبه وإحساسه ومشاعره اتصالا يتجاوز العاطفة الدينية إلى آفاق رائعة من عبادة الخير والحق والجمال، ويوم أن اقتحم هذا الميدان اتهم بالرجعية. فقد حسب من اتهموه كما يقول بعد ذلك في مقدمة كتابه "في منزل الوحي" أنه انقلب بكتابة السيرة المحمدية رجعيا: "وكنت عندهم قبلها من طليعة المجددين، وكيف لا أنقلب عندهم رجعيا، وقد جعلت القرآن حجتي وما جاء فيه عن السيرة سندي، ولم أضعه كما يقولون موضع النقد العلمي، وكيف لا أنقلب عندهم رجعيا، وقد دفعت بالحجة ما طعن به على النبي الكريم جماعة من المبشرين، وأخرى من المستشرقين، ومن تابعهم من شباب المسلمين. وكيف ساغ لي بعد ذلك أن أزعم أمامهم في حياة محمد منهجا غير ما التزمت به مسبقا من أنني طليق من الجمود عدو للجمود.. وأنني أؤمن بحرية الرأي وأعتبرها الأساس، ولا أساس غيره لمن يريد معرفة الحقيقة.. هم يرون ذلك خداعا يأباه العلم والبحث الحر، وأنا بعد، عندهم رجعي انقلبنا إلى الجمهور أتابعه ابتغاء رضاه، وكنت قبل ذلك أتقدمه أريد توجيهه وهدايته..".

ويتحدث الدكتور هيكل عن منهجه العلمي الذي اقتفاه في كتاب حياة محمد وسار عليه في كتابي "الصديق أبو بكر والفاروق عمر" فيقول: "لست مع ذلك أحسبني أوفيت على الغاية من البحث في حياة محمد ـ بل لعلي أكون أولى إلى الحق إذا ذكرت أني بدأت هذا البحث في العربية على الطريقةالعلمية الحديثة، وتقتضيك هذه الطريقة العلمية الحديثة إذا أردت بحثاً: "أن تمحو عن نفسك كل رأي، وكل عقيدة سابقة في هذا وأن تبدأ بالملاحظة والتجربة، ثم بالموازنة والترتيب، ثم بالاستنباط القائم على هذه المقومات العلمية فإذا وصلت إلى نتيجة من ذلك كانت نتيجة علمية، لم يثبت "البحث العلمي تسرب الخطأ إلى ناحية من نواحيها، وهذه الطريقة العلمية هي أسمى ما وصلت الإنسانية إليه في سبيل تحرير الفكر".

هذه الطريقة العلمية التي يختبرنا بها الدكتور هيكل بأنها أحدث ما وصلت إليه الأوساط العلمية في أوربا.. هي في واقع الأمر طريقة القرآن حين جعل العقل حكماً، والبرهان أساسا، وعاب التقليد وذم المقلدين، وأنَّبَ من يتبع الظن حين قال سبحانه وتعالى: "إن الظن لا يغني من الحق شيئا" وعاب تقديس ما عليه الآباء، وفرض الدعوة بالحكمة لمن يفقهها.

وهي أيضا طريقة محمد صلى الله عليه وسلم وأساس دعوته لو رجعنا إليها وتأملناها.

وهي أيضا طريقة سلف المسلمين بعد ذلك. فها هو الإمام الغزالي يقرر: "أنه جرد نفسه من جميع الآراء، ثم فكر وقدر ورتبووزان، وقرب وباعد وغرض الأدلة وهذبها وحللها، ثم اهتدى بعد ذلك كله".

فهي إذن طريقة إسلامية محضة.. نسيها المسلمون بعد أن فشا التقليد وأهدر العقل.. فأبرزها الغربيون في ثوب ناصع، وأفادوا منها في العلم والعمل وكل مناحي الحياة. على نحو ما نعرفه من تأثير ديكارت وغيره من المفكرين الأوربيين الذين يعتبرون أباءً للنهضة الأوربية المبنية على علم المفكرين الإسلاميين وعلى الأخص الإمام الغزالي.

وهكذا بعد أن كانت هذه الطريقة طريقتنا العربية في البحث العلمي رجعنا لنأخذ من غيرنا، ونراها طريقة في العلم الحديث.

وبهذا المنهج الإسلامي قديما، الأوربي حديثا، القائم على الاستقراء والتحليل والموازنة استطاع الدكتور هيكل أن ينقي السيرة من الشوائب التي دخلت عليها لعقم المنهج التاريخي القديم الذي يقوم على الرواية والتواتر دون أن يعني بالفحص والتمحيص، وهو ما حمل عليه ابن خلدون في مقدمته، وضرب أمثلة له مما حفلت به كتب التاريخ من تهاويل لا يقبلها العقل أو مبالغات لا يسيغها.

وعلى هذه الطريقة العلمية حديثا، الإسلامية قديما. سار الدكتور هيكل في تأريخه للإسلام فكتب "حياة محمد" و"في منزل الوحي" و"الصديق أبو بكر" و"الفاروق عمر" و"الإمبراطورية الإسلامية والأماكن المقدسة في الشرق" و"عثمان بن عفان" وأغلب الظن أنه كان سيمضي في تاريخه للإسلام، ومن ثم في سرده لقصة الحضارة العربية الإسلامية في ملحمتها المأثورة حتى العصر الحديث.. إلا أن العمر لم يطل به حتى يتم هذه القصة.. ونمضي مع الدكتور هيكل في سرده لهذه الملحمة.. فماذا يقول؟

صفحة جديدة

في كتاب "حياة محمد" يبحث في بدايته عن مهد الحضارات القديمة، حيث أشرقت الدنيا بنور الرسالات السماوية، ثم ما كان من نشأة المسيحية وانتشارها وانقسامها إلى فرق متناحرة، حتى كان الجدل بين أتباع عيسى عليه السلام، جدل أيام الانحلال في كل أمة أو عصر. وفي وسط الصحراء، وعلى طريق القوافل المحاذي للبحر الأحمر ما بين اليمن وفلسطين، وفي واد محصور بين الجبال.. تقوم مكة.. ومن العسير معرفة تاريخ قيامها، وأكثر الظن أنه يرجع إلى آلاف السنين. ومن الأرجح أن إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام هو أول من اتخذها مقاما وسكنا وإن ظل تاريخها قبل ذلك غامضا.

ويتوارث مكة أجداد محمد عليه الصلاة والسلام وآخرهم عبدالمطلب الذي يأخذ على نفسه نذرا: لئن ولد له عشرة بنين لينحرن أحدهم لله عند الكعبة، وحين أراد أن يفي بنذره وضرب صاحب القداح الذي تحمل أسماء بنيه عند "هبل" في جوف الكعبة، فيخرج القداح على "عبدالله" أصغر بنيه وأحبهم إليه.. ولما سار به لينحره حيث كانت تنحر العرب عند بئر زمزم قامت قريش تهيب به ألا يفعل، ولم يرده عن نذره سوى حكم عرافة يثرب أشارت عليه بأن يضرب القداح بين ولده وعشرة من الإبل، يزيدها حتى ترضى الآلهة.. وتخرج القداح على مائة من الإبل، وينجو عبدالله ليؤهله القدر بأن يأتي من أصلابه أشرف الخلق أجمعين.

نواحي العظمة

وفي كتابه "الصديق أبو بكر" يرى الدكتور هيكل أن الحكمة في اختيار النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر رضي الله عنه خليفة له هي أنه كان أكثر الصحابة اتصالا به "قبل وبعد المبعث، وأنه أكثرهم تتبعا لتعاليمه، وهو بعد ذلك رجل رقيق الخلق، رضي النفس، وإليه ينسب عشرات الآلاف بل مئاتها من المسلمين المنتشرين في أنحاء الأرض.

وهو إلى جانب كل ذلك هو الذي أقر الإسلام حين حاول المرتدون من العرب أن يقضوا عليه.

ولهذا فحين يقدم الدكتور هيكل كتابا عن الصديق أبو بكر رضي الله عنه.. فإنه بذلك يكون قد مهد الطريق لكتابة تاريخ هذه الإمبراطورية.. ولهذا أيضا تناول سيرته من أولها، وصلته بالنبي "قبل الإسلام وبعده ووقوفه إلى جانب النبي صلى الله عليه وسلم في غزواته وتمهيده للفتح الإسلامي وإقامة الإمبراطورية الإسلامية الكبرى حين تم في عهده فتح العراق والشام، وكيف كان ينظم حكومته تنظيما دستوريا باهرا.. ثم مرضه واستخلاف عمر بن الخطاب من بعده!.

والدكتور هيكل حين يقدم لنا أبا بكر الخليفة والصديق يقرر أن هذا الخليفة أدرك بإلهامه أن الإسلام إمبراطوري في جوهره. فالدعوة إليه لم تنحصر في بلاد العرب، بل هي دعوة إلى الحق موجهة إلى الناس كافة في مشارق الأرض ومغاربها.

هذه المبادىء الى أدركها الصديق أبو بكر طوعت له أن يزيل ما واجه عهده من صعاب وأن يتغلب عليها، وهي التي أكدت للدكتور هيكل نواحي العظمة في هذه الشخصية الخالدة.

الفقه والنزاهة

ويقدم الدكتور هيكل الفاروق عمر رضي الله عنه قائلا: "ليس في التاريخ الإسلامي بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل تردده الألسنة، مثلما تردد اسم عمر بن الخطاب".

والحق أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان له من السمات والصفات ما يجعله أهلا لهذا المركز الجليل الذي اختاره له الناس فإذا ذكر الناس الزهد في الدنيا مع القدرة على النيل من أنعمها ذكروا زهد عمر، وإذا ذكروا العدل المطلق غير مشوب بشائبة ذكروا عدل عمر، وإذا ذكروا النزاهة التي لا يفرق صاحبها بين أقرب الناس وأبعدهم.. ذكروا نزاهة عمر، وإذا ذكروا العلم والفقه في الدين ذكروا فقه عمر وعلمه ودينه.

ويضرب الدكتور هيكل مثلا فيقول: "فإذا صح أن يشيد الناس بعظمة يوليوس قيصر، والإسكندر الأكبر، وجنكيز خان وبابليون لأنهم أقاموا من الإمبراطوريات ما أقاموا.. فأحرى بهم أن يكونوا أكثر إشادة بعظمة "عمر بن الخطاب وأكبر قدر لآثارها الخالدة!.

فلم تنقض من خلافة عمر سنتان ومن يومئذ حالف النصر أعلام المسلمين وبيارقها حيثما ساروا ففتحوا المدائن وفتحوا بيت المقدس، ثم تخطوا العراق إلى فارس، وتخطوا الشام إلى مصر، كما استقر لهم الأمر فيها، وكذلك شاد عمر رضي الله عنه الإمبراطورية الإسلامية في عشر سنوات لتستقر في العالم وتوجه حضارتها.. الأجيال والقرون.

وهذه العظمة التي تحلى بها عمر بن الخطاب بدت بوادرها في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وفي عهد أبي بكر لما له رضي الله عنه من جلائل الأعمال. ولكن تنتهي حياة هذا الخليفة العظيم بالاغتيال، والذهول يأخذ برقاب المسلمين في كل مكان!!.

وعندما يؤرخ الدكتور هيكل لثالث الخلفاء الراشدين عثمان بن عفان يتناول ملابسات اختيار هذا الخليفة الورع للقيام بأعباء الحكم، والمسلمون لم يفيقوا بعد من الذهول الذي أصابهم لمصرع أمير المؤمنين عمر بن الخطاب.

والدكتور هيكل لم يقتصر هنا على إثبات ما حدث من اجتماع السنة الذين حصر عمر فيهم الخلافة من بعده، بل إنه أشار إلى منشىء فكرة الشورى عند عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وكيف أنه تردد بين أن يترك أمر تعيين الخليفة للصحابة يتشاورون فيه اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم، وبين أن يعين خليفته اقتداء بأبي بكر حين أجمع رأي الصحابة عليه. ولقد كان التطور الذي شهدته الدولة الإسلامية منذ عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ومنذ عهد أبي بكر، يقتضي ألا يترك الأمر رسلا.. فانتهى عمر رضي الله عنه إلى نظام الشورى كنواة لنظام تشريعي مرن لاختيار الخليفة، بحيث يتطور هذا النظام بتطور ظروف الدولة وأوضاعها السياسية.

ونطوف مع الدكتور هيكل في رحلة مكانها "منزل الوحي" حيث يستهل حديثه عنها بهذه الآية الكريمة: سورة لقمان آية 34وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت. وكيف أنه أعلن عن عزمه عن الرحلة إلى الحجاز حاجا حتى ودعوه مسافرا.. فيحدثنا عن البلد الحرام، ثم يحدثنا عن الكعبة، ومقام إبراهيم عليه السلام، ومن بعدها آثار مكة.. ومنها دار الأرقم، ودار أبي سفيان وغيرها من الآثار، ويزور غار حراء، وينتقل إلى الطائف التي تعتبر من أقدم المدن العربية، وننتقل معه إلى أسواق العرب حتى يأتي يوم طواف الوداع.

ثم يحدثنا عن المسجد النبوي الشريف، والآثار المقدسة، الموجودة بالمدينة المنورة، ويقف أمام الحجرة النبوية الشريفة فيقرىء صاحبها عليه أفضل الصلاة والسلام بتحية الإسلام، ثم يسلم على الصديق أبو بكر وعمر بن الخطاب المدفونين في حجرة مجاورة لحجرة النبي صلى الله عليه وسلم.

هذا الكتاب يظهر لنا مقدرة الدكتور هيكل الصحفية من ملاحظة إلى تسجيل إلى تناول، إلى عمل أدبي عظيم يبقى.

ويبقى الحديث عن كتاب "الإمبراطورية الإسلامية والأماكن المقدسة"، حيث أراد الدكتور هيكل أن يؤرخ تأريخا صحيحا لبداية قيام هذه الدولة مع قيام الدولة الأموية. ويظهر هذا بصورته المشرقة باعتباره ثمرة من غرس النبي صلى الله عليه وسلم، ويكون مادة طيبة لحضارة جديدة أساسها أن معرفة الماضي وسيلة لتطوير الحاضر، وتحسين المستقبل على النحو المشرق، الذي يرجى للأقطار العربية.

ويسجل الدكتور هيكل لهذه الإمبراطورية وقيامها من خلال موضوعين أساسيين: أولهما نظام الحكم في الإسلام، وثانيهما الأماكن المقدسة في الشرق.

 

سامح كري

 
  




د. محمد حسين هيكل





غلاف كتاب - الفاروق عمر





غلاف كتاب - في منزل الوحي