المساجد.. شواهد إسلامية في أمريكا

المساجد.. شواهد إسلامية في أمريكا

ربما لا يمكن إحصاء المسلمين في أمريكا بالدقة الكافية، كما أن انتشار المساجد في أرجاء الولايات المختلفة يمثل مؤشرا على ارتفاع الصوت المسلم، وهنا مقال عن المساجد في الولايات المتحدة وتعليق على دور الدين في المجتمع هناك.

يورد العديد من مؤرخي الأديان في الولايات المتحدة شواهد كثيرة على انتقال المسلمين إلى أمريكا الشمالية حتى قبل وصول كريستوفر كولمبس إلى (العالم الجديد). ويرى بعض المؤرخين أنه كان هناك بعض المسلمين بين البحارة الذين صحبوا كولمبس في رحلته إلى أمريكا. وعلى حين أن هذه التأكيدات ربما لم تكن نهائية بعد، فلاشك في أن العديد من العبيد الأفارقة الذين جلبوا إلى الولايات المتحدة خلال الفترة ما بين القرنين السابع عشر والتاسع عشر - إن لم يكن أغلبهم - كانوا من مسلمي غرب إفريقيا. وكان بعض هؤلاء العبيد متعلمين وأتقياء، ملمّين باللغة العربية لأغراض دينية، برغم أنهم لم يكونوا يستخدمونها في أحاديثهم.

وقد أجبرت أغلبية هؤلاء العبيد، نتيجة للأوضاع المناوئة المرتبطة بالعبودية، على تغيير عقيدتها، وإن ظلت أقلية منهم مخلصة لإيمانها برغم العناء.

وفي تسعينيات القرن التاسع عشر، هاجرت مجموعات صغيرة من السوريين من أراضي الإمبراطورية العثمانية إلى الولايات المتحدة، وهو ما فعله بعض اليمنيين في بدايات القرن العشرين، واليوم بإمكاننا أن نجد أبناء الجاليات السورية، واللبنانية، واليمنية في (دير بورن) و(ميتشجان)، و (سيدار رابدز) و(إيوا) و (كوينسي) و(ماساشوستس) وأجزاء من كاليفورنيا. كذلك وصل بعض المسلمين من الهند، في بدايات القرن العشرين، إلى كاليفورنيا عبر كندا، وبحلول العام 1941 كانوا قد شيّدوا مسجداً في (ساكرامنتو)، وقد أضاف وصول بعض الألبان وجماعات أخرى من البلقان المزيد إلى تنوع المسلمين في الولايات المتحدة في بدايات القرن العشرين.

وخلال عشرينيات وثلاثينيات القرن العشرين، بدأ العديد من الأمريكيين الأفارقة في التحوّل إلى الإسلام، أو إلى فرق وثيقة الصلة بالإسلام، وبحلول السبعينيات والثمانينيات، أصبح عدد كبير منهم مسلمين. ولقد دفعت التغييرات في قوانين الهجرة، التي أدخلت في العام 1965، المسلمين في شبه القارة الهندية إلى الهجرة بأعداد كبيرة إلى أمريكا.

كذلك ساهمت الأوضاع الاقتصادية، والنزاعات الداخلية والخارجية التي انخرطت فيها بلدان الشرق الأوسط، في زيادة حركة هجرة المسلمين إلى أمريكا في العقود الأخيرة من القرن العشرين، على أن فصل الدين والكنيسة (عن الدولة) في النظام السياسي الأمريكي يحول دون إجراء تقدير دقيق لعدد المسلمين في الولايات المتحدة، بالنظر إلى أن الإحصاء القومي للسكان لا يحصي ديانة الأفراد، وفي غياب أرقام إحصائية سكانية، يقدّر العلماء الاجتماعيون والمنظمات الإسلامية عدد المسلمين في الولايات المتحدة بما يتراوح بين ستة وثمانية ملايين أغلبيتهم من المنحدرين من أصل أمريكي إفريقي، ثم يأتي بعدهم المسلمون من الهند وباكستان وبنجلادش بنسبة تصل إلى 30%، يليهم مسلمو الشرق الأوسط، وأخيراً تتشكـّل النسبة الباقية من مسلمين من أجزاء أخرى من العالم. وربما يشبه التنوّع الإثني، والقومي، والأقاليمي للمسلمين الأمريكيين إلى حد بعيد التنوع الملاحظ في الحجيج القادم إلى مكة كل عام.

المساجد الأولى

كان المسجد الأول في تاريخ الإسلام، وكما يعرف كل مسلم، هو بيت الرسول صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة، وقد مثّل هذا المبنى سياجاً مستطيل الشكل يحتوي على عدد من الغرف للنبي (صلى الله عليه وسلم) وزوجاته ومنطقة مظللة في الجانب الجنوبي من الفناء يمكن استخدامها للصلاة. ولقد أصبح هذا المبنى هو النموذج لكل المساجد التالية، والتي اشتملت على الفناء الرئيسي نفسه مع منطقة للصلاة في اتجاه حائط القبلة.

وكانت الأسقف تدعم بأعمدة خشبية، وتحوّلت المقومات المتعددة التي أدخلت في أوقات لاحقة إلى مقومات قياسية في المساجد بصفة عامة، أول هذه المقومات: المنبر، الذي استخدمه النبي (صلى الله عليه وسلم) لإلقاء الخطبة، وثانيها (قبلة) الصلاة والتي تسمى (المحراب) وتقع داخل حائط القبلة، أما المئذنة، برجية الشكل، والتي تعد أبرز مقومات المسجد في العديد من المجتمعات الإسلامية، فقد أصبحت تنطوي على أهمية أقل من الوجهة الدينية، وذلك لأن الغرض الأساسي لاستخدامها، والمتمثل في مناداة المؤمنين للصلاة، قد أصبح زائداً على الحاجة مع ظهور مكبّرات الصوت الإلكترونية، ومثل المئذنة، فإن المسجد ذا القبة يعد ابتكاراً لاحقاً أيضاً، وعلى ذلك فإن المقوم الأساسي للمسجد كان يتمثل في (حائط قبلة) وجهته صوب مكة.

يقع الكمّ الأكبر من المساجد في الولايات المتحدة، وخلافاً للمجتمعات الإسلامية العريقة، داخل مبان شيّدت أصلاً لأغراض أخرى. وهكذا نجد لدينا كنائس مهجورة، ومبان لمحافل ماسونية، ومراكز إطفاء، ودور مناسبات، ومسارح، ومستودعات، قد تحوّلت إلى مساجد، وتوضح دراسة مسحية أجريت في الفترة مـا بيـن العامين 1997 و 1999 أن ما يزيد قليلاً على مائة مسجد، من إجمالي عدد المساجد في أمريكا البالغ 200 مسجد، هي التي شيّدت أساساً لهذا الغرض، فقد منع فقر المسلمين من أهالي البلاد ومن المهاجرين، في بدايات القرن الماضي، المؤمنين من بناء مساجد مصمّمة على أيدي معماريين، ثم ظهر عدد من المباني المصممة بصورة بدائية كمساجد في (هايلاند بارك) بولاية ميتشجان (1919)، وميتشجان سيتي، بولاية إنديانا (1924)، و (سيدار رابدز) بولاية إيوا (1925)، و (روس) بولاية نورث داكوتا (1926)، و (كوينسي) بماساشوستس (1930)، و (ساكرامنتو) بكاليفورنيا (1941). وقد قام العديد من هذه المساجد بدور (المركز الثقافي) بالنسبة للجماعة العرقية/القومية التي بنته، ومن أمثلة ذلك (المركز الثقافي الألباني، وجمعية اللواء السورية، واتحاد المسلمين الهنود..)، وغيرها.

ويحتوي العديد من هذه المباني على قاعة للصلاة، إلا أنها تستخدم أيضاً كنواد وطنية ملحق بها قاعة اجتماعية لحفلات الزفاف، وأعياد الميلاد والمناسبات الاجتماعية المختلفة.

وعلى الرغم من أن للمساجد تاريخاً يمتد عبر أربعة عشر قرناً من التطور الأسلوبي (المعماري)، فلاشك في أنها مثلت نمطاً معمارياً غير مألوف في الولايات المتحدة، والواقع أن السمات (الثيمية) والبصرية لعمارة المسجد في أمريكا لابد أن تواجه ببيئة غريبة، بيئة لها قاموسها التاريخي والبصري الخاص والممتد الجذور، وعلى ذلك فإن استجابة الخواص المعمارية للمسجد الأمريكي لمحيطها البيئي إنما تتسم بطابع المخالفة الناجمة عن نماذج دينية وثقافية مغايرة. ففي حين يتعين أن يتوافق المبنى مع محدداته الشكلية الداخلية الخاصة، فإنه لا يمكنه تجاهل محيطه المحلي، وعلى الرغم من أن الخواص الأسلوبية لمعمار المساجد المبنية منذ الخمسينيات في أمريكا تتفاوت كثيراً، فإن بالإمكان تحديد ثلاث (ثيمات) رئيسية هي الأكثر شيوعاً في المضامين الجمالية للمباني. وهذه الثيمات هي: التصميم التقليدي المنقول عن البلاد الإسلامية، ومن أمثلته (المركز الثقافي الإسلامي) بواشنطن، الذي صمّمه عبدالرحمن روسّي، وهو معماري تحوّل إلى الإسلام، وتم بناؤه عام 1957، وإعادة تفسير الأنماط التاريخية ومن أمثلة ذلك (المركز الإسلامي) بمانهاتن بنيويورك، والذي صمّمه مايكل ماكارثي وتم بناؤه عام 1991 بدعم مالي كويتي في أغلبه، وأخيراً التصميمات الابتكارية غير المسبوقة، ومن أمثلتها مسجد الجمعية الإسلامية لأمريكا الشمالية (ISNA) بمدينة بلينفيلد بولاية إنديانا، والذي صممه المعماريان سيّد جلزار حيدر ومحمد مختار خليل، وتم بناؤه عام 1981. كذلك يُعد مبنى المركز الإسلامي بمدينة ألبوكويرك بولاية نيومكسيكو، والذي صمّمه بارت برنس وتم بناؤه عام 1986، مثالاً جيداً على التصميم المعماري الابتكاري الطابع.

وعلى المستوى الوظيفي، هناك مجموعة من الخواص المتميزة، فأغلب المباني لا تُستخدم، على سبيل المثال، لأداء شعائر الصلاة فقط، بل تستخدم أيضاً كأماكن للتجمعات العامة، لذلك يسمى العديد منها بالمراكز الإسلامية، ومن المنطقي أن يحتوي التنظيم البرامجي على مثل تلك المرافق لكي يتاح توفير مجموعة متنوعة من الاستخدامات: مدرسة إسلامية في عطلة نهاية الأسبوع، مكتبة للاطلاع، مركز مؤتمرات، مكتبة بيع، مطبخ وقاعة للأغراض الاجتماعية، مرافق ترفيه، شقق سكنية، بل أيضاً - في بعض الأحيان - دار مناسبات (للعزاء).

ونظراً لأن الأسرة المسلمة الأمريكية هي من نمط أسرة (النواة) عادة، فإن الأسرة كلها يمكن أن تذهب إلى الصلاة مما يستلزم وجود مكان منفصل للنساء، في مستوى (الميزانين). وعلى الرغم من أن النساء لم يمنعن أبداً من دخول مسجد، فإن نقص الأماكن المستقلة الكافية منع أغلب النساء من الذهاب إلى المساجد في المجتمعات الإسلامية. على أن المزيد والمزيد من النساء، في المجتمع المسلم الأمريكي، يتخـذن مكانهن الملائم في المسجد إلى جانب إخوتهن، وأبنائهن، وأزواجهن.

 

عمر خالدي

 
 




فنون العمارة الاسلامية تتجلى في طريقة بناء المساجد في الولايات المتحدة





فنون العمارة الاسلامية تتجلى في طريقة بناء المساجد في الولايات المتحدة





فنون العمارة الاسلامية تتجلى في طريقة بناء المساجد في الولايات المتحدة





فنون العمارة الاسلامية تتجلى في طريقة بناء المساجد في الولايات المتحدة





فنون العمارة الاسلامية تتجلى في طريقة بناء المساجد في الولايات المتحدة





باحث أمريكي من أصل باكستاني ومتخصص في العمارة الإسلامية





باحث أمريكي من أصل باكستاني ومتخصص في العمارة الإسلامية





ارتياد المساجد بات ظاهرة مألوفة بين المسلمين في أمريكا