قراءة نقدية في ديوان "إضاءات الشيب الأسود"

قراءة نقدية في ديوان "إضاءات الشيب الأسود"

للشاعر الكويتي: يعقوب السبيعي

"إضاءات الشيب الأسود" هو عنوان الديوان الرابع للشاعر الكويتي المعروف يعقوب السبيعي. وهذه الإضاءات الصادمة المستحيلة ليست عنوان إحدى قصائد الديوان، وإنما هي إجمال للرؤية المنبثة في عدد من قصائده، هي أطيب مافيه. وهنا نذكر أن هذا الديوان هو أول مانشر السبيعي من شعر مجموع فيما بعد أحداث الثاني من أغسطس، وقد استولت تلك الأحداث، ومايقاربها، على تسع قصائد هي ثلث مافي الديوان، وإذا كان ذلك الثلث ينتمي إلى مفهوم "ديوان العرب" فإن النصيب الأكبر، والأجود، يزكي مفهوم "النفس العربية"، وهي تبدأ من "نفس الشاعر" الفردية تحديدا، وتنداح امتدادا وعمقا لتستوعب الوجدان العربي العام، والسليقة العربية في صناعة الشعر وبناء القصيدة.

إن الجانب الذاتي واضح بقوة في تلك القصائد التي شغلت "الأنثى" فيها أفكار الشاعر، ووجهت عواطفه، وأحيانا لعبت بها، كما ألهمته صورا نادرة ومعاني دقيقة، هي أحلى ما يتبقى في الذاكرة من شعره. ولعل هذه الاستجابة الذاتية المباشرة تكون مسئولة عن اختلاج الموقف وتماهي الرؤى، ولكننا ننصف الشاعر بما يستحق التنبه إليه، فهذا الاختلاج، وذلك التماهي لم يحدثا في القصيدة الواحدة، وإنما تحقق في النظرة الكلية إلى قصائد الديوان، وإذا كنا لانقول إن الشاعر ينبغي عليه أن يلتزم في جملة شعره بمواقف ثابتة، ومفاهيم لايتجاوزها، لأن في هذا حجرا على حرية إحساسه، وقسرا لنوازعه وهي الشرارة التي تتوالد منها الصور وتتمايز الألوان، فإننا نرى أن قصائد الزمن الواحد، أو المرحلة سيكون من دلائل صدقها أن تصدر عن مكنون ثابت له قوة العنصر الحي وقدرته على العمل.

مفهوم للحب

نتوقف ـ اجتزاءً ـ عند مفهوم الحب ومستوى النظر إلى الأنثى، وهو ـ دون مبالغة ـ الانفعال المسيطر على قصائد الديوان إجمالاً، سنجده ينتقل بين طبقات منه متباعدة، ومستويات تبدو متعاندة. ففي قصيدة "قوة الضعف" يقول:

سائلو هذا الذي يرفعني لأعاليه متى نهوى سويا

وقد يلومه النقد القديم على توجيه الخطاب في "سائلو" إذ جعل من مخاطبه رسول غرام، إن لم يكن في موقع أدنى لايرتضيه ذو كرامة، غير أن التعبير بالهوى معا، وما أعقب هذا من ورد وريش وندى يحدد مكان الهوى ويصبغه بألوان شهوانية، لايجدي فيها أن يقول "فالهوى نور سماوي" لأنه لم يجد في هذا النور مايغنيه عن هوى ينتهب فيه التفاح الشهي!!

وفي قصيدة "كنا وأمسينا" يقول:

لقد كنا مثال الحب دهرا وليس يهمنا الحب المثالي

ومع مافي هذا اللعب اللغوي الجميل من طرافة اكتشاف التباين فيما يبدو متشابها، فإننا لانصل حد الصدمة في تلقي المعاني، لأن "مثال الحب" يتسع لمستويات بعضها يتداخل في مفهوم الحب المثالي، أو يقاربه، أو لايناقضه، ومهما تكن إيحاءات المخالفة فإنها لن تصل إلى علاقة التضاد الحادة في: يرفعني.. نهوى.. سويا.

على أن الشاعر يجنح إلى الشاطىء الآخر: العذري الصوفي في مبالغة رومانسية تبدو بالنسبة إليه "صبيانية" حين يقول في "الأرج":

كيف نرضى تلك الأماني اللواتي لم تزل في لقائنا تتبرج

تتمنى لنا اقتراناً، ولكن ما عهدنا ملائكا تتزوج

بين هذين الشاطئين يمخر الشاعر تيار الحب العربي، الحب تراثا عربيا يدور في نطاق المقدور، يرتقي بالشعور، ويتوقد به الذهن، إنه دعامة إرادة الحياة، وقوة منازلة العوائق. يخاطب حبيبته في "امتزاج" قائلا:

إن قلبا أنت فيه ليس عنه الله ينأى

وفي "طائر العينين" يقول:

إني إذا طلب الهوى روحي فدى أعطيت لابخلا ولا إسرافا

وليس القصد أنه يعطي باعتدال "بين البخل والإسراف" وإنما أنه يعطي بفطرته، بسليقة النفس العاشقة التي ترى في الحب طبيعة وجبلة تنتظم جميع الموجودات، حتى الكواكب في المجرات! هذا هو جوهر نظرية العشق عند العرب كما يتمثلها تراث خمسة عشر قرنا، يستعيده يعقوب السبيعي في هذه القصائد العاشقة، وهذه الخاصية الروحية المتلبسة بإيجابية العمل وتجميل رغبات البدن هي التي تصل هذا الشاعر بوجدان أمته، فإذا قال:

إن دهرا قد خصه الله من بغرام أضحى الزمان المتوج

فإنه يصدر عن رؤية خاصة، امتاز بها الشعر العربي عن كل أشعار الحب التي عرفها الناس. وهذا الانتساب يعطي مجالا واسعا لدراسة محور التناص الكاشف عن كيمياء التفاعل، وجيولوجيا الصياغة المركبة من طبقات من التلوين والمزج، وإن أوفى مايستجيب في هذا النطاق حفاوة الشاعر بمطالع القصائد، بحيث
تبين عن صميم التجربة دون أن تكشف سره أو تشرحه بما يفسد متعة التلقي المتدرج في الاكتشاف، كأن يقول في مطلع "أنشودة عائد".

اسقني من مراشف النور شربهْ يانديمي فبيننا خير صحبهْ

وأدرها على الأخلاّء حتى نرتقي صهوة الشموس بوثبهْ

فأول مايطلب هذا العائد من الأسر أن يرى النور، وهو يعبر عن هذا الشوق بطلب الشرب لأنه كم عانى العطش، وكم عانى العزلة والخوف، وافتقاد النصير، والتمرد على الحصار والانحصار، ولهذا يفضلها بين الندامى والأخلاّء، ويتجاوز بالخيال ثقل الأرض إلى روعة الفضاء، كل هذا من طبيعة الأسير العائد، على مستوى التخييل الشعري، وهو في ذات اللحظة من أغلى مقتنيات الشعر التراثي الذي يجرد فيه الشاعر من ذاته شخصا آخر يؤنس وحدته ويفتح أمامه أبواب البوح والشكوى. كما أن محور التناص قد يستدعي إلينا بيتا لهجت به مصادر النقد القديم، قاله قيس بن الحظيم "الجاهلي" معلنا أن الجميلة المشعة بالنور لايمكن إخفاؤها، فنور جمالها ينم عليها ويخترق الستائر الصفيقة:

قضى الله حين صورها الـ خالق ألا يكنها السدفُ

أما جميلة يعقوب السبيعي في قصيدة: "جمرة الاحتمال" فإنها تشع نورا، ويضوع المكان بها أريجا، ومهما بذلت محاولات الإخفاء للضن بها فإنها حاضرة باهرة:

نثرت على مقل الطريق غبارها لما ترصد عاشق أخبارها

ولوت مفاصل كل درب تنتهي منه لتحجب عن سواها دارها

وتفر من لغة النسيم وعطرها يأبى على كل القلوب فرارها

يندى التراب إذا تلحف خطوها ويصير غيما كي يظل مسارها

ولكي نقارب سر التركيب وجيولوجيا طبقات هذه الأبيات نستحضر تراثا قديما، وأعرافا حاضرة، فلا نزال نذكر ليلة الهجرة النبوية، وكيف ضلل المهاجر "صلى الله عليه وسلم" مراقبيه ووضع التراب على رءوسهم، ولايزال التراب إلى اليوم يقوم بدور الدرئية في عمل السحر وإخفاء الرواصد، ولانزال نذكر البيت المنسوب إلى قيس يصف اللمسة الساحرة لليلى:

تكاد يدي تندى إذا ما لمستها وينبت في أطرافها الورق الخضر

أما خطو صاحبة شاعرنا فإن الأرض تندى له، ويتحول إلى غيم، والغيم فرح أبناء الجزيرة طوال العصور وبشير الخير ورمز الحياة، والسبيعي لايكتفي بتخييل المشهد وإنما يدعمه بالمشاهد:

فالزهر والأغصان ـ شوقا ـ أخرجت قبل الأوان عطورها وثمارها

هناك مستويات أخرى من التناص، ووشائج بالتراث الشعري لاترقى إلى مايحقق إبداع الشاعر، فقد نسمع قوله:

ثار فينا الفداء للأرض حتى ترجف الشمس تحت خوف المغبة

وبصرف النظر عن الإسراف والمبالغة، نستدعي بيت بشار الذي هتك فيه حجاب الشمس وأمطرها الدم. فإذا قال السبيعي:

أشعل الوجد قامتي لك شوقا فأنا الآن طيب عود تأرج

استدعى بيت أبي تمام:

لولا اشتعال النار فيما جاورت ماكان يعرف طيب عرف العود

على أن شاعرنا انتقل بالمعنى والرمز من الكراهية إلى العشق وهي نقلة كبيرة، وذات دلالة فنية ونفسية سامية.

اكتشاف المعنى

ومن الطبيعي أن يستوقفنا عنوان الديوان، وكما نتذكر فإنه ليس عنوان إحدى القصائد، ومن الطبيعي أيضا أن يعمل عقل القارىء في سبيل اكتشاف معنى العنوان في القصائد أو بعضها، ولاغرابة في أن يضيء الأسود، فقد تحدى المتنبي شعراء زمانه منذ ألف عام حين جعل من كافور شمسا سوداء:

يكسف الشمس كلما ذرت الشـ مس بشمس منيرة سوداء.

ولكن الغريب في عنوان السبيعي أن يخالف الشيب عنده سنة الطبيعة فلا يكون أبيض، وستتولى قصيدة "الأربعون" تقديم مسوغات هذا التصور، فقد جعل من سن الأربعين حدا فاصلا بين مرحلتين من العمر، في المرحلة الأولى يعيش، وفي الأخرى يتمنى، في الأولى يجيب بواعز التجربة، وفي الأخرى يطرح الأسئلة بوازع الخوف!! من قبل يعقوب السبيعي استوقف عباس محمود العقاد سن الأربعين، فكان ديوانه الرابع "وحي الأربعين" "فهل هي مصادفة أن ديوان السبيعي الذي نقرؤه الآن هو الرابع أيضا?" على أن العقاد لم يعط إشارته إلى سن الأربعين غير أسطر من المقدمة، ثم اعتبر ديوانه في جملته علامة على تلك المرحلة الزمنية. أما في ديوان "إضاءات الشيب الأسود" فإن تسمية الديوان ذاتها تعطي المفتاح أو الشفرة لهذه العلامة الزمنية النفسية المعرفية، فهذه الإضاءات الراهنة ثمرة معاناة يستحيل بها الشعر الأسود الماثل إلى أبيض مضمر في هذا السواد ذاته. وقبل أن نتملى البناء الفني لهذه القصيدة المتميزة، ولأخرى تقاربها، لنتبع الملمح الأسلوبي في سائر قصائد الديوان، نشير إلى أن الشاعر يؤثر لغة التراسل ويحسن مد جسور المعنى بين الأضداد، لتتولد من هذا المزج الخاص صياغته المميزة، ويولد بين طرفي المعنى صورة مبتكرة قد يستثمرها وينميها، وقد يكتفي باللمحة الخاطفة، وكأنما أطلق شرارة يترك لك أن ترى على ضوئها ماتقدر على إدراكه، وتلك مسئوليتك، وهذا بعض مايرسل في سياقاته من عبارات التراسل:

ثقوب الصمت/28
بارقة الأشذاء/29
عناقيد الظلام/ 39
الوحشة العمياء/ 39
ترى بسمعك/ 70
قوة الضعف/ 89
غازلة الألوان/ 127
جبهة الروح/ 127

وبعض هذا يدخل فيما أطلق عليه الرمزيون "تراسل الحواس" وبعضه من نوع آخر نجد مثاله في شعر محمود حسن إسماعيل، وهو أدخل في الاستعارة البعيدة، الجديدة. وقد يمتد الشاعر بهذا النوع الأخير من الاستعارة ليتشكل مشهد استعاري متكامل من هذه المادة ذاتها، كأن يقول من قصيدة "النيل يصب في الكويت".

من يمنع الغضب الطاغي إذا نسجت أظفاره فوق أجساد الأذى كفنا

فقد جعل للأذى، وهو معنى مجرد ـ جسدا، وإذا كان هذا هو العدو الذي علينا أن نتصدى له فإن وصف الغضب بالطاغي لايكفي، وهكذا استنبت له الشاعر أظفارا، وزاد في تغريب المشهد فجعل هذه الأظفار لاتخمش كما هو متوقع وإنما تنسج، ولما كان السياق تهديدا ووعيدا، فإن هذا النسج غادر دائرة الستر والتجميل، إلى دائرة الفناء والعداء، إن أظفار الغضب تنسج تمزيقا يتجسد كفنا!

وفي "هينمة الأسير" يتدفق معجم الألفاظ/الصور في خطين: اللين والقسوة، وكأنما يستقطبان الأسلوب الذي يعامل به الأسرى عادة، فآسروهم يتقلبون بهم بين الملاينة والوعود، وبين الإرهاب والتعذيب، والهدف ـ في الحالين ـ واحد، ولهذا تشي مفردات اللين بما تلتقي فيه بمعنى مفردات القسوة فإذ نجد في المحور الأول:

يعتصر ـ عناقيد ـ تصب ـ خمور ـ كئوس
وجميعها من مادة المياه ومايقاربها، نجد في المحور الآخر:
حجرية ـ يفت ـ أتشطى ـ ذنب الضب.
ويتولى توجيه المعنى وانحياز الدلالة بقية الجملة: يعتصر الخوف ـ عناقيد الظلام ـ تصب الوحشة العمياء ـ خمور رخوية ـ كئوس حجرية.

وإذا كانت "المادة" سائلة وصلبة تصنع النسيج اللغوي الصوري في هينمة الأسير، فإن سطوة "الأشلاء" هي التي تصنع ذلك النسيج في قصيدة "الشهيدة س":

إن بعضي حين يرقى لك من بعضي نافر
آه ما أبقيت مني غير ناب وأظافر

على أن الخاصية الأسلوبية المسيطرة، التي يمكن اعتبارها علامة مميزة في شعر يعقوب السبيعي في هذا الديوان، هي توسعه في الاعتماد على الصيغ المتقابلة، في علاقة مفردات، في حدود ماعرفته البلاغة القديمة تحت مصطلح "الطباق" أو المطابقة، أو بين الجمل، وهو ماعرف تحت مصطلح التضاد أو المقابلة، وسنرى كيف أفاد الشاعر من هذه الخاصية البلاغية إفادة إيجابية جيدة، في تشكيل بعض قصائده التي قام هيكلها العام على نوع خاص من هذه الصيغ التقابلية، مفجرا من خلالها المعنى الدرامي، والتلوين الصوري على مساحة القصيدة.

إن علاقة المطابقة في صورتها ووظيفته البلاغية المحدودة ماثلة في قصيدة "تسليم" وهي من عشرين بيتا انضوى فيها تسع صيغ تقوم على علاقة المطابقة:

"فناء ـ بعث، مشرق ـ مغرب، كفك ـ كفك الأخرى ، حصى ـ اعصريني، ليلي ـ نهاري، رضى ـ أبى ابتعادي ـ الأقربا، مخصب ـ مجدب مجدب ـ مخصب" وهي نسبة عالية جدا، وتبدو أهميتها في أننا لانجد الشاعر شغوفا بتتبع أنواع البديع البلاغية، فليس لديه اهتمام بالجناس ـ مثلا ـ على أهميته في توليد المعجم وتأكيد الإيقاع، ولهذا يمكن القول إن ليعقوب السبيعي طريقته الخاصة في استدعاء المعاني والصور، وجدلها في "ضفيرة" هي في النهاية: القصيدة. في قصيدة "امتزاج" نجد ستة طباقات "عريان/ ردء ـ نهاري/الليالي ـ جوع/ظمأي ـ إسراعا/بطئا ـ كلي/جزءا ـ نهايات/بدءا" وفي قصيدة "الصمت" ثلاثة طباقات "عاريا/ثيابا ـ جيئة/ذهابا ـ أغلق/فتحها" وفي قصيدة "وبعد" ثلاثة أيضا "سقفي/قاعي ـ القفر/المراعي ـ ضاق/اتساعي" وفي مواقع أخرى قد يأخذ الطباق الشكل النحوي للصفة والموصوف، أو المضاف والمضاف إليه، كما في:

مثلوجة النيران
اتيان ذاهب
ياانسجام الصمت والضوضاء
يانهارا شق نصف الليل.

وهكذا يتبين لنا الحجم الواضح الذي تتمدد فيه ظاهرة المطابقة، وصيغ المقابلة التي يفتن الشاعر في تلوينها وتركيبها، حتى يمكن أن يقال إنها مفتاح قصائده، وجوهر البناء الفني للقصيدة عنده، وليس في هذا مايدعو للغرابة، فالبناء الشعري ـ في أجلى صوره وأقواها تماسكا ـ يقوم على تناقض قد يكون طرفاه الذات والموضوع، أو الأنا والآخر، أو درامية المعنى الانشطاري بين السلب والإيجاب.

وهنا نصل إلى قصيدة "الأربعون" وهي تنبثق من لحظة أو موقف تأملي متفجر، في اتجاه ما كان، في اتجاه ما سيكون، فالماضي والآتي بينهما مطابقة، واللحظة الفارقة هي زمن إنتاج القصيدة، وليست الزمن في القصيدة، وهذه اللحظة الفارقة الصانعة للمناقضة يشغلها بيت يقسم القصيدة إلى نصفين بالتمام، فهي من تسعة عشر بيتا، والبيت الذي نعنيه هو العاشر في الترتيب "فقبله تسعة أبيات، وبعده تسعة أبيات" وهو قوله:

وكان ارتقائي إليها حريقا فصار انحداري عنها رماد

فالشطر الأول ينتمي إلى ما كان، والشطر الثاني ينتمي إلى ماسيكون، ويتأكد الحضور المزدوج "المستحيل" في هذا البيت وكأنه يجسد زمن الديمومة الذي امتزج فيه الماقبل بالمابعد، كما تحدث عنه الفيلسوف الروحي الإيطالي بنديتو كروتشه.

وفي ختام هذه الوقفة نشير إلى قصيدة "كنا وأمسينا" وللعنوان دلالة زمنية، تقابلية، فكأنها .تفصيل، أو شارحة لقصيدة "الأربعون" وفيها ست طباقات، ويقوم بناؤها على هذا الانشطار الثنائى الذي أشرنا إليه من قبل، ورأينا أنه أصيل في صناعة بنية القصيدة العربية، كما أنه أصيل في أسلوب الشاعر.

 

محمد حسن عبدالله